السؤال: كيف يتصرف المسلم الغيور على دينه مع أناس يسبون الله ودينه في الطرقات، وهل يجوز الإمضاء على شكوى جماعية يطالب فيها المشتكون السلطات المعنية بالتصدي للتجاوزات التي تحصل من طرف بعض المنحرفين؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فقد أجمعت الأمة على وجوب إنكار المنكر لما فيه من صلاح العباد والبلاد قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾[آل عمران: 110]، وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]، لكل بحسب قدرته على تغيير المنكر بالقول أو الفعل، أو بيده ولسانه أو بقلبه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(1).
وإنكار المنكر بالقلب من الفروض العينية ويكون بكراهة المنكر وحصول الأثر في القلب بسبب ذلك ولا يسقط الإنكار بالقلب عن أحد في كل الأحوال قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً «أَنْكَرَهَا»-كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا"(2).
أمَّا التغيير باليد واللسان فهو على الكفاية مالم يتغير المنكر إلاَّ بواحد من الجماعة لقدرته على التغيير فتعين عليه وجوبًا مع القدرة، والتغيير باليد يكون من السلطان ونوابه في الولايات العامة، ويجوز استعمال التدرج الإداري والأمني لرفع المنكرات وقمع أهل المعاصي والفجور وتخليص الناس من أضرارهم برفع شكوى جماعية أو منفردة للمصالح المعينة وبالطرق الإدارية المعلومة من غير أن يأخذ هذا المسلك طابع تأليب الناس على ولاة أمورهم، والتشهير بعيوبهم بسببها والتشنيع عليهم، لأنَّ هذا المسار يؤدي بطريق أو بآخر إلى إثارة الرعاع، وإشعال الفتنة، ويوجب الفرقة بين الإخوة، وهذه النتائج غير مرضية شرعا والغاية فيها لا تبرر الوسيلة.
هذا، والتغيير باليد واجب أيضا لمن يتمتع بقدرة على التغيير في الولايات الخاصة كصاحب البيت مع من هم تحت سقفه وولايته، أو من له عليهم سلطة أدبية كالمعلم والمدرس مع تلامذته، ونحوهم وإلاَّ انتقل إلى الإنكار باللسان.
والتغيير ينبغي أن يكون بأسلوب اللين والمجاملة والمداراة والحكمة والموعظة الحسنة كما نصت على ذلك الآيات والأحاديث الشرعية، وهذا إذا كان حال المأمور أو المنهي أنفع له وأبلغ في الزجر، فالناس محتاجون إلى مداراة ورفق والأمر بالمعروف بلا غلظة إلاَّ رجلاً معلناً بالفسق فلا حرمة له كما قال الإمام أحمد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73] وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46].
هذا، ولا يجب على الواحد مصابرة أكثر من اثنين إلاَّ إذا قدر على ذلك، ولا يسقط عنه واجب الإنكار بالسب والشتم والكلام السيء إذا قوي على رده مع وجوب تحمل الأذى، والصبر لله ربِّ العالمين، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[لقمان: 17].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 9 ربيع الثاني 1427هـ
الموافق لـ: 6 مــــايو 2006م
1- أخرجه مسلم في الإيمان (186)، وأبو داود في الصلاة (1142)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5025)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1334)، وأحمد(11371)، والبيهقي (11847)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
2- أخرجه أبو داود كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، عن العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (702) وصحيح أبي داود (4345)
من موقع الشيخ فركوس
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فقد أجمعت الأمة على وجوب إنكار المنكر لما فيه من صلاح العباد والبلاد قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾[آل عمران: 110]، وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]، لكل بحسب قدرته على تغيير المنكر بالقول أو الفعل، أو بيده ولسانه أو بقلبه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(1).
وإنكار المنكر بالقلب من الفروض العينية ويكون بكراهة المنكر وحصول الأثر في القلب بسبب ذلك ولا يسقط الإنكار بالقلب عن أحد في كل الأحوال قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً «أَنْكَرَهَا»-كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا"(2).
أمَّا التغيير باليد واللسان فهو على الكفاية مالم يتغير المنكر إلاَّ بواحد من الجماعة لقدرته على التغيير فتعين عليه وجوبًا مع القدرة، والتغيير باليد يكون من السلطان ونوابه في الولايات العامة، ويجوز استعمال التدرج الإداري والأمني لرفع المنكرات وقمع أهل المعاصي والفجور وتخليص الناس من أضرارهم برفع شكوى جماعية أو منفردة للمصالح المعينة وبالطرق الإدارية المعلومة من غير أن يأخذ هذا المسلك طابع تأليب الناس على ولاة أمورهم، والتشهير بعيوبهم بسببها والتشنيع عليهم، لأنَّ هذا المسار يؤدي بطريق أو بآخر إلى إثارة الرعاع، وإشعال الفتنة، ويوجب الفرقة بين الإخوة، وهذه النتائج غير مرضية شرعا والغاية فيها لا تبرر الوسيلة.
هذا، والتغيير باليد واجب أيضا لمن يتمتع بقدرة على التغيير في الولايات الخاصة كصاحب البيت مع من هم تحت سقفه وولايته، أو من له عليهم سلطة أدبية كالمعلم والمدرس مع تلامذته، ونحوهم وإلاَّ انتقل إلى الإنكار باللسان.
والتغيير ينبغي أن يكون بأسلوب اللين والمجاملة والمداراة والحكمة والموعظة الحسنة كما نصت على ذلك الآيات والأحاديث الشرعية، وهذا إذا كان حال المأمور أو المنهي أنفع له وأبلغ في الزجر، فالناس محتاجون إلى مداراة ورفق والأمر بالمعروف بلا غلظة إلاَّ رجلاً معلناً بالفسق فلا حرمة له كما قال الإمام أحمد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73] وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46].
هذا، ولا يجب على الواحد مصابرة أكثر من اثنين إلاَّ إذا قدر على ذلك، ولا يسقط عنه واجب الإنكار بالسب والشتم والكلام السيء إذا قوي على رده مع وجوب تحمل الأذى، والصبر لله ربِّ العالمين، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[لقمان: 17].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 9 ربيع الثاني 1427هـ
الموافق لـ: 6 مــــايو 2006م
1- أخرجه مسلم في الإيمان (186)، وأبو داود في الصلاة (1142)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5025)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1334)، وأحمد(11371)، والبيهقي (11847)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
2- أخرجه أبو داود كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، عن العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع (702) وصحيح أبي داود (4345)
من موقع الشيخ فركوس