محمد عمر سالم بازمولبعض الناس يردد قوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، حينما يسمع تحذيراً أو وصفاً لأحدهم بأنه من أهل البدع، فهل هذا مستقيم؟ بمعنى هل من الغيبة ذكر الشخص المعين ووصفه بالمقالة الصادرة منه وما فيها من بدعه؟
الجواب : ذكر أصحاب البدع والتحذير منهم هو من باب النصيحة ، والرسول r يقول: "الدين النصيحة" . وقد قرر العلماء أن من النصيحة التحذير من أهل البدع وكشف حال الشخص الذي يُسأل المسلم عنه إذا احتاج إلى ذلك في زواج أو تجارة أو نحوها.
بل إن الرسول r أباح عرض المسلم وعقوبته المالية في أمور أخرى منها إذا امتنع عن تسديد الدين لمن أدانه، مع وجدانه ما يقضي به حق المدين، فقد جاء في الحديث: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".
وهذا إنما أوردته لبيان أن عموم قوله r: "كل المسلم على المسلم حرام..." ليس معناه المنع من التحذير من المسلم ووصفه بما يناسب حاله إذا كان من أهل البدع.
وعمل السلف رضوان الله عليهم على هذا الأساس، فهذه كتب الجرح والتعديل مليئة بوصف الرواة بالبدعة وبغيرها بما يناسب حالهم، وهذا نصيحة منهم للدين، والدين النصيحة.
وبعض الناس لا يتورع عن أن يقول عن أمثال قتادة والحسن: قدري مرجئ ونحو ذلك ، ثم يتورع عن أن يقول عن فلان وفلان ممن يعاصرهم: إنهم حزبيون إخوان، فيهم بدعة!!
وأنقل كلاماً لابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/225-236)، في مسألة هل من الغيبة تعيين الشخص والتحذير منه، حيث قال ما حاصله: "ذكر الناس بما يكرهون هو في الأصل على وجهين:
أحدهما : ذكر النوع .
والثاني : ذكر الشخص المعين الحي أو الميت.
أما الأول (يعني: ذكر النوع) فكل صنف ذمه الله ورسوله يجب ذمه وليس ذلك من الغيبة كما أن كل صنف مدحه الله ورسوله يجب مدحه وما لعنه الله ورسوله لعن كما أن من صلى الله عليه وملائكته يصلى عليه .... .
وأما الشخص المعين ؛ فيذكر ما فيه من الشر في مواضع؛
منها المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه كما قالت هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وانه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي؟ فقال لها النبي: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". كما قال: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته"، وقال وكيع: عرضه: شكايته وعقوبته: حبسه. وقال تعالى: ?لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ? (النساء:14، وقد روى أنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه، فإذا كان هذا فيمن ظلم بترك قراه الذي تنازع الناس في وجوبه - وان كان الصحيح انه واجب - فكيف بمن ظلم بمنع حقه الذي انفق المسلمون على استحقاقه إياه أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير وترك ذلك أفضل ؟!
ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم كما في الحديث عن فاطمة بنت قيس لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم من تنكح وقالت: انه خطبني معاوية وأبو جهم فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء" ، وروى: "لا يضع عصاه عن عاتقه" فبين لها أن هذا فقير قد يعجز عن حقك وهذا يؤذيك بالضرب وكان هذا نصحا لها وان تضمن ذكر عيب الخاطب.
وفي معنى هذا نصح الرجل فيمن يعامله ومن يوكله ويوصى إليه ومن يستشهده بل ومن يتحاكم إليه وأمثال ذلك.
وإذا كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتلق به حقوق عموم المسلمين من الأمراء والحكام والشهود والعمال أهل الديوان وغيرهم؛ فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم كما قال النبي: "الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وقد قالوا لعمر بن الخطاب في أهل الشورى أمر فلانا وفلانا فجعل يذكر في حق كل واحد من الستة وهم أفضل الأمة أمرا جعله مانعا له من تعيينه.
وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحي بن سعيد: سألت مالكا والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ فقالوا: بين أمره.
وقال بعضهم لأحمد ابن حنبل: انه يثقل على أن أقول فلان كذا وفلان كذا فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل؛ فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء، وقد قال النبي:"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"؛ وذلك أن الله يقول في كتابه: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ? (الحديد:25)، فأخبر انه أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانه أنزل الحديد كما ذكره؛
فقوام الدين بالكتاب الهادي، والسيف الناصر وكفي بربك هاديا ونصيرا؛
والكتاب هو الأصل ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد.
وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون.
وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ? في آيتين من القرآن [في التوبة73، وفي التحريم9]؛
فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله.
وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد ألتبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ?لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ? (التوبة:47)؛
فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم؛ فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم.
بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها.
ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ومن يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة، وان كان المخطئ المجتهد مغفورا له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده؛
فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب وان كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله.
ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له فإن الله غفر له خطأه بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك.
وإن علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله مثل عبد الله بن أبى وذويه وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضة عبد الله بن سبأ وأمثاله مثل عبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن سعيد المصلوب فهذا يذكر بالنفاق.
وإن أعلن بالبدعة ولم يعلم هل كان منافقا أو مؤمنا مخطئا ذكر بما يعلم منه فلا يحل للرجل أن يقفو ما ليس له به علم ولا يحل له أن يتكلم في هذا الباب إلا قاصدا بذلك وجه الله تعالى وان تكون كلمة الله هي العليا وان يكون الدين كله لله فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثما. وكذلك القاضي والشاهد والمفتى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق فقضى بخلاف ذلك فهو في النار"، وقد قال تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهدى أن تعدلوا وان تلووا وتعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا?.
و اللي هو الكذب و الإعراض: كتمان الحق، ومثله ما في الصحيحين عن النبي انه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
ثم القائل في ذلك بعلم لابد له من حسن النية فلو تكلم بحق لفصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء. و إن تكلم لأجل الله تعالى مخلصا له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل.
وليس هذا الباب مخالفا لقوله: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره"؛ فإن الأخ هو المؤمن والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق الذي يحبه الله ورسوله، وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه بل عليه أن يقوم بالقسط ويكون شاهدا لله ولو على نفسه أو والديه أو أقربيه، ومتى كره هذا الحق كان ناقصا في إيمانه ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه فلم يعتبر كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه إذ كراهته لما لا يحبه الله ورسوله توجب تقديم محبة الله ورسوله كما قال تعالى: ?وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ? (التوبة: من الآية62).
ثم قد يقال: هذا لم يدخل في حديث الغيبة لفظا ومعنى.
وقد يقال: دخل في ذلك الذين خص منه كما يخص العموم اللفظي والعموم المعنوي وسواء زال الحكم لزوال سببه أو لوجود ما نعه فالحكم واحد والنزاع في ذلك يؤول إلى اللفظ إذ العلة قد يعنى بها التامة وقد يعنى بها المقتضية والله اعلم واحكم وصلى على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"اهـ باختصار.
فإن قيل: نحن إنما نصف القول والعمل و لا نصف الشخص.
بعض الناس يرى أن يصف القول والفعل بالبدعة، دون أن يصف صاحبه، ويتخذ هذا ديناً يتبعه، ويرى الشطط في خلافه!
والواقع أن القضية فيها نوع من التكلف، وتوضيح ذلك :
أن كل من صدر منه قول أو فعل بدعي فإن قوله منه، فوصفه بمقتضى القول أو الفعل الذي صدر منه لا تعدي فيه عليه إلا إذا اشتمل الوصف على ما ليس فيه، أو صحب الوصف شيء زائد على مجرد الوصف وهو الحكم عليه بالبدعة والهوى عيناً قبل قيام الحجة وثبوت الشروط وانتفاء الموانع.
فهنا عندنا قضيتان :
الأولى : وصفه بالبدعة.
الثانية : الحكم عليه بمقتضى هذا الوصف من اتباع الهوى.
وبعض العلماء يفرق بين القضيتين بطريقة أخرى :
فهو يصف صاحب القول والفعل البدعي بأنه صاحب بدعة، و لا يصفه بأنه مبتدع إلا إذا ثبت لديه أن الحجة قامت على هذا المعين وأنه عاند واتبع هواه وعقله بدلاً من اتباع الحجة والدليل.
أمّا الامتناع نهائياً عن وصف المعين بالبدعة ولزوم وصف القول أو الفعل فهذا نوع من التجريد العقلي الذي لا يتطابق مع الواقع، فإن القول له قائل، والفعل له فاعل؛ ونحن إنما نصف صاحب الفعل بالبدعة نتيجة هذا الذي صدر منه، تحذيراً وزجراً له، وكشفاً لحاله أمام غيره حتى لا يغتر به.
وأئمة الحديث ما كانوا يمتنعون عن وصف الراوي ببدعته، فإن ظهر لهم شيء من الغلو في البدعة حذروا منه تحذيراً بليغاً ووصفوه بحسب حاله، إن كان داعية أو غير داعية، ولم نسمع عنهم رحمهم الله امتناعهم عن وصف الرجل بقوله البدعي أو بالفعل البدعي الذي فعله واكتفاؤهم بمجرد وصف القول أو الفعل!
وحاول القاسمي رحمه الله في رسالة له أن يفرق بين أصحاب البدع الغلاة وغيرهم، ممن نسب إلى البدعة ولم تثبت عليه فقال عن هؤلاء بأنهم رواة مبدعون، ووصف الأولين بأنهم مبتدعون، ولم يقل نصف القول والفعل دون الشخص المعين!
ولست أرى هذا الأسلوب من التعامل في طريق الدعوة الإسلامية إلا طريقاً مائلاً عن الصراط المستقيم ناكباً عن سبيل المؤمنين.
أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله ع
الجواب : ذكر أصحاب البدع والتحذير منهم هو من باب النصيحة ، والرسول r يقول: "الدين النصيحة" . وقد قرر العلماء أن من النصيحة التحذير من أهل البدع وكشف حال الشخص الذي يُسأل المسلم عنه إذا احتاج إلى ذلك في زواج أو تجارة أو نحوها.
بل إن الرسول r أباح عرض المسلم وعقوبته المالية في أمور أخرى منها إذا امتنع عن تسديد الدين لمن أدانه، مع وجدانه ما يقضي به حق المدين، فقد جاء في الحديث: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".
وهذا إنما أوردته لبيان أن عموم قوله r: "كل المسلم على المسلم حرام..." ليس معناه المنع من التحذير من المسلم ووصفه بما يناسب حاله إذا كان من أهل البدع.
وعمل السلف رضوان الله عليهم على هذا الأساس، فهذه كتب الجرح والتعديل مليئة بوصف الرواة بالبدعة وبغيرها بما يناسب حالهم، وهذا نصيحة منهم للدين، والدين النصيحة.
وبعض الناس لا يتورع عن أن يقول عن أمثال قتادة والحسن: قدري مرجئ ونحو ذلك ، ثم يتورع عن أن يقول عن فلان وفلان ممن يعاصرهم: إنهم حزبيون إخوان، فيهم بدعة!!
وأنقل كلاماً لابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/225-236)، في مسألة هل من الغيبة تعيين الشخص والتحذير منه، حيث قال ما حاصله: "ذكر الناس بما يكرهون هو في الأصل على وجهين:
أحدهما : ذكر النوع .
والثاني : ذكر الشخص المعين الحي أو الميت.
أما الأول (يعني: ذكر النوع) فكل صنف ذمه الله ورسوله يجب ذمه وليس ذلك من الغيبة كما أن كل صنف مدحه الله ورسوله يجب مدحه وما لعنه الله ورسوله لعن كما أن من صلى الله عليه وملائكته يصلى عليه .... .
وأما الشخص المعين ؛ فيذكر ما فيه من الشر في مواضع؛
منها المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه كما قالت هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وانه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي؟ فقال لها النبي: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". كما قال: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته"، وقال وكيع: عرضه: شكايته وعقوبته: حبسه. وقال تعالى: ?لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ? (النساء:14، وقد روى أنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه، فإذا كان هذا فيمن ظلم بترك قراه الذي تنازع الناس في وجوبه - وان كان الصحيح انه واجب - فكيف بمن ظلم بمنع حقه الذي انفق المسلمون على استحقاقه إياه أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير وترك ذلك أفضل ؟!
ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم كما في الحديث عن فاطمة بنت قيس لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم من تنكح وقالت: انه خطبني معاوية وأبو جهم فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء" ، وروى: "لا يضع عصاه عن عاتقه" فبين لها أن هذا فقير قد يعجز عن حقك وهذا يؤذيك بالضرب وكان هذا نصحا لها وان تضمن ذكر عيب الخاطب.
وفي معنى هذا نصح الرجل فيمن يعامله ومن يوكله ويوصى إليه ومن يستشهده بل ومن يتحاكم إليه وأمثال ذلك.
وإذا كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتلق به حقوق عموم المسلمين من الأمراء والحكام والشهود والعمال أهل الديوان وغيرهم؛ فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم كما قال النبي: "الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وقد قالوا لعمر بن الخطاب في أهل الشورى أمر فلانا وفلانا فجعل يذكر في حق كل واحد من الستة وهم أفضل الأمة أمرا جعله مانعا له من تعيينه.
وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحي بن سعيد: سألت مالكا والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ فقالوا: بين أمره.
وقال بعضهم لأحمد ابن حنبل: انه يثقل على أن أقول فلان كذا وفلان كذا فقال: إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل؛ فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء، وقد قال النبي:"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"؛ وذلك أن الله يقول في كتابه: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ? (الحديد:25)، فأخبر انه أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانه أنزل الحديد كما ذكره؛
فقوام الدين بالكتاب الهادي، والسيف الناصر وكفي بربك هاديا ونصيرا؛
والكتاب هو الأصل ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد.
وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون.
وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ? في آيتين من القرآن [في التوبة73، وفي التحريم9]؛
فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله.
وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد ألتبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ?لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ? (التوبة:47)؛
فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم؛ فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم.
بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها.
ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ومن يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة، وان كان المخطئ المجتهد مغفورا له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده؛
فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب وان كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله.
ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له فإن الله غفر له خطأه بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك.
وإن علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله مثل عبد الله بن أبى وذويه وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضة عبد الله بن سبأ وأمثاله مثل عبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن سعيد المصلوب فهذا يذكر بالنفاق.
وإن أعلن بالبدعة ولم يعلم هل كان منافقا أو مؤمنا مخطئا ذكر بما يعلم منه فلا يحل للرجل أن يقفو ما ليس له به علم ولا يحل له أن يتكلم في هذا الباب إلا قاصدا بذلك وجه الله تعالى وان تكون كلمة الله هي العليا وان يكون الدين كله لله فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثما. وكذلك القاضي والشاهد والمفتى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق فقضى بخلاف ذلك فهو في النار"، وقد قال تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهدى أن تعدلوا وان تلووا وتعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا?.
و اللي هو الكذب و الإعراض: كتمان الحق، ومثله ما في الصحيحين عن النبي انه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
ثم القائل في ذلك بعلم لابد له من حسن النية فلو تكلم بحق لفصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء. و إن تكلم لأجل الله تعالى مخلصا له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل.
وليس هذا الباب مخالفا لقوله: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره"؛ فإن الأخ هو المؤمن والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق الذي يحبه الله ورسوله، وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه بل عليه أن يقوم بالقسط ويكون شاهدا لله ولو على نفسه أو والديه أو أقربيه، ومتى كره هذا الحق كان ناقصا في إيمانه ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه فلم يعتبر كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه إذ كراهته لما لا يحبه الله ورسوله توجب تقديم محبة الله ورسوله كما قال تعالى: ?وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ? (التوبة: من الآية62).
ثم قد يقال: هذا لم يدخل في حديث الغيبة لفظا ومعنى.
وقد يقال: دخل في ذلك الذين خص منه كما يخص العموم اللفظي والعموم المعنوي وسواء زال الحكم لزوال سببه أو لوجود ما نعه فالحكم واحد والنزاع في ذلك يؤول إلى اللفظ إذ العلة قد يعنى بها التامة وقد يعنى بها المقتضية والله اعلم واحكم وصلى على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"اهـ باختصار.
فإن قيل: نحن إنما نصف القول والعمل و لا نصف الشخص.
بعض الناس يرى أن يصف القول والفعل بالبدعة، دون أن يصف صاحبه، ويتخذ هذا ديناً يتبعه، ويرى الشطط في خلافه!
والواقع أن القضية فيها نوع من التكلف، وتوضيح ذلك :
أن كل من صدر منه قول أو فعل بدعي فإن قوله منه، فوصفه بمقتضى القول أو الفعل الذي صدر منه لا تعدي فيه عليه إلا إذا اشتمل الوصف على ما ليس فيه، أو صحب الوصف شيء زائد على مجرد الوصف وهو الحكم عليه بالبدعة والهوى عيناً قبل قيام الحجة وثبوت الشروط وانتفاء الموانع.
فهنا عندنا قضيتان :
الأولى : وصفه بالبدعة.
الثانية : الحكم عليه بمقتضى هذا الوصف من اتباع الهوى.
وبعض العلماء يفرق بين القضيتين بطريقة أخرى :
فهو يصف صاحب القول والفعل البدعي بأنه صاحب بدعة، و لا يصفه بأنه مبتدع إلا إذا ثبت لديه أن الحجة قامت على هذا المعين وأنه عاند واتبع هواه وعقله بدلاً من اتباع الحجة والدليل.
أمّا الامتناع نهائياً عن وصف المعين بالبدعة ولزوم وصف القول أو الفعل فهذا نوع من التجريد العقلي الذي لا يتطابق مع الواقع، فإن القول له قائل، والفعل له فاعل؛ ونحن إنما نصف صاحب الفعل بالبدعة نتيجة هذا الذي صدر منه، تحذيراً وزجراً له، وكشفاً لحاله أمام غيره حتى لا يغتر به.
وأئمة الحديث ما كانوا يمتنعون عن وصف الراوي ببدعته، فإن ظهر لهم شيء من الغلو في البدعة حذروا منه تحذيراً بليغاً ووصفوه بحسب حاله، إن كان داعية أو غير داعية، ولم نسمع عنهم رحمهم الله امتناعهم عن وصف الرجل بقوله البدعي أو بالفعل البدعي الذي فعله واكتفاؤهم بمجرد وصف القول أو الفعل!
وحاول القاسمي رحمه الله في رسالة له أن يفرق بين أصحاب البدع الغلاة وغيرهم، ممن نسب إلى البدعة ولم تثبت عليه فقال عن هؤلاء بأنهم رواة مبدعون، ووصف الأولين بأنهم مبتدعون، ولم يقل نصف القول والفعل دون الشخص المعين!
ولست أرى هذا الأسلوب من التعامل في طريق الدعوة الإسلامية إلا طريقاً مائلاً عن الصراط المستقيم ناكباً عن سبيل المؤمنين.
أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله ع