مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد:
نصيحة عامة لرؤساء الدول الإسلامية وعامة المسلمين
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر والصحة والمرض والفقر والغنى والقوة والضعف , لينظر كيف يعملون , وهل يكونون مطيعين له في حال الرخاء والشدة , قائمين بحقوقه سبحانه في كل الأوقات والأحوال , قال تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } (1) وقال سبحانه وتعالى : { الم } (2) { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } (3) { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (4)
إذا علم هذا فإن الله سبحانه يختبر العباد ويمتحن شكرهم وصبرهم لينالوا الجزاء منه كل منهم على حسب حاله وما صدر منه , فالواجب على المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة المال أن يتذكر أخاه الفقير فيواسيه من ماله , ويعينه على تحمل أعباء الحياة , ويؤدي حق الله الواجب في المال وأن يتذكر دائما قوله سبحانه وتعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (5) وإذا كان المسلم معافى
__________
(1) سورة الأنبياء الآية 35
(2) سورة العنكبوت الآية 1
(3) سورة العنكبوت الآية 2
(4) سورة العنكبوت الآية 3
(5) سورة القصص الآية 77
(2/161)
ومثل ذلك إذا كان قويا في علمه فعليه أن ينفع عباد الله المسلمين الذين حرموا نعمة العلم فيرشدهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم , ويعلمهم ما أوجب الله عليهم , كما أن على المسلم الفقير أو المريض العاجز أن يصبر على ما أصابه , ويرجو الفضل من عند الله سبحانه , ويجتهد في فعل الأسباب المباحة التي يكشف الله بها ما أصابه , وليتذكر الجميع قول الرب سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (1) وما يقال بالنسبة للأفراد يقال بالنسبة للأمم المسلمة إذ يجب على الأمة القوية في مالها أو رجالها أو سلاحها أو علومها أن تمد الأمة المستضعفة , وأن تعينها على الحفاظ على نفسها ودينها وتمنع عنها الذئاب من حولها المتسلطة عليها , - وأن تؤتيها من مال الله الذي آتاها فهذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية التي عقدها الرب سبحانه بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها , إذ يقول جل شأنه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (2) فيا أيها الزعماء والقادة ويا أيها المسلمون في كل مكان : أدعوكم إلى تطبيق مقتضى الآية الكريمة والعمل على إقامة الأخوة الحقيقية بين كل المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم , وأن يكون المسلمون يدا على من سواهم , واعلموا وفقكم الله أن وسائل الابتلاء في هذا العصر أكثر
__________
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2) سورة الحجرات الآية 10
(2/162)
ولقد قرر العلماء رحمهم الله أنه
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (5665),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586),مسند أحمد بن حنبل (4/270).
(2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2314),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585),سنن الترمذي البر والصلة (192,سنن النسائي الزكاة (2560).
(3) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/91).
(4) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/91).
(2/163)
(2/164)
__________
(1) سورة الحج الآية 40
(2) سورة الحج الآية 41
(3) سورة المائدة الآية 2
(4) سورة العصر الآية 1
(5) سورة العصر الآية 2
(6) سورة العصر الآية 3
(2/165)