الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (3 يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
فما أشبهنا في هذه الأيام بحال ذلك الرجل الذي أخذ يبحث عند عمود من أعمدة الإنارة , يبحث الأرض, منقِّبا و مفتّشا في السحر الأعلى فأتى آت كان مارا فسأله عما تبحث؟,
قال: فقدت مفتاح بيتي فأنا أبحث عنه قال وسقط منك ها هنا ؟
قال: لا لقد سقط هناك في الظلام قال: ولِما تبحث عنه ها هنا؟
قال لأن المكان هاهنا مضاء , وأما المكان هنالك فمظلم , وأنا لا أستطيع أن أبحث عنه في الظلام . فأنا أفتش عنه ها هنا , نحن نبحث عن الأشياء حيث يمكن أن نبحث عن الأشياء , والأصل أنّنا نبحث عن الأشياء حيث يجب أن نبحث عن الأشياء .
جاء رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره الله على الدين كله , فبين السبيل , ووضح المنهاج , ودلّنا على الجادة التي تركنا عليها , وهي بيضاء لا تشتبه أعلامها , ولا يزيغ عنها إلا هالك , ووضعنا على رأس الصراط المستقيم , وغايته رضوان الله تبارك وتعالى وجنته , وكفانا الله تبارك وتعالى بالدين الخاطر , بالإسلام العظيم , أفكار المفكرين وتأصيل المؤصلين وتنظير المنظرين , ودلّنا النبي الأمين صلى الله عليه و آله وسلم أنه ليس أحد ممن كان قبله , كائنا ما كان أمره , ولو كان كليم الله موسى , دلّنا على أنه ليس لأحد ممن كان قبله كائنا ما كان أمره لو كان حيا عنده فيسعه أن يخالفه , لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني , لا يسع أحدا أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ودين الله تبارك وتعالى الذي رضيه لخلقه في أرضه إلى أن يقيم الساعة أكمله الله رب العالمين وأتمه , وأتم أجزل به على خلقه في أرضه النعمة , ورضيه لهم دينا إلى أن يلقَوه , فلا تبديل فيه , ولا تحريف ولا تغيير , لأنه لمّا كان لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فقد وجب أن تكون الحجة قائمة أبدا , بحيث إنه لا يقوم لأحد عند الله عذر مع قيامها , الأعذار كلها مقطوعة , والحجج كلها ممنوعة , وحجة الدين قائمة , وحجة الخلق دون الدين داحضة , وعليه فكان لابد من حفظ الدين , لا يغير ويبدل ولا يزاد فيه و لا ينقص منه ولا يصحَّف و لا يحرَّف فضلا عن أن يمسخ ويشوه , حتى يصير دينا سوى الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
وخاصة هذا الدين ما فيه من الثبات , لأن الله رب العالمين أكمله وأتمه ورضيه لخلقه في أرضه , فلا يمكن أن يبدَّل أو يغيَّر ثابت أبدا لأنه دين الله رب العالمين , ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا قبل الدين التغيير فصار فيه من العوج على حسب التغيير فمن يقيمه بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم , لذا حفظه الله رب العالمين نفسه وتولى حفظه ولم يستحفظ عليه خلقه , كما استحفظ الدين قبلنا الرهبان والأحبار فغيّروا وبدّلوا ومسخوا وشوّهوا وقدّموا وأخروا وزادوا ونقصوا وبدلوا .
كان الدين قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يُرسل به الرسول ويأتي به النبي يدل على الهداية ويرشد إلى الصراط المستقيم , كلما هلك نبي تبعه نبي من قبل ربنا تبارك وتعالى ومن لدنه , و لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فديننا دين كامل , شامل , تام , لا يقبل التحريف و لا يقبل التزييف و لا يقبل المسخ و لا التشويه و كل من حاول شيئا من ذلك فضحه الله , ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلّغ الرسالة , وأدّى الأمانة , وعلّمنا الصدع بالحق , في كل حين وحال , لا مداهنة ولا مواربة و لا تنازل عن شيء من ثوابت الدين لأنه لا يملك أحد ذلك قط .
الدين دين الله , وهو حافظه , والله رب العالمين ناصره ومؤيد من دعا إليه , فالحق منصور ومحارب أيضا , ولكن النصر لمن تمسّك بالحق , و تأمل في حال نبيك صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم تأمل في طريقته في الدعوة وفي بيانه الحق تأمل في منهاجه ودعوته , وتأمل في حاله وسنته , واخشع مليا عند وحي يتنزّل و ليهدأ قلبك فإن العاقبة للمتقين روى البيهقي عن الحاكم بسنده عن ابن إسحاق ومن طريقٍ روى أحمد في المسند عن ابن إسحاق , وإسناد الحديث حسن , قال: ابن إسحاق حدثنا يحي بن عروة عن أبيه عروة قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في ما كانت تظهره من عداوته فقال : لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ,سفّه أحلامنا , وشتم آباءنا , وعاب ديننا , وفرق جماعتنا , وسب آلهتنا , وصرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا كل ذلك قاله وفعله رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهذا كله في مكة قبل الهجرة والمسلمون مستضعفون يشردون يضطهدون يعذّبون يخرجون يقتلون و يعتدى عليهم وهذا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فمضى فلما مرّ بهم الثانية في طوافه حول الكعبة غمزوه بمثلها فعرفتها في وجهه فمضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال أتسمعون يا معشر قريش أنا والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح , قد يقول قائل هل استضعاف لا يرفع فيها المرء رأسه و لا يبدي لفظه بل ولا يظهر نفسه يقال فيها جئتكم بالذبح سيعتدون عليه , على من؟ إنه رسول الله والدين الذي يدعوا إليه هو دين الله أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح , فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع أُثبتت فلا يتحرك ولا يتحرك منه عضو كأنما يحرص على أن لا يهيج طائرا وقع على رأسه ,كان على رأسه الطير, حتى إن أشدّهم فيه وساطا قبل ذلك ليرفؤوه بأحسن ما يجد من القول ,حتى إن أشدهم فيه وساطا قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول , حتى إنه ليقول : انصرف أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا , فانصرف رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ,حتى إذا كان الغد وجاءهم أبو مرّة وهي كنية اللعين الشيطان الرجيم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحِجر قال و أنا معهم فقال بضهم لبعض مكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا و كذا للذي كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك , ولقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ردائه وقام أبو بكر يبكي دونه ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ,ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشا بلغت منه قط صلى الله وسلم وبارك عليه .
الدين دين الله والعبد عبده , و النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله والمسلم يتأسى به لا يزيَّف الدين ولا يشوه في معالمه وأصوله ولا يحرف في مواده ونصوصه.
الدين دين الله والعبد عبده والرسول رسول الله والله حافظ دينه وجنده ومبلّغ أمره , وهو على كل شيء قدير وهو فعّال لما يريد .
أخرج الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن عساكر في التاريخ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :(( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم .)) والحديث حديث صحيح بُعثت بالسيف بين يدي الساعة هو قضيب الأدب السيف قضيب الأدب بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له إن الله جل وعلا ذكر من الرسل عليهم الصلاة والسلام جملة كثيرة هم :نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و داوود وسليمان وأيوب ويونس ويوسف وموسى وهارون و زكريا و يحي وعيسى و إلياس و اليسع ولوط .وذكر تعالى بعد أن ذكرهم عليهم الصلاة والسلام أنه هداهم إلى صراط مستقيم , و قال تعالى : { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } [الأنعام/88] ,
آمنت بالله وحده لا شريك له , و لا معبود بحق سواه , خلق الخلق ليعبدوه , ليوحدوه بالعبادة , ويفردوه , ليصرفوا العبادة كلها لوجهه الكريم , ظاهرا وباطنا , يعبدوه وحده , ولكي لا يشركوا به شيئا , أرسل الرسل , وأنزل الكتب , وقامت المعركة بين جند الرحمن وجند الشيطان ونصبت سوق الجهاد .
ذكر الله من ذكر من الأنبياء والمرسلين وهم صفوة الصفوة من خلق الله رب العالمين , ثم أتبع ذلك بقوله جلّ و علا مهددا و محذرا و موعدا و منذرا ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون , وهم من هم وقد أعاذهم الله من الشرك .
بعثت بالسيف بين يدي الساعة ليعبد الله وحده لا شريك له , هذه هي المسألة وهذا أصلها وهذه هي الدعوة وهذا نصها : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا , والنبي صلى الله عليه و آله وسلم يدعوا إلى ذلك يفتتح به دعوته كما افتتح المرسلون قبله دعوتهم يدور على الأسواق والمجامع وفي المواسم يغشى مجتمعات الناس يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .
كلمة الحق ودعوة الصدق والعروة الوثقى والكلمة الطيبة عليها أسست الملة و أقيمت الشرائع ولأجلها خلق الخلق ولأجلها خلق السماوات والأرض , ولأجلها أنزل الكتب وأرسل الرسل ونصبت سوق الجهاد ولأجلها يقيم الساعة ولجلها تنصب الموازين , وبسببها تتطاير الصحف , فآخذ بيمينه من أمام و آخذ بشماله من وراء ظهره , ولأجلها يضرب الجسر على متن جهنم , فناج مسلّم وناج مخدوش , و مكردس في نار جهنم , لأجلها خلقت الجنة والنار كل ذلك من اجل إفراد العزيز الجبار الغفّار بالعبادة وحده .
هذه هي الدعوة , وهذا هو الدين , ندعو الناس إليه نعبِّدو الخلق للرّب الجليل , لكي لا يعبد في الأرض سواه , وليفرد وحده بالعبادة لا شريك له , هي دعوة المرسلين , ودعوة النبي الأمين , ومن خالف فهي الجحيم , ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون , بل قال الله جلّ وعلا مبيِّنا أنه لا يعفى من ذلك أحد حتى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وهو خليل الله وصفيّه , وكليمه , ونجيّه , وهو سيد ولد آدم , وسيد المرسلين , يتوجه إليه هذا الخطاب الإلهي الكريم : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين (4 بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } [النساء48/49] , هذه حقيقة دين الإسلام العظيم , إذا لم يدعى إلى هذا فإلى أي شيء يدعى إن أراد امرؤ إصلاحا في الأرض لا فسادا فحاذ عن هذا الصراط فهو داع إلى الفساد مجانب للإصلاح .
إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يكتل ثم يأخذ بعد ذلك بالتعليم بل علم ثم كتّل ويعكس القوم المسألة تجمعوا الجموع ناعقة زائقة لا تدري ما تقول تختلف أهواؤها وتتبدد وجهاتها بطاقاتها و لا كذلك فِعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
القلة منصورة ممدوحة والكثرة مخذولة مذمومة , إذا قضى ربك وهو ما ذكر في كتابه المجيد فلا عليك إن كنت على الحق أن يضل الخلق والله عاصمك لن تمسك بهديه ووحيه وسار على درب نبيه صلى الله عليه و آله وسلم .
التوحيد بدأ الأمر ومنتهاه , وما بين ذلك , والقرآن من فاتحته إلى خاتمته في التوحيد , في الدعوة إليه والحض على التمسك به والتحذير من مخالفته وبيان ما أعد الله رب العالمين لمن حققه وبيان ما أعد الله رب العالمين لمن خالفه مع ذكر الأمم من وافق ومن خالف , من أعزّ الله ومن خذل , القرآن من فاتحته إلى خاتمته في توحيد ربنا جلّ وعلا , وفي الدعوة إلى صرف العبادة كلها لوجهه الكريم , وحياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كلها توحيد, كلامه توحيد , وحركة حياته توحيد , منامه و يقضته بكاؤه و ضحكه , طعامه وشرابه كله توحيد , وهو خير من حقق التوحيد , صلى الله وسلم بارك عليه , وخير من دعا إلى التوحيد وخير من بين معالم التوحيد , وخير من جاهد دون التوحيد , وأعظم من حارب الشرك والمشركين والكفر والكافرين والبدعة والمبتدعين فصلى الله وسلم وبارك عليه .
الخصومة إنما وقعت في التوحيد , في توحيد العبادة , إن القوم قد سمحت نفوسهم بالمال مبذولا ليكفّ عنهم , بل إنهم وفيهم من الأنفة ما فيهم قد سمحت نفوسهم بأن يتوج ملكا عليهم والرسول صلى الله عليه و آله وسلم لا يدعو إلى هذا ولا إلى شيء منه وإنما يدعو إلى توحيد ربه : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا, بها جاء النبيون والمرسلون أجمعون .
فرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خاصم قومه وخاصمه قومه في توحيد العبادة في صرفها لله وحده لا شريك له , وكانوا يعبدون الله ويعبدون معه سواه ويحبون الله ويحبون معه غيره كانوا يقدمون القرابين لله ولآلهتهم وكانوا يحجّون يلبون هاتفين باسم الله مدخلين في التلبية آلهتهم .
الخصومة في التوحيد , في إفراد الله وحده بالعبادة , لن تَعرف حقيقة دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا حقيقة التوحيد حتى تعرف دين المشركين , إذا لم تعرف دين المشركين لن تعرف حقيقة دين محمد الأمين صلى الله عليه و آله وسلم , لأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يخاصمهم في أن الله متفرد بالخلق و لا بالملك ولا بالتدبير ولا بالإحياء و لا بالإماتة , فهم يقرون بذلك كلهم , يقر بذلك لا يجحده لا ينكره , من أبي جهل إلى من دونه , كلهم مقر بأ ن الله مالك الملك , وخالق الخلق , ومدبر الأمر , و هو المحي و هو المميت , لا ينازعون في ذلك و هم مقرون أيضا أن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله رب العالمين لا تخلق و لا ترزق ولا تدبّر أمرا ولا تفعل شيئا , فما هي الخصومة إذن بين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والمشركين التي لأجلها استبيحت دماؤهم ونساؤهم و ذراريُّهم ودورهم وأموالهم وأرضهم و كانوا خالدين مخلدين في النار , ما هي الخصومة إذن , كانوا يقولون هذه الأصنام لا تنفع بنفسها ولا تضر وإنما هي وسائط عند الله , ما نعبدها لأجل أنها تفعل شيئا , هذه الأصنام إنما نعبدها لتقربنا إلى الله رب العالمين تقريبا فعبادتهم إياها لأن لها عند الله وجها , هؤلاء شفعاؤنا عند الله , هذا موطن الخصومة , ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من كان يعبد ملكا ومن يعبد نبيا مرسلا ومن يعبد شجرة ومن يعبد حجرا ومن يعبد نجما من يعبد بشرا لم يفرق بين هؤلاء جميعا كلهم سواسية كأسنان الحمار , كلهم متطابقون , حذو النعل بالنعل , فحاربهم جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم , علينا أن نظهر دين الإسلام , وأن نعرضه على العالم كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الإسلام الذي يفصّل اليوم بمزق مقطعة ليصير مرقعة بثوب يبدي من العورة أكثر مما يسترها ويقال هذا دين الإسلام الذي جاء به رسوله , هذا تزييف وهذا من أعظم الجرائم التي ترتكب وتمارس في هذا العصر, يحرفون دين الإسلام باسم الإسلام ويغيرون معالم الملة باسم الملة ويبدلون دعائم الشرائع باسم الشرائع , أكبر جريمة ترتكب في هذا العصر هي هذه جريمة .
لا تشوهوا الدين لا تبدلوا معالمه لا تغيروا شرائعه , اعرضوه كما جاء به نبيه أبدوه كما أظهره رسوله ولا عليكم من الخلق من أطاع فاهتدى فقد فاز وأنجح ومن تولى وأعرض فعلى نفسها تجني براقش , ولا عليك منه والنار مثوى المتكبرين , والنار مثوى الكافرين وقد أديت ما عليك و لا عليك , لا تزيف الدين لا ترقعه فثوبه القشيب لا يقبل ترقيعا , حاشا لله لقد أُكمل , لا يتهرأ نسيجه ولا يمزق فيرقع , وإنما هو دين الله لو عرفت الله لعرفت رسول الله ولو عرفت الله وعرفت رسول الله لعرفت دين الله , فتخشع عنده وتسكن وتذل لأمر ربك وتخضع , والله يرعاك وهو وحده يتولاك .
ينبغي علينا أن نعلم موطن الخصومة لا تنازل في دين الله , التوحيد أصله فلا يزيّف فيه و لا يبدّل ولا يغير و لا يزاد فيه و لا ينقص منه إنما ينبغي أن يعرض الإسلام كما أنزله الله على قلب رسوله صلى الله عليه و آله وسلم وإلا فإن الدعوة لا تكون إلى دين محمد صلى الله عليه و آله وسلم وإنما إلى دين مخترع , مزيف على الله , مبتدع على رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه .
وتأمل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث المسند الذي مرّ من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري , قضى ربك أن كل من خالف رسول الله فهو في ذلة , فهو في صغار تحل عليه الضعة و الاتضاع والشنار كل من خالف رسول الله فهو صغير قليل حقير , كل من خالف رسول الله فهو مهين ذليل بلا قضى ربك ولا مغير لما قضى و لا مبدِّل لما أمضى وهو فعال لما يريد قال رسول الله وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري إذا خالفنا الدين حلّ علينا الذل فإذا أردنا العزة علينا أن نعاود الأمر , كما في حديث أبي داوود من رواية ابن عمر رضي الله عنهما إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم , إذا خالفتم خولف لكم , إذا لم تخلصوا شيب لكم , إذا توليتم أُعرض عنكم , إذا رضيتم بالدون حلت عليكم المذلة سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم , وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري , فهذه كتلك , ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قسمين , القسم الأول لا يعتقد طاعة أمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم كمخالفة الكفار وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فهؤلاء في الذلة والصغار كتبت عليهم المذلة ظاهرا وباطنا مهما فعلوا , ومهما ارتقوا في رأي العين , فإنهم في الدرك الأسفل والحضيض الأوهد والحمأة المنتنة , وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري .
هؤلاء لا يرون طاعته أصلا فعليهم من المذلة والصغار بحسب مخالفتهم وأما من اعتقد طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالف فهم نوعان أيضا , النوع الأول يخالف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لأجل الشهوات يخالف أمر الرسول صلى الله عليه و سلم وهو معتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار , إنهم وإن طقطقت بهم البغال و هملجت بهم البرادين فإن ذلّ المعصية في رقابهم , أبى الله إلا أن يذل من عصاه , اللهم أخرجنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة , أبى الله إلا أن يذل من عصاه كل من عصى الله أذله الله كل من عصى رسول الله فقد عصى الله , أذله الله , وله من الذلة والمذلة والشنار والصغار على حسب مخالفته لرسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه فهذا نوع , ونوع يخالف النبي صلى الله عليه و سلم معتقدا طاعته وهم من خالفوه لأجل داعي الشبهات كأهل البدع الذين يغيرون الدين باسم الدين , ويعصون النبي الأمين باسم التقرب إلى رب العالمين , أهل الأهواء والبدع يغيرون معالم الملة ويبدلون دعائم الشريعة ويدعون أنهم يحسنون صنعا , وهم المسيئون حقا , ومن تشبه بقوم فهو منهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:(( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن)) .
لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه , قالوا يا رسول الله فارس والروم ؟ قال ومن الناس إلا هم ؟ وفي رواية قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ فمن إذن ؟ وهذا سؤال إستنكاري فمن إذن ؟ الغرض البلاغي منه التقريب , يعني هو كما قلتم , فمن إذن ؟ .
الناس يحيون في مجتمع تقاربت أطرافه و التمت على بعضها نواحيه فصارت آفاته مستشرية فيه كالداء الخبيث , يرتع في جسد شريف نظيف فلا يدع فيه خلية إلا أصابها , والمناعة والتحصين في الوحي المعصوم , به وحده تعيش خائضا في بركة من الوحل هي الحياة هي الدنيا بما فيها مما هو فيها ممن حطّت إليه مما قد انطلق في أرجائها من الملذات والشهوات والآثام و الرذائل راتعة في كل صوب ناعقة داعية إلى الفسق من كل حدب , به وحده بالوحي المعصوم تخوض في بركة من الوحل والطين لا يمسك منه شيء مهما كان المجتمع متدنيا ومهما كانت الأخلاق هابطة بالوحي المعصوم تحيى في حصن معصوم لا يمسك فيه سوء , تحيى في حصن من فضائلك وهي فضائل الدين , تحيى في تمنة عالية من أخلاق الإسلام العظيم ويتدنّ الخلق في وحدة هابطة من قرارات الجحيم بما تسفلوا إليه من أخلاق هي دون أخلاق البهائم .
والله إن لنشتم البهائم إن شبهنا بها من تسفل أولئك كالأنعام بل هم أضل , فإن الأنعام لا تأكل إلا لتحيى والمفترس منها لا يعتدي إلا ليعيش , وهي لا تسافد إلا لحفظ النوع فإذا علقت أنثى من ذكرها اجتنبها حتى تضع ثم اعتزلها حتى تقوم على وليدها , راعية له حتى يستقل وأما الإنسان فدون ذلك بدركات إذا انحط هابطا منفلتا عنده قيد الشهوات , متمردا على رب الأرض والسماوات , الناس يحيون في عالم قد التمت أطرافه واجتمعت نواحيه وأصاب المسلمين فيه من مخالطتهم لأهل الكفر كثير من الشرور وأعظمها التقليد , يقلدون وقديما كان التقليد مهلكة , وأنت خبير بما كان من أمر من كان حديث عهد بكفر لمّا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حنين فمرّوا بشجرة عظيمة فقالوا : يا رسول الله اِجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال :الله أكبر و في رواية سبحان الله قلتم و الذي نفسي بيده كما قال بنوا إسرائيل لموسى : اِجعل لنا إله كما لهم آلهة .
انظر إلى أثر الخلطة و هو هو , القوم اليوم يقولون اِجعل لنا دستورا كما لهم دستور , اِجعل لنا ديمقراطية كما لهم ديمقراطية , اِجعل لنا المجالس النيابية كما لهم مجالس نيابية , اِجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
الله أكبر ,قلتم كما قال بنوا إسرائيل لموسى : اِجعل لنا إلها كما لهم آلهة , نسأل الله رب العالمين أن يفهمنا حقيقة الدين , وأن يحسن لنا الختام أجمعين .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (3 يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
فما أشبهنا في هذه الأيام بحال ذلك الرجل الذي أخذ يبحث عند عمود من أعمدة الإنارة , يبحث الأرض, منقِّبا و مفتّشا في السحر الأعلى فأتى آت كان مارا فسأله عما تبحث؟,
قال: فقدت مفتاح بيتي فأنا أبحث عنه قال وسقط منك ها هنا ؟
قال: لا لقد سقط هناك في الظلام قال: ولِما تبحث عنه ها هنا؟
قال لأن المكان هاهنا مضاء , وأما المكان هنالك فمظلم , وأنا لا أستطيع أن أبحث عنه في الظلام . فأنا أفتش عنه ها هنا , نحن نبحث عن الأشياء حيث يمكن أن نبحث عن الأشياء , والأصل أنّنا نبحث عن الأشياء حيث يجب أن نبحث عن الأشياء .
جاء رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره الله على الدين كله , فبين السبيل , ووضح المنهاج , ودلّنا على الجادة التي تركنا عليها , وهي بيضاء لا تشتبه أعلامها , ولا يزيغ عنها إلا هالك , ووضعنا على رأس الصراط المستقيم , وغايته رضوان الله تبارك وتعالى وجنته , وكفانا الله تبارك وتعالى بالدين الخاطر , بالإسلام العظيم , أفكار المفكرين وتأصيل المؤصلين وتنظير المنظرين , ودلّنا النبي الأمين صلى الله عليه و آله وسلم أنه ليس أحد ممن كان قبله , كائنا ما كان أمره , ولو كان كليم الله موسى , دلّنا على أنه ليس لأحد ممن كان قبله كائنا ما كان أمره لو كان حيا عنده فيسعه أن يخالفه , لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني , لا يسع أحدا أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ودين الله تبارك وتعالى الذي رضيه لخلقه في أرضه إلى أن يقيم الساعة أكمله الله رب العالمين وأتمه , وأتم أجزل به على خلقه في أرضه النعمة , ورضيه لهم دينا إلى أن يلقَوه , فلا تبديل فيه , ولا تحريف ولا تغيير , لأنه لمّا كان لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فقد وجب أن تكون الحجة قائمة أبدا , بحيث إنه لا يقوم لأحد عند الله عذر مع قيامها , الأعذار كلها مقطوعة , والحجج كلها ممنوعة , وحجة الدين قائمة , وحجة الخلق دون الدين داحضة , وعليه فكان لابد من حفظ الدين , لا يغير ويبدل ولا يزاد فيه و لا ينقص منه ولا يصحَّف و لا يحرَّف فضلا عن أن يمسخ ويشوه , حتى يصير دينا سوى الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
وخاصة هذا الدين ما فيه من الثبات , لأن الله رب العالمين أكمله وأتمه ورضيه لخلقه في أرضه , فلا يمكن أن يبدَّل أو يغيَّر ثابت أبدا لأنه دين الله رب العالمين , ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فإذا قبل الدين التغيير فصار فيه من العوج على حسب التغيير فمن يقيمه بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم , لذا حفظه الله رب العالمين نفسه وتولى حفظه ولم يستحفظ عليه خلقه , كما استحفظ الدين قبلنا الرهبان والأحبار فغيّروا وبدّلوا ومسخوا وشوّهوا وقدّموا وأخروا وزادوا ونقصوا وبدلوا .
كان الدين قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يُرسل به الرسول ويأتي به النبي يدل على الهداية ويرشد إلى الصراط المستقيم , كلما هلك نبي تبعه نبي من قبل ربنا تبارك وتعالى ومن لدنه , و لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فديننا دين كامل , شامل , تام , لا يقبل التحريف و لا يقبل التزييف و لا يقبل المسخ و لا التشويه و كل من حاول شيئا من ذلك فضحه الله , ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلّغ الرسالة , وأدّى الأمانة , وعلّمنا الصدع بالحق , في كل حين وحال , لا مداهنة ولا مواربة و لا تنازل عن شيء من ثوابت الدين لأنه لا يملك أحد ذلك قط .
الدين دين الله , وهو حافظه , والله رب العالمين ناصره ومؤيد من دعا إليه , فالحق منصور ومحارب أيضا , ولكن النصر لمن تمسّك بالحق , و تأمل في حال نبيك صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم تأمل في طريقته في الدعوة وفي بيانه الحق تأمل في منهاجه ودعوته , وتأمل في حاله وسنته , واخشع مليا عند وحي يتنزّل و ليهدأ قلبك فإن العاقبة للمتقين روى البيهقي عن الحاكم بسنده عن ابن إسحاق ومن طريقٍ روى أحمد في المسند عن ابن إسحاق , وإسناد الحديث حسن , قال: ابن إسحاق حدثنا يحي بن عروة عن أبيه عروة قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في ما كانت تظهره من عداوته فقال : لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ,سفّه أحلامنا , وشتم آباءنا , وعاب ديننا , وفرق جماعتنا , وسب آلهتنا , وصرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا كل ذلك قاله وفعله رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهذا كله في مكة قبل الهجرة والمسلمون مستضعفون يشردون يضطهدون يعذّبون يخرجون يقتلون و يعتدى عليهم وهذا قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فمضى فلما مرّ بهم الثانية في طوافه حول الكعبة غمزوه بمثلها فعرفتها في وجهه فمضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال أتسمعون يا معشر قريش أنا والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح , قد يقول قائل هل استضعاف لا يرفع فيها المرء رأسه و لا يبدي لفظه بل ولا يظهر نفسه يقال فيها جئتكم بالذبح سيعتدون عليه , على من؟ إنه رسول الله والدين الذي يدعوا إليه هو دين الله أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح , فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع أُثبتت فلا يتحرك ولا يتحرك منه عضو كأنما يحرص على أن لا يهيج طائرا وقع على رأسه ,كان على رأسه الطير, حتى إن أشدّهم فيه وساطا قبل ذلك ليرفؤوه بأحسن ما يجد من القول ,حتى إن أشدهم فيه وساطا قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول , حتى إنه ليقول : انصرف أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا , فانصرف رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ,حتى إذا كان الغد وجاءهم أبو مرّة وهي كنية اللعين الشيطان الرجيم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحِجر قال و أنا معهم فقال بضهم لبعض مكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا و كذا للذي كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك , ولقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ردائه وقام أبو بكر يبكي دونه ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ,ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشا بلغت منه قط صلى الله وسلم وبارك عليه .
الدين دين الله والعبد عبده , و النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله والمسلم يتأسى به لا يزيَّف الدين ولا يشوه في معالمه وأصوله ولا يحرف في مواده ونصوصه.
الدين دين الله والعبد عبده والرسول رسول الله والله حافظ دينه وجنده ومبلّغ أمره , وهو على كل شيء قدير وهو فعّال لما يريد .
أخرج الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن عساكر في التاريخ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :(( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم .)) والحديث حديث صحيح بُعثت بالسيف بين يدي الساعة هو قضيب الأدب السيف قضيب الأدب بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له إن الله جل وعلا ذكر من الرسل عليهم الصلاة والسلام جملة كثيرة هم :نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب و داوود وسليمان وأيوب ويونس ويوسف وموسى وهارون و زكريا و يحي وعيسى و إلياس و اليسع ولوط .وذكر تعالى بعد أن ذكرهم عليهم الصلاة والسلام أنه هداهم إلى صراط مستقيم , و قال تعالى : { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } [الأنعام/88] ,
آمنت بالله وحده لا شريك له , و لا معبود بحق سواه , خلق الخلق ليعبدوه , ليوحدوه بالعبادة , ويفردوه , ليصرفوا العبادة كلها لوجهه الكريم , ظاهرا وباطنا , يعبدوه وحده , ولكي لا يشركوا به شيئا , أرسل الرسل , وأنزل الكتب , وقامت المعركة بين جند الرحمن وجند الشيطان ونصبت سوق الجهاد .
ذكر الله من ذكر من الأنبياء والمرسلين وهم صفوة الصفوة من خلق الله رب العالمين , ثم أتبع ذلك بقوله جلّ و علا مهددا و محذرا و موعدا و منذرا ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون , وهم من هم وقد أعاذهم الله من الشرك .
بعثت بالسيف بين يدي الساعة ليعبد الله وحده لا شريك له , هذه هي المسألة وهذا أصلها وهذه هي الدعوة وهذا نصها : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا , والنبي صلى الله عليه و آله وسلم يدعوا إلى ذلك يفتتح به دعوته كما افتتح المرسلون قبله دعوتهم يدور على الأسواق والمجامع وفي المواسم يغشى مجتمعات الناس يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .
كلمة الحق ودعوة الصدق والعروة الوثقى والكلمة الطيبة عليها أسست الملة و أقيمت الشرائع ولأجلها خلق الخلق ولأجلها خلق السماوات والأرض , ولأجلها أنزل الكتب وأرسل الرسل ونصبت سوق الجهاد ولأجلها يقيم الساعة ولجلها تنصب الموازين , وبسببها تتطاير الصحف , فآخذ بيمينه من أمام و آخذ بشماله من وراء ظهره , ولأجلها يضرب الجسر على متن جهنم , فناج مسلّم وناج مخدوش , و مكردس في نار جهنم , لأجلها خلقت الجنة والنار كل ذلك من اجل إفراد العزيز الجبار الغفّار بالعبادة وحده .
هذه هي الدعوة , وهذا هو الدين , ندعو الناس إليه نعبِّدو الخلق للرّب الجليل , لكي لا يعبد في الأرض سواه , وليفرد وحده بالعبادة لا شريك له , هي دعوة المرسلين , ودعوة النبي الأمين , ومن خالف فهي الجحيم , ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون , بل قال الله جلّ وعلا مبيِّنا أنه لا يعفى من ذلك أحد حتى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وهو خليل الله وصفيّه , وكليمه , ونجيّه , وهو سيد ولد آدم , وسيد المرسلين , يتوجه إليه هذا الخطاب الإلهي الكريم : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين (4 بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } [النساء48/49] , هذه حقيقة دين الإسلام العظيم , إذا لم يدعى إلى هذا فإلى أي شيء يدعى إن أراد امرؤ إصلاحا في الأرض لا فسادا فحاذ عن هذا الصراط فهو داع إلى الفساد مجانب للإصلاح .
إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يكتل ثم يأخذ بعد ذلك بالتعليم بل علم ثم كتّل ويعكس القوم المسألة تجمعوا الجموع ناعقة زائقة لا تدري ما تقول تختلف أهواؤها وتتبدد وجهاتها بطاقاتها و لا كذلك فِعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .
القلة منصورة ممدوحة والكثرة مخذولة مذمومة , إذا قضى ربك وهو ما ذكر في كتابه المجيد فلا عليك إن كنت على الحق أن يضل الخلق والله عاصمك لن تمسك بهديه ووحيه وسار على درب نبيه صلى الله عليه و آله وسلم .
التوحيد بدأ الأمر ومنتهاه , وما بين ذلك , والقرآن من فاتحته إلى خاتمته في التوحيد , في الدعوة إليه والحض على التمسك به والتحذير من مخالفته وبيان ما أعد الله رب العالمين لمن حققه وبيان ما أعد الله رب العالمين لمن خالفه مع ذكر الأمم من وافق ومن خالف , من أعزّ الله ومن خذل , القرآن من فاتحته إلى خاتمته في توحيد ربنا جلّ وعلا , وفي الدعوة إلى صرف العبادة كلها لوجهه الكريم , وحياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كلها توحيد, كلامه توحيد , وحركة حياته توحيد , منامه و يقضته بكاؤه و ضحكه , طعامه وشرابه كله توحيد , وهو خير من حقق التوحيد , صلى الله وسلم بارك عليه , وخير من دعا إلى التوحيد وخير من بين معالم التوحيد , وخير من جاهد دون التوحيد , وأعظم من حارب الشرك والمشركين والكفر والكافرين والبدعة والمبتدعين فصلى الله وسلم وبارك عليه .
الخصومة إنما وقعت في التوحيد , في توحيد العبادة , إن القوم قد سمحت نفوسهم بالمال مبذولا ليكفّ عنهم , بل إنهم وفيهم من الأنفة ما فيهم قد سمحت نفوسهم بأن يتوج ملكا عليهم والرسول صلى الله عليه و آله وسلم لا يدعو إلى هذا ولا إلى شيء منه وإنما يدعو إلى توحيد ربه : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا, بها جاء النبيون والمرسلون أجمعون .
فرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خاصم قومه وخاصمه قومه في توحيد العبادة في صرفها لله وحده لا شريك له , وكانوا يعبدون الله ويعبدون معه سواه ويحبون الله ويحبون معه غيره كانوا يقدمون القرابين لله ولآلهتهم وكانوا يحجّون يلبون هاتفين باسم الله مدخلين في التلبية آلهتهم .
الخصومة في التوحيد , في إفراد الله وحده بالعبادة , لن تَعرف حقيقة دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا حقيقة التوحيد حتى تعرف دين المشركين , إذا لم تعرف دين المشركين لن تعرف حقيقة دين محمد الأمين صلى الله عليه و آله وسلم , لأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يخاصمهم في أن الله متفرد بالخلق و لا بالملك ولا بالتدبير ولا بالإحياء و لا بالإماتة , فهم يقرون بذلك كلهم , يقر بذلك لا يجحده لا ينكره , من أبي جهل إلى من دونه , كلهم مقر بأ ن الله مالك الملك , وخالق الخلق , ومدبر الأمر , و هو المحي و هو المميت , لا ينازعون في ذلك و هم مقرون أيضا أن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله رب العالمين لا تخلق و لا ترزق ولا تدبّر أمرا ولا تفعل شيئا , فما هي الخصومة إذن بين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والمشركين التي لأجلها استبيحت دماؤهم ونساؤهم و ذراريُّهم ودورهم وأموالهم وأرضهم و كانوا خالدين مخلدين في النار , ما هي الخصومة إذن , كانوا يقولون هذه الأصنام لا تنفع بنفسها ولا تضر وإنما هي وسائط عند الله , ما نعبدها لأجل أنها تفعل شيئا , هذه الأصنام إنما نعبدها لتقربنا إلى الله رب العالمين تقريبا فعبادتهم إياها لأن لها عند الله وجها , هؤلاء شفعاؤنا عند الله , هذا موطن الخصومة , ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من كان يعبد ملكا ومن يعبد نبيا مرسلا ومن يعبد شجرة ومن يعبد حجرا ومن يعبد نجما من يعبد بشرا لم يفرق بين هؤلاء جميعا كلهم سواسية كأسنان الحمار , كلهم متطابقون , حذو النعل بالنعل , فحاربهم جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم , علينا أن نظهر دين الإسلام , وأن نعرضه على العالم كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الإسلام الذي يفصّل اليوم بمزق مقطعة ليصير مرقعة بثوب يبدي من العورة أكثر مما يسترها ويقال هذا دين الإسلام الذي جاء به رسوله , هذا تزييف وهذا من أعظم الجرائم التي ترتكب وتمارس في هذا العصر, يحرفون دين الإسلام باسم الإسلام ويغيرون معالم الملة باسم الملة ويبدلون دعائم الشرائع باسم الشرائع , أكبر جريمة ترتكب في هذا العصر هي هذه جريمة .
لا تشوهوا الدين لا تبدلوا معالمه لا تغيروا شرائعه , اعرضوه كما جاء به نبيه أبدوه كما أظهره رسوله ولا عليكم من الخلق من أطاع فاهتدى فقد فاز وأنجح ومن تولى وأعرض فعلى نفسها تجني براقش , ولا عليك منه والنار مثوى المتكبرين , والنار مثوى الكافرين وقد أديت ما عليك و لا عليك , لا تزيف الدين لا ترقعه فثوبه القشيب لا يقبل ترقيعا , حاشا لله لقد أُكمل , لا يتهرأ نسيجه ولا يمزق فيرقع , وإنما هو دين الله لو عرفت الله لعرفت رسول الله ولو عرفت الله وعرفت رسول الله لعرفت دين الله , فتخشع عنده وتسكن وتذل لأمر ربك وتخضع , والله يرعاك وهو وحده يتولاك .
ينبغي علينا أن نعلم موطن الخصومة لا تنازل في دين الله , التوحيد أصله فلا يزيّف فيه و لا يبدّل ولا يغير و لا يزاد فيه و لا ينقص منه إنما ينبغي أن يعرض الإسلام كما أنزله الله على قلب رسوله صلى الله عليه و آله وسلم وإلا فإن الدعوة لا تكون إلى دين محمد صلى الله عليه و آله وسلم وإنما إلى دين مخترع , مزيف على الله , مبتدع على رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه .
وتأمل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث المسند الذي مرّ من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري , قضى ربك أن كل من خالف رسول الله فهو في ذلة , فهو في صغار تحل عليه الضعة و الاتضاع والشنار كل من خالف رسول الله فهو صغير قليل حقير , كل من خالف رسول الله فهو مهين ذليل بلا قضى ربك ولا مغير لما قضى و لا مبدِّل لما أمضى وهو فعال لما يريد قال رسول الله وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري إذا خالفنا الدين حلّ علينا الذل فإذا أردنا العزة علينا أن نعاود الأمر , كما في حديث أبي داوود من رواية ابن عمر رضي الله عنهما إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم , إذا خالفتم خولف لكم , إذا لم تخلصوا شيب لكم , إذا توليتم أُعرض عنكم , إذا رضيتم بالدون حلت عليكم المذلة سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم , وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري , فهذه كتلك , ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قسمين , القسم الأول لا يعتقد طاعة أمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم كمخالفة الكفار وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فهؤلاء في الذلة والصغار كتبت عليهم المذلة ظاهرا وباطنا مهما فعلوا , ومهما ارتقوا في رأي العين , فإنهم في الدرك الأسفل والحضيض الأوهد والحمأة المنتنة , وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري .
هؤلاء لا يرون طاعته أصلا فعليهم من المذلة والصغار بحسب مخالفتهم وأما من اعتقد طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالف فهم نوعان أيضا , النوع الأول يخالف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لأجل الشهوات يخالف أمر الرسول صلى الله عليه و سلم وهو معتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار , إنهم وإن طقطقت بهم البغال و هملجت بهم البرادين فإن ذلّ المعصية في رقابهم , أبى الله إلا أن يذل من عصاه , اللهم أخرجنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة , أبى الله إلا أن يذل من عصاه كل من عصى الله أذله الله كل من عصى رسول الله فقد عصى الله , أذله الله , وله من الذلة والمذلة والشنار والصغار على حسب مخالفته لرسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه فهذا نوع , ونوع يخالف النبي صلى الله عليه و سلم معتقدا طاعته وهم من خالفوه لأجل داعي الشبهات كأهل البدع الذين يغيرون الدين باسم الدين , ويعصون النبي الأمين باسم التقرب إلى رب العالمين , أهل الأهواء والبدع يغيرون معالم الملة ويبدلون دعائم الشريعة ويدعون أنهم يحسنون صنعا , وهم المسيئون حقا , ومن تشبه بقوم فهو منهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:(( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن)) .
لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه , قالوا يا رسول الله فارس والروم ؟ قال ومن الناس إلا هم ؟ وفي رواية قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ فمن إذن ؟ وهذا سؤال إستنكاري فمن إذن ؟ الغرض البلاغي منه التقريب , يعني هو كما قلتم , فمن إذن ؟ .
الناس يحيون في مجتمع تقاربت أطرافه و التمت على بعضها نواحيه فصارت آفاته مستشرية فيه كالداء الخبيث , يرتع في جسد شريف نظيف فلا يدع فيه خلية إلا أصابها , والمناعة والتحصين في الوحي المعصوم , به وحده تعيش خائضا في بركة من الوحل هي الحياة هي الدنيا بما فيها مما هو فيها ممن حطّت إليه مما قد انطلق في أرجائها من الملذات والشهوات والآثام و الرذائل راتعة في كل صوب ناعقة داعية إلى الفسق من كل حدب , به وحده بالوحي المعصوم تخوض في بركة من الوحل والطين لا يمسك منه شيء مهما كان المجتمع متدنيا ومهما كانت الأخلاق هابطة بالوحي المعصوم تحيى في حصن معصوم لا يمسك فيه سوء , تحيى في حصن من فضائلك وهي فضائل الدين , تحيى في تمنة عالية من أخلاق الإسلام العظيم ويتدنّ الخلق في وحدة هابطة من قرارات الجحيم بما تسفلوا إليه من أخلاق هي دون أخلاق البهائم .
والله إن لنشتم البهائم إن شبهنا بها من تسفل أولئك كالأنعام بل هم أضل , فإن الأنعام لا تأكل إلا لتحيى والمفترس منها لا يعتدي إلا ليعيش , وهي لا تسافد إلا لحفظ النوع فإذا علقت أنثى من ذكرها اجتنبها حتى تضع ثم اعتزلها حتى تقوم على وليدها , راعية له حتى يستقل وأما الإنسان فدون ذلك بدركات إذا انحط هابطا منفلتا عنده قيد الشهوات , متمردا على رب الأرض والسماوات , الناس يحيون في عالم قد التمت أطرافه واجتمعت نواحيه وأصاب المسلمين فيه من مخالطتهم لأهل الكفر كثير من الشرور وأعظمها التقليد , يقلدون وقديما كان التقليد مهلكة , وأنت خبير بما كان من أمر من كان حديث عهد بكفر لمّا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حنين فمرّوا بشجرة عظيمة فقالوا : يا رسول الله اِجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال :الله أكبر و في رواية سبحان الله قلتم و الذي نفسي بيده كما قال بنوا إسرائيل لموسى : اِجعل لنا إله كما لهم آلهة .
انظر إلى أثر الخلطة و هو هو , القوم اليوم يقولون اِجعل لنا دستورا كما لهم دستور , اِجعل لنا ديمقراطية كما لهم ديمقراطية , اِجعل لنا المجالس النيابية كما لهم مجالس نيابية , اِجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
الله أكبر ,قلتم كما قال بنوا إسرائيل لموسى : اِجعل لنا إلها كما لهم آلهة , نسأل الله رب العالمين أن يفهمنا حقيقة الدين , وأن يحسن لنا الختام أجمعين .
الخطبة كاملة في المرفقات
في الخطبة الثانية يذكر الشيخ مواد دستورية لبعض الدول العربية تقضي بأن الحكم للشعب
تعليق