قد ألقى فضيلة الشيخ الدكتور سليمان بن سليم الله الرحيلي -حفظه الله تعالى- نصيحة قيمة أثناء أحد دروسه في شرح كتاب «آداب المشي إلى الصلاة» ضمن فعاليات دورة الإمام ابن قيم الجوزية السادسة المقامة في مسجد بني سلمة بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتاريخ 28 شوال من عام 1432هـ، قال فيها فضيلته -جزاه الله خيرا-:
"بين يدي الدرس أحب أن أذكر إخواني بأمر أسأل الله عز وجل أن يجعل فيه الخير والفائدة، وذلكم: أن من الآفات العظيمة، والعوائق الكبيرة في طريق طالب العلم في سيره في طلب العلم، وفي سيره إلى الله عز وجل حب التصدر، وحب الشهرة، واللهفة لأن يحتاج الناس إليه، فإن هذا من الآفات العظيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار». وقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- لا يحبون الشهرة، ولا يحبون أن يذكروا مع محبتهم لظهور الحق، كان أيوب السختياني يقول: «ذُكِرتُ ولا أحب أن أُذْكَر»، وذُكِر عنه أنه إذا مشى يمشي في الطرقات التي لا يعرفه فيها أحد، حتى قال بعضهم: «لا أدري كيف يهتدي لها»، وكان الإمام أحمد -رحمه الله عز وجل- يقول: «وددتُ لو كنتُ في شعب من شعاب مكة»، ويقول لابنه: «وددتُ لو لم يُنْسَبْ لأبيك من ذلك شيء، ولكني ابتليت بالشهرة»، فعدها بلاءً، واعتبرها بلاءً، ولذا ينبغي على طالب العلم أن يطلب العلم بالتواضع، وكلما ازداد علماً كلما ازداد تواضعه، ولذلك لما ذَكَر الإمام أحمد -رحمه الله عز وجل- أن طلب العلم لا يعدله شيء -يعني من النوافل- لمن صحت نيته، قيل له: «وكيف تصح نيته؟»، قال: «يطلبه بتواضع، وينوي نفع نفسه». فينبغي لطالب العلم أن يحرص دائماً على أن يكون متواضعاً في طلبه العلم، حريصاً على السلامة، فإن السلامة لا يعدلها شيء، ولذلك كان السلف لا يتسابقون إلى الفتاوى، ولا يتسابقون إلى طلاب العلم، بل كان أحدهم يرشد إلى الآخر، تأتيه المسألة وهو يعرف جوابها فيحيل السائلَ إلى آخر، وقد يحيله الآخر إلى آخر، كما وقع من بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-، فيفتيه الأخير، فيعود إلى الثاني فيقول: «وبمثل ما قال أقول»، ثم يأتي إلى الأول فيقول: «وبمثل ما قال أقول»، ما كانوا يجهلون الجواب، ولكنهم كانوا يدفعون الفتوى إلى غيرهم من العلماء الذين يعرفون عنهم العلم والبصيرة.
وإذا ابتلي طالب العلم بحب التصدر والشهرة وأن يلتفت الناس إليه والتلهف لأن يحتاج الناس إليه فقد ابتلي بداء عظيم، ثم لا يلبث أن تجده طاعناً في العلماء الأثبات الثقات الذين شهد لهم أهل السلامة بالخير، لا بد أن يقوده ذلك إلى أن يطعن في العلماء الكبار، الثقات، أهل الخير، أهل الهدى، أهل السنة، ككبار علمائنا في هيئة كبار العلماء، وفي اللجنة الدائمة، والكبار من غيرهم كالشيخ صالح آل الشيخ، والشيخ عبد المحسن العباد، والشيخ ربيع المدخلي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ صالح السحيمي، وغيرهم كثير ممن يعرفهم طلاب العلم، وتجد في لحن قوله ما يدل على أنه يطعن في هؤلاء، لا نصرة للدين، وإنما لأنه يراهم عقبة في طريق شهرته.
ولذلك يا إخوة إذا انتقد العلماء شيئاً أو شخصاً تجد في نقدهم حب الدين، وظهور الحق، ورد الباطل، كما تجد ذلك جلياً في ردود الشيخ ربيع المدخلي، فإن المنصف إذا قرأ ردود الشيخ يجد فيها حباً لظهور الدين، ورغبة، وتديناً، ونصرة، بينما تجد في كلام البعض ما يدل على حظوظ النفس، ثم لا يلبث أن يصرح بذلك، فيقول: كلما قلنا لهم شيئا قالوا: العلماء ما قالوا، العلماء ما بينوا، فلم تقول أنت؟! فيصرح بالسبب في الطعن في أولئك العلماء، ثم لا يلبث أن يأتي الناس بأمر محدث، لأنه كما جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: ما بال الناس لا يتبعوني، قد حفظت القرآن، وحصلت العلم، إنهم لن يتبعوني حتى أحدث لهم أمراً، فيحدث لهم أمراً يشتهر به، فإما أن يقع في بدعة الاعتداء في التكفير، أو يأتي ببدعة تخالف ما عليه أهل السنة والجماعة من أنواع البدع ليشتهر بها، ويعرف بها، فإذا بين له العلماء أنها بدعة كابر ورد عليهم، ليس رداً بالحق وإنما رد بالباطل، أقول هذا يا إخوة نصحاً لنفسي -وما أحوجني إلى ذلك-، ونصحاً لإخواني حتى لا نقع في هذه البلية.
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشفي من ابتلي بهذا، وأن يرده إلى الهدى، والحق، والسنة، وأن يجعله إن عاد علماً من أعلام السنة، وأن يكفيني وإياكم شر هذا البلاء، وأن يجعلنا هداة مهتدين، نحب الخير وأهله، وننصر الحق وأهله.
هذه كلمة قلتها لسؤال سألني إياه أحد طلاب العلم حول هذا الموضوع، فأسأل الله عز وجل أن يجعل في كلامي حقاً، وأن يجعله خيراً ونافعاً."
المصدر سحاب