السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لو سمتحتم يا اخوة ،، لقد وجدت هذا الكلام في احدى المنتديات .
فأريد من حضراتكم توضيحه ، والرد عليه .. بارك الله فيكم
الموضوع بنصه كما هـو:--
الحمد لله القائل:
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
[آل عمران:110] ، فجعل خيرية هذه الأمة وتميزها بل وقوامها، وكيانها، وخلودها، واستمراريتها منوطاً بقيامها بالحق ، والدعوة إليه، والدفاع عنه، والنشر له.
فلم يرض الله لهذه الأمة- وهي أمة الرسالة الخاتمة- أن تكون صالحة في نفسها فقط،
بل لا بد أن تكون صالحة بذاتها، مصلحة لغيرها، والخاتمية تعني توقف النبوات ،
وهذا يعني : توقف التصويب من السماء لأي منكر، وخروج وانحراف، لذلك لابد من أن يكون التصويب والقوامة على الحق مستمراً لأن الشر من لوازم الخير، والمنكر من لوازم المعروف،والتدافع بين الخير والشر والمعروف والمنكر من سنن الله الاجتماعية في الخلق،
قال تعالى :
{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز } [ الحج:40]
فلا معني لخلود الرسالة الذي يعني استمرار الحق وحراسته والقيام به إذا لم يستمر التصويب وإنتاج النماذج التي تجسده في كل زمان ومكان ، عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول:
" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذالك أضعف ألإيمان"(1) .
يقول الإمام النووي:
(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج
عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ،
ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو،
وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر وتقصير في المعروف)(2)
وفي تفسير الحديث يقول القاضي عياض-رحمه الله- :
( الحديث أصل في كيفية التغيير، فيجب على المغير أن يغير بكل وجه أمكنه زواله به ، فالتغيير باليد: أن يكسر آلات الباطل، ويريق الخمر،وينزع الغصب،أو يأمر بذلك، فإن خاف، من التغيير باليد مفسدة أشد غير بالقول )(3)
وأقول : في هذا الحديث النبوي الشريف، يبين لنا النبي- صلى الله عليه وسلم- درجات.. تغيير المنكر فيبدأ بما هو أشد تكليفاً، وهو المنع باليد، ثم إن حدث العجز عنه، كان باللسان، فإن عجز، كان بالقلب.
وسأقتصر في البحث –بعون منه سبحانه- في جزئية من هذا الحديث النبوي الشريف،
وهي
[تغيير المنكر باليد]
يقول الدكتور"محمود توفيق"(4):
هذا التغيير ليس مقصوراً على طائفة من الناس يكون لها أوعليها دون غيرها، بل هو عام يختلف مناطه ودرجته باختلاف أمور عدة أهمها:
- علاقة من يقوم بالتغيير بمن يقع منه المنكر.
- نوع المنكر المراد تغييره ومناخات وقوعه.
أحوال تغيير المنكر باليد
وبيان هذا:
أن علاقة المغير بمن وقع منه المنكر، تكون على واحد من خمسة أحوال:
1- أن يكون للمغير ولاية خاصة على ذي المنكر، كولاية الوالد على ولده.
2- أن يكون للمغير ولاية عامة على ذي المنكر، كولاية السلطان على رعيته وأمته.
3- أن لا يكون لأي من المغير وذي المنكر ولاية عامة أو خاصة، كما بين أفراد الرعية.
4- أن يكون لذي المنكر ولاية عامة على المغير، كولاية السلطان الواقع في المنكر على رعيته التي تريد أن تغير منكره.
5- أن يكون ذو المنكر هو السلطان وولي الأمر
هذه خمسة أحوال يختلف حكم التغيير باليد باختلافها، وباختلاف المنكر نفسه وظروفه ، على أن التغيير باليد غير محصور في القوة التي هي استخدام السيف، وما شاكله،
أو الضرب وما ضارعه، فإن التغيير باليد ذو صور ومراحل عديدة، من ذلك استخدام اليد في إفساد آلات المنكر، أو إذهاب عين المنكر كتحطيم أدوات شرب الخمر أو إراقتها،وتهديم حاناتها إذا لم تكن تصلح إلا لذلك، أو غلق الطرق المؤدية إليها،
أو قطع المياه وأدوات ألإنارة عنها، وكذلك إفساد آلات الغناء الماجن،
وأدوات تصوير المنكر أو طبعه أو نشره في الناس، وإفساد أماكن بيعه وتوزيعه
إذا لم تكن تلك الأماكن صالحة إلا لذلك.....الخ
كل هذا وكثير مثله يدخل في التغيير باليد، وهو ليس من استخدام السيف المؤدي إلى إراقة دم أو إزهاق روح.
فالحالة الأولى:
وهي أن يكون لمغير ولاية خاصة على ذي المنكر، مثل ولاية الزوج على زوجته،
أو الوالد على ولده، أساس الحكم في هذا قوله – صلى الله عليه وسلم-:
" كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، ألإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته"(5)
فعلى الوالد والزوج وما ضارعهما تغيير المنكر الواقع ممن هو تحت ولايتهما بيده ، وفقاً لما يتناسب مع هذا المنكر من صور التغيير باليد، فقد يكفي في تغييره إفساد آلته دون اللجوء إلى ما هو فوق ذلك، فكل صورة من صور التغيير تقوم بحق التغيير
لا ينتقل إلى ما فوقها، والوالد والزوج وما ضارعهما له حق التغيير
بكل صور التغيير باليد، دون الحدود أو ما فيه إزهاق روح أو إراقة دم،
فذلك للإمام بحقه الذي شرعه الله عز وجل.
الحالة الثانية:
أن يكون للمغير ولاية عامة على ذي المنكر، كولاية السلطان على رعيته فإن لهذا المغير أو عليه، تغيير منكر رعيته باليد – بكل صور التغيير باليد- تغييراً لا يبقي منه ولا يذر، فيكسِر آلات المنكر، أو يزيل عينه، أو ما يقوم به ويتخذ كل ما يحقق له القيام بهذا الغرض قياماً تاماً خالصاً لله وليس انتصاراً لسلطانه، فإن قاومه ذو المنكر وأعوانه أخذ على أيديهم بما يناسب مع مقاومتهم ، ولو أدى إلى قتل من يقاوم،
إن لم يكن من القتل بدٌ، والعجز عن تغيير المنكر باليد إذا كان لابد منه
لا يتأتى مع حال ولي ألأمر، إن كان صادقا ًمع الله تعالى.
ويأخذ هذا الحكم من ينيبه الولي الأعلى من الأمراء والولاة، كل في حدود ماولاه
وأذن له فيه، ولا يدخل في هذا التغيير باليد العلماء الذين لم تكن لهم نيابة من الولي، إذا كان الوالي مقيماً شرع الله تعالي ، فولاية العالم في رعاية الوالي المسلم إنما هي ولاية تعليم، ونصح وفتوى، وليست ولاية تنفيذ ، أما إن كان الوالي ألأعلى لا يقيم شرع الله في حكمه ، ويأبى تغيير المنكر أو يقر أهله عليه ،أو يزعم أن ذلك من الحقوق الشخصية المكفولة لهم ،بما شرعه هو أو بطانته ،أو بما نص عليه ما يسمى ب"حقوق الإنسان العالمية"، أو كان لا يعترف بأن هذا منكر يجب تغييره،
من بعد أن بينه له العلماء بياناً شافياً لا يتوقف معه من كان غير ذي هوى ، فإن للعلماء بل عليهم فريضة أن يتحدوا وأن يغيروا المنكر بأيديهم، دون البلوغ به حد إزهاق روح، أو إراقة دم، فإن خافوا فتنة بهذا، أضر بالأمة من هذا المنكر
فإنهم أهل الحكمة، يقدرون الأمور بمقاديرها،ويقدمون الأهم على غيره.
والإنكار على الولاة والسلاطين باليد لا يلزم منه أن يخرج عليهم ويقاتلهم بالسيف،
يقول ابن رجب:
( التغيير باليد لا يستلزم القتال،
وقد نص على ذلك أحمد أيضاً في رواية صالح، فقال:
التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذٍ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده
ما فعلوه من المنكرات مثل:
أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ونحو ذلك،
أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك،
وكل هذا جائز وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه،
خشية حدوث الفتن التي تؤدي إلى سفك الدماء )(6).
وقد كان ابن تيمية يغير المنكر هو وأعوانه بيديه ،فقد كسر آنية الخمر في الحانات ، ومزق أوعيتها وأراقها وعزر أهلها، وفرح الناس بذلك، ولولا أن السلطان في عصره لم يكن يقيم الشرع، ويغير المنكر، ما كان لابن تيمية الفقيه أن يتعدى على حقه،
وهو العالم بذلك الحق.
الحالة الثالثة :
ألا يكون لأي من المغير وذي المنكر ولاية عامة أو خاصة على الآخر، كما بين أفراد الرعية ، وهذه الحالة ذات شقين :
- أن يكون ولي الأمر الأعلى يقيم شرع الله، وينكر المنكر ويغيره حتى يعلم به.
- ألاَ يكون كذلك .
فإن كان يقيم الشرع ويغير المنكر، فليس للعامة أن تغير المنكر الواقع ممن ليس لهم عليه ولاية -تغييراً باليد- بل عليهم إبلاغ ولي الأمر أو نوابه ومن أقامهم لذلك،
وهم يتولون ذلك، فإن طلبوا معاونة العامة ،فقد وجب عليهم تقديم العون لهم
وفق مطلوبهم وتحت إمارتهم، وإما أن كان الوالي لا يقيم شرع الله ولا يغير المنكر،
بل يجعله من الحقوق المكفولة بما شرعه هو أو بطانته من قوانين،
فعلى العامة اللجوء إلى أئمة العلماء ،ورفع ألأمر إليهم للتصدي للسلطان،
وحمله على تغيير المنكر، وإلا قاموا هم به، وعلى العامة حينذاك مناصرة العلماء وتأييدهم وحمايتهم، فإن العلماء إذا ما وجدوا أعواناً من العامة قاموا في وجه السلطان الذي لا يقيم شرع الله تعالى، بما يحمله على العدل والسلطان
إذا علم أن الأمة من خلف علمائها خضع للحق الذي يدعوا إليه العلماء وتريده العامة، فإن السلطان الطاغية لا يشتهي شيئاً كمثل إهانة العلماء وإذلالهم وتحطيم منزلتهم في قلوب العامة.
الحالة الرابعة:
أن يكون لذي المنكر ولاية خاصة على من يقوم بتغيير منكره،
كأن يكون ذو المنكر والد المغيِر أو زوجها، فإن كان كذلك فتغيير المنكر باليد
حينئذ يرجع إلى نوع المنكر ودرجته فثم منكر يغير باليد دون أن يلحق صاحب المنكر إيذاء في نفسه ، فللولد والزوجة في مثل هذا تغيير المنكر باليد إذا لم يترتب على ذلك ما هو أشد ضرراً ،وللولد أن يمنع أباه والزوجة زوجها من الإقدام على ما يتعلق به حق الآخرين، كمثل قتل أو إحراق مال...،
فذلك مما لا يحتمل تأخيراً في تغييره بالصد عنه، فإن كان المنكر كفراً بواحاً فليرفعه إلى السلطان المقيم شرع الله تعالى لغيره بما يستحق، فتغيير المنكر باليد ممن هو تحت ولاية ذي المنكر، إنما يجب عليه حين لا يكون غيره أهلاً للقيام به،
أو كانت الملابسات لا تسمح باللجوء إلى آخرين للقيام بذلك،
فإن كان فيمن حولهم من يكون أهلاً للقيام بذلك حق قيامه فالأولى أن يلجأ الولد إليهم لتغيير منكر والده بما يستحق وكذلك الزوجة.
ولقد ذهب الإمام الغزالي-رحمه الله-
إلى أن للولد مع والده الواقع في المنكر أن يغيره بالمنع،وبالقهر، بطريق المباشرة بأن يكسر مثلاً عوده، ويريق خمره،
ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة من الحرير، ويرد إلى المُلاك ما يجده في بيته
من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه، أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين،
إذا كان صاحبه معيناً، ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه ،والمنقورة في خشب بيته ، ويكسر أواني الذهب والفضة، فإن فِعله في هذه ألأمور ليس يتعلق بذات الأب،
بخلاف الضرب والسب ،ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه،
إلا أن فعل الولد حق، وسخط الأب منشؤه حبه للباطل والحرام،
والأظهر في القياس أنه يثبت ذلك للولد بل يلزمه أن يفعل ذلك)(7)
وما نقوله إنما هو في حال ارتكاب المنكر، أو الإعداد له ،
أما إذا كان المنكر قد وقع، فإن أمر صاحبه يرفع إلى السلطان، ليقضي فيه بالحق،
وهذا أصل في جميع ألأحوال، فإن المنع حق عام ولكن العقوبة حق السلطان.
الحالة الخامسة:
أن يكون ذو المنكر هو السلطان وولي الأمر الأعلى، إن كان منكره منكراً خاصاً،
لا يتعلق بحق الرعية، فإن كان يفعله سراً فلمن يراه أن يغيره بما يستطيع إذا لم يترتب على تغييره منكراً أشد منه وأشنع، وليس له الاعتداء على السلطان بدفع ،
أو إيثاق، أو حبس أو ضرب، وليس له إفشاء السر في الناس،
حتى لا يبقى للسلطان في قلوب العامة هيبة مادام مسلماً.
وإن كان منكره مما يجهر به، فعلى علماء الأمة تعريفُه وتعليمُه.
ثم منعُه منه، وعلى العامة مناصرةُ العلماء دون إحداث فتنة أشنع من منكره،
الذي يجاهر به، ما دام هذا المنكر ليس كفراً بواحاً.
وإن كان مكر السلطان متعلقاً بحق رعيته، كفرض مكوس وضرائب ظالمة تنفق فيما لا ينفع المسلمين والرعية، أو كإشاعة الفسق، أو مناصرة الطغاة من رعيته،
واحتجاجه عن المظلومين من رعيته، فعلى العلماء أولاً القيام بتعريفه الحق ونصحه،
فإن لم يفعل، ومكث على ذلك سعى العلماء إلى منعه من ذلك باتحادهم، والتصدي له،
وحشد العامة حولهم، حتى يرتدع خوفاً على سلطانه وليس لهم الخروج عليه بالسيف،
وفي الخروج عليه بالسيف فتنة أشد وأنكى من منكره،
لأن في الخروج عليه بالسيف تهديماً لهيبة الأمة، في عيون وقلوب أعدائها
من الكافرين، وعلى العلماء السعي إلى عزله، بطريقة غير طريق السيف.
وإذا كان المنكر الواقع من السلطان متعلقاً بإقامة شرع الله تعالى،
والحكم بما أنزل الله فإما أن يعلن أن شرع الله هو الحق المطلق،
الكفيل بتحقيق العدالة في الأمة، وأن الإسلام كتاباً وسنة.
في هديه حل لكل ما تعانيه الأمة ، إلا أنه بالرغم من ذلك يأخذ من غيره
لأسباب ظاهرة أو باطنه، كأن يكون في تركه شرع الله تعالى تحقيق مصالحه الخاصة الدنيوية، أو يكون ضعيفاً خواراً أمام قوة داخلية أو خارجية، سعت إلى تنصيبه والياً، فلا يستطيع مخالفة أمرها لقدرتها على التخلص منه بطرق عديدة، فإن مثل هذا السلطان ظالم، فاسق كفره لا يخرج من الإسلام(،
ومن ثم لا يجوز الخروج عليه بالسيف بل يسعى العلماء إلى مناصحته، ومكاشفته، وتبيان الحق له، بما لا يدع شبهة، فإن أناب وأصلح، نوصر وعزّر، وإلا سعى العلماء الصالحون إلى قيادة الأمة لعزله بالحسنى التي لا تزهق فيها روح أو يراق دم.
أما إن أعلن السلطان معارضته للشرع، وتصديه لما أنزل الله، ويرى أن فيما يحكم به صلاح الأمة، وأن ما حكمت به الأمة في صدر الإسلام، وما بعده لا يتوافق مع واقع الأمة في هذا العصر، في شؤونها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولاسيما السياسية الدولية،
فإن مثل هذا كافر كفراً صريحاً، لأن من يزعم أن ما أنزل الله تعالى كتاباً وسنة
لا يصلح لكل زمان ومكان، قد أنكر صريحاً من الدين فيه برهان من الله ورسوله،
فالقرآن كتاب الله تعالى الخالد هدية للأمة، المبين لها شؤون حياتها حتى تقوم الساعة،
لا تستقيم حياة الأمة في أي طور من أطوارها، وأي مناخ من مناخاتها إلا بهديه، ومن لم يؤمن بذلك، فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة لأنه يعتقد بهذا أن الله عاجز عن أن ينزل ما فيه صلاح الأمة حتى قيام الساعة، أو يعتقد أن الأمة، بحاجة إلى كتاب ونبي جديد
يتناغم ـ في زعمه ـ مع واقع الحياة المعاصرة
أو أن الله عجز عن علم ما فيه صلاح الأمة بعد خمسة عشر قرناً من نزول القرآن،
فلم يودع فيه ما يهدي إلى صلاحها من بعد، وكل ذلك لا يتوقف عاقل في القول،
بأن قائله فيه من الله برهان قاطع، بأنه كافر كفراً مخرجاً من الملة.
قال عز وجل: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ
حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء65 ] .
فإذا ما ثبت كفر السلطان كفراً مخرجاً من الملة، فقد وجب على الأمة الخروج عليه
ونزع يد الطاعة منه وعزله، ولو كان عزلاً بالسيف،
فإذا كان لا بد من السيف فهو فريضة، لأنه ليس في الأمة أنكى وأنكر من أن يكون سلطانها كافراً بدينها وليس لكافر على مسلم ولاية.
وتلك هي الحالة التي أبيح فيها للأمة بل فرض عليها الخروج على السلطان
وعزله وإن كان بالسيف: حالة كون لسلطان كافراً كفراً صراحاً.
عن جنادة بن أمية قال:
(دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض فقلنا: حدثنا -أصلحك الله - بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال:
(دعانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فكان فيما أخذه علينا،
أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثره علينا،
وأن لا ننازع الأمر أهله، قال:
"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"(9).
إذاً فالإسلام يدعو إلى الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية خلف ولي أمرها وإن كان عاصياً وعلى الأمة أن تؤدي للوالي حقه عليها وتسأل الله تعالى الذي لها
وتصبر حتى تلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على الحوض، وإن ضرب الإمام الظهر،
وأخذ المال، إلا أن يأمر الوالي بمعصية، أو ينهى عن طاعة عن علم،
أو يأتي من الأقوال والأفعال ما هو كفر صراح فيه من الله برهان، كنزع إقامة صلاة
أو امتناع عن الحكم بما أنزل الله، على نحو ما ذكرنا،
أو مناصرة غير المسلمين وتنفيذ مخططاتهم في إذلال الأمة،
والإرجاف في قومه بأن أمور العالم من حولها وتصريفها إنما هي في يد دولة ما،
غير مسلمة، لبث روح اليأس في قومه فيرتعوا لأعدائها... الخ.
تلك الأفاعيل الماحقة لوجود الأمة المسلمة والعزة والمنعة فمثل ذلك لا يسع الأمة قط الصبر عليه، بل يجب عليها فريضة عين أن تنزع يد الطاعة منه، وأن تخلع بيعته، وإن تولى على المسلمين غيره منهم يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وإن لم يكن لها سبيل إلى تحقيق هذا إلا السيف، فإن السيف أهون من الحياة تحت ولاية مثل هذا السلطان وإن السيف حينذاك هو العدل الذي لا تقوم الحياة المسلمة إلا به.
وإذا كان هدي الإسلام فيما دون كفر الإمام هو الصبر والسمع فيما لا معصية لله تعالى فيه، فإن من هديه أيضاً السعي بالحسنى إلى تغييره واستبداله بإمام صالح ،
إذا كان إلى ذلك سبيل حسن، لا يراق فيه دماء. وعلى علماء الأمة بيان ذلك السبيل الحسن، والدعوة إليه ومناصرته بالحكمة والموعظة الحسنة.
ترك تغيير المنكر لوقوع الأشد منه
إذا كان جلياً أن تغيير المنكر إنما هو لدرء المفاسد، فإذا ما تيقن المسلم،
أو غلب على ظنه الراشد، أن تغييره منكراً سوف يوقعه في منكر أعظم وأعم
فجمهور العلماء يذهبون إلى ترك تغيير ذلك المنكر دفعاً لوقوع ما هو أشد منه
وفي هذا يقول العلامة ابن القيم:
(إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله
فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله...)
ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل
وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه،
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها،
بل لما فتح الله مكة، وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه، خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر،
ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد،
لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه، فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلف ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه .
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة)(10).
وتقدير درجات المنكر في حادثات الحياة ونوازلها، وما بينها من مراتب بحاجة إلى بصيرة نافذة في دقائق فقه الدين، وفي فقه النوازل، الذي هو أساس فقه التدين، وبحاجة أيضاً إلى الحكمة البالغة، وإخلاص النصح في تحقيق ما اشتبه، وتحرير ما اشتجر، وذلك جهد بالغ لا يقوم به إلا صفوة أهل العلم.
يقول ابن تيمية:
(إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما،
بل إما يفعلوهما جميعاً، أو يتركوهما جميعاً، لم يجز أن يؤمروا بمعروف
ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر، فإذا كان المعروف أكثر، أُمر به،
وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه،
بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات وإن كان المنكر أغلب نهى عنه،
وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر، الزائد عليه، أمراً بمنكر، وسعياً في معصية الله ورسوله وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان، لم يؤمر بهما، ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر وتارة يصلح النهي،
وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين
وذلك في الأمور المعينة الواقعة. وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن هذا الباب:
إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن أبيّ وأمثاله
من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره ينوع من عقابه،
مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم،
وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل حاميه) (11)
فتلك حكمة النبوة التي يجب أن يتأسى بها القائمون بتغيير المنكر،
ولهذا قال عمر - رضي الله عنه- بعد أن استبان له نور الحكمة النبوية في هذا:
(قد والله علمت لأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم بركة من أمري) (12) .
وذلك عندما قال عبد الله بن أبي
أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ النبي
- صلى الله عليه وسلم- ذلك القول فقام عمر فقال يا رسول الله
دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-:
"دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" (13) .
ومن ثم فإن تغيير المنكر، المترتب على تغييره آثار فردية وجماعية،
لا يستقيم القيام به إلا من بعد مراجعة ملابساته، والموازنة بينه وبين آثاره
وهذا يقتضي استشارة أهل العلم والحكمة .
ولهذا لا ينبغي أن يتهم العامة والدهماء علماء الأمة حين يوصون بالصبر على ذلك المنكر، حتى يتهيأ له الظروف ومناخات وملابسات أفضل، يؤتي التغيير فيها ثمراً أطيب وأعظم،
وهذا وجه من وجوه المعنى القرآني من قوله تعالى:
{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125].
وفي قوله تعالى:
{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108].
فالحكمة والبصيرة دعامتا النجاح في القيام بتغيير المنكر، قياماً يرضي الله عز وجل ويحقق الغاية من التكليف به .
هـدى الإســـلام
فالموقع المسمى : هدى الاسلام [ ليس على المنهج الصحيح] ..
وأريد ردا على هذا الكلام ،، لأني رددت عليهم ، وأريد دعما منكم جزاكم الله خيرا ..
والمصادر والمراجع أيضا كتبها صاحب هذا المقال.
(1) صحيح مسلم: 1/69/49.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم: 1/215.
(3) الفتح الرباني: 5/125/رقم الحديث:1660.
(4) فقه تغيير المنكر/ص : 95.
(5) صحيح البخاري:1/304/853.
(6) جامع العلوم والحكم: 2/ص 248-249.
(7) إحياء علوم الدين : 2/314.
( راجع في الكفر الذي لا يخرج من الإسلام ، صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، شروحه للنووي.
(9) صحيح مسلم 3/1469 / 1709 .
(10) إعلام الموقعين، لابن القيم 3/4-5 .
(11) الحسبة، لابن تيمية ص38-39 .
(12) البداية والنهاية ، لابن كثير 4/185 .
(13) البخاري ، ج4/1861/4622 ومسلم 4/1998 /2589 .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته