مَنِ الأحقّ بفلسطين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أ – كتب الله فلسطين لبني إسرائيل بعد أن جعل فيهم أنبياء وملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين: {وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين*يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}.
وقال الله تعالى عنهم في حال طاعتهم: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوّة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين}.
ولما عصى خَلَفُهم أَمْر الله بدخولهم أرض فلسطين حرّمها الله عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض: {فلا تأس على القوم الفاسقين}. ثمّ تاب الله عليهم وأسكنهم الأرض المقدّسة، وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكان أسوأ ما ارتكبوه معصيةً لله ولرسله: دعاء غير الله معه من أنبيائه وأوليائه أو من يزعمون أنهم أنبياؤه وأولياؤه وقدّسوا ما بنوه من أوثان المقامات والمزارات والأضرحة بأسماء الأنبياء والصّالحين واتّخذوها مساجد، ولعلّ أبرزها ما سمّاه المسلمون تقليداً لليهود: الحرم الإبراهيمي الشريف وهو كنيسة بناها الصّليبيّون على ما يعتقده اليهود قبر ابراهيم وإسحق وزوجتيهما عليهم صلوات الله وسلامه وبركته أجمعين ولقد زرته عام 1385 وتقرّبت إلى الله تعالى باجتناب الصّلاة فيه لأنّه لم يؤسّس على التقوى بل على الشرك.
وفي الصحيحين: ” لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد“ قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها راوية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحذّر ما صنعوا). ولكن المسلمين لم يَحذَروا بل زادوا على ما فعله اليهود والنّصارى في الخليل من فلسطين فبنوا سبعة أوثان في كنيسة الصّليبيّين باسم ابراهيم وإسحق ويعقوب وزوجاتهم وباسم يوسف عليهم صلوات الله وسلامه وبركته، ولا تزال يضيق بها المصَلَّى ويتناوب اليهود والمسلمون دعاءها مع الله، وهو الشرك الأكبر الذي لا يغفر الله لفاعله ولو غفر للزّاني وشارب الخمر.
ب – وفتح الله فلسطين على الاسلام والمسلمين في عهد عمر رضي الله عنه يوم كان المسلمون خير أمّة أُخْرِجَت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فيدعونه وحده ولا يدعون غيره أبداً.
ودخل كثير من اليهود والنّصارى والمشركين الفلسطينيّين في دين الاسلام وبقي بعضهم على دينه ودفع الجزية، وصار المسلم منهم عربيّاً بلسانه (لا بأصله من العرب العاربة ولا العرب المستعربة).
ومنذ ولاية العبّاسيّين أطلّت فتنة البدعة برأسها المشئوم وأسوؤها الوثنية، ويُتَّهم هارون الرشيد تجاوز الله عنه ببناء أوّل وثن في العراق باسم عليّ رضي الله عنه وأرضاه، ولم يُذْكر من ولاة العبّاسيّين من أنكر هذه الموبقة قبل ولا بعد المتوكّل رحمه الله.
ونهج البويهيّون والفاطميّون والعثمانيّون هذا النّهج الضّالّ فامتلأت بلاد المنتمين إلى الاسلام والسّنّة ومساجدهم فضلاً عن بلاد المنتمين إلى الاسلام والبدعة بأوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد والأضرحة.
ولم يطهّر الله من هذا الحنث العظيم غير ما وَلَتْه دولة آل سعود من جزيرة العرب منذ عام1157هـ حتى يومنا هذا بفضل الله تعالى.
وانْتُدبت بريطانيا لإدارة فلسطين بعد سقوط دولة الخرافة العثمانية، وحاربها الفلسطينيّون من كلّ نِحْلَة، فقرّرت الأمم المتّحدة عام 1947 إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها بين العرب واليهود ووَضْع القدس تحت إدارة دوليّة تضمن الحرّيّة لكلّ أهل دين في أداء شعائر دينهم، وأَقَرَّ القرار(33) دولة ورفضته(3) دول وامتنعت(10) دول عن التّصويت، وقَبِلَ أكثر اليهود القرار ورفضه كلّ العرب، واشتعلت الحرب بينهم فَخَسِرَها العرب، وربح اليهود أكثر ممّا أعطاهم قرار التّقسيم، ووضع ملك الأردن الضّفّة الغربية تحت إدارة الأردن، ووضَعَتْ مصر قطاع غزّة تحت إدارتها حتّى قرّر قادة العرب ثمّ اتّفاقية أسلو وضعها تحت إدارة السّلطة الفلسطينيّة.
ج – والحقّ أنّ المنتمين لليهودية والاسلام من قاطني فلسطين ليسوا أهلاً للولاية على فلسطين كما لم يكن القاطنون في مكّة والمدينة أهلاً للولاية عليهما، وهم يَدْعُون أولياءهم تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم إليه.
قال الله تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}، وقال الله تعالى: {والذين اتّخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم إلاّ ليُقرّبونا إلى الله زلفى}.
د – أمّا وقد ابْتُلِيَ الفئتان ببعضهما؛ فليس لهم إلاّ أن يفعلوا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم وكانت أيديهم – تحت يد الله تعالى – هي العليا، فكانت الهدنة أوّلاً مرّة بعد مرّة وكان النّبيّ وأصحابه يتعاملون مع اليهود بالبيع والشراء ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في (30) صاعاً من شعير، متفق عليه، وكان يستقبلهم في بيته وربما أساءوا الأدب كما في حديث: السّام عليكم، فلا يزيد صلى الله عليه وسلّم عن قوله: “وعليكم”، وينهى عائشة رضي الله عنها عن العنف في الرّدّ عليهم، متفق عليه، فقد قال الله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وكان يعود مريضهم ويقبل هديتهم، وعندما تكرّر نقضهم للعهد بينه وبينهم أجلاهم إلى خيبر، ولما خانوا العهد قاتلهم وأخذ خيبر منهم، ولكنّه قبل اقتراحهم فزارعهم بنصف غلّة خيبر، متفق عليه. ومات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهم في خيبر، وأخرجهم عمر رضي الله عنه في عهده لما أغنى الله المسلمين عن مزارعتهم فخرجوا إلى تيماء وما وراءها من بلاد الشام، ولم يُخْرَجوا من تيماء ولا من اليمن ولا من أيّ بلد تولاّه المسلمون مالم يكن حَدَثٌ فعقوبته على من أحدثه لا على غيره، وأعظَم حَدَث – كما أشرت – دعاء المخلوق تقرّباً به إلى الخالق، والمنتمون لليهودية والنّصرانيّة والاسلام يجتمعون على مقارفته أو الرّضى به أو عدم إنكاره، والمنتمون للإسلام والسّنّة أكثرهم أوثاناً، ويزيدون بلعن الخالق ودينه، لا أعلم أحداً يشاركهم في ذلك؛ أقول هذا بعد قضاء(20) سنة في خدمة الدّعوة السّلفيّة ودعاتها في فلسطين وغيرها من بلاد الشام، ولم أسمع مرّة واحدة من يدّعي أنّ أحمد ياسين أو الرّنتيسي أو غيرهم من قادة فصائل المقاومة نهى عن الشرك الأكبر فما دونه من البدع ولا أمر بدعاء أو عبادة الله وحده قبل أن يصير الخميني أباً روحيّاً لحماس – كما يقول أبرز قادة حماس اليوم – ولا بعده، وكان المفتّش الإسرائيلي يقرأ قرار الشيخ ابن باز رحمه الله تعيين أحد الدّعاة في فلسطين فيقرّ صاحبه عليه، لأنّ اليهود لا يدعون إلى دينهم بل يرفضون انتماء غيرهم إليه، وبعد تسَلُّم المنتسبين إلى الاسلام والسّنّة مراكز التّفتيش صار الدّاعي إلى التّوحيد والسّنّة يتّهم بالعمالة لدولة أخرى، ويوضع اسمه على قائمة المشبوهين إلى أن يشاء الله، وهم لا يدعون إلى الاسلام.
هـ – وبعد: فهل نتّبع ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من وحي الله تعالى إليه وما كان عليه خلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم ونكسب رضا الله وحسن ثوابه أم نتّبع أهواء الجاهلين بشرع الله تعالى المخالفين له فَنَسْلَم من ملامة اللاّئمين الجاهلين ويستمرّ القتل والتّشريد والخوف والجوع، وأسوأ من ذلك كلّه شَغْل المسلمين بدعوى الجهاد الخيالي عن معرفة الفرق بين التّوحيد والشّرك وبين السّنّة والبدعة، وما دون ذلك من معاصي الشهوات؟
أعلم أن أكثر طلاب العلم (وخيرهم السّلفيّون) لن يجرؤوا على قول الحقّ ولو عرفوه فكيف بمن لا يميّز بين الحقّ والباطل، ولذلك تقرّبت إلى الله بالصّدع بما أمر الله به رسوله وأعظمه: الأمر بإفراد الله بالدّعاء والعبادة، وما دونه من الأمر باتّباع سنّة رسوله الله صلى الله عليه وسلّم في التّعامل بالشّرع والتّعاون على كلّ خير، وبالصّدع بالنهي عما نهى الله عنه من دعاء غيره معه تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم إليه وعما دون ذلك من الابتداع في الدّين،والله الموفق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.
في مكّة المباركة -1435/10/8هـ
المصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
أ – كتب الله فلسطين لبني إسرائيل بعد أن جعل فيهم أنبياء وملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين: {وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين*يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}.
وقال الله تعالى عنهم في حال طاعتهم: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوّة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين}.
ولما عصى خَلَفُهم أَمْر الله بدخولهم أرض فلسطين حرّمها الله عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض: {فلا تأس على القوم الفاسقين}. ثمّ تاب الله عليهم وأسكنهم الأرض المقدّسة، وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكان أسوأ ما ارتكبوه معصيةً لله ولرسله: دعاء غير الله معه من أنبيائه وأوليائه أو من يزعمون أنهم أنبياؤه وأولياؤه وقدّسوا ما بنوه من أوثان المقامات والمزارات والأضرحة بأسماء الأنبياء والصّالحين واتّخذوها مساجد، ولعلّ أبرزها ما سمّاه المسلمون تقليداً لليهود: الحرم الإبراهيمي الشريف وهو كنيسة بناها الصّليبيّون على ما يعتقده اليهود قبر ابراهيم وإسحق وزوجتيهما عليهم صلوات الله وسلامه وبركته أجمعين ولقد زرته عام 1385 وتقرّبت إلى الله تعالى باجتناب الصّلاة فيه لأنّه لم يؤسّس على التقوى بل على الشرك.
وفي الصحيحين: ” لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد“ قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها راوية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحذّر ما صنعوا). ولكن المسلمين لم يَحذَروا بل زادوا على ما فعله اليهود والنّصارى في الخليل من فلسطين فبنوا سبعة أوثان في كنيسة الصّليبيّين باسم ابراهيم وإسحق ويعقوب وزوجاتهم وباسم يوسف عليهم صلوات الله وسلامه وبركته، ولا تزال يضيق بها المصَلَّى ويتناوب اليهود والمسلمون دعاءها مع الله، وهو الشرك الأكبر الذي لا يغفر الله لفاعله ولو غفر للزّاني وشارب الخمر.
ب – وفتح الله فلسطين على الاسلام والمسلمين في عهد عمر رضي الله عنه يوم كان المسلمون خير أمّة أُخْرِجَت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فيدعونه وحده ولا يدعون غيره أبداً.
ودخل كثير من اليهود والنّصارى والمشركين الفلسطينيّين في دين الاسلام وبقي بعضهم على دينه ودفع الجزية، وصار المسلم منهم عربيّاً بلسانه (لا بأصله من العرب العاربة ولا العرب المستعربة).
ومنذ ولاية العبّاسيّين أطلّت فتنة البدعة برأسها المشئوم وأسوؤها الوثنية، ويُتَّهم هارون الرشيد تجاوز الله عنه ببناء أوّل وثن في العراق باسم عليّ رضي الله عنه وأرضاه، ولم يُذْكر من ولاة العبّاسيّين من أنكر هذه الموبقة قبل ولا بعد المتوكّل رحمه الله.
ونهج البويهيّون والفاطميّون والعثمانيّون هذا النّهج الضّالّ فامتلأت بلاد المنتمين إلى الاسلام والسّنّة ومساجدهم فضلاً عن بلاد المنتمين إلى الاسلام والبدعة بأوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد والأضرحة.
ولم يطهّر الله من هذا الحنث العظيم غير ما وَلَتْه دولة آل سعود من جزيرة العرب منذ عام1157هـ حتى يومنا هذا بفضل الله تعالى.
وانْتُدبت بريطانيا لإدارة فلسطين بعد سقوط دولة الخرافة العثمانية، وحاربها الفلسطينيّون من كلّ نِحْلَة، فقرّرت الأمم المتّحدة عام 1947 إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها بين العرب واليهود ووَضْع القدس تحت إدارة دوليّة تضمن الحرّيّة لكلّ أهل دين في أداء شعائر دينهم، وأَقَرَّ القرار(33) دولة ورفضته(3) دول وامتنعت(10) دول عن التّصويت، وقَبِلَ أكثر اليهود القرار ورفضه كلّ العرب، واشتعلت الحرب بينهم فَخَسِرَها العرب، وربح اليهود أكثر ممّا أعطاهم قرار التّقسيم، ووضع ملك الأردن الضّفّة الغربية تحت إدارة الأردن، ووضَعَتْ مصر قطاع غزّة تحت إدارتها حتّى قرّر قادة العرب ثمّ اتّفاقية أسلو وضعها تحت إدارة السّلطة الفلسطينيّة.
ج – والحقّ أنّ المنتمين لليهودية والاسلام من قاطني فلسطين ليسوا أهلاً للولاية على فلسطين كما لم يكن القاطنون في مكّة والمدينة أهلاً للولاية عليهما، وهم يَدْعُون أولياءهم تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم إليه.
قال الله تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}، وقال الله تعالى: {والذين اتّخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم إلاّ ليُقرّبونا إلى الله زلفى}.
د – أمّا وقد ابْتُلِيَ الفئتان ببعضهما؛ فليس لهم إلاّ أن يفعلوا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم وكانت أيديهم – تحت يد الله تعالى – هي العليا، فكانت الهدنة أوّلاً مرّة بعد مرّة وكان النّبيّ وأصحابه يتعاملون مع اليهود بالبيع والشراء ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في (30) صاعاً من شعير، متفق عليه، وكان يستقبلهم في بيته وربما أساءوا الأدب كما في حديث: السّام عليكم، فلا يزيد صلى الله عليه وسلّم عن قوله: “وعليكم”، وينهى عائشة رضي الله عنها عن العنف في الرّدّ عليهم، متفق عليه، فقد قال الله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وكان يعود مريضهم ويقبل هديتهم، وعندما تكرّر نقضهم للعهد بينه وبينهم أجلاهم إلى خيبر، ولما خانوا العهد قاتلهم وأخذ خيبر منهم، ولكنّه قبل اقتراحهم فزارعهم بنصف غلّة خيبر، متفق عليه. ومات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهم في خيبر، وأخرجهم عمر رضي الله عنه في عهده لما أغنى الله المسلمين عن مزارعتهم فخرجوا إلى تيماء وما وراءها من بلاد الشام، ولم يُخْرَجوا من تيماء ولا من اليمن ولا من أيّ بلد تولاّه المسلمون مالم يكن حَدَثٌ فعقوبته على من أحدثه لا على غيره، وأعظَم حَدَث – كما أشرت – دعاء المخلوق تقرّباً به إلى الخالق، والمنتمون لليهودية والنّصرانيّة والاسلام يجتمعون على مقارفته أو الرّضى به أو عدم إنكاره، والمنتمون للإسلام والسّنّة أكثرهم أوثاناً، ويزيدون بلعن الخالق ودينه، لا أعلم أحداً يشاركهم في ذلك؛ أقول هذا بعد قضاء(20) سنة في خدمة الدّعوة السّلفيّة ودعاتها في فلسطين وغيرها من بلاد الشام، ولم أسمع مرّة واحدة من يدّعي أنّ أحمد ياسين أو الرّنتيسي أو غيرهم من قادة فصائل المقاومة نهى عن الشرك الأكبر فما دونه من البدع ولا أمر بدعاء أو عبادة الله وحده قبل أن يصير الخميني أباً روحيّاً لحماس – كما يقول أبرز قادة حماس اليوم – ولا بعده، وكان المفتّش الإسرائيلي يقرأ قرار الشيخ ابن باز رحمه الله تعيين أحد الدّعاة في فلسطين فيقرّ صاحبه عليه، لأنّ اليهود لا يدعون إلى دينهم بل يرفضون انتماء غيرهم إليه، وبعد تسَلُّم المنتسبين إلى الاسلام والسّنّة مراكز التّفتيش صار الدّاعي إلى التّوحيد والسّنّة يتّهم بالعمالة لدولة أخرى، ويوضع اسمه على قائمة المشبوهين إلى أن يشاء الله، وهم لا يدعون إلى الاسلام.
هـ – وبعد: فهل نتّبع ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من وحي الله تعالى إليه وما كان عليه خلفاؤه رضي الله عنهم وأرضاهم ونكسب رضا الله وحسن ثوابه أم نتّبع أهواء الجاهلين بشرع الله تعالى المخالفين له فَنَسْلَم من ملامة اللاّئمين الجاهلين ويستمرّ القتل والتّشريد والخوف والجوع، وأسوأ من ذلك كلّه شَغْل المسلمين بدعوى الجهاد الخيالي عن معرفة الفرق بين التّوحيد والشّرك وبين السّنّة والبدعة، وما دون ذلك من معاصي الشهوات؟
أعلم أن أكثر طلاب العلم (وخيرهم السّلفيّون) لن يجرؤوا على قول الحقّ ولو عرفوه فكيف بمن لا يميّز بين الحقّ والباطل، ولذلك تقرّبت إلى الله بالصّدع بما أمر الله به رسوله وأعظمه: الأمر بإفراد الله بالدّعاء والعبادة، وما دونه من الأمر باتّباع سنّة رسوله الله صلى الله عليه وسلّم في التّعامل بالشّرع والتّعاون على كلّ خير، وبالصّدع بالنهي عما نهى الله عنه من دعاء غيره معه تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم إليه وعما دون ذلك من الابتداع في الدّين،والله الموفق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.
في مكّة المباركة -1435/10/8هـ
المصدر