أمن البلاد أهميته و وسائل تحقيقه و حفظه- للشيخ عبد الرزاق العباد

[أبو عمر محمد الفلسطيني]

أمن البلاد أهميته و وسائل تحقيقه و حفظه- للشيخ عبد الرزاق العباد



فهر س الكتاب :

المقدمة : في أهمية الأمن ومكانته
وسائل تحقيق الأمن والمحافظة عليه في ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه سلم .
السبب الأول : الإيمان.
السبب الثاني : إخلاص الدين لله والإقبال على العبادة.
السبب الثالث: الدعاء.
السبب الرابع : الرجوع في الفتن والنوازل لأهل العلم الراسخين المحققين .
ثلاثة أمور يجب الحذر منها عند الفتن
الأمر الأول : العجلة ( لا تكونوا عجلاً )
الأمر الثاني : مذاييع .
الأمر الثالث : لا تكونوا بذراً ).
السبب الخامس : المحافظة على جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة أمره .


يمكنك تحميل الكتاب من المرفقات

المصدر
http://203.29.26.6/web/index.php?pag...n=book&book=65

[أم عبد الكريم]

أحسن الله إليكم على هذا النقل الموفَّق،،

وأنقل هنا ملخص الكتيب،، نقلًا من المحاضرة الأصل لهذه الرسالة،، لذا يوجد به اختلاف يسير في الأسلوب؛ بما تتطلبه طباعته كرسالة،،

مع العلم بأن الشيخ ذكر في الكتيب عشرة وسائل، ولكن الفهرس وُضِع ناقصا في المرفق،،

السبب الأول : الإيمان.
السبب الثاني : إخلاص الدين لله والإقبال على العبادة.
السبب الثالث: الدعاء.
السبب الرابع : الرجوع في الفتن والنوازل لأهل العلم الراسخين المحققين .
ثلاثة أمور يجب الحذر منها عند الفتن
الأمر الأول : العجلة ( لا تكونوا عجلاً )
الأمر الثاني : مذاييع .
الأمر الثالث : (لا تكونوا بذراً ).
السبب الخامس : المحافظة على جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة أمره .
السبب السادس: نشر الوعي بين النَّاس وتفقيههم في الدِّين وتعليمهم سنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
السبب السابع::تحقيق الأخوة الإيمانية.
السبب الثامن: كفُّ الأذى.
السَّبب التَّاسع: تطبيق الحدود التي فيها ردع المعتدي وكفُّ الظَّالم.
السبب العاشر: شكر نعمة الله -تبارك وتعالى-.

نفع الله بهذه الرسالة الصغيرة الحجم العظيمة النفع.. آمين.

*********

أسباب تحقيق الأمن ووسائل المحافظة عليه ترجع إلى عشرة أسباب:
السَّبب الأول: وهو الأساس، وهو السَّبب الأعظم الذي لا أمن إلا به هو: الإيمان.
والإيمان أساس الأمن، بل إنَّ الإيمان في اشتقاقه اللُّغوي مشتقٌّ من الأمن الذي هو ضدُّ الخوف، والإيمان أمن وطمأنينة وسكون وثقة بالله -تبارك وتعالى- وقرارٌ ورضًى واستسلام وانقياد لله -جلَّ وعلا -، والإيمان أساس الأمن، وكلَّما عَظُم حَظُّ العبد من الإيمان عَظُمَ حَظُّهُ من الأمن.
قد قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]، فانظر هذا التَّرتيب لحصول الأمن والاهتداء وأنَّ ذلك إنما يكون بالإيمان ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ أي:لم يخلطوه بشرك بالله -تبارك وتعالى-، فهؤلاء ثوابهم وثمرة إيمانهم الأمن والاهتداء في الدُّنيا والآخرة، الأمن التَّام والاهتداء التَّام في الدُّنيا والآخرة.

السَّبب الثَّاني- وهو متَّصل بالسَّبب الأوَّل ولكنه جدير بالإفراد-: الإخلاص.
إخلاص الدِّين لله وإفراد الله -تبارك وتعالى- وحده بالعبادة والخضوع له –جلَّ وعلا- والمحافظة على طاعته والبعد عما نهى عباده عنه، فهذا من أعظم ما يُنال به الأمن، كما قال-تبارك وتعالى-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[النور:55]، فانظر بمَ يُبدّل الخوف أمنًا والرُّعب طمأنينة والقلق هدوءًا وسكونًا؟ ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فهذا موعود الله –جلَّ وعلا-لأهل الإيمان وأهل الأعمال الصالحة، والأعمال الصَّالحة والذُّل بين يديه هو الذي يجلب للنَّاس الطمأنينة، وكم يغفل الناس عنه؟! والله كم يغفل الناس عنه؟! مع أنه الجالب للطمأنينة والرَّاحة والأمن والإيمان.

قد ثبت في صحيح مسلم عن معقل بن يسار-رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: ((عبادة في الهرج كهجرة إليَّ))[رواه مسلم]، العبادة في الهرج كهجرة مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، والهرج: هو اختلاط أمور النَّاس وحصول الفتن والقلاقل ونشوب المحن بينهم ووجود القتل، إلى ماذا يُرشِد -عليه الصَّلاة والسَّلام-؟ إلى العبادة ((عبادة في الهرج كهجرة إليَّ)).
وقد قال بعض شُرَّاح هذا الحديث: لعلَّ سبب عِظَم شأن العبادة ومكانتها في الهرج أنَّ أكثر النَّاس يغفلون عنها إذا وُجد الهرج، ينشغل النَّاس بالهرج والقيل والقال والخوض في الفتن والتَّصدي لها ويغفلون عن عبادة الله -تبارك وتعالى-؛ ولهذا عظَّم -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم- من شأن العبادة في الهرج، وجعلها كالهجرة معه -صلوات الله وسلامه عليه -.

وجاء في صحيح البخاري عن أم سلمة زوج النَّبيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم- ورضي الله عنها- قالت:"فَزِعَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم– ليلةً وقال: ((سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن، من يُوقِظ صواحب الحجرات - يعني أزواجه – لكي يُصَلِّين، فرُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية يوم القيامة)) [رواه البخاري]، إلى ماذا أرشد -صلوات الله وسلامه عليه - في الفتن؟ إلى الصَّلاة، إلى العبادة، إلى طاعة الله -جلَّ وعلا-، إلى الإقبال على الله ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾[قريش:3-4]، فأرشد - عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام - إلى العبادة، لكنَّ الواقع أنَّ أكثر النَّاس إذا حصلت الفتن انشغلوا بالقيل والقال، وكثُرت الخصومات والتَّصدُّر للفتن، وينشغلون عن الخضوع للرب الجليل والخالق العظيم -سبحانه وتعالى -.

السَّبب الثَّالث لحصول الأمن وتحصيله: الدُّعاء؛ والدُّعاء -كما قال أهل العلم- مفتاح كل خير في الدُّنيا والآخرة، قال بعض السلف: "تأملتُ الخير فإذا أبوابه كثيرة: الصَّلاة والصِّيام والبرِّ، ووجدتُ أنَّ ذلك كله بِيَدِ الله فأيقنتُ أنًّ الدُّعاء مفتاح كل خير".

وقد ثبت في سنن التِّرمذي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما - قال: "لم يَدَع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم- هؤلاء الكلمات حين يُمسي ويُصبح : ((اللهمَّ إني أسألك العافية في الدُّنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي))[رواه أبو داود، وصححه الألباني]، فهذا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم- قدوتنا و أسوتنا -صلوات الله وسلامه عليه-كل يوم في الصَّباح والمساء يدعو بهذه الدعوات، وفيها سؤال الله الأمن، وفيها سؤال الله الحفظ، وفيها سؤاله عن العافية، فهذه الأمور لا تُنال إلا من الله ولا تُطلب إلا منه -سبحانه وتعالى-.

قد جاء في المسند عن الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قلنا لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم الخندق: "هل من كلماتٍ نقولها؟ هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر"، لأنَّ الكفار اشتدَّت وطأتهم وعظم كيدهم، فسأل الصَّحابة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "هل من شيء نقوله؛ فقد بلغت القلوب الحناجر؟" فقال-عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((نعم، قولوا: اللَّهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا)) [رواه أحمد وصححه الألباني بشواهده في الصحيحة] فقالوا هذه الكلمات فألقى الله -عزَّ وجل- في قلوب الكفار الرُّعب وأرسل عليهم الرِّيح وأجلاهم.
فانظر أثر الدُّعاء المبارك وفائدته العظيمة وحاجة الأمَّة إليه، وأكثر النَّاس يغفلون عنه ((اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا))، والدُّعاء سبب عظيم ووسيلة مباركة لنيل الأمن، كيف لا والله -جلَّ وعلا- يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة : 186]، ويقول -جلَّ وعلا- : ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء﴾[إبراهيم :39]، ويقول -جلَّ وعلا: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر :60]، والآيات في هذا كثيرة.

[أم عبد الكريم]

السَّبب الرابع لتحقيق الأمن والمحافظة عليه: أن يرجع النَّاس في الفتن وفي الملمَّات وفي النَّوازل وفيما يمس مصالح الأمة في أمنها أو في خوفها إلى العلماء المتَّقين والأئمة الرَّاسخين أهل الاستنباط وأهل الفقه وأهل البصيرة في دين الله أهل القدم الرَّاسخة، وألا يرجعوا إلى كل أحد وإلى كل من هبَّ ودبَّ وإنما يُرجع إلى العلماء الأعلام والمحقِّقين الرَّاسخين من أهل العلم، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[النساء: 83]، وتأمل هذه الآية فإن فيها تأديبًا للناس وتربية لهم، إذا حدثت الأمور التي تمس أمن الأمة أو خوفها لا يتكلم كل أحد ولا يُستفتى كل أحد ولا يُرجع لكل أحد، وإنما يُرجع إلى العلماء الرَّاسخين أهل الاستنباط ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[النساء:83].
وعندما يرجع النَّاس إلى غير العلماء الرَّاسخين تحدث الفتن والشِّقاق والشُّرور والمهالك ويتحقَّق الردى في النَّاس؛ لأنهم يفتونهم بغير علم ويستعجلون في الفتوى والإجابة على سؤالات النَّاس عن غير بصيرة وعن غير استنباط وعن غير تدبّر وتأمل لكلام الله وكلام رسوله -صلوات الله وسلامه عليه-.
قد مرّت الأمّة بمحن كثيرة؛ وكان من أسبابها تصدُّر بعض النَّاس ممن لا دراية له ولا رسوخ له في العلم والفقه في دين الله -تبارك وتعالى- فأضرَّ نفسه وأضرَّ من أضرَّ معه من عامة النَّاس.

وقد جاء في الأدب المفرد عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه– بسندٍ ثابت أنَّه قال:"لا تكونوا عُجُلا، مذاييع بُذراً فإنه من ورائكم أموراً مُتماحِلةً رُدُحاً"[صححه الألباني]، يوجد فِتن ثقيلة وأمور متطاولة وفِتن مقلقة للنَّاس فاحذروا من هذه الأمور الثَّلاثة:

1- العجلة، وإذاعة الفتنة وبَذر الشَّرِّ "لا تكونوا عُجُلا مذاييع بُذرا" أي إياكم والعجلة، لا تستعجل وإنما تأنَّ وعليك بالتؤدة كما قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إنَّها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتؤدة، فإنَّك إن تكن تابعًا في الخير خير من أن تكون رأسًا في الشَّر".

2- الأمر الثاني: "مذاييع"؛ أي ممن يذيعون الفتنة، وانظر في هذا إلى الآية التي مرّت ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾[النساء:83]، يكثر في مجالسهم: سمعتم كذا؟، قرأتم كذا؟، سمعنا كذا، ينقل ولا يتأمَّل هل ما ينقله للنَّاس ينفعهم؟ يضرهم؟ يفيدهم أو لا يفيدهم؟، لا يبالي بذلك وإنما يُذيع، الذي يدخل إلى أذنه يُخرجه من فمه نافعاً أو ضاراً متأكداً من صحته أو ليس متأكدًا. قال لا تكونوا "مذاييع".

3- والأمر الثَّالث: "لا تكونوا بُذُراً"؛ أي ممن يبذر الفتنة بين النَّاس ويُذْكي الشَّرَّ وينشره بينهم، ويضع بذور الشَّرّ بين النَّاس ثم تنتشر بينهم الفتن والشائعات والقلاقل والقيل والقال، مما لا ينفع النَّاس بل يضرهم في أنفسهم ودينهم.

السَّبب الخامس: المحافظة على جماعة المسلمين، والسَّمع والطَّاعة لولاة أمرهم؛ لأنَّ الأمن لا يكون إلا بدولة، ولا تكون الدَّولة إلا بالسَّمع والطَّاعة، فإذا كان الأمير لا يُسمع له ولا يُطاع ولا تُمتَثل أوامر الله -جلَّ وعلا- وأوامر رسوله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم– في حقِّ الأمير ينتشر بين النَّاس القلاقل والفتن والتَّطاحن والشُّرور.

ولهذا جاءت النُّصوص الكثيرة في الكتاب والسُّنة بالتَّأكيد على طاعة ولاة الأمر والنصيحة لهم والسَّمع والطَّاعة، وأن يصبر الإنسان حتى وإن كان منهم (أي الولاة) أَثَرَةٌ، فإنه يصبر ويسأل الله أن يُصلح الأحوال ويدعو لهم بالهداية والتَّوفيق والسَّداد كما عليه فهم أهل السُّنة والجماعة؛ حفظًا على جماعة المسلمين وسمعًا وطاعةً لولاة أمرهم وبذلاً للنصيحة، ((الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله، قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[رواه مسلم].

ومن النُّصح لولاة الأمر أن تدعو لهم بالصَّلاح وبالعافية وبالسَّداد وبحسن الرَّأي وبما ينفع العباد، بأن يكونوا رحمة على رعاياهم من المسلمين وأن يصلحهم ويصلح بهم.
هذا الذي جاءت به السُّنة وكان عليه سلف الأمَّة، وهذا مما ينشر الخير حتى قال أحد السَّلف: "لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام"؛ لأنَّ صلاح الإمام له ولرعيته.

بينما بعض النَّاس يخالف هذه القواعد ويؤلِّب على ولي أمره، وربما ينزع اليد من الطَّاعة ويُألِّب النَّاس على ترك السَّمع والطَّاعة، ويدعو على ولي أمره خلافًا لما دلت عليه النُّصوص وكان عليه عمل السَّلف الصَّالح -رحمهم الله-.

الأمر السَّادس في نيل الأمن وتحصيله: نشر الوعي بين النَّاس وتفقيههم في الدِّين وتعليمهم سنَّة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإنَّ العلم والخير والهدى إذا انتشر في النَّاس تحقَّق فيهم الأمن.
وهذا مطلب يلزم الدُّعاة والخطباء والمعلمين في المدارس والمعلمات أن يحثوا النَّاس على طاعة الله وعلى تقواه، وعلى طاعة الأوامر وعلى ترك النَّواهي، وعلى الإقبال على الخير؛ لأنّ هذه المعاني الجليلة والطَّاعات والقربات وانتشار الخير بين النَّاس يحقِّق لهم أمنهم، ويحقِّق لهم سعادتهم، ويأمنون به الشُّرور والأضرار والآفات والفتن والمحن.

السَّبب السابع:تحقيق الأخوة الإيمانية التي دلَّ عليها قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]، وهذه الأُخوَّة الإيمانية شأنها عظيم إذا وُجِدَتْ بين المجتمع وبين المسلمين، لكن تُحقَّق على ضوء ما جاء في كتاب الله وسنَّة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم-.

ثم انظروا معالم هذه الأخوة ومتطلباتها في السُّنة، ومن ذلك قول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله. التَّقوى هاهنا – ويشير إلي صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشَّر أن يحقر أخاه المسلم)) [رواه مسلم]فتأمل هذا الحديث ونظائره من الأحاديث الدَّاعية إلى تحقيق الأخوة بين المجتمع ليتحقَّق بينهم التَّراحم والتَّعاطف والتَّكامل والتَّعاون حتى يكون المجتمع كما قال –عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))[رواه مسلم] فهذه الأخوة الإسلامية.

[أم عبد الكريم]

السبب الثامن: وهو من متطلبات هذه الأخوة لكنه جدير بالإفراد ألا هو: كفُّ الأذى، نفس الإنسان فيها شر، قد كان- عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول في خطبة الحاجة: ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا))، وأرشد -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالتَّعوذ من شرِّ النَّفس في غير ما حديث، ومن ذلك: ((اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، ربَّ كل شيء ومليكه، أشهد ألاَّ إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي ومن شرِّ الشَّيطان وشركه، وأن اقترف على نفسي سوءًا أو أجرَّه إلى مسلم))[رواه أبو داود والترمذي]، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تضبط الإنسان فلا يحصل منه شرًا ولا عدوانًا على الآخرين، بكفِّ شرِّه عن النَّاس وكفِّ أذاه، وألاَّ يتعرَّض لأحد منهم بإساءة.

وثبت في سنن التِّرمذيِّ في حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: مرَّ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على أناس جلوس فقال لهم رسول الله –صلوات الله وسلامه عليه-: ((ألا أخبركم بخيركم من شرِّكم))، فسكت القوم، فأعادها عليهم ثلاث مرات، فقال أحدهم: بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرِّنا، فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرُّه، وشرُّكم من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شرُّه))[رواه الترمذي وصححه الألباني].
وثبت عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: ((إنَّ من النَّاس ناسًا مفاتيح للخير مغاليق للشَّرِّ، ومنهم ناسًا مفاتيح للشَّرِّ مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفتاح الشَّر على يديه))[رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].
ولهذا يجب على العبد أن يتقي الله -عزَّ وجل- وألاَّ يُعرِّض أيَّ أحد من المسلمين بأيِّ نوع من الأذى، وأن يتقي الله -جلَّ وعلا- في عباد الله، لا يتعرَّض لهم بأذى، ولا ينالون منه إساءة، بل يكف شرَّه وأذاه عنهم ويتَّقي الله -تعالى- فيهم.

السَّبب التَّاسع من وسائل حفظ الأمن وهذا أمرٌ متعلِّق بالولاة: تطبيق الحدود التي فيها ردع المعتدي وكفُّ الظَّالم وبها يستتب أمن النَّاس.
ولهذا جاءت الشَّريعة بالقصاص في القتلى، قتل القاتل، وأيضاً في الاعتداءات، من اعتدى على الإنسان يُعاقب بمثل ما اعتدى به، من قطع يد غيره تُقطع يده، ومن تعمَّد إتلاف عين غيره تُتلف عينه، السِّنُّ بالسِّنِّ والعين بالعين والأذن بالأذن، فكل ذلك جاءت به الشَّريعة لتحقيق أمن النَّاس، وقطع يد السَّارق وجلد شارب الخمر وجلد الزَّاني إذا كان بكراً ورجمه إن كان ثيّباً، إلى غير ذلك من الحدود التي تحقِّق أمن النَّاس في عقولهم وأمنهم في أموالهم وأمنهم في أعراضهم وأمنهم على ديارهم، فهذه الحدود إذا طُبِّقت على ضوء ما جاء في كتاب الله وسنَّة نبيه -صلَّى الله عليه وسلَّم- تحقَّق الأمن.

الأمر العاشر والأخير من وسائل حفظ الأمن: شكر نعمة الله -تبارك وتعالى-، ونعم الله -جلَّ وعلا- على عباده لا تعدُّ ولا تحصى، ومن نعمه الأمن الذي يعيشه أهل الإيمان، والواجب على أهل الإيمان أن يشكروا الله -جلَّ وعلا- على نعمة الإيمان وعلى نعمة الأمن، وأن يشكروا الله على نعمة الإسلام وعلى نعمة السَّلامة، وأن يكونوا حامدين لله -تبارك وتعالى- على أنعمه، شاكرين له على عطاياه ومننه.
أما إذا بدَّل النَّاس نعمة الله كفراً ولم يشكروا نعمة الله -جل وعلا- فإن أمنهم يتبدَّل خوفاً، وطمأنينتهم تتبدل قلقاً وانزعاجاً، والنِّعمة إذا شُكرت قرَّت وإذا كُفرت فرَّت، كما قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[إبراهيم:7]، فمن وسائل حفظ الأمن شكر نعمة الله -تبارك وتعالى-.