المُؤْنِس
لمن ابتغى السّلامة من مضاعفة
الفتن من أهل
تُونس
لفضيلة الشّيخ
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
-حفظه الله تعالى-
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أمّا بعد:
السؤال:
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فمنذ شهرين اندلعت أعمال تخريبيّةٌ ومظاهراتٌ أمام مراكز الشّرطة بتونس أسفرت عن انتحار شخصٍ وقتل اثنين من المواطنين على أيدي الشّرطة بالرّصاص، ثمّ تحوّلت هذه الأعمال الّتي يسمّونها بالانتفاضة إلى مناطق أُخرى بالبلاد التّونسيّة، أسفرت عن مقتل ستّين مواطناً رغم أنّ الرّئيس التّونسيّ قد تكلّم أربع مرّات: فَوَعَدَ الشّعب بأنْ يستجيب لمطالبهم، ومنذ ثلاثة أيّام ثورة كبيرة في كلِّ المناطق وبالأمس ليلاً هرب الرّئيس إلى (مَالْطَا) فلم يستقبلوه، فذهب إلى (فرنسا) فكذلك لم يستقبلوه، ثم استقبلته الدّولة السّعودية، وأمّا الآن فإنّ البلاد تعيش في فوضى وقتل ونهبٍ لعدم وجود شرطة ولا أمن، إلاّ أفراد من الجيش الّذي لا حول له ولا قوّة، يتمركز أمام بعض منشئات الدّولة، وقد قامت جماعات مسلّحةٌ في سيّاراتٍ سوداء بنهب بعض البيوت الأثرياء الغياب رجال الشّرطة، وقد اتصل أخٌ من تونس يطلب من فضيلتكم كلمة توجيهيّة حول هذا الأمر.
الجواب:
الكلمة التوجهيّة والنّصيحة الّتي نسأل الله أن تكون مرضيّة هي:
1- أنّنا نوصي أنفسنا وهم ومن يسمع بتقوى الله عزّ وجلّ:
ونحن مؤمنون بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾[الطلاق:2]، وبقوله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[الأنفال:29]، وبقوله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الحديد:28]، ففي هذه الآيات:
أنّ رحمة الله عزّ وجلّ بالمتّقين،
وأنّ الله يجعل للمتّقين فرقاناً بيْن الحقّ والباطل،
وأنّ الله يجعل للمتّقين مخرجاً ؛ وكلمة (مخرج) نكرة في سياق الشّرط، والمقصود أنّ الله يجعل له مخرجاً من كلّ ضيقٍ عليه، ولا شكّ أنّ ما فيه البلاد التّونسيّة الآن يعتبر من الضّيق، وهي بلاد مسلمة، فيها من المعاصي ما فيها، نسأل الله أن يهديهم ويفرّج عنهم.
2- الوصيّة الثّانيّة:
نتواصى وإيّاهم بدعاء الله سبحانه وتعالى أنْ يدفع الله عزّ وجلّ الفتن عنهم وعن سائر المسلمين: قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60]، وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنّه لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[الأعراف:55] وقال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاًمَا تَذَكَّرُونَ﴾[النمل:62].
وهم الآن في مرحلة خطيرة، وتوقّعات شديدة، ربمّا كانت هذه الثّورة محُاولة لاحْتلال البلد من بعض دول الكفر، سواء كانت أمريكا أو فرنسا، أو ما الله به عليم، فإنّ أمريكا إذا أرادت احتلال بلد: حاولت ضربه من الدّاخل، وتثوِير بعض الشّعب على بعض، وهذا شيءٌ مشاهد في العراق وفي غيرها، إمّا تُثوّر الرّافضة، وإمّا تُثوّر القاعدة، وإمّا تثور بعض النّاس على بعض حتىّ إذا اضطّربت الأمور دخلتْ باسم: (الأمن والسّلام) وفي الحقّيقة أنّها تدخل للسّيطرة واستغلال خيرات البلد، وهذا هو مقصودها في سائر بلد العالم: أنْ يكون رؤساء العالم عبارة عن محافظي نواحي عندها، هذا الّذي تسعى إليه أمريكا قاتلها الله بعولمتها الفاجرة.
3- الأمر الّذي يليه:
لعلّ هذه الثّورة غير بعيد أن تكون بسبب الضّغوط الحاصلة من السّلطة على البلاد التّونسيّة في أمور دينهم، وقد عُرف هذا عند النّاس: أنّ بلاد تونس فيها إضعاف دينيّ، ولا يستطيع المسلم أنْ يقيم دينه كما أراد الله عزّ وجلّ، وأيّ بلد يحصل فيه الضّعف الدّينيّ والضّغط وعلى من يريد أن يعبد الله عزّ وجلّ على ضوء كتابه وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم: أن هذا ليس سبيل التّمكين بل هو سبيل نزع الملك عمّن صنع ذلك وسبيل الخوف والزّعزعة والقلق والضّرر على الفرد والجماعة.
فإنّ الأمن وصلاح الحال لا يكون في الدّنيا والآخرة إلاّ:
بتحقيق توحيد الله عزّ وجلّ وتطبيق شرع الله على ما جاء به كتابه عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[النور:55] فإذا عبدوا الله لا يشركون به شيئاً تحقّق لهم ما وعدهم ربّ العالمين به: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً﴾[النساء:122] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا﴾[النساء:87] ويقول الله عزّ وجلّ: ﴿الّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَأنّهمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82].
فبركة توحيد الله والتّمسك بكتابه وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم: بركة عظيمة في الدّنيا والآخرة ومن تخلّى عن ذلك عرض نفسه لعذاب الله ونقمته، قال الله عزّ وجلّ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63] وقال سبحانه وتعالى: ﴿حتىّ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ $فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام:45] فإذا تمادى الإنسان في الظّلم الأكبر وهو الشّرك بالله عزّ وجلّ، أو ما عداه من أنواع الظّلم سينتقم الله منه، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله ليملي للظالم حتىّ إذا أخذه لم يفلته»، قال ثم قرأ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾[هود:102]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾[السجدة:22].
فالذّنوب لها آثار سيّئة في الدّنيا والآخرة قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى:30]، وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم:41]، فسواء كان الفساد بِـ: (الثّورات) أو (الانقلابات) أو (الفتن) بشتى أنواعها أو (ضعف المعايش) و(قلّة البركات) و(حصول القحط) و(الجدب) و(غلاء الأسعار) و(زعزعة الأمن) يشمل ذلك كلّه.
والمطلوب هو التّوبة إلى الله سبحانه وتعالى في حالة الفتن وفي غيرها. فإنّ ذلك يدفع الله به الشّرّ عن العباد، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[الأنفال:33]، وقال تعالى: ﴿إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس:98].
4- وعلى عباد الله المسلمين أن يقبلوا على عبادةالله عزّ وجلّ في أوقات الفتن وغيرها:
قال صلّى الله عليه وسلّم: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ» أخرجه مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه. فإنّ البلدان الآن صار فيها من القلق ما لا يعلمه إلاّ الله، حتىّ وإن كانت أموالهم طائلة وجيوشهم كثيرة إلاّ أنّهم ما عندهم الهدوء النفسيّ بسب القلق وبسبب الذّنوب وزعزعة الأمن وغير ذالك.
وهذا يحتاج إلى رجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فالله بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران:26،27]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾[الحج:38].
5- أن يكون من دعائهم (أنّ الله عزّ وجلّ يولّي عليهم رجلاً صالحاً)، ونسأل الله ذلك، وهذا له أثره على الشّعب في كلّ البلاد، إذا تولىّ رجل صالح أثّر ذلك على البلد، واستفاد طاعتهم، أو على الأقل عدم ثورتهم ويدافع الله سبحانه وتعالى عنه وعن شعبه شروراً كثيرة، بسبب (طاعته لله) و(طاعة من يليه) و(إقامة شعائر الله) و(إقامة دينه وشرعه في بلاده وأرضه) و(تمكين أهل العلم) و(التّوحيد) و(السّنّة) و(الحثّ على ذلك) و(نشر كتب السّنّة) وحثّ النّاس عليها.
النّصيحة لأهل السّنّة في الوضع الحالي:
ننصح أهل السّنّة وفّقهم الله:
1- ألاّ يتأثّروا بثورة العامّة والشّعب، فيجاروهم في أخطائهم.
2- وأنْ يتجنّبوا المخالفات الشّرعيّة في هذه الحال وفي غيره، ومن ذلك:
• المظاهرات، فإنّنا سمعنا أنهّا ثورة عارمة بمظاهرات وهتافات وغير ذلك مما يتضمن:
- الاعتداءت على النّفوس المسلمة والأموال والأعراض، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وماله وعِرْضُهُ»، أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الصّحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنيّ رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث: الثّيّب الزّانيّ، والنّفس بالنّفس، والتّارك لدينه المفارق للجماعة». وقال عليه الصّلاة والسّلام كما في الصحيح: «إنّ الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم» وجعل يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: «اللهمّ فاشهد».
وهذه الاعتداءات من الظلم والظّلم يراكِم على البلاد الشّر والويلات، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة»، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾[طه:111]: فالخيبة حاصلة للظّالم في الدّنيا والآخرة، فإذا تجرأ الشّعب التّونسيّ أوغيره من الشّعوب على دماء المسلمين أو على أموالهم أو أعراضهم فإنّ هذه الجَراءة تؤدّي إلى الأضرار عليهم أكثر وتشمل المصلح والمفسد، ففي الصّحيحين عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «(أنّهلك وفينا الصالحون ؟) قال: «نعم، إذا كثر الخبث» في هذا دلالة على أنّه إذا كثر الخبث حصلت الهلكة العامّة أكثر، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾[الكهف:59،60]: فقرى كثيرة من قديم وحديث أهلكها الله عزّ وجلّ بظلمها، وما نسمعه من (الاعتداء على الدّماء)، و(على الأموال)، و(على الأعراض)، و(انتهاك الحرمات): هذا مفتاح شرّ على البلاد، وهو قريب ممّا حصل في العراق من الاعتداءت ومن البغي، فمن أجل ذلك وغيره ممّا علمه الله سبحانه وتعالى مكّن الله الكفرة منهم، وعاثوا في الأرض بالفساد ودمّروا خير تلك البلاد.
- الأمر الآخر أنّ المظاهرات من تقليد الكفّار والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول كما جاء عن ابن عمر في سنن أبي داود وغيره: «من تشبّه بقوم فهو منهم» والله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالّذينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران:105]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103] و(ما كانوا عليهم من قبل) هو: الجاهلية، المخالفة للكتاب والسّنّة على شفاء هلكة، فأنقذهم الله عزّ وجلّ بهذه الشّريعة المطهّرة، وأمرهم بها حقناً لدمائهم وأموالهم ودينهم وعرضهم، وحفاظاً على ما يدخلهم في مرضاة الله ورحمته ورضوانه، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ $ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[الجاثية:18،19].
• وهكذا نسمع أنّ الشّعب ربمّا يكون فيه انتخابات لاختيار الرّجل المقصود، وغالباً ما يكون هذا: قد جُهّز ممّن أبعد الأوّل أو نحوه، فليس موكولاً إلى مجرّد اختيارات العشرات أو المئات والألوف في البلاد، وربمّا ما زال الأوّل إلاّ لقصد تمكين الثّاني، ومع ذلك لا بدّ من العمل بالسّبب المشروع من دعاء الله سبحانه وتعالى، بلا مخالفة !
أمّا ما قد تجدونه من الفتاوى ممّن لهم استحسانات وعدم انضباط بالأدلة الشّرعيّة من: (أنّكم لا بأس أن تشاركوا في الانتخابات البرلمانيّة للتّوصّل إلى حاكم عسى الله أن يقيم الشّرع هناك أو ما إلى ذلك من الأقوال، أفيدكم أنّ هذه الفتوى لا تَربحون فيها مرضاة الله عزّ وجلّ وللوصول إلى المقصد الّذي تريدونه:
أوّلاً: أنّها محرمة، لأنّها تشبه بالكفّار، وفيها من المخالفات الشّرعيّة مت يضرّ ولا ينفع البتّة.
ثانياً: أهل السّنّة في المجتمعات قليل بالنّسبة لغيرهم، فما عسى أن يكونوا بجانب جماعة راشد الغنوشيّ لا جزاه الله خيراً ! الّذي برّر الديموقراطيّة في اليمن ! وبرّر الانتخابات فيها والحزبيّة التّعدُّديّة فيها ! وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول: (لا بارك الله فيه ولا فيمن استدعاه !)، فهو حزبيّ منحرف زائغ ! وله هو وأمثاله يدٍ طويلة هناك، وعوام النّاس مع كلّ ناعق ! مع أنّها تشبّه بالكافرين: فيها تنازلات في الدّين ولا أثر لها نافع ! جُرّبتْ هنا في اليمن أنّها فاسدة مفسدة ! ما فيها إلاّ الضّياع ؛ الإخوان المسلمين وأمثالهم يريدون أن يكونوا هم الحكّام عن طريقها فيفشلون فشلاً ذريعاً !
3- وننصح بعدم الاستشراف للفتن !: فيبقى الإنسان في بيته، وفيما يعنيه مقبلاً على طاعة الله عزّ وجلّ، ولا يتعرّض لأماكن الفتن، والاشتباهات، والْتباس الأمور، فينعزل فإنّ الانعزال عن الفتنة أمرٌ مطلوب، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يوشكّ أن يكون خير مال المسلم: غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وفي مثل هذه الحوالك: الإنسان يتجنّب الاستشراف لها، قال عليه الصّلاة والسّلام كما في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ستكون فتن: القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من السّاعي، من تشرّف لها تسْتَشْرِفْهُ، فمن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به».
4- وليكن أهل السّنّة متميّزين بدعوتهم ونصحهم للمجتمع !
فالنّصيحة ألاّ يكونوا مختلطين بأولئك الملوّثين، من الإخوان المسلمين والتكفيريّين والإباضيّة الخارجيّين، وأمثال هؤلاء من غوغاء عوام النّاس، إذا كانوا على هذا الحال وعلى سلامة، وأيديهم بيضاء غير ملوّثة بِـ: (الدّماء) ولا بِـ: (الأموال) وغير ذلك ممّا يحصل عند هؤلاء المخالفين، يكونوا بذلك متميّزين ! لهم دعوتهم، ولهم نصحهم، ولهم موقفهم الطيّب المشرّف المرضيّ عند الله سبحانه وتعالى، والمبيّن لطريق الحقّ وأهله بلسان الحال والمقال !
ومن بغى على أحدٍ يريد انتهاك عرضه أو أخذ ماله، أو يريد ما يضرّه واستطاع أن يدفع عن نفسه بما لا ضرر عليه أكبر له ذلك.
فإنْ رأى أنّ أولئك لهم أسلحة (أصحاب السّيّارات السّود) كما تذكرون، وهذا إنمّا يقابلهم بعصى، فمثل ذلك لا يكون له قدرة على الدّفع عن نفسه، فله أن يترك ما يضرّه إلى ما هو أهون من ذلك، ويأخذ أهله ويتحوّل إلى مكان آخر، ويخلف الله سبحانه وتعالى عليه فيما يؤخذ من ماله.
وأمر الدّنيا أمرٌ زائل قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدّنيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[النساء:77] وقال سبحانه: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ﴾[النحل:96].
وإذا أُخذ ماله وهو مظلوم يخلف الله، ومن أخذ مال مسلم سيحمل وزره ويأتي به يوم القيامة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم عن أبي أمامة: «من اقتطع حقّ امرئٍ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسير يا رسول الله ؟ قال: وإن قضيباً من أراك»، ومن ترك شيئاً اتقاءً لله أبدله الله خيراً منه كما ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند البيهقي وغيره أنّه قال: «إنّك لن تدع شيئاً اتقاءً لله إلاّ أبدلك الله خيراً منه».
جاء سؤال فيه: أنّهم الآن اغلقوا المساجد.
فأجاب: الواجب أنْ لا يغلقوا المساجد لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾[البقرة:114]، ويقول: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ $ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾[النور:36-37]، ويقول: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾[التوبة:18]، فإغلاق مساجد الله عن إقامة الصّلوات فيها: من المعاصي الّتي يتركّم بسببها الشّر على البلد ولكن إذا خافوا من إحداث فوضى فيها حالياً فليجعلوا من يحرس عند أبوابها ويؤمنها.
هذا الّذي نتواصى به، ونسأل الله أن يدفع عنّا وعنهم الفتن. والحمد لله ربّ العالمين.
حرّر من تفريغ المادة الصوتية المسجّلة ليلة الأحد 12 صفر 1432 هـ
منقول
منقول