الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فهذه نصوص للعلامة ابن باديس رحمه الله في بيان البدعة وأنواعها ، وذمها والرد على شبهات المتمسكين بها ، رتبناها وأضفنا إليها العناوين التي تدل على مضمونها نسأل الله أن ينفع بها.
حقيقة البدعة
قال في الآثار (5 / 154) : "البدعة كل ما أحدث على أنه عبادة وقربة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكل بدعة ضلالة".
وقال رحمه الله (1 / 224) : "من أبين المخالفة عن أمره صلى الله عليه وسلم وأقبحها الزيادة في العبادة التي يتعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها ، وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك فيها ، وكلا هذين زيادة وإحداث مذموم ، يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء ، ودع ما يجر إليه من بلايا أخرى ".
أنواع البدع
أولا : البدع الحقيقية
قال رحمه الله في الآثار (1 / 87) : »من الناس من يخترع أعمالا من عند نفسه ويتقرب بها إلى الله ، مثل ما اخترع المشركون عبادة الأوثان بدعائها والذبح عليها والخضوع لديها ، وانتظار قضاء الحوائج منها ، وهم يعلمون أنها مخلوقة لله مملوكة له ، وإنما يعبدونها -- كما قالوا -- لتقربهم إلى الله زلفى ،... وكما اخترع طوائف من المسلمين الرقص والزمر والطواف حول القبور والنذر لها والذبح عندها ونداء أصحابها وتقبيل أحجارها ونصب التوابيت عليها وحرق البخور عندها وصب العطور عليها ، فكل هذه اختراعات فاسدة في نفسها لأنها ليست من سعي الآخرة الذي كان يسعاه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده فساعيها موزور غير مشكور «.
وقال في الآثار (5 / 155) : »الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف ، ومبناها كلها على الغلو في الشيخ ، والتحيز لاتباع الشيخ ، وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ ، إلى ما هنالك من استغلال وإذلال وإعانة لأهل الإذلال والاستغلال ، ومن تجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور وغير ذلك من الشرور «.
ثانيا : البدع الإضافية (تقييد العبادة)
قال في الآثار (2 / 57) : «إن ما ورد من العبادة مقيدا بقيده يلتزم قيده ، وما ورد منها مطلقا يلتزم إطلاقه ، فالآتي بالعبادة المقيدة دون قيدها مخالف لأمر الشرع ووضعه ، والآتي بالعبادة المطلقة ملتزما فيه ما جعله بالتزامه كالقيد مخالف كذلك لأمر الشرع ووضعه وهو أصل في جميع العبادات ». ومنه قال رحمه الله عن تقييد زيارة القبور بوقت معين (3 / 235) : »وكذلك التزامها في وقت مخصوص بشكل مخصوص كما تلتزم الطاعات التي فرضها الشارع وجعل لها أوقاتا ، فإن هذا ليس مما يتسع له صدر الدين ، ولا مما كان في عهد السلف الصالحين ، ولا سيما مع التكلف الذي كثر من يرتكبه بإلزام وبغير إلزام «.
أحكام البدعة
أولا : البدعة غير مقبولة
قال رحمه الله في الآثار (1 / 370) : »مرجع الإسلام في أصوله وفروعه إلى القرآن وهو وحي من الله وإلى السنة النبوية وهي وحي أيضا لقوله تعالى : (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وكل دليل من أدلة الشريعة فإنه يرجع إلى هذين الأصلين ولا يقبل إلا إذا قبلاه ودلا عليه ، وكل شيء ينسب إلى الإسلام ولا أصل له فيهما فهو مردود على قائله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ».
ثانيا : البدعة كلها ضلالة وصاحبها آثم
قال رحمه الله في الآثار (3 / 275) : »إن الذي ابتدع مثل هذه البدعة التي هي تقرب فيما لم يكن قربة كأنه يرى أن طاعة الله تنقص هذه الشريعة فهو يستدركها ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خفيت عليه قربة هو اهتدى إليها أو لم تخف عليه ولكنه كتمها ، وهذه كلها مهلكات لصاحبها فلا يكون ما أوقعه فيها من ابتداع تلك التي يحسبها قربة إلا محرما ، وقد قال مالك فيما سمعه منه ابن الماجشون : "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول : (اليوم أكملت لكم دينكم) ، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا "وهذا من جهة النظر المؤيد بكلام مالك ، وأما من جهة الأثر فقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ، وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "، ووجه الدليل من الحديثين أنه سمى في الحديث الأول البدعة شرا وضلالا فعم ولم يخص ، وأثبت الإثم لمرتكب الضلالة والداعي إليها ، والإثم لا يكون إلا في الحرام فيكون النظر هكذا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة يؤثم صاحبها ، فكل بدعة يؤثم صاحبها ، وكل ما يؤثم عليه فهو حرام فكل بدعة حرام «.
ثالثا : المبتدع لا يستحق أن يقتدى به
قال رحمه الله في الآثار (1 / 320) : «فالذين أحدثوا في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح لم يقتدوا بمن قبلهم فليسوا أهلا لأن يقتدى بهم من بعدهم ، فكل من اخترع في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح فهو ساقط عن رتبة الإمامة».
شبهات أهل البدع
أولا : قولهم أين الدليل على البدعية؟
قال رحمه الله (3 / 295) : »الاستدلال بترك النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم في الدين ، والعمل النبوي دائر بين الفعل والترك ، ولهذا تكلم علماء الأصول على تركه كما تكلموا على فعله ، وقد ذكرنا جملة من كلامهم فيما قدمنا ، غير أن تقرير هذا الأصل الذي يهدم بدعا كثيرة من فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مما يتأكد مزيد تثبيته وبيانه ، إذ بالغفلة عنه ارتكبت بدع وزيدت زيادات ليست مما زيدت عليه في شيء «. وقال رحمه الله في حكم قراءة القرآن على الموتى عند الاحتضار وعند الدفن وبعده (3 / 273) : »وإذا كان ترك القراءة هو السنة فالقراءة قطعا بدعة ، إذ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من القربات ففعله سنة وما تركه مما يحسب قربة مع وجود سببه فتركه هو السنة وفعله قطعا بدعة ، والقراءة في هذه المواطن الثلاثة التي حسب أنها قربة قد وجد سببها في زمنه فمات الناس وشيع جنائزهم وحضر دفنهم ولم يفعل هذا الذي حسب اليوم قربة ، ومن المستحيل شرعا أن يترك قربة مع وجود سببها بين يديه ، ثم يهتدي إليها من يجيء من بعده ويسبق هو إلى قربة فاتت محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح من أمته ، ولا يكون الإقدام على إحداث شيء للتقرب به مع ترك النبي صلى الله عليه وسلم له مع وجود سببه إلا افتئاتا عليه وتشريعا من بعده ، وادعاء ضمنيا للتفوق عليه في معرفة ما يتقرب به والحرص عليه والهداية إليه ، فلن يكون فعل ما تركه والحالة ما ذكر من المباحات أبدا ، بل لا يكون إلا من البدع المنكرات «.
ثانيا : الاستدلال بحديث السنة الحسنة
قال (1 / 386) : »علمنا أن المراد بمن سن سنة حسنة.. هو من ابتدأ طريقا من الخير في أعمال البر والإحسان وما ينفع الناس في شؤون الحياة ، ولا يشمل ذلك ما يحدثه المحدثون من البدع في العبادات من الزيادات والاختراعات إذ الزيادة على ما وضعه الشرع من العبادات وحدده افتيات عليه واستنقاص له وهذه هي البدعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة«.
ثالثا : قولهم نيتنا حسنة
قال (2/65-66) : »وكثيرا ما يرتكبون البدع كدعاء المخلوقات وكالحج إلى الأضرحة وإيقاد الشموع عليها والنذر لها وضرب الدف في بيوت الله ، وغير هذا من أنواع البدع والمنكرات ويتوكئون في ذلك كله على (إنما الأعمال بالنيات) كلا! ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، فإن البدع كلها من قسم المخالفات ، والمخالفات لا تنقلب طاعات بالنيات «.
رابعا : قولهم نحن نتبع الإمام مالكا
قال ردا على أحدهم (5 / 23 : »ثم يقول" نحن مالكيون "ومن ينازع في هذا ، وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذا لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك رحمه الله كثيرا ما ينشد :
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع «.
خامسا : قولهم جرى عليها عمل الناس
قال رحمه الله (3 / 284) : »ما يجري به عمل الناس ينقسم إلى قسمين قسم المعاملات وقسم العبادات ، وقسم المعاملات هو الذي يتسع النظر فيه للمصلحة والقياس والأعراف وهو الذي تجب توسعته على الناس بسعة مدارك الفقه وأقوال الأئمة والاعتبارات المتقدمة ، وفي هذا القسم جاء كلام أبي سعيد هذا وغيره وفيه نقله الفقهاء ، أوما تراه كيف يعبر بالعرف والعادة؟ وأما قسم العبادات فإنه محدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يتقرب إلا بما تقرب به وعلى الوجه الذي كان تقربه به ، ومن نقص فقد أخل ومن زاد فقد ابتدع وشرع وذلك هو الظلام والضلال «.
ا لحجة في الكتاب ووالسنة وهدي السلف
قال في الرد على أحد الطرقيين (5 / 10 : »لما كتبنا في الجزء الماضي في تحقيق العبادة الشرعية تحرينا الاستدلال بالكتاب والسنة وهدي الصحابة ، لأن المسألة مسألة دينية وهذه هي مآخذها ، ولأنها جرى فيها خلاف والله تعالى يقول :] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [(النساء 59). فقال أحد الكاتبين في جريدة أتى البيوت من ظهورها ، فسمى استدلالنا بالكتاب والسنة وهدي الصحابة إتيانا للبيوت من ظهورها وهي كلمة مصادمة للآية القطعية المتقدمة وغيرها ، ولعل الكاتب لم يتفهمها ولم يدر ما مقتضاها وإلا فما كان لمسلم أن يقولها ، ثم إذا كان الكتاب والسنة وهدي سادات الأمة ظهورا للبيوت ، فما هي يا صوفي الزمان أبوابها «.
محاربة البدع من ركائز الدعوة
قال رحمه الله في الآثار (5 / 175) : »ونحارب على الخصوص البدع التي أدخلت على الدين الذي هو قوام الإخلاص فأفسدته ، وعاد وبال ذلك الفساد علينا ، وتأخرنا من حيث يكون تقدمنا وسقطنا بما لا نرتفع إلا به«.
الآثار المحال عليها : جمع وطبع وزارة الشؤون الدينية
الكاتب : أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري-حفظه الله تعالى-
حقيقة البدعة
قال في الآثار (5 / 154) : "البدعة كل ما أحدث على أنه عبادة وقربة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكل بدعة ضلالة".
وقال رحمه الله (1 / 224) : "من أبين المخالفة عن أمره صلى الله عليه وسلم وأقبحها الزيادة في العبادة التي يتعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها ، وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك فيها ، وكلا هذين زيادة وإحداث مذموم ، يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء ، ودع ما يجر إليه من بلايا أخرى ".
أنواع البدع
أولا : البدع الحقيقية
قال رحمه الله في الآثار (1 / 87) : »من الناس من يخترع أعمالا من عند نفسه ويتقرب بها إلى الله ، مثل ما اخترع المشركون عبادة الأوثان بدعائها والذبح عليها والخضوع لديها ، وانتظار قضاء الحوائج منها ، وهم يعلمون أنها مخلوقة لله مملوكة له ، وإنما يعبدونها -- كما قالوا -- لتقربهم إلى الله زلفى ،... وكما اخترع طوائف من المسلمين الرقص والزمر والطواف حول القبور والنذر لها والذبح عندها ونداء أصحابها وتقبيل أحجارها ونصب التوابيت عليها وحرق البخور عندها وصب العطور عليها ، فكل هذه اختراعات فاسدة في نفسها لأنها ليست من سعي الآخرة الذي كان يسعاه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده فساعيها موزور غير مشكور «.
وقال في الآثار (5 / 155) : »الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف ، ومبناها كلها على الغلو في الشيخ ، والتحيز لاتباع الشيخ ، وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ ، إلى ما هنالك من استغلال وإذلال وإعانة لأهل الإذلال والاستغلال ، ومن تجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور وغير ذلك من الشرور «.
ثانيا : البدع الإضافية (تقييد العبادة)
قال في الآثار (2 / 57) : «إن ما ورد من العبادة مقيدا بقيده يلتزم قيده ، وما ورد منها مطلقا يلتزم إطلاقه ، فالآتي بالعبادة المقيدة دون قيدها مخالف لأمر الشرع ووضعه ، والآتي بالعبادة المطلقة ملتزما فيه ما جعله بالتزامه كالقيد مخالف كذلك لأمر الشرع ووضعه وهو أصل في جميع العبادات ». ومنه قال رحمه الله عن تقييد زيارة القبور بوقت معين (3 / 235) : »وكذلك التزامها في وقت مخصوص بشكل مخصوص كما تلتزم الطاعات التي فرضها الشارع وجعل لها أوقاتا ، فإن هذا ليس مما يتسع له صدر الدين ، ولا مما كان في عهد السلف الصالحين ، ولا سيما مع التكلف الذي كثر من يرتكبه بإلزام وبغير إلزام «.
أحكام البدعة
أولا : البدعة غير مقبولة
قال رحمه الله في الآثار (1 / 370) : »مرجع الإسلام في أصوله وفروعه إلى القرآن وهو وحي من الله وإلى السنة النبوية وهي وحي أيضا لقوله تعالى : (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وكل دليل من أدلة الشريعة فإنه يرجع إلى هذين الأصلين ولا يقبل إلا إذا قبلاه ودلا عليه ، وكل شيء ينسب إلى الإسلام ولا أصل له فيهما فهو مردود على قائله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ».
ثانيا : البدعة كلها ضلالة وصاحبها آثم
قال رحمه الله في الآثار (3 / 275) : »إن الذي ابتدع مثل هذه البدعة التي هي تقرب فيما لم يكن قربة كأنه يرى أن طاعة الله تنقص هذه الشريعة فهو يستدركها ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خفيت عليه قربة هو اهتدى إليها أو لم تخف عليه ولكنه كتمها ، وهذه كلها مهلكات لصاحبها فلا يكون ما أوقعه فيها من ابتداع تلك التي يحسبها قربة إلا محرما ، وقد قال مالك فيما سمعه منه ابن الماجشون : "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول : (اليوم أكملت لكم دينكم) ، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا "وهذا من جهة النظر المؤيد بكلام مالك ، وأما من جهة الأثر فقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ، وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا "، ووجه الدليل من الحديثين أنه سمى في الحديث الأول البدعة شرا وضلالا فعم ولم يخص ، وأثبت الإثم لمرتكب الضلالة والداعي إليها ، والإثم لا يكون إلا في الحرام فيكون النظر هكذا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة يؤثم صاحبها ، فكل بدعة يؤثم صاحبها ، وكل ما يؤثم عليه فهو حرام فكل بدعة حرام «.
ثالثا : المبتدع لا يستحق أن يقتدى به
قال رحمه الله في الآثار (1 / 320) : «فالذين أحدثوا في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح لم يقتدوا بمن قبلهم فليسوا أهلا لأن يقتدى بهم من بعدهم ، فكل من اخترع في الدين ما لم يعرفه السلف الصالح فهو ساقط عن رتبة الإمامة».
شبهات أهل البدع
أولا : قولهم أين الدليل على البدعية؟
قال رحمه الله (3 / 295) : »الاستدلال بترك النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم في الدين ، والعمل النبوي دائر بين الفعل والترك ، ولهذا تكلم علماء الأصول على تركه كما تكلموا على فعله ، وقد ذكرنا جملة من كلامهم فيما قدمنا ، غير أن تقرير هذا الأصل الذي يهدم بدعا كثيرة من فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مما يتأكد مزيد تثبيته وبيانه ، إذ بالغفلة عنه ارتكبت بدع وزيدت زيادات ليست مما زيدت عليه في شيء «. وقال رحمه الله في حكم قراءة القرآن على الموتى عند الاحتضار وعند الدفن وبعده (3 / 273) : »وإذا كان ترك القراءة هو السنة فالقراءة قطعا بدعة ، إذ ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من القربات ففعله سنة وما تركه مما يحسب قربة مع وجود سببه فتركه هو السنة وفعله قطعا بدعة ، والقراءة في هذه المواطن الثلاثة التي حسب أنها قربة قد وجد سببها في زمنه فمات الناس وشيع جنائزهم وحضر دفنهم ولم يفعل هذا الذي حسب اليوم قربة ، ومن المستحيل شرعا أن يترك قربة مع وجود سببها بين يديه ، ثم يهتدي إليها من يجيء من بعده ويسبق هو إلى قربة فاتت محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح من أمته ، ولا يكون الإقدام على إحداث شيء للتقرب به مع ترك النبي صلى الله عليه وسلم له مع وجود سببه إلا افتئاتا عليه وتشريعا من بعده ، وادعاء ضمنيا للتفوق عليه في معرفة ما يتقرب به والحرص عليه والهداية إليه ، فلن يكون فعل ما تركه والحالة ما ذكر من المباحات أبدا ، بل لا يكون إلا من البدع المنكرات «.
ثانيا : الاستدلال بحديث السنة الحسنة
قال (1 / 386) : »علمنا أن المراد بمن سن سنة حسنة.. هو من ابتدأ طريقا من الخير في أعمال البر والإحسان وما ينفع الناس في شؤون الحياة ، ولا يشمل ذلك ما يحدثه المحدثون من البدع في العبادات من الزيادات والاختراعات إذ الزيادة على ما وضعه الشرع من العبادات وحدده افتيات عليه واستنقاص له وهذه هي البدعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة«.
ثالثا : قولهم نيتنا حسنة
قال (2/65-66) : »وكثيرا ما يرتكبون البدع كدعاء المخلوقات وكالحج إلى الأضرحة وإيقاد الشموع عليها والنذر لها وضرب الدف في بيوت الله ، وغير هذا من أنواع البدع والمنكرات ويتوكئون في ذلك كله على (إنما الأعمال بالنيات) كلا! ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، فإن البدع كلها من قسم المخالفات ، والمخالفات لا تنقلب طاعات بالنيات «.
رابعا : قولهم نحن نتبع الإمام مالكا
قال ردا على أحدهم (5 / 23 : »ثم يقول" نحن مالكيون "ومن ينازع في هذا ، وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذا لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك رحمه الله كثيرا ما ينشد :
وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع «.
خامسا : قولهم جرى عليها عمل الناس
قال رحمه الله (3 / 284) : »ما يجري به عمل الناس ينقسم إلى قسمين قسم المعاملات وقسم العبادات ، وقسم المعاملات هو الذي يتسع النظر فيه للمصلحة والقياس والأعراف وهو الذي تجب توسعته على الناس بسعة مدارك الفقه وأقوال الأئمة والاعتبارات المتقدمة ، وفي هذا القسم جاء كلام أبي سعيد هذا وغيره وفيه نقله الفقهاء ، أوما تراه كيف يعبر بالعرف والعادة؟ وأما قسم العبادات فإنه محدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يتقرب إلا بما تقرب به وعلى الوجه الذي كان تقربه به ، ومن نقص فقد أخل ومن زاد فقد ابتدع وشرع وذلك هو الظلام والضلال «.
ا لحجة في الكتاب ووالسنة وهدي السلف
قال في الرد على أحد الطرقيين (5 / 10 : »لما كتبنا في الجزء الماضي في تحقيق العبادة الشرعية تحرينا الاستدلال بالكتاب والسنة وهدي الصحابة ، لأن المسألة مسألة دينية وهذه هي مآخذها ، ولأنها جرى فيها خلاف والله تعالى يقول :] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [(النساء 59). فقال أحد الكاتبين في جريدة أتى البيوت من ظهورها ، فسمى استدلالنا بالكتاب والسنة وهدي الصحابة إتيانا للبيوت من ظهورها وهي كلمة مصادمة للآية القطعية المتقدمة وغيرها ، ولعل الكاتب لم يتفهمها ولم يدر ما مقتضاها وإلا فما كان لمسلم أن يقولها ، ثم إذا كان الكتاب والسنة وهدي سادات الأمة ظهورا للبيوت ، فما هي يا صوفي الزمان أبوابها «.
محاربة البدع من ركائز الدعوة
قال رحمه الله في الآثار (5 / 175) : »ونحارب على الخصوص البدع التي أدخلت على الدين الذي هو قوام الإخلاص فأفسدته ، وعاد وبال ذلك الفساد علينا ، وتأخرنا من حيث يكون تقدمنا وسقطنا بما لا نرتفع إلا به«.
الآثار المحال عليها : جمع وطبع وزارة الشؤون الدينية
الكاتب : أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري-حفظه الله تعالى-