بسم الله الرحمن الرحيم
المقــــــدمــــــــة:
إن الحمـد لله نحمـده ونستعينه،ونستغفره ونتوب إليـه، ونعــوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله.
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ (102) سورة آل عمران}.
} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (1) سورة النساء}.
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { (71) سورة الأحزاب } .
فان أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه و سلم- و شــر الأمــور محدثاتها و كل محدثة بدعة -وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النــار.
أمــــــــا بعـــــــــــــــد:
هذه مقدمة من كتابي ""القول الفصل في أحكام القتل "" أو "" ديننا دين سلم وعدل وليس دين عنف وقتل ""، كتبته في منتصف رجب 1415هـ الموافق لعام 1994م ميلادي يوم كانت بلادنا تحترق بنار الفتنة ، ورصاص تجار الموت ، وسماسرة الأعراض والأموال ، من خوارج وبغاة قطاع الطرق ، والظَلَمَة من كل الطوائف الذين يتنافسون على كرسي الملك حيث اختلط الحابل بالنابل ، واستشرى القتل في قومنا ، فكنا نصبح على الجثث والرؤوس المنتشرة هنا وهناك بالعشرات ، وننتظر دورنا في أي ساعة من ليل أو نهار ، فكتبت هذا الكتاب ورفعته إلى وزارة الشؤون الدينية بغية طبعه ونشره ،لعله يسد بابا من الجرح عميقا ، إلا أني لم أجد استجابة – وللأسف الشديد – وقد كنت أرسلت نسخا منه إلى بعض أهل العلم ، ولم يأتني إلى حد الساعة جواب من أحدهم .. واليوم أحببت أن أنزل هذه المقدمة هنا في بعض المنتديات السلفية لعله ينتفع بها من يطلع عليها، في هذا الوقت الذي وقعت فيه الفتن وقع القطر من السماء ، واشرأبها كثير من القلوب من أبناء أمتنا الإسلامية ، وها هي تموج موج البحر فتحصد الآلاف من الأرواح المسلمة ، يغذيها من الداخل الفكر التكفيري الباغي الخارجي تارة ، ومن الخارج الغزو الأممي المتداعي علينا تارة أخرى ، فأثر فينا أيما تأثير حتى اتبعناهم وتشبهنا بهم في طرق التغيير والمطالبة بالحقوق ، - زعموا - ونسينا أن الله أعطى كل ذي حق حقه ، وأنه لا يظلم في شرعه المنزل أحد ولكن لما تركنا شرعه وأخذنا بما سنوه لنا تركنا الله تعالى لأنفسنا فوقعنا فيما وقعوا فيه {{ فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }} 14 : المائدة .
لقد كثر الهرج ، ومرجت عقول كثير من الناس ، حتى أصبح القاتل لا يدري على ما قتل ، والمقتول لا يُدرى على ما مات ، وقد حذر الله تعالى ورسوله من إزهاق الروح أو التعرض لها بالأذى الذي يتلفها ، وبعث الله نبيه بالإســلام الذي هو دين الحياة ودين سلام وعدل ، وليس دين عنف وقتل ، قال تعالى :{{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ..}} فإن الرحمة بين المؤمنين تنافي العنف والقتل ، يظهر ذلك جليا في قوله عليه الصلاة والسلام :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ...>> متفق عليه .
هذا فيما بينهم ،بل إنه دين الرحمة والعدل حتى مع الكفار ، قال تعالى :{{ لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }}فعلى اتباعه أن يكونوا كذلك في دعوتهم ، لأنه جاء رحمة للعالمين ، وأمر بالرفق فقال : << ما كان الرفق في شيء إلا زانه .. >> فأين الذين يتبجحون أن الإسلام انتشر بالرعب والعنف ، والقتل السيف ، من هذه النصوص ؟
إن الإسلام يرى قتل النفس عنده كبيرة تلي الشرك ولذلك قرنت به في نصوص كثيرة، والله واهب الحياة وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه؛ وفي الحدود التي حدها ورسمها، وكل نفس هي حرام لا تمس،ولا يُعتدى عليها ، وحرام إلا بالحق: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ{ وهذا الحق الذي يبيــح قتل النفس محدد ، مبين في آيات الكتاب وسنة المصطفى لا غموض فيه، وسيأتي الإشارة إليه .
و يستنكر الله تعالى وقوع جريمة القتل بين المؤمنين ابتداء وعمدا، وهو العليم الخبير بخبايا النفوس فيقول سبحانه وتعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ { (92) سورة النساء}.فليس من شأنها أن تقع ، إذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها ما يساوي دم المسلم يريقه مسلم عمدا، وليس في ملابسات هذه الحياة الدنيا كلها ما من شأنه أن يوهن من علاقة المسلم بالمسلم إلى حد أن يقتله عمدا، وأن يزهق روحه ، أما أن يقتله خطئا فقد يحصل ، وإذا حصل فهذه كفارته وعلاجه حتى لاتنقطع الرابطة بين المؤمنين ، فقد جعل الله تعالى ديته مرضية لأولياء المقتول حتى لا يسرفوا في القتل : }وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء.
إذا فتلك هي العلاقة التي أنـشأها الإسلام بين المؤمن والمؤمن من المتانة، والعمق والضخامة والغلاوة والإعزاز والإخاء ، بحيث لا يفترض الإسلام أن تخدش هذا الخدش فضلا أن يتعدى عليها هذا الاعتداء الخطير أبدا، ومن ثم جعل عقوبات متعددة ؛ شديدة ؛وعظيمة لمن يقدم على قطع هذه العلاقة الموصوفة بهذه الصفات، }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { (93) سورة النساء}.
إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب -بغير حق- ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة، العظيمة التي أنشأها الله بين المؤمن وأخيه المؤمن ، والتي لاتتوقف على قتله فحسب ، بل تتعدى إلى الأسرة ، ومنها إلى القبيلة وهكذا ..
فإن وجود مسلم إلى جوار مسلم متآخيا له ، ومواليا له بالحق وفي الحق ،في حدود الشروع والمعقول ، مسألة كبيرة، وكبيرة جدا، ونعمة عظيمة جدا، ولذلك من العسير جدا أن يقدم مسلم مؤمن متيقن حقيقة سلامة المسلمين من لسانه ويده ،وحقيقة أمنهم على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، على إزالة هذه النعمة عن نفسه، وأن يسلك مسلك أهل الكتاب ويتبع سننهم ؛ فقد أخذ الله عليهم الميثاق أن لايقتلوا أنفسهم ، أي بعضهم البعض ؛ قال تعالى : {{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) .
فلم يستجيبوا وقتلوا أنفسهم أي بعضهم البعض بينها تعالى بقوله : {{ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ..}} (85) سورة البقرة. ، لأن قتل المؤمن لأخيه المؤمن هو قتل لنفسه لأنه منه فهما كالجسد واحد ، والإقدام على قتل نفسه عن عمد وقصد من غير إذن ولا مبرر شرعي ، كبيرة وأي كبيرة ؛ إذ المؤمن عنصر عزيز في هذه الأرض، وأشد الناس شعورا بإعزاز هذا العنصر هو المؤمن مثله، فمن المحال أن يقدم على إعدامه بقتله عمدا، فإن فعل فهو تنكر للنفس؛ وللأخوة الإيمانية والعقيدة الاسلامية ، والوشيجة والقرابة التي تجمعهم في اتباع رسول الله وطاعته صلى الله عليه وسلم ومحبته ، ثم ترتقي فتجمعهم في الله الذي ألف بين قلوبهم تأليفا عجيبا، حيث لو أُنفق مال الدنيا مااستطاع أحد أن يؤلف بينهم ، ولكن الله ألف بينهم بالإيمان ، فجعلهم إخوة على البيضاء ليلها كنهارها ، فسبحان من بيده القلوب يقلبها كيف يشاء .
وأن من الأمور العظيمة التي تساهل بها كثير من المسلمين أو من ينتسبون إلى الإسلام اليوم، وفرّطوا فيها هو الإقدام والجرأة على إزالة تلك النعمة العظيمة ؛ بإراقة دم المؤمن بغير حق، ولما كان هذا المنكر الكبير يؤدي بالقاتل إلى دخول النار ؛ والوعيد الشديد من الله جل وعلا، حيث جعل له أشد العقوبات في النار ،كما مر ؛ولما سنقف عليه- إن شاء الله - في صلب الموضوع ،رغبت في بيان هذا الأمر الخطير مدعما بالآيات والأحاديث من شرع العلي القدير،والتحذير من الإقدام عليه ، والإحجام عما حدث ويحدث من أناس تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء من مسلمين ، ومعاهدين ، ومستأمنين ، باسم الدين ، والجهاد في سبيل الله – زعموا - يدّعون الإسلام ويستحلون دم المؤمنين، أي كانوا ومن أي جهة أتوا، فإن الذي يجري اليوم على أرضنا المسلمة ودولتنا المسلمة لأمر فظيع جدا ، حيث يعجز اللسان عن وصفه ، والقلم عن رسمه ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله .
وهذا هو السبب الرئيس الذي دعاني لأكتب في هذا الموضوع وأجمع فيه شتات ما تفرق في بطون المصادر والمراجع العلمية القـديمة منها والحديثـة، وكذلك لما كان الكثير من الناس يجهلون أحكام القتل وأنواعه في الشريعة الإسلامية ، ولا يستنكرون كل قتل ، ولا يفرقون بين القتل في الحد ، وبين القتل في المعركة في سبيل الله ، وبين قتل قطاع الطرق والبغاة والخوارج وغير ذلك ، استعنت الله في بدء المحاولة على ضعف الآلة ،وضعف الهمة،ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، والله المستعان وعليه التكلان.
الكتابات في هذا الموضوع :
إن تصنيف كثير من أهل العلم في مسائل علمية مفردة أمر مشهور لما فيه من إلقاء الضوء على أهمية المسألة التي أفردت بالبحث والدراسة والتأليف، ومع كثرة تصانيفهم في جميع المجالات، فإنهم لم يفردوا هذا الموضوع المهم بالكتابة في حدود علمي واطلاعي.
وسيرا مني على سننهم وجريا على هديهم وطريقتهم أفردته بالكتابة ؛وليس لي فيه من عمل سوى الجمع ؛ ثم الترتيب ثم التعبير ثم التلخيص وهي أدنى مراتب التأليف، أما الإبداع والاستدراك والتأصيل والتقعيد بالاستقراء والسبر والتتبع ، فهذا لطراز من العلماء ربما شغر منهم الزمان وطوي بساطه عنا منذ أزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وإن وجدوا – وهم كذلك– لأنه لا يخلو زمان من قائم لله بحجة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : << لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة >> البخاري ومسلم ، فهم قلة ، وهم أندر من الكبريت الأحمر اليوم يعيشون في غربة شديدة ...
تـــمــهــــــــيـــــــد :
قال الله تعالى : }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{ (70) سورة الإسراء } .
قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (ج 10 /293):جعلنا لكم كرما أي شرفا وفضلا، وهذا هو كرم نفي النقصان لاكرم المال، وهذه الكرامة يدخل فيها مايلي:
1- خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة.
2- حملهم في البر والبحرمما لايصح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يتحمل بإرادته وقصده وتدبيره.( قلت : والجو أيضا ) .
3- تخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لايتسع فيه لحيوان اتساع بني آدم لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان.
4- يلبسون الثياب ويأكلون المركبات من الأطعمة ، وغاية كل حيوان أن يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب.
5- إن الإنسان يأكل بيده وسائر الحيوانات يأكل بفمه.
قلت: وهذا معترض عليه ، لأن هناك من الحيوان من يأكل بيده كالقرد.إلا أن يكون قصده أنه خرج مخرج الغالب.
6- تسخير لهم هذه الهوام ، يحصلون منها منافعهم.
7- ثم ذكر عن أهل التفسير أشياء أخرى غير ما ذكرنا ثم قال: والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف ، وبه يعرف الله ويفهم كلامه ، ويوصل إلى نعيمه ، وتصديق رسله إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب.أه .
قلت : نعم أكرمهم بالعقل الذي هو مناط التكليف ، فيعقل عن الله ورسوله ،الغاية من وجوده ، ويعقل نفسه ويحجمها عن الضرر والإضرار بها وبغيرها ..
ولاريب أن من تكريم الله للإنسان أن يصان دمه وعرضه وماله ودينه وعقله،وهذه هي الكليات الخمس التي جاءت جميع الشرائع السماوية بحفظها فما من شريعة إلا وجاءت بتحريم العدوان على النفس والدين والعقل والعرض والمال.
ولا يمكن لأي إنسان أن يحقق أهدافه ويبلغ غاياته إلا إذا توفرت له المحافظة التامة ، والعناية الفائقة لجميع هذه الكليات،فمن حقه أن يعبد ربه،ومن حقه أن يعيش حياة مطمئنة،ومن حقه أن يستعمل عقله ويعبر عما في نفسه بكل حرية في حدود المشروع ، مبتعدا عن الممنوع ، ومن حقه أن تصان كرامته وعرضه ، ومن حقه أن يتملك، وهذه الحقوق واجبة لكل إنسان في المجتمع المسلم بغض النظر عن لونه وجنسه ووطنه أو مركزه الاجتماعي أو دينه إن كان ذميا ، أو معاهدا ، أو كافرا مسالما ، فلا يجوز لأي كان أن يدوس كرامته وعرضه أو يأخذ ماله بغير رضاه أو يكبت حريته الإسلامية والعقلية ،ولا أن يزهق روحه حتى يقطع عليه حق الحياة.وإنما إن صدر منه أية مخالفة لشرع الله يحاجج بالحجة ،وإن كانت تتطلب العقوبة عوقب عليها فإذا حصل منه أن قتل ، أو جرح فالقصاص أو..أو..من المخالفات التي تستوجب العقاب ،أخذ به ، ينفذه ولي الأمر ، وليس أفراد الناس بعضهم في بعض..
وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية جمعاء في حجة الوداع محذرا أيها من الوقوع في هذه الجريمة النكراء فقال : << أيها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ..>>. متفق عليه.
وليعلم أن أول تلك الحقوق بالعناية الكبيرة: حق النفس في الحياة ، وهو حق له حرمته ، فهو معظم مقدس، لذلك ابتدأ خطبته به ، فلا يحل انتهاك حرمته ولا استباحة حماه إلا بالحق الذي حده الله تعالى أو رسوله . قال الله سبحانه و تعالى: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ { الإسراء /33 . فلا يحل إزهاق نفس إلا بحق،وهذا الحق لا يتولاه أفراد الناس في بعضهم البعض، وإنما يتولاه الإمام الذي إليه القيام بتنفيذ الأحكام وفصل الحقوق.
فإن تولاه الناس في بعضهم البعض، حدثت الفتنة العظيمة، وحلت الفوضى فادعيت دماء ودماء، وانتقم الناس من بعضهم البعض ، وبذلك يحل الشر والدمار بالأمة الواحدة. وهذا هو الواقع اليوم وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الإسراف في القتل فقال جل وعلا: }..وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء.
يقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: أضــواء البــيان (جـــزء 3/ ص 500 ) والنهي عن الإسراف في القتل هنا شامل لثلاث صور.
الصورة الأولى: أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد ،كما كانت العرب تفعله في الجاهلية، ومعلوم أن قتل جماعة بواحد لم يشتركوا في قتله إسراف في القتل داخل في النهي المذكور في الآية الكريمة.
الثانية: أن يقتل بالقتيل واحد ولكنه غير القاتل لأن قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل منهي عنه في الآية أيضا.
الثالثة: أن يقتل نفس القاتل و يمثل به ، فإن زيادة المثلة إسراف في القتل أيضا، ثم قال: و هذا هو التحقيق في الآية الكريمة.
و في تحريم إزهاق النفس بغير حق يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :<<لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس،و الثيب الزاني ، و التارك لدينه المفارق للجماعة >> مـتـفق عليـه .هذا الحديث، فيه ثلاثة أسباب لحل الدم المعصوم وهي .
الأولى: قتل النفس عمدا ، وفيها القصاص الذي يضمن الحياة للنفوس المعصومة }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (179) سورة البقرة . حياة بكف يد الذين يهمون بالاعتداء على الأنفس بشتى أنواع الإعتداء ، والقصاص ينتظرهم فيردعهم قبل الإقدام على الفعلة النكراء. وحياة في القصاص بكف يد أصحاب الدم أن تثور نفوسهم فيثأرون ولا يقفون عند القاتل بل يمضون في الثأر ؛ ويتبادلون القتل ولا يقف هذا الفريق وذاك حتى تسيل دماء ودماء، وتحصل الفتنة الكبرى ،ويكثر الشر ، ويقل الخير .
يتبع إن شاء الله ...
تعليق