الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فبينما أراجع بعض الفوائد التي كتبتها في بعض الكراريس ، وقفت على فائدة كنت علقتها ، فرأيت أن أضعها بين يدي إخواني القراء الكرام لما اشتملت عليه من الفائدة ، ولتحذير طلاب العلم من الوقوع في الفتنة التي يكيدهم بها الشيطان ليصرفهم عن الهدى والحق .
وهذا كتبته تحذيراً لنفسي وللإخواني طلاب العلم .
أسأل الله أن ينفع به قارئه وكاتبه .
1/ قال الإمام المجاهد الحافظ شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك أخبرنا رجل من أهل الشام عن يزيد بن أبي حبيب -رحمه الله- قال:
إن من فتنة العالم الفقيه أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع ، وإن وجد من يكفيه فإن في الاستماع سلامة وزيادة في العلم ، والمستمع شريك المتكلم
وفي الكلام -إلا من عصم الله- توَهُّق [توهق: استمالة للسامعين] وتزين ، وزيادة ونقصان .
ومنهم من يرى أن بعض الناس لشرفه ووجهه أحق بكلامه من بعض ، ويزدري المساكين ، ولا يراهم لذلك موضعاً.
ومنهم من يخزن علمه ، ويرى أن تعليمه ضَعَة .
ومنهم من يحب ألا يوجد العلم إلا عنده .
ومنهم من يأخذ في علمه بأخذ السلطان [يعني: كأنه سلطان في شدته وبطشه] حتى يغضب أن يرد عليه شئ من قوله ، وأن يغفل عن شئ من حقه .
ومنهم من ينصب نفسه للفتيا ، فلعله يُؤتى بأمر لا علم له به ، فيستحي أن يقول: لا علم لي به ، فيرجم [يعني: يتكلم بالظن والتخمين] فيكتب من المتكلفين .
ومنهم من يروي كل ما سمع ، حتى يروي كلام اليهود والنصارى إرادة أن يُعَزَّر كلامه.
[يُعَزَّر بمعنى : يفخم ويعظم ، وفي نسخة: يغزر : أي يكثر ، وفي نسخة: يعزز بمعنى : يُقَوَّى] .
رواه ابن المبارك في الزهد(ص/16رقم4 ومن طريقه ابن أبي الدنيا في الصمت(ص/88رقم9 مختصراً وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله(1/548-549رقم910) .
قال ابن عبد البر –عقبه-: روي مثل قول يزيد بن أبي حبيب هذا كله –من أوله إلى آخره- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من وجوه منقطعة ، يذم فيها كل من كان في هذه الطبقات من العلماء ، ويوعدهم على ذلك بالنار والله أعلم.
يقول أبو عمر العتيبي : حديث معاذ -رضي الله عنه- المذكور حديث موضوع ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وغيره وضرب عليه الحافظ أبو زرعة ولم يحدث به كما في سؤالات البرذعي (ص/583) .
والكلام الذي تضمنه أثر يزيد بن حبيب صحيح معلوم ، وتداولته كتب العلماء ، وهو واقع كثير من الطلاب وبعض الشيوخ .
قال بعض الشيوخ –وفقه الله- : يرحم الله يزيد بن أبي حبيب ، كأنه يعيش معنا في هذا العصر الذي قل علماؤه ، وكثر أدعياؤه ، والله لقد حُق لنا أن نقول كما قالت عائشة -رضي الله عنها- :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ######## وبقيتُ في خلَف كجلد الأجربِ!!
وبالمناسبة فقد كنت كتبت مقالا في توقير العلماء ، ووجوب احترامهم ، وحفظ حقوقهم.
ومما قلته في بحثي"برنامج علمي عملي لطالب العلم" ضمن الوصايا والتوجيهات :
تاسعاً: الدراسة على هذا البرنامج تكون على شيخ فإن لم يوجد فعلى طالب علم فإن لم يوجد فعلى أشرطة أهل العلم ويجتهد على نفسه بالقراءة ، وإياه والغرور والفتوى بغير علم.
عاشراً: على طالب العلم أن يكون على اتصال دائم بأهل العلم ، ويسألهم عمّا أشكل عليه مع التلطف معهم ، واحترامهم ، وتوقيرهم ، والاستفادة من توجيهاتهم ، والنظر إلى نفسه بعين الاحتقار بجانب اهل العلم ، نسأل الله اللطف والسلامة.
]
تنبيه: كتبت ما سبق في احترام العلماء حتى يندفع الوهم الذي يحصل للبعض عند قراءة كلام يزيد بن أبي حبيب -رحمه الله- فيظن أن فيه تنقصا من العلماء وأهل الفضل .
2/ وقال سفيان بن الثوري -رحمه الله- : كان يقال : تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل ومن فتنة العالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
رواه ابن المبارك في الزهد(ص/18رقم75) ، والإمام أحمد في العلل(3/11 ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل(1/8 ، والآجري في "مسألة الطائفين"(ص/26رقم4) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء(6/376) ، (7/36) ، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى(ص/335) ، وفي شعب الإيمان(2/308رقم1896) وسنده صحيح.
قال الإمام ابن القيم في الفوائد(ص/102) بعد أن عزا الأثر لسفيان بن عيينة وغيره : فهذا –يعني: العابد الجاهل- بجهله يصد عن العلم وموجبه ، وذاك –يعني: العالم الفاجر- بغية يدعو إلى الفجور .
وقال في إغاثة اللهفان(1/229) : ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين.
وقال في مفتاح دار السعادة(1/160) : وهذان الصنفان هما اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون ، فان الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم ، فإذا كان العلماء فجرة ، والعباد جهلة ؛ عمَّت المصيبة بهما ، وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة .
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي بتاريخ 1425/8/29
منقول
المصدر http://www.al-sunna.net/articles/file.php?id=2422
فبينما أراجع بعض الفوائد التي كتبتها في بعض الكراريس ، وقفت على فائدة كنت علقتها ، فرأيت أن أضعها بين يدي إخواني القراء الكرام لما اشتملت عليه من الفائدة ، ولتحذير طلاب العلم من الوقوع في الفتنة التي يكيدهم بها الشيطان ليصرفهم عن الهدى والحق .
وهذا كتبته تحذيراً لنفسي وللإخواني طلاب العلم .
أسأل الله أن ينفع به قارئه وكاتبه .
1/ قال الإمام المجاهد الحافظ شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك أخبرنا رجل من أهل الشام عن يزيد بن أبي حبيب -رحمه الله- قال:
إن من فتنة العالم الفقيه أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع ، وإن وجد من يكفيه فإن في الاستماع سلامة وزيادة في العلم ، والمستمع شريك المتكلم
وفي الكلام -إلا من عصم الله- توَهُّق [توهق: استمالة للسامعين] وتزين ، وزيادة ونقصان .
ومنهم من يرى أن بعض الناس لشرفه ووجهه أحق بكلامه من بعض ، ويزدري المساكين ، ولا يراهم لذلك موضعاً.
ومنهم من يخزن علمه ، ويرى أن تعليمه ضَعَة .
ومنهم من يحب ألا يوجد العلم إلا عنده .
ومنهم من يأخذ في علمه بأخذ السلطان [يعني: كأنه سلطان في شدته وبطشه] حتى يغضب أن يرد عليه شئ من قوله ، وأن يغفل عن شئ من حقه .
ومنهم من ينصب نفسه للفتيا ، فلعله يُؤتى بأمر لا علم له به ، فيستحي أن يقول: لا علم لي به ، فيرجم [يعني: يتكلم بالظن والتخمين] فيكتب من المتكلفين .
ومنهم من يروي كل ما سمع ، حتى يروي كلام اليهود والنصارى إرادة أن يُعَزَّر كلامه.
[يُعَزَّر بمعنى : يفخم ويعظم ، وفي نسخة: يغزر : أي يكثر ، وفي نسخة: يعزز بمعنى : يُقَوَّى] .
رواه ابن المبارك في الزهد(ص/16رقم4 ومن طريقه ابن أبي الدنيا في الصمت(ص/88رقم9 مختصراً وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله(1/548-549رقم910) .
قال ابن عبد البر –عقبه-: روي مثل قول يزيد بن أبي حبيب هذا كله –من أوله إلى آخره- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من وجوه منقطعة ، يذم فيها كل من كان في هذه الطبقات من العلماء ، ويوعدهم على ذلك بالنار والله أعلم.
يقول أبو عمر العتيبي : حديث معاذ -رضي الله عنه- المذكور حديث موضوع ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وغيره وضرب عليه الحافظ أبو زرعة ولم يحدث به كما في سؤالات البرذعي (ص/583) .
والكلام الذي تضمنه أثر يزيد بن حبيب صحيح معلوم ، وتداولته كتب العلماء ، وهو واقع كثير من الطلاب وبعض الشيوخ .
قال بعض الشيوخ –وفقه الله- : يرحم الله يزيد بن أبي حبيب ، كأنه يعيش معنا في هذا العصر الذي قل علماؤه ، وكثر أدعياؤه ، والله لقد حُق لنا أن نقول كما قالت عائشة -رضي الله عنها- :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ######## وبقيتُ في خلَف كجلد الأجربِ!!
وبالمناسبة فقد كنت كتبت مقالا في توقير العلماء ، ووجوب احترامهم ، وحفظ حقوقهم.
ومما قلته في بحثي"برنامج علمي عملي لطالب العلم" ضمن الوصايا والتوجيهات :
تاسعاً: الدراسة على هذا البرنامج تكون على شيخ فإن لم يوجد فعلى طالب علم فإن لم يوجد فعلى أشرطة أهل العلم ويجتهد على نفسه بالقراءة ، وإياه والغرور والفتوى بغير علم.
عاشراً: على طالب العلم أن يكون على اتصال دائم بأهل العلم ، ويسألهم عمّا أشكل عليه مع التلطف معهم ، واحترامهم ، وتوقيرهم ، والاستفادة من توجيهاتهم ، والنظر إلى نفسه بعين الاحتقار بجانب اهل العلم ، نسأل الله اللطف والسلامة.
]
تنبيه: كتبت ما سبق في احترام العلماء حتى يندفع الوهم الذي يحصل للبعض عند قراءة كلام يزيد بن أبي حبيب -رحمه الله- فيظن أن فيه تنقصا من العلماء وأهل الفضل .
2/ وقال سفيان بن الثوري -رحمه الله- : كان يقال : تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل ومن فتنة العالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
رواه ابن المبارك في الزهد(ص/18رقم75) ، والإمام أحمد في العلل(3/11 ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل(1/8 ، والآجري في "مسألة الطائفين"(ص/26رقم4) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء(6/376) ، (7/36) ، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى(ص/335) ، وفي شعب الإيمان(2/308رقم1896) وسنده صحيح.
قال الإمام ابن القيم في الفوائد(ص/102) بعد أن عزا الأثر لسفيان بن عيينة وغيره : فهذا –يعني: العابد الجاهل- بجهله يصد عن العلم وموجبه ، وذاك –يعني: العالم الفاجر- بغية يدعو إلى الفجور .
وقال في إغاثة اللهفان(1/229) : ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين.
وقال في مفتاح دار السعادة(1/160) : وهذان الصنفان هما اللذان ذكرهما بعض السلف في قوله : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون ، فان الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم ، فإذا كان العلماء فجرة ، والعباد جهلة ؛ عمَّت المصيبة بهما ، وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة .
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي بتاريخ 1425/8/29
منقول
المصدر http://www.al-sunna.net/articles/file.php?id=2422