اختلف في اسم الصوفية ما أصله والى أيّ شيء ينسب ؟ و أرجح الأقوال : أنه نسبة الى لبس الصوف ،لأنه كان الغالب على من ينتسب إلى الصوفية في بادئ الأمر ، وكان ذلك في أوائل القرن الثاني الهجري ، وكان من يسلك طريق الزهد والتقشف ولبس الصوف ينعت بذلك .
قال شيخ الإسلام : وقيل –وهو المعروف-أنه نسبة إلى لبس الصوف ،فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك.
وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم :صوفي وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ،ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال(1) .
وكانت الصوفية في أول ظهورها تعني الزهد والعبادة ، لكن لما ظهرت البدع وادعى أصحابها الزهد وادعى أصحابها الزهد والعبادة تسمى هؤلاء بالصوفية انفراداً عن أهل البدع وإنما داخلتها المفاسد وتطرقت اليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد أهلها ، وتقوّلوا عليهم ما لم يقولوا به حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم و أعظم من ذلك أنهم يتساهلون في إتباع السُّنة ، ويرون اختراع العبادات طريقاً للتعبد صحيحاً (2) .
ومن تلك الاختراعات المحدثة المبتدعة وما يسمونه بالسماع ، وهو الإستماع إلى الغناء والرقص والوجد ، واعتقاد جِلِّ ذلك و أنه من الدين ، لأنه يحيي القلوب.
قال أبو العباس القرطبي : فأما الصوفية فمتقد موهم كانوا يطلقون السماع على فهم يقع لأحدهم بغتة ، يكون عنده وجد وغيبة ، سواء كان ذلك في نظم أو نثر أو غيرهما(3)،وأما عند الملقبين اليوم بالصوفية في هذه الديار ، فهو عبارة عن مجموع أمور جديرة بالإنكار ، وذلك أنهم يستدعون المعروفين بصنعة الغناء - وإن كانوا مشتهرين بالمفاسد والفحشاء - ومعهم الآت اللهو والمعروفة عند أهل البطالة والمجون واللغو ؛ كالمزامير والشبابات والصلاصل والطارات ، حتى إذا غصّت المجالس بسكانها وأحضرت الأطعمة والحلاوات بألوانها ، فأكلوا ملء بطونهم حتى لا يجدوا مساغاً لنفسهم ولا لمغنيهم ،قد شغلتهم استلذاذ تلك المآكل والنهم الذي هو أشغل شاغل عن اتقاء الحرام وخبث المواكل ، فاندفع المغنون بتلكك الأصوات و النغمات ، وحركوا على مطابقته تلك المزامير والآلات ، فحينئذ يذهب الحياء والوقار ، ويختلف الشيوخ بالصغار ، ويقوم الحاضرون على قدم ، ويطربون طرب من شرب بنت الكرم ، مع بنات الكرم ، فمنهم المشمر الأكمام ، والمتحرك بالأردان ، والراقص برقص المجان ، ومنهم من يكون له زعيق وزئير و ﴿إن انكر الأصوات لصوت الحمير﴾[لقمان19].
لاسيما إن كان هناك شاهد ،فكلهم له ساجد ،وعليه متواجد ،لحظ النفس الشهوانية واجد ولتقوى الله والحياء منه فاقد، فيا للإسلام لهذا الداء العقام ،كيف يرتاب أحد من عقلاء الأنام في أن مجموع هذا السماع حرام ، وأن حضوره من الذنوب العظام ، وان هؤلاء على القطع والبت ،كما قال الله تعالى﴿سمَّاعُون للكذب أكَّالون للسُّحت ﴾[المائدة42].لكن من غلبت عليه الهواء ركب عمياء ، وخبط خبط عشواء ، ومن منع الأسماع والأبصار واستوى في حقه الليل والنهار . (4).
قال عبد الله بن يوسف(5) : " كنا عند مالك بن أنس فقال له رجل من أهل نصيبين (6)
يا أبا عبد الله ، عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ،فإذا أكلوا أخذوا في القصائد ثم يقومون فيرقصون ، فقال مالك : هم مجانين ؟ فقال له :لا،قال هم صبيان؟ قال:لا هم مشايخ عقلاء ، قال مالك : ما سمعنا أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هكذا ،قال الرجل :بل يأكلون ثم يقومون فيرقصون ،يلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه ،فضحك مالك وقام إلى منزله ،فقال أصحاب مالك للرجل :يا هذا أدخلت والله مشقة على صاحبنا ، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه يضحك إلا هذا اليوم (7) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) - (الفتاوى 6/11-16).
(2) - (الإعتصام للشاطبي 89/1-90).
(3) -(الرسالة القشيرية (ص153)، وإحياء علوم الدين (268/2-306)).
(4) -كشف القناع عن حكم الوجد والسماع (44-45).
(5) -عبد الله بن يوسف التنيسي ،أبو محمد الكلاعي ، أصبه من دمشق ، ثقة متقن ، من أثبت الناس قي الموطأ،مات سنة 218هـ.التقريب (ص330) .
(6) - هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل بين الشام والموصل وهي أيضا قرية من نواحي حلب ، وهي أيضاً مدينة على شاطئ الفرات.معجم البلدان لياقوت الحموي ( 5/288-289 )والروض المعطار للحميري (ص577).
(7) - القاضي عياض في ترتيب المدارك (54/2)، والزواوي في مناقب مالك (ص.157) .
ــــــــ
يتبع إن شاء الله
نقلته لكم من كتاب منهج الإمام مالك رحمه الله تعالى في إثبات العقيدة
وهذا الكتاب من اعداد سُعود بن عبد العزيز الدّعجَان
تحت اشراف
فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن مُرار الأثري
ابو عبد الرحمان رشيد البركاني
قال شيخ الإسلام : وقيل –وهو المعروف-أنه نسبة إلى لبس الصوف ،فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك.
وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم :صوفي وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ،ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال(1) .
وكانت الصوفية في أول ظهورها تعني الزهد والعبادة ، لكن لما ظهرت البدع وادعى أصحابها الزهد وادعى أصحابها الزهد والعبادة تسمى هؤلاء بالصوفية انفراداً عن أهل البدع وإنما داخلتها المفاسد وتطرقت اليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد أهلها ، وتقوّلوا عليهم ما لم يقولوا به حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم و أعظم من ذلك أنهم يتساهلون في إتباع السُّنة ، ويرون اختراع العبادات طريقاً للتعبد صحيحاً (2) .
ومن تلك الاختراعات المحدثة المبتدعة وما يسمونه بالسماع ، وهو الإستماع إلى الغناء والرقص والوجد ، واعتقاد جِلِّ ذلك و أنه من الدين ، لأنه يحيي القلوب.
قال أبو العباس القرطبي : فأما الصوفية فمتقد موهم كانوا يطلقون السماع على فهم يقع لأحدهم بغتة ، يكون عنده وجد وغيبة ، سواء كان ذلك في نظم أو نثر أو غيرهما(3)،وأما عند الملقبين اليوم بالصوفية في هذه الديار ، فهو عبارة عن مجموع أمور جديرة بالإنكار ، وذلك أنهم يستدعون المعروفين بصنعة الغناء - وإن كانوا مشتهرين بالمفاسد والفحشاء - ومعهم الآت اللهو والمعروفة عند أهل البطالة والمجون واللغو ؛ كالمزامير والشبابات والصلاصل والطارات ، حتى إذا غصّت المجالس بسكانها وأحضرت الأطعمة والحلاوات بألوانها ، فأكلوا ملء بطونهم حتى لا يجدوا مساغاً لنفسهم ولا لمغنيهم ،قد شغلتهم استلذاذ تلك المآكل والنهم الذي هو أشغل شاغل عن اتقاء الحرام وخبث المواكل ، فاندفع المغنون بتلكك الأصوات و النغمات ، وحركوا على مطابقته تلك المزامير والآلات ، فحينئذ يذهب الحياء والوقار ، ويختلف الشيوخ بالصغار ، ويقوم الحاضرون على قدم ، ويطربون طرب من شرب بنت الكرم ، مع بنات الكرم ، فمنهم المشمر الأكمام ، والمتحرك بالأردان ، والراقص برقص المجان ، ومنهم من يكون له زعيق وزئير و ﴿إن انكر الأصوات لصوت الحمير﴾[لقمان19].
لاسيما إن كان هناك شاهد ،فكلهم له ساجد ،وعليه متواجد ،لحظ النفس الشهوانية واجد ولتقوى الله والحياء منه فاقد، فيا للإسلام لهذا الداء العقام ،كيف يرتاب أحد من عقلاء الأنام في أن مجموع هذا السماع حرام ، وأن حضوره من الذنوب العظام ، وان هؤلاء على القطع والبت ،كما قال الله تعالى﴿سمَّاعُون للكذب أكَّالون للسُّحت ﴾[المائدة42].لكن من غلبت عليه الهواء ركب عمياء ، وخبط خبط عشواء ، ومن منع الأسماع والأبصار واستوى في حقه الليل والنهار . (4).
قال عبد الله بن يوسف(5) : " كنا عند مالك بن أنس فقال له رجل من أهل نصيبين (6)
يا أبا عبد الله ، عندنا قوم يقال لهم الصوفية يأكلون كثيراً ،فإذا أكلوا أخذوا في القصائد ثم يقومون فيرقصون ، فقال مالك : هم مجانين ؟ فقال له :لا،قال هم صبيان؟ قال:لا هم مشايخ عقلاء ، قال مالك : ما سمعنا أن أحدا من أهل الإسلام يفعل هكذا ،قال الرجل :بل يأكلون ثم يقومون فيرقصون ،يلطم بعضهم رأسه وبعضهم وجهه ،فضحك مالك وقام إلى منزله ،فقال أصحاب مالك للرجل :يا هذا أدخلت والله مشقة على صاحبنا ، لقد جالسناه نيفاً وثلاثين سنة فما رأيناه يضحك إلا هذا اليوم (7) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) - (الفتاوى 6/11-16).
(2) - (الإعتصام للشاطبي 89/1-90).
(3) -(الرسالة القشيرية (ص153)، وإحياء علوم الدين (268/2-306)).
(4) -كشف القناع عن حكم الوجد والسماع (44-45).
(5) -عبد الله بن يوسف التنيسي ،أبو محمد الكلاعي ، أصبه من دمشق ، ثقة متقن ، من أثبت الناس قي الموطأ،مات سنة 218هـ.التقريب (ص330) .
(6) - هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل بين الشام والموصل وهي أيضا قرية من نواحي حلب ، وهي أيضاً مدينة على شاطئ الفرات.معجم البلدان لياقوت الحموي ( 5/288-289 )والروض المعطار للحميري (ص577).
(7) - القاضي عياض في ترتيب المدارك (54/2)، والزواوي في مناقب مالك (ص.157) .
ــــــــ
يتبع إن شاء الله
نقلته لكم من كتاب منهج الإمام مالك رحمه الله تعالى في إثبات العقيدة
وهذا الكتاب من اعداد سُعود بن عبد العزيز الدّعجَان
تحت اشراف
فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن مُرار الأثري
ابو عبد الرحمان رشيد البركاني