في صفة المبتدع
السؤال: متى يوصف الرجل بالمبتدع؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ البدعة لا تسري في العادات لأنّها تتبع العرف والعادة وإن كانت تسمى بدعة لغوية فليست بدعة في الدين فهي التي ورد فيها النكير والتحذير وهي التعبد لله بما لم يشرعه ولم يكن عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون لقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾[الشورى: 21]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ "(١).
ولا يجوز تبديع كل واحد أو الإسراف في إطلاق لفظة " البدعة" على من خالف بعض المخالفات، فمن ارتكب محرما، أو وقع في معصية يسمى عاصيا وليس كل عاص أو مخطئ مبتدعا، وإنّما كان السلف يصفون بالبدعة من فعل فعلا يتقرب به إلى الله من غير بصيرة وحجة تسند فعله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ "(٢) وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"(٣) وعليه فإنّ من أحدث شيئا في الدين لا دليل شرعي عليه فهو صاحب بدعة، والواجب اتجاهه إقامة الحجة عليه وإزالة ما تعلق به من شبهات ونصحه حتى يرجع عمّا هو عليه، فإن أبى الرجوع أو لم يقبل النصيحة أصلا فهو مبتدع، فإن كانت بدعته مكفرة فيجادَلُ بالتي هي أحسن من غير قدح فيما هو عليه من اعتقاد لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108] فإن وجد منه الظلم والعناد والاستكبار فالواجب بيان باطله من غير أن يجادله ثمّ وجب هجره. أمّا إذا كانت بدعته مفسقة فإنّ الأصل في المسلم يحرم هجره وإن كان فاسقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ"(٤) ما لم يكن في هجره مصلحة ملتمسة تأديبا له للرجوع عن فسقه كمستحضر دواء لداء بدعته، أمّا إذا زاد في معصيته بالهجر والعتو فيها وخاصة إذا كانت شوكة أهل البدع قوية فانحاز إليهم ولا يرجى عودته إلى الحق فإنّه لا يترتب على هجره مصلحة وإنّما المصلحة في ترك هجره.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 21 رجب 1426هـ
المـوافق لـ : 26 أوت 2005م
١- أخرجه الترمذي (2891)، وابن ماجه في المقدمة(44)، وأحمد (17606)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (936).
٢- أخرجه البخاري في الصلح(2697)، ومسلم في الأقضية(4589)، وأبو داود في السنة(460، وابن ماجه في المقدمة(14)، وأحمد(26786)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٣- أخرجه مسلم في الأقضية (4590)، وأحمد (25870)، والدارقطني في سننه (4593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٤- أخرجه البخاري في الأدب (6077)، ومسلم في البر والصلة والآداب (6679)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.