بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التحزب والانتماءات في الإسلام:
في هذا العصر الذي ادلهمت فيه الظلمات وانقلبت فيه الحقائق وتغيرت فيه المفاهيم، يتساءل الفرد المسلم عن طريق الخلاص، يتسائل وهو حائر بين هذه الجماعات المتصارعة، والأحزاب المتناحرة، والدعوات المتفرقة ذات المناهج المختلفةالتي تّعي لنفسها السير على المنهج الصحيح.
وكل يدعي وَصْلا للَيلى ... وليْلى لا تُقرّ لهُم بذَاكَ
وأيًّا ما كان الأمر وبغض النظر عن صدق النوايا لدى المنتمين إلى هذه الجماعات والأحزاب، فإن كل مسلم فهِم الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة يتساءل عن شرعية وجود مثل هذه الجماعات والطوائف في الإسلام.والجواب: أن الإسلام لا يُقر بذلك بل يمقته ويذم أهله؛ لأنه أخطر سبب يفرق الأمة ويشتت شملها.
- فتوى في التحزب:
ويجدر بنا ونحن في الكلام على حكم الإسلام في هذه الانتماءات وهذا التحزب أن ننقل الفتوى التي صدرت في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء "من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية" رقم 1674 في 7/10/1397هـ)، وهو حكم صريح بعدم شرعية وجود هذه الجماعات وإليك نص هذه الفتوى:
(( لا يجوز أن يتفرق المسلمون في دينهم شيعا وأحزابا يلعن بعضهم بعضا ويضرب بعضُهم رقاب بعض، فإن هذا التفرق مما نهى الله عنه ونعى على من أحدثه أو تابع أهله.. وتوعد فاعليه بالعذاب العظيم.. وقد برأ الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- منه، قال تعالى: (واعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعًا ولا تَفَرَّقُوا)، إلى قوله تعالى: (ولاَ تَكُونُوا كالَّذينَ تفَرَّقوا واخْتلَفُوا مِن بَعدِ مَا جاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأُولائِكَ لهُمْ عَذابٌ عظيمٌ) {آل عمران: الآيات 103-105}. وقال تعالى: (إنّ الَّذينَ فرَّقُوا دِينَهُم وكانُوا شِيعًا لسْتَ منْهُم في شيْء إنَّما أمرُهم إلى الله ثم يُنبِّئهُم بما كَانُوا يفْعلُون* من جَاء بالحَسنةِ فلَهُ عشرُ أمثالِها ومَن جاءَ بالسَّيِّئَة فلاَ يُجزَى إلاَّ مثلَهَا وهُمْ لَا يُظلَمُونَ) {الأنعام: 159-160}. وثبَت عن النَبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". والآيات والأحاديث في ذم التفرق في الدين كثيرة.
أما إذا كان ولي أمر المسلمين هو الذي نظّمهم ووزع بينهم أعمال الحياة ومرافقها الدينية والدنيوية ليقوم كلٌّ بواجبه في جانب من جوانب الدين والدنيا فهذا مشروع .. بل واجب على ولي أمر المسلمين أن يوزع رعيته على واجبات الدين والدنيا على اختلاف أنواعها فيجعل جماعة لخدمة علم الحديث من جهة نقله وتدوينه وتمييز صحيحه من سقيمه .. إلخ، وجماعة أخرى لخدمة فقه متونه تدوينا وتعلما وتعليما.. وثالثة لخدمة اللغة العربية وقواعدها ومفرداتها، وبيان أساليبها والكشف عن أسرارها.. وإعداد جماعة رابعة للجهاد وللدفاع عن بلاد الإسلام وفتح الفتوح وتذليل العقبات لنشر الإسلام.. وأخرى للإنتاج صناعة وتجارة وزراعة.. إلى آخره.. فهذه من ضرورات الحياة التي لا تقوم للأمة قائمة إلا بها ولا يُحفظ الإسلام ولا ينتشر إلا عن طريقه..
هذا مع اعتصام الجميع بكتاب الله وهدى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الخلفاء الراشدون وسلف الأمة ووحدة الهدف وتعاون جميع المسلمين على نصرة الإسلام والذود عن حياضه وتحقيق وسائل الحياة السعيدة، وسير الجميع في ظل الإسلام وتحت لوائه على صراط الله المستقيم، وتجنبهم السبل المضلة والفرق الهالكة: قال الله تعالى: (وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولَاتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلهِ ذَالِكُمْ وصَّاكمْ بهِ لعَلّكُمْ تَتّقُونَ) {الأنعام:153} )) اهـ.
المصدر:
كتاب/ (منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين)
لفضيلة الشيخ/ صالح بن سعد السحيمي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
والمدرس بالمسجد النبوي
كتاب/ (منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين)
لفضيلة الشيخ/ صالح بن سعد السحيمي
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
والمدرس بالمسجد النبوي