نظرة شرعية في تفجيرالإسكندرية
سمعنا ورأينا عبر وسائل الإعلام ما حصل من تفجير لإحدى الكنائس في الإسكندرية في مصر وما نتج عن ذلك من قتل وجرح لعدد كبير من الأبرياء ، ومع أن من ارتكب هذا العمل الآثم قد لا يكون من المسلمين إلا أنني اطلعت في بعض المواقع التي نقلت خبر هذا التفجير بعض التعليقات فوجدتها ما بين منكر وشامت ومؤيد ، فأحببت أن أوضح حكم هذا الفعل من وجهة النظر الشرعية ، حتى يكون الجميع على علم بذلك ، وحتى لا يكون منطلقنا في أحكامنا على الأحداث منطلقاً عاطفياً ، حيث إن الشامتين أو المؤيدين للتفجير يقارنون ذلك بما يحصل لكثير من المسلمين في بقاع كثيرة من قتل وتهجير ، فأقول وبالله التوفيق :
إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، كما قال جل شأنه : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، ومن رحمة الله تعالى التي بعث بها هذا النبي الكريم ، رحمته بغير المسلمين الذين يقيمون في بلاد الإسلام من أهل الذمة ، حيث حفظ لهم حقوقهم وكرامتهم ، مما لا يوجد له مثيل في أي نظام عالمي ، بل ولا أحدث المبادئ التي دونت تحتى مسمى ( حقوق الإنسان ) ، ولم نجد أي دين من الأديان أو شريعة من الشرائع أفاضت في تقرير حقوق الإنسان وتفصيلها وتبيينها وإظهارها وإعلانها في صورة صادقة مثلما جاء به الإسلام ، فحفظ الإسلام لأهل الذمة كرامتهم ؛ حيث اعتبر كرامة الإنسان لا دينه أساساً في معاملته ، فقال جل شأنه : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )) (الاسراء:70) ، ولا شك أن هذه الكرامة المقررة في الآية الكريمة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية والأمان على نفسه وعرضه وماله اللهم إلا أن يأتي هذا الإنسان ما يوجب ـ في الشرع ـ عقوبته ، قال الإمام القرطبي رحمه الله : ( الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك ، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام ، والذي يحقِق ذلك أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي ، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم ، فدل على مساواته لدمه ، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه ) (( الجامع لأحكام القرآن )) ( 2/246 ) .
ومن صور مراعاة كرامة الإنسان بعامة وأهل الذمة بخاصة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم إذا مرت به جنازة حتى وإن كانت لغير مسلم ، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: (( إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا )) .
ومن تكريمه الإسلام لهم أنه أمر بمراعاة مشاعرهم ومخاطبتهم بالحسن من القول ، فقال جل شأنه : (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) (العنكبوت: من الآية46) .
وقد أذن الله تعالى بالإحسان إليهم والبر بهم ، فقال جل شأنه : (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: .
وقد كفل الإسلام لأهل الذمة حرية معتقدهم وحرم المساس بكنائسهم وعباداتهم ، جاء في عهده صلى الله عليه وسلم لأهل نجران في اليمن : (( ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبِيَعِهم وصلواتهم ، لا يغيّروا أسقفاً عن أسقفيته ، ولا راهباً عن رهبانيته ، ولا واقفاً عن وقفانيته )) أخرجه ابن سعد في (( الطبقات الكبرى )) ( 1/287 ) وأبو عبيد في (( الأموال )) ( ص182 ) .
وجاء في عهده صلى الله عليه وسلم لليهود حين قدم المدينة : (( وإن يهود بني عوف ومواليهم وأنفسهم أمة من المؤمنين ، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يرتغ إلا نفسه وأهل بيته )) أخرجه أبو عبيد في (( الأموال )) ( ص 195 ) .
وجاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه لأسامة رضي الله عنه : ( ... وَسَوْفَ تَمُرُّونَ بِأَقْوَامٍ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ، فَدَعُوهُمْ وَمَا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ ) تاريخ الطبري 3/215 .
وجاء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيلياء ( القدس ) : ( هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم ، وأموالهم ، ولكنائسهم ، وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها ، لا تُسكن كنائسهم ، ولا تُهدم ، ولا يُنتقص منها ، ولا من حيّزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يُضارّ أحد منهم ، ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ) تاريخ الطبري 3/159 .
وكان عمر رضي الله عنه يتفقد أحوال أهل الذمة خوفاً عليهم من الظلم الذي قد يقع من أفراد المسلمين ، فقد ذكر الطبري في تاريخه في سياقه لحديث عمر إلى وفد جاءه من أرض الذمة : ( قال عمر للوفد : لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم ؟ فقالوا : ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة ).
وكتب علي رضي الله عنه إلى عماله على الخراج: ( إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ، شتاءً ولا صيفاً ، ولا رزقاً يأكلونه ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم ، ولا تقيمه على رجله في طلب درهم ، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج ، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك ) .
وقد صالح خالد بن الوليد رضي الله عنه أهلَ الحيرة في العراق : ( على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ، وعلى أ ن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات ، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم ) الخراج ، لأبي يوسف ( ص 158 ) .
وجاء في صلح عمرو بن العاص لأقباط مصر : ( هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبرهم وبحرهم ، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص ) تاريخ الطبري 4/109 .
ولقد اعترف غير المسلمين بهذه المعاملة الكريمة التي وجدها أهل الذمة في ديار المسلمين ، يقول غوستاف لوبون : ( لم تقلّ براعةُ الخلفاء الأولين السياسية عن براعتهم الحربية التي اكتسبوها على عَجَل ، فعرفوا كيف يُحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه ، وعرفوا كيف يبتعدون عن إعمال السيف فيمن لم يُسْلِم ، وأعلنوا في كل مكان أنهم يحترمون عقائد الشعوب وعُرْفَها وعاداتها، مكتفين بأخذهم ـ في مقابل حمايتها ـ جزيةً زهيدة تقلّ عما كانت تدفعه إلى ساداتها السابقين من الضرائب ) (( حضارة العرب )) ( ص 134 ) .
وكانت المحافظة على كنائس النصارى ديدن المسلمين عبر تاريخهم ، فلم تمس بسوء أو تحقير ، يقول البطريرك النسطوري ياف الثالث في رسالة بعث بها إلى سمعان مطران ريفاردشير ورئيس أساقفة فارس : ( وإنّ العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أنتم عليه ، وهم بينكم ، كما تعلمون ذلك حق العلم ، ومع ذلك فهم لا يحاربون العقيدة المسيحية ، بل على العكس يعطفون على ديننا ، ويكرمون قُسسنا وقديسي الرب ، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار ) (( الدعوة إلى الإسلام )) توماس أرنولد ( ص98 ) .
وقال الأمريكي لوثر وب ستودارد : ( كان الخليفة عمر يرعى حرمةَ الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية ، وقد سار خلفاؤه من بعده على آثاره ، فما ضيقوا على النصارى ، وما نالوا بمساءة طوائفَ الـحُجّاج ـ يقصد النصارى ـ الوافدين كل عام إلى بيت المقدس من كل فج من فجاج العالم النصراني ) (( حاضر العالم الإسلامي )) له ( 1/13 ) .
وهذه الحماية والمحافظة على حقوق أهل الذمة والمعاملة الراقية الرائقة الرائعة لهم عبر تاريخ المسلمين نابعة من تعاليم دينهم الإسلامي الحنيف التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه، فربنا سبحانه يقول في كتابه العظيم : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (المائدة:8 ) . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم الاعتداء على الذمي والمعاهد بقوله : (( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )) أخرجه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني .
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ، قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا )) .
وهذا عمر رضي الله عنه يوصي بأهل الذمة خيراً عند وفاته فقال : ( أُوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً ، أن يوفَّى لهم بعهدهم ، وأن يقاتَل من ورائهم ، وأن لا يُكَلَّفوا فوق طاقتهم ).
ومن هنا فقد حرم علماؤنا الاعتداء على أهل الذمة بأي نوع من أنواع الاعتداء حتى وإن كان غيبة ، فكيف بالقتل والتدمير والتفجير والتهجير ! قال القرافي رحمه الله : ( إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم ؛ لأنهم في جوارنا ، وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام ، فمن اعتدى عليهم ، ولو بكلمة سوء ، أو غيبة في عرضِ أحدهم ، أو نوع من أنواع الأذية ، أو أعان على ذلك ، فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الإسلام ) (( الفروق )) ( 3/14 ) ، وقال أيضاً : ( من كان في الذمة ، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه ، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ، ونموت دون ذلك ، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة )،
وقال ابن النجار الحنبلي : ( يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفكُّ أسرهم ودفع من قصدهم بأذى ) (( مطالب أولى النهى )) ( 2/602 ) ، وقال الإمام الماوردي : ( ويلتزم ـ أي الحاكم ـ لهم ببذل حقَّين : أحدهما : الكفُّ عنهم . والثانِي : الحماية لهم ، ليكونوا بالكفِّ آمنين ، وبالحماية محروسين ) (( الأحكام السلطانية )) ( ص 143 ) .
ومما سبق يتضح حكم ذلك الاعتداء الآثم على كنيسة الإسكندرية وما سبقه من اعتداءات على كنائس في العراق ، وأن ذلك محرم لا يقره الإسلام تحت أي مبرر، بل هو عند الله عظيم ، كيف وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقباط مصر خيراً ، فعن أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوَ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا .. )) أخرجه مسلم ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الغدر بمن أعطي الأمان كبيرة من كبائر الذنوب ، فكيف بمن أصبح مواطناً من أبناء البلد له ما لهم وعليه ما عليهم ، قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أخرجه ابن ماجه وأحمد وغيرهما وصححه الألباني . وعند ابن حبان بلفظ : (( أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا )).
فلا يسوغ لمسلم تحت أي ذريعة أو تبرير أن يخفر ذمة الله وذمة رسوله بالاعتداء على كنائس أهل الذمة . وقد بقي المسلمون عبر تاريخهم الطويل محافظين على ذمة ربهم وذمة نبيهم ، فلم يحصل منهم أي اعتداء على كنائس أهل الذمة ، وقد نقل ابن حزم رحمه الله في (( مراتب الإجماع )) إجماع علماء المسلمين على وجوب حماية أهل الذمة .
ثم إن الظلم الذي يحصل من بعض النصارى في بلاد مختلفة لا يسوغ بحال من الأحوال ظلم من هم في بلادنا من النصارى لمجرد اشتراكهم في دين واحد ، فالقاعدة الشرعية القرآنية التي قررها الله في عدة مواضع من كتابه تقول (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) .
أسأل الله تعالى أن يجنب بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
الدكتور سعود بن ملوح العنزي
منقول للفائدة
سمعنا ورأينا عبر وسائل الإعلام ما حصل من تفجير لإحدى الكنائس في الإسكندرية في مصر وما نتج عن ذلك من قتل وجرح لعدد كبير من الأبرياء ، ومع أن من ارتكب هذا العمل الآثم قد لا يكون من المسلمين إلا أنني اطلعت في بعض المواقع التي نقلت خبر هذا التفجير بعض التعليقات فوجدتها ما بين منكر وشامت ومؤيد ، فأحببت أن أوضح حكم هذا الفعل من وجهة النظر الشرعية ، حتى يكون الجميع على علم بذلك ، وحتى لا يكون منطلقنا في أحكامنا على الأحداث منطلقاً عاطفياً ، حيث إن الشامتين أو المؤيدين للتفجير يقارنون ذلك بما يحصل لكثير من المسلمين في بقاع كثيرة من قتل وتهجير ، فأقول وبالله التوفيق :
إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، كما قال جل شأنه : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ، ومن رحمة الله تعالى التي بعث بها هذا النبي الكريم ، رحمته بغير المسلمين الذين يقيمون في بلاد الإسلام من أهل الذمة ، حيث حفظ لهم حقوقهم وكرامتهم ، مما لا يوجد له مثيل في أي نظام عالمي ، بل ولا أحدث المبادئ التي دونت تحتى مسمى ( حقوق الإنسان ) ، ولم نجد أي دين من الأديان أو شريعة من الشرائع أفاضت في تقرير حقوق الإنسان وتفصيلها وتبيينها وإظهارها وإعلانها في صورة صادقة مثلما جاء به الإسلام ، فحفظ الإسلام لأهل الذمة كرامتهم ؛ حيث اعتبر كرامة الإنسان لا دينه أساساً في معاملته ، فقال جل شأنه : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )) (الاسراء:70) ، ولا شك أن هذه الكرامة المقررة في الآية الكريمة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية والأمان على نفسه وعرضه وماله اللهم إلا أن يأتي هذا الإنسان ما يوجب ـ في الشرع ـ عقوبته ، قال الإمام القرطبي رحمه الله : ( الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك ، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام ، والذي يحقِق ذلك أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي ، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم ، فدل على مساواته لدمه ، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه ) (( الجامع لأحكام القرآن )) ( 2/246 ) .
ومن صور مراعاة كرامة الإنسان بعامة وأهل الذمة بخاصة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم إذا مرت به جنازة حتى وإن كانت لغير مسلم ، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: (( إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا )) .
ومن تكريمه الإسلام لهم أنه أمر بمراعاة مشاعرهم ومخاطبتهم بالحسن من القول ، فقال جل شأنه : (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) (العنكبوت: من الآية46) .
وقد أذن الله تعالى بالإحسان إليهم والبر بهم ، فقال جل شأنه : (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: .
وقد كفل الإسلام لأهل الذمة حرية معتقدهم وحرم المساس بكنائسهم وعباداتهم ، جاء في عهده صلى الله عليه وسلم لأهل نجران في اليمن : (( ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبِيَعِهم وصلواتهم ، لا يغيّروا أسقفاً عن أسقفيته ، ولا راهباً عن رهبانيته ، ولا واقفاً عن وقفانيته )) أخرجه ابن سعد في (( الطبقات الكبرى )) ( 1/287 ) وأبو عبيد في (( الأموال )) ( ص182 ) .
وجاء في عهده صلى الله عليه وسلم لليهود حين قدم المدينة : (( وإن يهود بني عوف ومواليهم وأنفسهم أمة من المؤمنين ، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يرتغ إلا نفسه وأهل بيته )) أخرجه أبو عبيد في (( الأموال )) ( ص 195 ) .
وجاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه لأسامة رضي الله عنه : ( ... وَسَوْفَ تَمُرُّونَ بِأَقْوَامٍ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ، فَدَعُوهُمْ وَمَا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ ) تاريخ الطبري 3/215 .
وجاء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيلياء ( القدس ) : ( هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم ، وأموالهم ، ولكنائسهم ، وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها ، لا تُسكن كنائسهم ، ولا تُهدم ، ولا يُنتقص منها ، ولا من حيّزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يُضارّ أحد منهم ، ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ) تاريخ الطبري 3/159 .
وكان عمر رضي الله عنه يتفقد أحوال أهل الذمة خوفاً عليهم من الظلم الذي قد يقع من أفراد المسلمين ، فقد ذكر الطبري في تاريخه في سياقه لحديث عمر إلى وفد جاءه من أرض الذمة : ( قال عمر للوفد : لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم ؟ فقالوا : ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة ).
وكتب علي رضي الله عنه إلى عماله على الخراج: ( إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ، شتاءً ولا صيفاً ، ولا رزقاً يأكلونه ، ولا دابة يعملون عليها ، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم ، ولا تقيمه على رجله في طلب درهم ، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج ، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك ) .
وقد صالح خالد بن الوليد رضي الله عنه أهلَ الحيرة في العراق : ( على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ، وعلى أ ن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات ، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم ) الخراج ، لأبي يوسف ( ص 158 ) .
وجاء في صلح عمرو بن العاص لأقباط مصر : ( هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبرهم وبحرهم ، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص ) تاريخ الطبري 4/109 .
ولقد اعترف غير المسلمين بهذه المعاملة الكريمة التي وجدها أهل الذمة في ديار المسلمين ، يقول غوستاف لوبون : ( لم تقلّ براعةُ الخلفاء الأولين السياسية عن براعتهم الحربية التي اكتسبوها على عَجَل ، فعرفوا كيف يُحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه ، وعرفوا كيف يبتعدون عن إعمال السيف فيمن لم يُسْلِم ، وأعلنوا في كل مكان أنهم يحترمون عقائد الشعوب وعُرْفَها وعاداتها، مكتفين بأخذهم ـ في مقابل حمايتها ـ جزيةً زهيدة تقلّ عما كانت تدفعه إلى ساداتها السابقين من الضرائب ) (( حضارة العرب )) ( ص 134 ) .
وكانت المحافظة على كنائس النصارى ديدن المسلمين عبر تاريخهم ، فلم تمس بسوء أو تحقير ، يقول البطريرك النسطوري ياف الثالث في رسالة بعث بها إلى سمعان مطران ريفاردشير ورئيس أساقفة فارس : ( وإنّ العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أنتم عليه ، وهم بينكم ، كما تعلمون ذلك حق العلم ، ومع ذلك فهم لا يحاربون العقيدة المسيحية ، بل على العكس يعطفون على ديننا ، ويكرمون قُسسنا وقديسي الرب ، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار ) (( الدعوة إلى الإسلام )) توماس أرنولد ( ص98 ) .
وقال الأمريكي لوثر وب ستودارد : ( كان الخليفة عمر يرعى حرمةَ الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية ، وقد سار خلفاؤه من بعده على آثاره ، فما ضيقوا على النصارى ، وما نالوا بمساءة طوائفَ الـحُجّاج ـ يقصد النصارى ـ الوافدين كل عام إلى بيت المقدس من كل فج من فجاج العالم النصراني ) (( حاضر العالم الإسلامي )) له ( 1/13 ) .
وهذه الحماية والمحافظة على حقوق أهل الذمة والمعاملة الراقية الرائقة الرائعة لهم عبر تاريخ المسلمين نابعة من تعاليم دينهم الإسلامي الحنيف التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه، فربنا سبحانه يقول في كتابه العظيم : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (المائدة:8 ) . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم الاعتداء على الذمي والمعاهد بقوله : (( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )) أخرجه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : (( أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني .
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ، قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا )) .
وهذا عمر رضي الله عنه يوصي بأهل الذمة خيراً عند وفاته فقال : ( أُوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً ، أن يوفَّى لهم بعهدهم ، وأن يقاتَل من ورائهم ، وأن لا يُكَلَّفوا فوق طاقتهم ).
ومن هنا فقد حرم علماؤنا الاعتداء على أهل الذمة بأي نوع من أنواع الاعتداء حتى وإن كان غيبة ، فكيف بالقتل والتدمير والتفجير والتهجير ! قال القرافي رحمه الله : ( إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم ؛ لأنهم في جوارنا ، وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام ، فمن اعتدى عليهم ، ولو بكلمة سوء ، أو غيبة في عرضِ أحدهم ، أو نوع من أنواع الأذية ، أو أعان على ذلك ، فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الإسلام ) (( الفروق )) ( 3/14 ) ، وقال أيضاً : ( من كان في الذمة ، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه ، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ، ونموت دون ذلك ، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة )،
وقال ابن النجار الحنبلي : ( يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفكُّ أسرهم ودفع من قصدهم بأذى ) (( مطالب أولى النهى )) ( 2/602 ) ، وقال الإمام الماوردي : ( ويلتزم ـ أي الحاكم ـ لهم ببذل حقَّين : أحدهما : الكفُّ عنهم . والثانِي : الحماية لهم ، ليكونوا بالكفِّ آمنين ، وبالحماية محروسين ) (( الأحكام السلطانية )) ( ص 143 ) .
ومما سبق يتضح حكم ذلك الاعتداء الآثم على كنيسة الإسكندرية وما سبقه من اعتداءات على كنائس في العراق ، وأن ذلك محرم لا يقره الإسلام تحت أي مبرر، بل هو عند الله عظيم ، كيف وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقباط مصر خيراً ، فعن أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوَ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا .. )) أخرجه مسلم ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الغدر بمن أعطي الأمان كبيرة من كبائر الذنوب ، فكيف بمن أصبح مواطناً من أبناء البلد له ما لهم وعليه ما عليهم ، قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) أخرجه ابن ماجه وأحمد وغيرهما وصححه الألباني . وعند ابن حبان بلفظ : (( أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا )).
فلا يسوغ لمسلم تحت أي ذريعة أو تبرير أن يخفر ذمة الله وذمة رسوله بالاعتداء على كنائس أهل الذمة . وقد بقي المسلمون عبر تاريخهم الطويل محافظين على ذمة ربهم وذمة نبيهم ، فلم يحصل منهم أي اعتداء على كنائس أهل الذمة ، وقد نقل ابن حزم رحمه الله في (( مراتب الإجماع )) إجماع علماء المسلمين على وجوب حماية أهل الذمة .
ثم إن الظلم الذي يحصل من بعض النصارى في بلاد مختلفة لا يسوغ بحال من الأحوال ظلم من هم في بلادنا من النصارى لمجرد اشتراكهم في دين واحد ، فالقاعدة الشرعية القرآنية التي قررها الله في عدة مواضع من كتابه تقول (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) .
أسأل الله تعالى أن يجنب بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
الدكتور سعود بن ملوح العنزي
منقول للفائدة