مقارنة بين الوصايا في الفكر اليهودي والفكر الحِزْبي الإخواني
بسم الله الرحمن الرحيم
1) ابتدع اليهود تعيين عدد الوصايا الإلهية بعشر، وادعوا أنها التي كتب الله في الألواح لموسى عليه الصلاة والسلام، واتبعهم الفكر الموصوف زوراً بالإسلامي؛ مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:” لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع“ متفق عليه، فابتدع حسن البنا رحمه الله (الوصايا العشر) في صفحة أو بعض صفحة وشرحها أحد أتباعه في الكويت في مجلد كامل تعصباً لمتبوعه على الباطل.
2) وقال الله تعالى عما كتب لموسى في الألواح: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145]، وقال تعالى عن الإنجيل: {هُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة: 46]، وقال تعالى عن وحيه لهذه الأمة: {يعظكم به}، فوصاياه تعالى في التوراة والقرآن لا تحد بعشر ولا بأقل ولا بأكثر من ذلك، ولا نعلم أحداً ابتدع هذا العدد قبل اليهود، ولا اتبعهم أحد من المنتمين إلى الإسلام قبل حسن البنا تجاوز الله عنه وعمن تعصب له.
3) وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وصف آيات سورة الأنعام التي بدأها الله تعالى بقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ…} [الأنعام: 151] بأنها (وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما بأنها: (آيات محكمات هن أم الكتاب). وأخطأ مهذبو تفسير ابن كثير (نشر دار السلام) باتباعهم خطأ البنا فأحدثوا العنوان: (الوصايا العشرة) وزادوا تاء التأنيث بسبب عجمتهم.
4) وما الموعظة إلا وصية؛ فكل كتب الله موعظة وكلها وصية لعباده، وقد قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] قال ابن كثير في تفسيرها: (الدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له)، وقال المحلي في تفسير الجلالين: (هو التوحيد). وقال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]. ولكن أصحاب الوصايا المبتدعة من اليهود ومن تبع خطاهم من المسلمين الحزبيين خالفوا أمر الله فلم يقيموا الدين بل تفرقوا فيه {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53].
5) وإذا كانت آيات سورة الأنعام تضمنت عدداً من المحرمات يمكن عدها عشراً أو أكثر فقد تضمنت آيات سورة الإسراء التي بدأها الله تعالى بقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ…} [الإسراء: 23] أكثر هذه المحرمات وزادت عليها: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}، وفي سورة الأعراف ذكر الله تعالى من المحرمات (أو الوصايا) عدداً أقل (وأشمل): {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] ولكن سبقتها وتلتها وصايا بعدد آيات القرآن.
6) وخالف اليهود ومن اقتفى أثرهم من الحزبيين المسلمين أمر الله تعالى فقفوا ما ليس لهم به علم من كتاب الله ولا سنة رسوله ومن وصاياهم التي عينوها عشراً في العدد وخالفوا بها وصايا الله في كل كتبه، ولكن اليهود كانوا أقرب إلى شرع الله فأثبتوا في وصاياهم (وقد تكون الصياغة محرفة):
1) (لا يكن لك آلهة اخرى).
2) (لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ).
3) (لا تنطق باسم الرب الهك باطلا).
4) (اكرم اباك وامك).
5) (لا تقتل).
6) (لا تزن).
7) (لا تسرق).
(لا تشهد شهادة زور)، وكلمة (على قريبك) محرفة غالباً من (لقريبك).
9) (لا تشته بيت قريبك ولا امرأته ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره).
وإنما خالف اليهود في أمر السبت ودعوى استراحة الله فيه، تعالى الله. (سفر الخروج: 20/3-17).
7) أما وصايا حسن البنا تجاوز الله عنه فهي مخالفة لوصايا الله في كل ما سبق ذكره من آيات سورة الأنعام والأعراف والإسراء:
وأسوأ ما في فكره الذي يتعصب له أتباعه: إصراره على حذف ما يتعلق بإفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه، في وصاياه وموبقاته، وواجباته العملية (3 التي يلزم بها أتباعه حسب بيعتهم المبتدعة له. وإليك وصاياه العشر:
1) (قم للصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف) وإجابة النداء غير إقامة الصلاة.
2) (أُتْلُ القرآن وطالع أو استمع أو اذكر الله، ولا تصرف جزءا من وقتك في غير فائدة).
3) (اجتهد أن تتكلّم العربية الفصحى فإنّ ذلك من تعاليم الإسلام).
4) (لا تكثر الجدل فإنّ المراء لا يأتي بخير).
5) (لا تكثر من الضحك فإنّ القلب الموصول بالله ساكن وقور).
6) (لا تمزح فإنّ الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد).
7) (لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامع فإنه رعونة وإيذاء).
(تجنّب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلّم إلا بخير).
9) (تعرّف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يطلب إليك ذلك).
10) (الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك على الانتفاع بوقته).
لم تأمر بالتوحيد، ولم تنه عن الشرك مع أنها ولدت وعاشت بين مقاماته ومزاراته، ومع أن هذه الوصايا الحزبية وافقت الوصايا اليهودية في العدد المبتدع فلم ترق إلى مستواها الموافق أو المقارب للشريعة في أكثرها، يا حسرة على أهلها.
ولتوكيد ضلال الفكر الموصوف زوراً بالإسلامي، قارن بين الموبقات من الوحي وبين موبقات حسن البنا تجاوز الله عنا وعنه: فهي في الوحي سبع: ” الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“ متفق عليه. وهي في فكر حسن البنا عشر: (الاستعمار، الخلافات السياسية والشخصية والمذهبية، الربا، الشركات الأجنبية، التقليد الغربي، القوانين الوضعية، الإلحاد والفوضى الفكرية، الشهوات والإباحية، فساد الخلق وإهمال الفضائل النفسية، ضعف القيادة وفقدان المناهج العلمية)، فلم توافق الوحي إلا في واحدة: (الربا) وخالفته في سائر الموبقات وأولها وأعظمها: (الشرك بالله).
9) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع المسلمين على ألا يشركوا بالله شيئاً كما أمره ربه عز وجل فبايع حسن البنا (عفا الله عنا وعنه) أتباعه على (3 واجباً منها تخفيف شرب الشاي والقهوة والمشروبات المنبهة وليس من بينها: ألا يشركوا بالله شيئاً مع أنه ولد وعاش ومات بين أوثان الأضرحة والقبور.
10) وأضاف (10) واجبات ليس بينها: إفراد الله بالعبادة: (حمل شارتنا، وحفظ عقيدتنا، وقراءة وظيفتنا، وحضور جلستنا، وإجابة دعوتنا، وسماع وصيتنا، وكتمان سريرتنا، وصيانة كرامتنا، ومحبة إخوتنا، ودوام صلتنا)، وليس للفكر الحزبي عقيدة واضحة نتيجة لهذا الخلط الإنشائي الذي كان أولى به الصحيفة المدرسية، ولكن حسن البنا رحمه الله ذكر أنه مارس التصوف: (كانت أيام دمنهور ومدرسة المعلمين أيام الاستغراق في عاطفة التصوف… نزلت دمنهور مشبعًا بالفكرة الحصافية. ودمنهور مقر ضريح الشيخ السيد حسنين الحصافي شيخ الطريقة الأول، وفيها نخبة صالحة من الأتباع الكبار للشيخ. فكان طبيعيًّا أن أندمج في هذا الوسط، وأن أستغرق في هذا الاتجاه) وذكر أنه مارس الزيارة القبورية: (وكنا في كثير من أيام الجمع نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء القريبين من دمنهور، فكنا نزور دسوق فنمشي على أقدامنا بعد صلاة الصبح مباشرة فنقطع المسافة في (3) ساعات وهي نحو (20) كيلو متر ونزور ونصلي الجمعة) مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا ط. الزهراء للإعلام العربي ص 32 وزيارة قبورية ص 34.
11) ولأن المنهاج السياسي (غير الشرعي) هو المسيطر على جماعة الإخوان المسلمين كان للجماعة وجهان أو عدة وجوه تظهر في كل حال بالوجه الملائم حتى اليوم: قارن بين دعوى الجماعة لعامة الناس بأنها ثورة على الحكام ومحاولتها الدائبة (منذ نشأت) إشعال الفتنة بين الراعي والرعية، وبين هذه (العريضة التي رفعها مجلس الشورى إلى جلالة الملك فؤاد: إلى سدة صاحب الجلالة الملكية حامي حمى الدين ونصير الإسلام والمسلمين مليك مصر المفدى. يتقدم أعضاء مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين المجتمعون بمدينة الإسماعيلية بتاريخ 22 صفر 1352 والممثلون لخمسة عشر فرعاً من فروع جمعية الإخوان المسلمين برفع أصدق آيات الولاء والإخلاص للعرش المفدى ولجلالة المليك وسمو ولي عهده المحبوب، ويلجئون إلى جلالتكم…) توقيع حسن البنا و(13) من قادة أتباعه، وفي هذه العريضة يدَّعون أن تزويج أبناء المسلمين من النصرانيات: (الأمر الذي حظره الإسلام وحرمه وتوعد فاعليه أشد الوعيد) خلافاً لقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، ص 203 – 204 مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا، ط. مطابع الزهراء للإعلام العربي – القاهرة.
12) وضاق الشيخ حسن البنا رحمه الله (وأتباعه) بمن: (يظن من الناس الظنون بالإخوان المسلمين ويتساءلون عن ماهية منهاجهم وكنه مقاصدهم ويتشككون في عقيدتهم ومسالكهم… إننا لا نرى مسوغًا للمتشكِّك في الإخوان المسلمين إلا أمرين لا ثالث لهما: إما أن هذا المتشكِّك لم يدرس الإسلام دراسة صحيحة تمكِّنه من تشرب روحه وإدراك مراميه ومقاصده فهو يرى في مقاصد الإخوان ما يخرج عن روح الإسلام، لأنه لم يعرف من هذا الروح إلا دائرة ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع. وإما أن يكون هذا المتشكك مريض القلب سيء الظن غير سليم القلب) ص 229. فتشبث برواية لم تثبت عن مدرس فرنسي في السربون قد يكون نصرانيًّا أو لا دينيًّا ولكنه بالتأكيد غير مسلمٍ، ولا صلة له بشريعة الإسلام رواية ولا دراية إذ روي أنه عرضت عليه عقيدة الإخوان المسلمين فقال عنها: (إن هذه الكلمات عميقة المبحث والمقصد، وهي لا شك مستمدة من نفس المنهج الذي رسمه محمد صلى الله عليه وسلم ونجح في تنفيذه، فأسس به أمة ودولة ودينًا، وقد زيد فيها بما يناسب روح العصر مع التقيد بروح الإسلام) ص 227 – 228 المصدر نفسه ونشرته مجلة الإخوان في مقال افتتاحي.
وفرح الشيخ وأتباعه بهذه الشهادة المجروحة، وردَّدُوا دعواها أن محمداً صلى الله عليه وسلم: (استطاع أن يكون ديناً وأمة ودولة، أي وربِّي إنه لحقٌّ) ولو كان الشاهد والمشهود له على هدى لعلموا أن ذلك خارج عن حدود استطاعة النبي وتكوينه، إنما هو لله وحده ورددوا شهادتهم لهم بأنهم: (زادوا في العقيدة ما يناسب روح العصر)، هداهم الله جميعًا.
13) ومن هذا البيان المبنيِّ على شهادة غير موثَّقة عن شاهد كافر (كما يشير البيان نفسه) يتبين أن كثيرًا من مظاهر الانحراف في الحزب الإخواني (أو كلها) وجدت على عهد المؤسس حسن البنا رحمه الله بل منذ أسس الحزب مثل:
– الاعتماد على الفكر لا على الردِّ إلى الله والرسول عند التنازع فضلاً عن الرد إلى مفكر أوربي غير مسلم.
– مقابلة الناصح المسلم باتِّهامه بالجهل أو بالنفاق (لا ثالث لهما).
– ابتداع اصطلاح (روح الإسلام) الخارج عن الوحي وعن الفقه فيه من أهله؛ فلا يمكن وزنه بميزان اليقين ولا يمكن رده إلى سبيل المؤمنين.
– التهور في وصف الأحكام الشرعية التي هي مبلغ علم عامة المسلمين بأنها: (دائرة ضيقة لا تُغني ولا تسمن من جوع) أو: (القشور) أو: (فقه الحيض والنفاس والغسل والوضوء) ونحو ذلك من الاستخفاف والاستهزاء.
– الاعتراف بل الفَخْر بدعوى أن الحزب الإخواني: (زاد في العقيدة بما يناسب روح العصر)، وشرع الله لا يجوز أن يزاد عليه ما يظن أنه يناسب روح العصر سواء في العقيدة أو ما دونها من أحكام شرع الله، فالله تعالى أعلم بما يصلح عباده وهو ما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم حتى قيام الساعة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
بل إن أي زيادة في الدين (بأي حجة) استدراك على الله ورسوله وادعاء عملي بنقص الدين أو نقص تبليغه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
– وبالغ الحِزْب في إقرار الخَطَل في العقيدة بالقسم عليه بكلمات الله: {إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53]، ردُّهم الله إلى دينه وشرعه ومنهاج نبيه في الدعوة إليه.
14) وفي بيان آخر أعلن حسن البنا تجاوز الله عنه فرحه بفكر حزبه وادَّعى كماله ونقص غيره: (وموقفنا من الدعوات المختلفة:… أن نَزِنَها بميزان دعوتنا فما وافقها فمرحبًا منه وما خالفها فنحن منه براء) رسائل حسن البنا ص 17 ط. المؤسسة الإسلامية.
(فدعوتكم أحقُّ أن يأتيها الناس ولا تأتي هي أحدًا، إذ هي جماع كل خيرٍ وما عداها لا يسلم من النقص)! مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا ص 308 ط. الزهراء للإعلام العربي.
15) وفي بيان آخر أعلن حسن البنَّا تجاوز الله عنه عزم حزبُه على الخروج المسلَّح على كلِّ من يرفض دعوته: (ما خطوتكم الثانية؟ سننتقل… من دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسؤولين، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة آزرناهم، وإن لجؤوا إلى المواربة… فنحن حربٌ على كل زعيمٍ أو رئيسِ حزبٍ أو هيئةٍ لا تعمل على نصرة الإسلام… سنعلنها خصومةً لا سِلْمَ فيها، ولا هوادةَ معها) ص 189، ردَّ الله الجميع إلى دينه ردًّا جميلاً.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن- بالطائف: في 1428/08/01هـ