بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمابعد :
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هو سبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافر ولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم والعلم نور والعمل به سير إلى الله على ومحجة واضحة
ومن أهم الوسائل لتحصيل العلم النافع : شغل الوقت بالتعلم والتعليم ودوام المذكرة في العلم وكثرة القراءة في الكتب النافعة وتدوين الفوائد منها لا سيما عند قراءة الكتب الإصلاح الداعية للرجوع إلى الكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح ، المبينة لمواقع الأمراض والخلل في مجتمعات الأمة الإسلامية مع توضيح كيفية العلاج هذه الأمراض بالعقل والحكمة على مامشى عليه وسار أئمة أهل الحديث أهل الإصلاح والاجتماع وتمسك بالسنة
ومن أهم الكتب التي وقفت عليها واطلعت فيها في هذا الباب ، باب الإصلاح والدعوة إلى الله بالحكمة والعقل الصحيح السليم من لوثة الحزبية وعلوم الكلامية ، كتاب ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه ) لشيخنا الفاضل المفضال المصلح السلفي الأثري أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري ـ حفظه الله ـ
ومؤلفه ذو باع طويل واطلاع واسع في العلوم المختلفة وقد أبان وأظهر بضاعته العلمية السلفية القوية المتينة في كتابه ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه)
فكان كتاب كافيا شافيا وافيا جمع فيه من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة ما تشد إليه الرحال وتتناقله الأجيال لكثرة فوائده وحسن ترتيبه وشمولية أبوابه وعذوبة ألفاظه وجودة صناعته ولزوم العدل في أحكامه وسهولة فهمه مع جزالة ألفاظه وقوة عباراته فقد أجاد وأفاد ووفى بالمراد لله دره
فالشيخ حفظه الله قد شخص الداء وبين الدواء لمن أراد الله به الشفاء ولا شك أنه قد بذل في جمع هذا الكتاب المبارك جهدا كبيرا نسأل الله أن يرفع قدره ويعظم أجره
وأؤكد أنه إذا اهتم طلبة العلم بخاصة وأهل الإسلام بصفة عامة بقراءة هذا الكتاب وأمثاله وسلموا من التعبئة الخاطئة فإن ذلك سيكون مبعدا من الفتن بإذن الله جل وعلا
ولهذا كان جديرا بالعناية وبأن يوصف بأنه كتاب العلم والدعوة والإصلاح وأن يكون مرجعا لأهل الإسلام في باب الإصلاح والدعوة إلى الله
أما شخصية الشيخ عبد الحميد العربي ـ حفظه الله ـ وبطاقته العليمة الدعوية فالشيخ معروف في ميدان العلم والدعوة ولست من الذين يزكيه ويظهره ويبينه ، ولكن لغربة العلم وحملته وكثرة الجهل وازدراء حقوق أهل الفضل وعدم تنزيل الناس منازلهم فأقول معرفا مبينا مكانة الشيخ في الأمة وعند الأئمة
فالشيخ هو: حميد أحمد العربي الجزائري المكنى بأبي عبد الباري، والمشهور بعبد الحميد العربي من مواليد سنة1964ميلادية بولاية تيبازة، درس القرآن في صغره على الطريقة المعروفة في الجزائر في أحد المساجد، ودرس النحو والصرف، وأصول الفقه على بعض المشايخ في الجزائر، ثم زاول دارسته التعليمة، وتحصل على شهادة الكفاءة العليا في التربية، ومارس رسالة التعليم، فدرّس مادة الفيزياء والتكنولوجيا في المرحلة المتوسطة، ثم انتقل إلى تدريس مادة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية.
وبالموازاة مع التعليم كان مصرحا له من طرف وزارة الشؤون الدينية للتدريس في المساجد لتمكنه في الفقه المالكي، فالشيخ حميد أحمد العربي ملمٌ بالمذهب المالكي وله دراسات وبحوث فيه، فكان حفظه الله يلقي دروسا تعليمية في بعض مساجد ولاية تيبازة، ثم انتقل بعد ذلك إلى ولاية البليدة وصار إماما بها تابعا لوزارة الشؤون الدينية يلقي خطبة الجمعة ودروس العلم على عامة المسلمين.
ولم يكن الشيخ حفظه الله ولله الحمد والمنّة منخرطا في أي حزب إسلامي، بل كان يرى وفّقه الله أن التحزب الذي لم يسبقه علم ووعي فوضى وشتات، وتمزق بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي بداية التسعينات، وبعد ظهور بواد الفتنة -حيث صارت مجالس العلم لا قيمة لها، وغاب العقل الواعي، وعُوض بالهباء والهرج والمرج، وهُمِّش العلماء وطلاب العلم-، حزم الشيخ متاعه ورحل للازدياد من العلم على طريقة العلماء القدامى، فرحل أولاً إلى المملكة العربية السعودية، وجلس فيها مدة معتبرة، درس فيها على يدي كبار مشايخها، فأخذ عن:
العلاّمة الدكتور ربيع بن الهادي بن عمير المدخلي رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقا.
والعلاّمة الدكتور: عبد المحسن العباد البدر، رئيس الجامعة سابقا، فأخذ عنه فصولا من سنن الإمام النسائي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدكتور: يوسف الدخيل المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة، حيث درس عليه فصولا من فتح الباري، وأجزاء أخرى في الحديث.
والدكتور: علي بن ناصر الفقيهي رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حيث درس عليه فصولا من كتاب السنة لابن أبي عاصم.
والدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية، حيث درس عليه شرح تيسير العزيز الحميد لكتاب التوحيد.
وجالس الشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله، واستفاد منه فصولا طيبة في العقيدة.
وجوّد قسطا من القرآن على يدّ الشيخ عبيد الله الأفغاني السعودي بالمسجد النبوي بالمدينة النبوية.
وكان الشيخ يحضر بعض دروس الشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي التي كان يلقيها في مسجد القبلتين.
وكان للشيخ صحبة متينة مع الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله، حيث له معه لقاءات كثيرة ومجالس علم عديدة في مدينة الرياض وأبو ظبي.
وقد جالس الشيخُ باقي علماء المملكة وأساتذتها واستفاد منهم، ومن هؤلاء:
العلامة الوالد: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
والعلاّمة الوالد: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
والعلاّمة الشيخ: صالح الفوزان الفوزان حفظه الله.
والعلاّمة المفتي الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
والعلامة المحدث الشيخ: حماد الأنصاري المدني رحمه الله
والشيخ الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله.
والشيخ الفاضل: سعد الحصين حفظه الله.
والشيخ الدكتور: صالح بن حامد الرفاعي، حيث عرض عليه الشيخ أبو عبد الباري كتابه ضوابط الجرح والتعديل.
ولماّ لم يتيسر للشيخ زيارة اليمن فإن الله تعالى يسر له اللقاء ببعض مشايخها في المملكة العربية السعودية.
فقد التقى بالشيخ العلاّمة محدث اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادي رحمه الله بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الوصابي اليمني بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الإمام اليمني بالمدينة النبوية.
ولما كان الشيخ أبو عبد الباري حميد أحمد العربي مولعا بعلم الحديث ومتمكنا فيه، وبارعا في باب العلل فإنه عزم على لقاء العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وكان للشيخ عبد الحميد ما أراد بتوفيق الله، فقد التقى الشيخ أبو عبد الباري بالعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في عمان البلقاء عاصمة مملكة الأردن الهاشمية في سنة1994، وكان لقاء علميا مثمرا، سجل فيه الشيخ شريطا مع العلامة الألباني في مسائل الزكاة الشائكة، وقد بسط الشيخ أبو عبد الباري الحديث عن هذا اللقاء في جزء خاص أسماه (رحلتي إلى الشام)
قلت: وبعد أن أخذ الشيخ رغبته من علماء المملكة العربية السعودية رحل إلى الشام المحروسة، ونزل بدمشق وبالتحديد في ركن الدين بجبل قاسيون مكان المقادسة، ثم سجل نفسه بمعهد الفتح الإسلامي فرع الأزهر دراسات عليا تخصص، وفي الشام أخذ على يد بعض مشايخها، ومنهم:
الشيخ: أديب كَلاّس، أخذ عنه الفقه الحنفي.
والشيخ: مصطفى البغا أخذ عنه فقه الكتاب العزيز.
والشيخ المقرئ: أبو الحسن محي الدين الكردي، جوّد عليه قراءة حفص، وبعض أحكام القراءات.
والشيخ: الشُووَا أخذ عنه علم النحو.
والشيخ: مصطفى الخن أخذ عنه علم أصول الفقه.
والشيخ: حسام فرفور أخذ عنه كتاب التفتزاني في الأصول.
والشيخ: عبد الفتاح البزم أخذ عنه كتاب الرسالة القشيرية.
وبعد ما استفاد الشيخ من مشايخ الشام جاءه عرض بأن يكون مديرا لشركة زيدكوا للتكنولوجيا والابتكار والاختراع بأبو ظبي، فرحل إلى أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات وعمل في منصب مدير للابتكار ثلاث سنوات، ثم رخص له من وزارة الأوقاف وعمل كخطيب ومدرس في مساجد أبو ظبي، وقد كان للشيخ لقاءات في إذاعة وتلفزيون أبو ظبي الرسمي.
بعض كتب الشيخ:
1 بريق المهو في أحكام سجود السهو. طبع
2 إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة. طبع
3 المرشد الأمين في كيفية الوقاية من العين. طبع
4 وقفات منهجية في الذب عن السلفية (يرد فيه الشيخ على دعاة الخروج والإرهاب). طبع
5 تحقيقه لكتاب/ الطريقة المثلى في ذم التقليد واتباع ما هو أولى. طبع.
6 الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونموّ اقتصاديه وطرق المحافظة عليه/ طبع وقد قرظه جمع من أهل العلم منهم الشيخ محمد البنا عالم من أقران العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة من عدة أجزاء يعالج فيها الشيخ مسائل منهجية وتاريخية هامة أصابت الجزائر على الخصوص وشمال إفريقيا على العموم.( وهو المقصود ببحثنا)
7 سنى الأضواء في حكم مسّ المصحف للمحدث والجنب والحائض والنفساء/ طبع.
8 تحقيق لكتاب ابن العطار(الاعتقاد الخالص) يأتي في مجلدين/ على أبواب الطبع.
9المدارج النورانية في ما يلحق المسلم من ثواب بعد المنية/ على مشارف الطبع.
10 الإذاعة في أن التنطع والغلو والخروج على أئمة الجور محرم في ميزان أهل السنة والجماعة/ على أبواب الطبع.
11المجموع الحسن في الرد على دعاة الغلو والفتن.
12العشرية في حقوق الراعي والراعية.
13 الأقوال الواضحات في حكم الإضراب والاعتصام بالشوارع والمسيرات.
14جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة الإسلامية
15غاية الأماني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
16فوائد وأحكام من موطأ مالك الإمام.
17 -النكت الحديثية والفقهية من سنن أبي دواد السجستاني.
19- خير الأنباء في أحكام الدماء عند النساء.
20- العدوان الصهيوني على لبنان؛ حقائق ومواقف. طبع
21- دعوة إلى الحكمة والتعقل. طبع
22-تحقيق شرح سنن أبي داود لابن رسلان الشافعي، ويأتي في أكثر من عشرة مجلدت.
وكتب أخرى وبحوث يسر الله إتمامها.
ولقد أثنى جمع من المشايخ على شيخنا أبي عبد الباري حميد أحمد العربي، ووصفوه بالمتانة في العلم، وسلامة العقيدة والمنهج:
قال عنه العلامة المحدث ربيع بن هادي في تزكية مكتوبة: (إنّ عبد الحميد من خيرة السلفيين عقيدة ومنهجا).
وقال الشيخ ربيع في مكالمة هاتفية مسجلة سميت بالتزكية الذهبية: (بارك الله فيكم والله أنا أرى أنه تلميذ نجيب، وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث، رجل فاضل إن شاء الله وهو سلفي إن شاء الله لا يرتاب في سلفيته)
وقال كذلك حفظه الله: (بارك الله فيكم، وعرفته في كل فتنة يقف مع الحق،في أيام عدنان عرعور ردّ عليه وجاء أبو الحسن رد عليه والحين جاءت هذا الفتنة ووقف مع الحق، فالرجل ثابت إن شاء الله وَفَاهِمٌ)
وقال كذلك: (هو سلفي بارك الله فيكم). وقال عنه أخيرا لما قام بعض الدعاة السلفيين يشوشون عليه: (الرجل عنده دعوة عريضة في الجزائر يجب أن تتعاونوا معه)
وأثنى عليه الشيخ محمد باي بالعالم القبلوي الساهلي التواتي الجزائري رحمه الله وهو إمام مسجد وقائم على مدرسة بأولف ولاية أدرار، وكان الثناء على الشيخ أبي عبد الباري في مدينة ورقلة، وقال عنه بخطه: (الشيخ العلاّمة...).
وقد أثنى عليه كل من: الشيخ محمد بن هادي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ عبد السلام البرجس، وكان يصفه بقوة في الاستدلال، وأثنى عليه الدكتور يوسف الدخيل، وكان يقدمه في المجالس، وأثنى عليه الدكتور عبد الباري حماد الأنصاري، والدكتور صالح بن حامد الرفاعي، وأثنى عليه عبد المالك رمضاني في تزكية خطية كتبها بيده في مكتبة الحرم المدني وقال عنه: (من خيرة السلفيين الذين خبرتهم في طيبة الطيبة).
وقد أثنى عليه فضيلة الشيخ حسن عبد الوهَّاب البنا حفظه الله عند تقريظه لكتاب[دعوة إلى الحكمة والتعقل] لشيخنا عبد الحميد العربي حفظه الله
فقال عنه ((فإن الأخ في الله الشيخ أبو عبد البارئ عبد الحميد أحمد المسلم ديانة، والسلفي منهجًا، والجزائري وطنًا -سلمه الله-)) وقال ((ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن فضيلة الشيخ المصنِّف –جزاه الله خيرًا- أتى بأدلة صحيحة وصريحة عن أئمة السلف محتّجين بالكتاب والسنة))
قلت ( أبوأنس ) :هذا يعتضد ويصدق قول الشيخ العالم عبد السلام البرجس رحمه الله إذا وصفه بقوة الاستدلال وشهادة العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تدل على هذا إذا قال: وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث
وفق الله شيخنا أبا عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري الأثري إلى خدمة الإسلام والمسلمين، وجعله من العلماء العالمين، ورزقه البصيرة في الدعوة إلى الله، وأيده بالمخلصين من أبناء الأمة للنهوض بعبء تربية الجيل، وحمايته من الأفكار المدمرة، والوافدة على قيمنا وأعرافنا، وعصمه من دعاة الفتن والتشويش والحاسدين، وأبعد عنه كيد الماكرين، ونصره على مناوئيه بالحق المبين وما ذلك على الله بمتين. (من منتديات أهل الحديث السلفية بتصرف).
الغرض الأسمى من تأليف الكتاب
قال الشيخ حفظه الباري في الهامش ص 06
((وأصدرت الملخص في حينه نصرةً لمبدأ الصّلح والحوار الذي أراه سبيلا شرعيا لتضييق الخلاف، وفَهمِ منهجية المخالف، وتجفيف منابع العنف والتطرف، وكشف مخططات دعاة الإقصاء والتغريب، والدَّفعِ بدفة الاقتصاد نحو الأحسن والأسلم، ولم أصدره ولله الحمد والمنّة رداء وردءً للديمقراطية الغربية، أو تسترا على أصحاب الجرائم الجماعية كما سعت بعض الأطراف المغرضة والملوّثة بكفر التمرد إلى إظهاره، والله تعالى يعلم المصلح من المفسد.
كما إنني أُشهد اللهَ وملائكتَه، وكلَّ من وقف على هذا السِّفر من الإنس والجن: أنني أُبغض المنكرات الصادرة من الحكام والمحكومين، وأعوذ بالله من أن أجادل عن حُكّامٍ لا يحكمون بشِرعة الله، أو أحآج عن أقوام لا يرجون لله وقارًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة الذي أخرجه الإمام مسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرَف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا).
ولأن الرضا بالمنكرات الصادرة من الحكّام ليس من صفات طالب العلم الرّزين الذي يسير على منهج أهل الحديث والأثر، كما بيَّن ذلك العلامةُ الشوكاني في جزئه أدب الطلب (ص106)، ولكنني زبرت ما سبكت في هذا الكتاب نُصرة لمنهج أهل الحديث الأبرار، وتبرئةً له مما ألصق به عنوة من عار، ونُسب إليه قسرا عبر وسائل الإعلام من غلو وتطرف وتشدد مقيت وشنار، رغبةً في إرضاء ربّ الأرباب، ودفاعا عن أئمة السُنَّة أساطين الإسلام أولي الألباب، وكلّ هذا جريا وراء الأجور من الباري جل وعلا لأنال بعونه تعالى تجارة لن تبور، فالنفس الشريفة دائما ترغب في اقتناص شوارد الأجور، والله تعالى ناصري فنعم المولى ونعم النّصير.))
وقال في نفس الصفحة ((لقد أصدرتُ ملخصًا لطيفًا لكتابنا هذا قبل أن يبديَ الشّعبُ الجزائريُ المسلمُ برأيه في الصُّلح الذي طرحَهُ حاكمُ البلادِ -أيّده الله بالحقّ- لجمعِ كلمة المسلمين، وتطهيرِ المجتمع من عوامل الدّمار، ورفع الضّغائن عنهم، بعد ما عصفت بهم الفتن، ومزقت روابطَهم الإحنُ، وطمعت فيهم دُوَّلُ الشرّ بعلة محاربة الإرهاب، ونشرِ الديمقراطية على تصورهم الغربيّ الكافر.
وبادرتُ بعون الله إلى إخراجِ الملخص في ذلك الوقت تغذيةً لعقولِ بعضِ الناّس التي ارتابت في مسألة الصّلح بين المسلمين بضوابطه الشرعية، وإزالة لشيء من الغشاوة عنها، ولفاتا لانتباهها إلى قيمة الصّلح وعلوِّ منزلته عند الله تعالى، وأنّه ضرورةٌ مُلِحّةٌ في عهد نخر الخلافُ المفتعلُ هيبةَ الأمةِ الإسلامية، واستنزف طاقاتِها، وأذهب بريحها، وأحدث فيها فجواتٍ عدةً تسرَّب من خلالها العفنُ إلى صرحها المهزوز، وصيَّره إلى كتلةِ نارٍ ملتهبةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.))
من المستفيد من الكتاب ولمن ؟
قال في ص 07
أهديه إلى كلّ مخلص ومشفق على أمته، وحكيم في تعامله مع القضايا الشّائكة، وبصيرٍ بمنهج أهل الحديث في باب استفاء الحقوق واسترجاعها إذا غُصبت، ومدركٍ لعلم المصالح والمفاسد، وعارف بفقه المآلات، وخبيرٍ بخطورة ما يحاك لهذه الأمة في الظلام، وما يخطط لها في الخفاء كي تكون لقمة سائغة في أيدي دُوَّلِ الشرّ
حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة وإن سعى الفرق الحزبية إلى طمسها وإماتتها
إنّ حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة، وفطرةٌ جُبل عليها الخلق، تجعل المرء العاقل يستريح حين يعيش فيه، ويحن إليه عندما يغيب عنه، ويدافع عنه إذا هاجمه عدو صائل، ويغضب له إذا انتقصه المبطلون، ويصيبه الحزن والأسى حين يرى نيران الفتن تمزقُ أطرافه، والأفكار الفاسدة تلوث عقول أبنائه، والإرهاب الأعمى يقوض بنيانه، وينخر ويدمر اقتصاده، والطفيليون تحت غطاء المنصب يبتزون أمواله، ويَعدلون باقتصاده عن مساره الشرعي والوطني إلى فيافِي الرشوة وقفار الفقر، ويتألم حين يجد القوانين الوضعية والجائرة والخاطئة تنافس الشريعة الغراء وتزاحمها، وتضر بمآل الفرد في عاجل أمره ويوم مِعاده، وحملات اليهود والنصارى المسمومة تُشين سمعته، وتَطعن في ثوابته، وتسعى إلى غرس بذور الفتن في ربوعه، كما هو الشأن في الشرق الأوسط والعراق الجريح.
أقول (أبوأنس ) : ولهم أيادي تساعدهم على مخططاتهم المسمومة المدمرة في أراضي الإسلام من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا تحت غطاء الأحزاب (1) : إسلامية كانت أو علمانية-؛ سَعت بقصد أو بغير قصد وأحلاهما مرّ -من خلال مشاريعها المخرومة- إلى طمس وإماتة الغريزة الطيّبة التي خلقها اللهُ في العباد اتجاه أوطانهم، فنمَّت في عقول بعض الشّباب فكرة التمرد، والمعارضة من أجل المعارضة، والمخالفة من أجل الظهور، وغرست فيهم الحسّ بالغربة في الوطن الأم، والعزلة الشعورية، والتنكّر لكل ما هو أصيل، فتجد الشابَ الغارقَ في أفكار حزبٍ من الأحزاب يمر على أقوام قائمين على إفساد مشروع حضاري يعود نفعه على الجميع، وكلّف الدولة الـملايين من الدولارات، أو يمر على جمع من النّاس يطوفون بقبر ويذبحون عند عتبته القرابين؛ فيسلم عليهم!، وقد يقول لهم بلهجة أهل البلد: (الله يعينكم)!، ولا تتحرك له شعرة مِن خُبث ما يصنع القوم، ولا يفكر بالاتصال بالجهات المسئولة عن قمع أمثال هؤلاء، فوالله لو تَركَ الأحزابُ الناسَ على فطرتهم السليمة لكانت كافية إن شاء الله في حماية الوطن من الشّرك، والإلحاد، والبدعة، والأفكار المتطرفة، والإرهاب، والتنصير، وفكر الاستئصال، والعنف الأعمى، والجريمة المنظمة، وترويج المخدرات، وغيرها من الأعمال السيئة والباطلة.
وقال بارك الله فيه في ص 21ـ 23 :
وإنني لاحظت بعد سبر وتأمل أنّ كثيرا من شَّبابنا المساكين؛ -الذين كانوا على فطرة سليمة، وطبعٍ قابلٍ لحمل الحق ونصرته، وهمة عديمة النظير في طلب العلم الشرعي وما يوازيه من الكوني، وتطلع مُشرق لبناء أوطانهم، ورفع الجهل عنها-، هلكوا حين خالطوا أهل الشُّبهات والهواجس، وسلّموا سمعَهم لكلّ مُتكلم ومدلِّس، وأضحوا عاكفين على شرائط الفيديو للأحداث الأفغانية الزائفة والملفقة، والمعارك الشيشانية والخاصة بإقليمهم والآنية، والفتن العراقية الدامية، والمكسوّة بلباس الطائفية النتنة، وغدوا من المتصفحين للمجلاَّت الهالكة في طرحها، ومواقع التكفيريين والروافض الأنجاس، والإباحيين الأرجاس على شبكة الإنترنت العالمية، ومن الساهرين على مطالعة كتب أهل الفكر المنحرف، ككتب سيد قطب المصري، وأبي قتادة الفلسطيني، وأبي بصير الخارجي، وأبي محمد المقدسي الأردني، ومصطفى شكري المصري، وعمر عبد الرحمن المصري، وكتب الشيعة الضلال، وكلّ ثورِيٍ ثائر وضيق الصدر على أُمته الضعيفة، والنّاس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، حتى ولو ظهر لهؤلاء الشّباب المساكين من يدّعي النبوةَ مع اعترافهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدّعي الربوبية لوجدت على ذلك أتباعا وأشياعا والله المستعان، ولما أضحى حال الشباب كما عرفت فسد طبعُهم، وتغير مزاجُهم، وقلصت أنفسهم عن طلب الحقّ، وتغيرت فطرتهم، وقفست فيهم الغيرة على الأوطان إلا من رحم الرحمن، وصاروا ولا حول ولا قوة إلا بالله كالشاة العائرة يتململون بين الحق والباطل، وأمسوا بعد ما تلوثت فطرُهم بفكر دعاة الخروج والعصيان المدني يغمزون في علماء أهل الحديث والأثر بعبارات خفيّة وسامّة وجارحة، ويُجهدون أنفسهم كلّ الجُهد في جمع عرفيج أهل الباطل والأهواء في أهل الحق ليسقطوا هيبتهم، ويشوِّشوا على أنصارهم من طلاّب العلم النجباء بالأضمات والأباطيل، بل؛ وكأنّهم حُقنوا بمصل البغض والحقد على أهلّ الحديث والأثر وحُكّامهم المسلمين، وجُنِّدوا لمحاربة كلّ حكيم وعاقل يخاف على ثوابت أمته أن يُعبث بها، أو أن تصير في أيدي أهل الشّرور والفتن يوظفونها في خدمة إبليس وأعوانه، والله العاصم من كيد أهل الضلال.
وصدق ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله حين قال: (إنّ العبدَ إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحقّ عن مواضعه) إغاثة اللهفان 1/55
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمابعد :
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هو سبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافر ولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم والعلم نور والعمل به سير إلى الله على ومحجة واضحة
ومن أهم الوسائل لتحصيل العلم النافع : شغل الوقت بالتعلم والتعليم ودوام المذكرة في العلم وكثرة القراءة في الكتب النافعة وتدوين الفوائد منها لا سيما عند قراءة الكتب الإصلاح الداعية للرجوع إلى الكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح ، المبينة لمواقع الأمراض والخلل في مجتمعات الأمة الإسلامية مع توضيح كيفية العلاج هذه الأمراض بالعقل والحكمة على مامشى عليه وسار أئمة أهل الحديث أهل الإصلاح والاجتماع وتمسك بالسنة
ومن أهم الكتب التي وقفت عليها واطلعت فيها في هذا الباب ، باب الإصلاح والدعوة إلى الله بالحكمة والعقل الصحيح السليم من لوثة الحزبية وعلوم الكلامية ، كتاب ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه ) لشيخنا الفاضل المفضال المصلح السلفي الأثري أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري ـ حفظه الله ـ
ومؤلفه ذو باع طويل واطلاع واسع في العلوم المختلفة وقد أبان وأظهر بضاعته العلمية السلفية القوية المتينة في كتابه ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه)
فكان كتاب كافيا شافيا وافيا جمع فيه من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة ما تشد إليه الرحال وتتناقله الأجيال لكثرة فوائده وحسن ترتيبه وشمولية أبوابه وعذوبة ألفاظه وجودة صناعته ولزوم العدل في أحكامه وسهولة فهمه مع جزالة ألفاظه وقوة عباراته فقد أجاد وأفاد ووفى بالمراد لله دره
فالشيخ حفظه الله قد شخص الداء وبين الدواء لمن أراد الله به الشفاء ولا شك أنه قد بذل في جمع هذا الكتاب المبارك جهدا كبيرا نسأل الله أن يرفع قدره ويعظم أجره
وأؤكد أنه إذا اهتم طلبة العلم بخاصة وأهل الإسلام بصفة عامة بقراءة هذا الكتاب وأمثاله وسلموا من التعبئة الخاطئة فإن ذلك سيكون مبعدا من الفتن بإذن الله جل وعلا
ولهذا كان جديرا بالعناية وبأن يوصف بأنه كتاب العلم والدعوة والإصلاح وأن يكون مرجعا لأهل الإسلام في باب الإصلاح والدعوة إلى الله
أما شخصية الشيخ عبد الحميد العربي ـ حفظه الله ـ وبطاقته العليمة الدعوية فالشيخ معروف في ميدان العلم والدعوة ولست من الذين يزكيه ويظهره ويبينه ، ولكن لغربة العلم وحملته وكثرة الجهل وازدراء حقوق أهل الفضل وعدم تنزيل الناس منازلهم فأقول معرفا مبينا مكانة الشيخ في الأمة وعند الأئمة
فالشيخ هو: حميد أحمد العربي الجزائري المكنى بأبي عبد الباري، والمشهور بعبد الحميد العربي من مواليد سنة1964ميلادية بولاية تيبازة، درس القرآن في صغره على الطريقة المعروفة في الجزائر في أحد المساجد، ودرس النحو والصرف، وأصول الفقه على بعض المشايخ في الجزائر، ثم زاول دارسته التعليمة، وتحصل على شهادة الكفاءة العليا في التربية، ومارس رسالة التعليم، فدرّس مادة الفيزياء والتكنولوجيا في المرحلة المتوسطة، ثم انتقل إلى تدريس مادة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية.
وبالموازاة مع التعليم كان مصرحا له من طرف وزارة الشؤون الدينية للتدريس في المساجد لتمكنه في الفقه المالكي، فالشيخ حميد أحمد العربي ملمٌ بالمذهب المالكي وله دراسات وبحوث فيه، فكان حفظه الله يلقي دروسا تعليمية في بعض مساجد ولاية تيبازة، ثم انتقل بعد ذلك إلى ولاية البليدة وصار إماما بها تابعا لوزارة الشؤون الدينية يلقي خطبة الجمعة ودروس العلم على عامة المسلمين.
ولم يكن الشيخ حفظه الله ولله الحمد والمنّة منخرطا في أي حزب إسلامي، بل كان يرى وفّقه الله أن التحزب الذي لم يسبقه علم ووعي فوضى وشتات، وتمزق بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي بداية التسعينات، وبعد ظهور بواد الفتنة -حيث صارت مجالس العلم لا قيمة لها، وغاب العقل الواعي، وعُوض بالهباء والهرج والمرج، وهُمِّش العلماء وطلاب العلم-، حزم الشيخ متاعه ورحل للازدياد من العلم على طريقة العلماء القدامى، فرحل أولاً إلى المملكة العربية السعودية، وجلس فيها مدة معتبرة، درس فيها على يدي كبار مشايخها، فأخذ عن:
العلاّمة الدكتور ربيع بن الهادي بن عمير المدخلي رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقا.
والعلاّمة الدكتور: عبد المحسن العباد البدر، رئيس الجامعة سابقا، فأخذ عنه فصولا من سنن الإمام النسائي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدكتور: يوسف الدخيل المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة، حيث درس عليه فصولا من فتح الباري، وأجزاء أخرى في الحديث.
والدكتور: علي بن ناصر الفقيهي رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حيث درس عليه فصولا من كتاب السنة لابن أبي عاصم.
والدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية، حيث درس عليه شرح تيسير العزيز الحميد لكتاب التوحيد.
وجالس الشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله، واستفاد منه فصولا طيبة في العقيدة.
وجوّد قسطا من القرآن على يدّ الشيخ عبيد الله الأفغاني السعودي بالمسجد النبوي بالمدينة النبوية.
وكان الشيخ يحضر بعض دروس الشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي التي كان يلقيها في مسجد القبلتين.
وكان للشيخ صحبة متينة مع الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله، حيث له معه لقاءات كثيرة ومجالس علم عديدة في مدينة الرياض وأبو ظبي.
وقد جالس الشيخُ باقي علماء المملكة وأساتذتها واستفاد منهم، ومن هؤلاء:
العلامة الوالد: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
والعلاّمة الوالد: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
والعلاّمة الشيخ: صالح الفوزان الفوزان حفظه الله.
والعلاّمة المفتي الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
والعلامة المحدث الشيخ: حماد الأنصاري المدني رحمه الله
والشيخ الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله.
والشيخ الفاضل: سعد الحصين حفظه الله.
والشيخ الدكتور: صالح بن حامد الرفاعي، حيث عرض عليه الشيخ أبو عبد الباري كتابه ضوابط الجرح والتعديل.
ولماّ لم يتيسر للشيخ زيارة اليمن فإن الله تعالى يسر له اللقاء ببعض مشايخها في المملكة العربية السعودية.
فقد التقى بالشيخ العلاّمة محدث اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادي رحمه الله بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الوصابي اليمني بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الإمام اليمني بالمدينة النبوية.
ولما كان الشيخ أبو عبد الباري حميد أحمد العربي مولعا بعلم الحديث ومتمكنا فيه، وبارعا في باب العلل فإنه عزم على لقاء العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وكان للشيخ عبد الحميد ما أراد بتوفيق الله، فقد التقى الشيخ أبو عبد الباري بالعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في عمان البلقاء عاصمة مملكة الأردن الهاشمية في سنة1994، وكان لقاء علميا مثمرا، سجل فيه الشيخ شريطا مع العلامة الألباني في مسائل الزكاة الشائكة، وقد بسط الشيخ أبو عبد الباري الحديث عن هذا اللقاء في جزء خاص أسماه (رحلتي إلى الشام)
قلت: وبعد أن أخذ الشيخ رغبته من علماء المملكة العربية السعودية رحل إلى الشام المحروسة، ونزل بدمشق وبالتحديد في ركن الدين بجبل قاسيون مكان المقادسة، ثم سجل نفسه بمعهد الفتح الإسلامي فرع الأزهر دراسات عليا تخصص، وفي الشام أخذ على يد بعض مشايخها، ومنهم:
الشيخ: أديب كَلاّس، أخذ عنه الفقه الحنفي.
والشيخ: مصطفى البغا أخذ عنه فقه الكتاب العزيز.
والشيخ المقرئ: أبو الحسن محي الدين الكردي، جوّد عليه قراءة حفص، وبعض أحكام القراءات.
والشيخ: الشُووَا أخذ عنه علم النحو.
والشيخ: مصطفى الخن أخذ عنه علم أصول الفقه.
والشيخ: حسام فرفور أخذ عنه كتاب التفتزاني في الأصول.
والشيخ: عبد الفتاح البزم أخذ عنه كتاب الرسالة القشيرية.
وبعد ما استفاد الشيخ من مشايخ الشام جاءه عرض بأن يكون مديرا لشركة زيدكوا للتكنولوجيا والابتكار والاختراع بأبو ظبي، فرحل إلى أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات وعمل في منصب مدير للابتكار ثلاث سنوات، ثم رخص له من وزارة الأوقاف وعمل كخطيب ومدرس في مساجد أبو ظبي، وقد كان للشيخ لقاءات في إذاعة وتلفزيون أبو ظبي الرسمي.
بعض كتب الشيخ:
1 بريق المهو في أحكام سجود السهو. طبع
2 إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة. طبع
3 المرشد الأمين في كيفية الوقاية من العين. طبع
4 وقفات منهجية في الذب عن السلفية (يرد فيه الشيخ على دعاة الخروج والإرهاب). طبع
5 تحقيقه لكتاب/ الطريقة المثلى في ذم التقليد واتباع ما هو أولى. طبع.
6 الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونموّ اقتصاديه وطرق المحافظة عليه/ طبع وقد قرظه جمع من أهل العلم منهم الشيخ محمد البنا عالم من أقران العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة من عدة أجزاء يعالج فيها الشيخ مسائل منهجية وتاريخية هامة أصابت الجزائر على الخصوص وشمال إفريقيا على العموم.( وهو المقصود ببحثنا)
7 سنى الأضواء في حكم مسّ المصحف للمحدث والجنب والحائض والنفساء/ طبع.
8 تحقيق لكتاب ابن العطار(الاعتقاد الخالص) يأتي في مجلدين/ على أبواب الطبع.
9المدارج النورانية في ما يلحق المسلم من ثواب بعد المنية/ على مشارف الطبع.
10 الإذاعة في أن التنطع والغلو والخروج على أئمة الجور محرم في ميزان أهل السنة والجماعة/ على أبواب الطبع.
11المجموع الحسن في الرد على دعاة الغلو والفتن.
12العشرية في حقوق الراعي والراعية.
13 الأقوال الواضحات في حكم الإضراب والاعتصام بالشوارع والمسيرات.
14جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة الإسلامية
15غاية الأماني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
16فوائد وأحكام من موطأ مالك الإمام.
17 -النكت الحديثية والفقهية من سنن أبي دواد السجستاني.
19- خير الأنباء في أحكام الدماء عند النساء.
20- العدوان الصهيوني على لبنان؛ حقائق ومواقف. طبع
21- دعوة إلى الحكمة والتعقل. طبع
22-تحقيق شرح سنن أبي داود لابن رسلان الشافعي، ويأتي في أكثر من عشرة مجلدت.
وكتب أخرى وبحوث يسر الله إتمامها.
ولقد أثنى جمع من المشايخ على شيخنا أبي عبد الباري حميد أحمد العربي، ووصفوه بالمتانة في العلم، وسلامة العقيدة والمنهج:
قال عنه العلامة المحدث ربيع بن هادي في تزكية مكتوبة: (إنّ عبد الحميد من خيرة السلفيين عقيدة ومنهجا).
وقال الشيخ ربيع في مكالمة هاتفية مسجلة سميت بالتزكية الذهبية: (بارك الله فيكم والله أنا أرى أنه تلميذ نجيب، وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث، رجل فاضل إن شاء الله وهو سلفي إن شاء الله لا يرتاب في سلفيته)
وقال كذلك حفظه الله: (بارك الله فيكم، وعرفته في كل فتنة يقف مع الحق،في أيام عدنان عرعور ردّ عليه وجاء أبو الحسن رد عليه والحين جاءت هذا الفتنة ووقف مع الحق، فالرجل ثابت إن شاء الله وَفَاهِمٌ)
وقال كذلك: (هو سلفي بارك الله فيكم). وقال عنه أخيرا لما قام بعض الدعاة السلفيين يشوشون عليه: (الرجل عنده دعوة عريضة في الجزائر يجب أن تتعاونوا معه)
وأثنى عليه الشيخ محمد باي بالعالم القبلوي الساهلي التواتي الجزائري رحمه الله وهو إمام مسجد وقائم على مدرسة بأولف ولاية أدرار، وكان الثناء على الشيخ أبي عبد الباري في مدينة ورقلة، وقال عنه بخطه: (الشيخ العلاّمة...).
وقد أثنى عليه كل من: الشيخ محمد بن هادي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ عبد السلام البرجس، وكان يصفه بقوة في الاستدلال، وأثنى عليه الدكتور يوسف الدخيل، وكان يقدمه في المجالس، وأثنى عليه الدكتور عبد الباري حماد الأنصاري، والدكتور صالح بن حامد الرفاعي، وأثنى عليه عبد المالك رمضاني في تزكية خطية كتبها بيده في مكتبة الحرم المدني وقال عنه: (من خيرة السلفيين الذين خبرتهم في طيبة الطيبة).
وقد أثنى عليه فضيلة الشيخ حسن عبد الوهَّاب البنا حفظه الله عند تقريظه لكتاب[دعوة إلى الحكمة والتعقل] لشيخنا عبد الحميد العربي حفظه الله
فقال عنه ((فإن الأخ في الله الشيخ أبو عبد البارئ عبد الحميد أحمد المسلم ديانة، والسلفي منهجًا، والجزائري وطنًا -سلمه الله-)) وقال ((ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن فضيلة الشيخ المصنِّف –جزاه الله خيرًا- أتى بأدلة صحيحة وصريحة عن أئمة السلف محتّجين بالكتاب والسنة))
قلت ( أبوأنس ) :هذا يعتضد ويصدق قول الشيخ العالم عبد السلام البرجس رحمه الله إذا وصفه بقوة الاستدلال وشهادة العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تدل على هذا إذا قال: وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث
وفق الله شيخنا أبا عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري الأثري إلى خدمة الإسلام والمسلمين، وجعله من العلماء العالمين، ورزقه البصيرة في الدعوة إلى الله، وأيده بالمخلصين من أبناء الأمة للنهوض بعبء تربية الجيل، وحمايته من الأفكار المدمرة، والوافدة على قيمنا وأعرافنا، وعصمه من دعاة الفتن والتشويش والحاسدين، وأبعد عنه كيد الماكرين، ونصره على مناوئيه بالحق المبين وما ذلك على الله بمتين. (من منتديات أهل الحديث السلفية بتصرف).
الغرض الأسمى من تأليف الكتاب
قال الشيخ حفظه الباري في الهامش ص 06
((وأصدرت الملخص في حينه نصرةً لمبدأ الصّلح والحوار الذي أراه سبيلا شرعيا لتضييق الخلاف، وفَهمِ منهجية المخالف، وتجفيف منابع العنف والتطرف، وكشف مخططات دعاة الإقصاء والتغريب، والدَّفعِ بدفة الاقتصاد نحو الأحسن والأسلم، ولم أصدره ولله الحمد والمنّة رداء وردءً للديمقراطية الغربية، أو تسترا على أصحاب الجرائم الجماعية كما سعت بعض الأطراف المغرضة والملوّثة بكفر التمرد إلى إظهاره، والله تعالى يعلم المصلح من المفسد.
كما إنني أُشهد اللهَ وملائكتَه، وكلَّ من وقف على هذا السِّفر من الإنس والجن: أنني أُبغض المنكرات الصادرة من الحكام والمحكومين، وأعوذ بالله من أن أجادل عن حُكّامٍ لا يحكمون بشِرعة الله، أو أحآج عن أقوام لا يرجون لله وقارًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة الذي أخرجه الإمام مسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرَف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا).
ولأن الرضا بالمنكرات الصادرة من الحكّام ليس من صفات طالب العلم الرّزين الذي يسير على منهج أهل الحديث والأثر، كما بيَّن ذلك العلامةُ الشوكاني في جزئه أدب الطلب (ص106)، ولكنني زبرت ما سبكت في هذا الكتاب نُصرة لمنهج أهل الحديث الأبرار، وتبرئةً له مما ألصق به عنوة من عار، ونُسب إليه قسرا عبر وسائل الإعلام من غلو وتطرف وتشدد مقيت وشنار، رغبةً في إرضاء ربّ الأرباب، ودفاعا عن أئمة السُنَّة أساطين الإسلام أولي الألباب، وكلّ هذا جريا وراء الأجور من الباري جل وعلا لأنال بعونه تعالى تجارة لن تبور، فالنفس الشريفة دائما ترغب في اقتناص شوارد الأجور، والله تعالى ناصري فنعم المولى ونعم النّصير.))
وقال في نفس الصفحة ((لقد أصدرتُ ملخصًا لطيفًا لكتابنا هذا قبل أن يبديَ الشّعبُ الجزائريُ المسلمُ برأيه في الصُّلح الذي طرحَهُ حاكمُ البلادِ -أيّده الله بالحقّ- لجمعِ كلمة المسلمين، وتطهيرِ المجتمع من عوامل الدّمار، ورفع الضّغائن عنهم، بعد ما عصفت بهم الفتن، ومزقت روابطَهم الإحنُ، وطمعت فيهم دُوَّلُ الشرّ بعلة محاربة الإرهاب، ونشرِ الديمقراطية على تصورهم الغربيّ الكافر.
وبادرتُ بعون الله إلى إخراجِ الملخص في ذلك الوقت تغذيةً لعقولِ بعضِ الناّس التي ارتابت في مسألة الصّلح بين المسلمين بضوابطه الشرعية، وإزالة لشيء من الغشاوة عنها، ولفاتا لانتباهها إلى قيمة الصّلح وعلوِّ منزلته عند الله تعالى، وأنّه ضرورةٌ مُلِحّةٌ في عهد نخر الخلافُ المفتعلُ هيبةَ الأمةِ الإسلامية، واستنزف طاقاتِها، وأذهب بريحها، وأحدث فيها فجواتٍ عدةً تسرَّب من خلالها العفنُ إلى صرحها المهزوز، وصيَّره إلى كتلةِ نارٍ ملتهبةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.))
من المستفيد من الكتاب ولمن ؟
قال في ص 07
أهديه إلى كلّ مخلص ومشفق على أمته، وحكيم في تعامله مع القضايا الشّائكة، وبصيرٍ بمنهج أهل الحديث في باب استفاء الحقوق واسترجاعها إذا غُصبت، ومدركٍ لعلم المصالح والمفاسد، وعارف بفقه المآلات، وخبيرٍ بخطورة ما يحاك لهذه الأمة في الظلام، وما يخطط لها في الخفاء كي تكون لقمة سائغة في أيدي دُوَّلِ الشرّ
حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة وإن سعى الفرق الحزبية إلى طمسها وإماتتها
إنّ حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة، وفطرةٌ جُبل عليها الخلق، تجعل المرء العاقل يستريح حين يعيش فيه، ويحن إليه عندما يغيب عنه، ويدافع عنه إذا هاجمه عدو صائل، ويغضب له إذا انتقصه المبطلون، ويصيبه الحزن والأسى حين يرى نيران الفتن تمزقُ أطرافه، والأفكار الفاسدة تلوث عقول أبنائه، والإرهاب الأعمى يقوض بنيانه، وينخر ويدمر اقتصاده، والطفيليون تحت غطاء المنصب يبتزون أمواله، ويَعدلون باقتصاده عن مساره الشرعي والوطني إلى فيافِي الرشوة وقفار الفقر، ويتألم حين يجد القوانين الوضعية والجائرة والخاطئة تنافس الشريعة الغراء وتزاحمها، وتضر بمآل الفرد في عاجل أمره ويوم مِعاده، وحملات اليهود والنصارى المسمومة تُشين سمعته، وتَطعن في ثوابته، وتسعى إلى غرس بذور الفتن في ربوعه، كما هو الشأن في الشرق الأوسط والعراق الجريح.
أقول (أبوأنس ) : ولهم أيادي تساعدهم على مخططاتهم المسمومة المدمرة في أراضي الإسلام من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا تحت غطاء الأحزاب (1) : إسلامية كانت أو علمانية-؛ سَعت بقصد أو بغير قصد وأحلاهما مرّ -من خلال مشاريعها المخرومة- إلى طمس وإماتة الغريزة الطيّبة التي خلقها اللهُ في العباد اتجاه أوطانهم، فنمَّت في عقول بعض الشّباب فكرة التمرد، والمعارضة من أجل المعارضة، والمخالفة من أجل الظهور، وغرست فيهم الحسّ بالغربة في الوطن الأم، والعزلة الشعورية، والتنكّر لكل ما هو أصيل، فتجد الشابَ الغارقَ في أفكار حزبٍ من الأحزاب يمر على أقوام قائمين على إفساد مشروع حضاري يعود نفعه على الجميع، وكلّف الدولة الـملايين من الدولارات، أو يمر على جمع من النّاس يطوفون بقبر ويذبحون عند عتبته القرابين؛ فيسلم عليهم!، وقد يقول لهم بلهجة أهل البلد: (الله يعينكم)!، ولا تتحرك له شعرة مِن خُبث ما يصنع القوم، ولا يفكر بالاتصال بالجهات المسئولة عن قمع أمثال هؤلاء، فوالله لو تَركَ الأحزابُ الناسَ على فطرتهم السليمة لكانت كافية إن شاء الله في حماية الوطن من الشّرك، والإلحاد، والبدعة، والأفكار المتطرفة، والإرهاب، والتنصير، وفكر الاستئصال، والعنف الأعمى، والجريمة المنظمة، وترويج المخدرات، وغيرها من الأعمال السيئة والباطلة.
وقال بارك الله فيه في ص 21ـ 23 :
وإنني لاحظت بعد سبر وتأمل أنّ كثيرا من شَّبابنا المساكين؛ -الذين كانوا على فطرة سليمة، وطبعٍ قابلٍ لحمل الحق ونصرته، وهمة عديمة النظير في طلب العلم الشرعي وما يوازيه من الكوني، وتطلع مُشرق لبناء أوطانهم، ورفع الجهل عنها-، هلكوا حين خالطوا أهل الشُّبهات والهواجس، وسلّموا سمعَهم لكلّ مُتكلم ومدلِّس، وأضحوا عاكفين على شرائط الفيديو للأحداث الأفغانية الزائفة والملفقة، والمعارك الشيشانية والخاصة بإقليمهم والآنية، والفتن العراقية الدامية، والمكسوّة بلباس الطائفية النتنة، وغدوا من المتصفحين للمجلاَّت الهالكة في طرحها، ومواقع التكفيريين والروافض الأنجاس، والإباحيين الأرجاس على شبكة الإنترنت العالمية، ومن الساهرين على مطالعة كتب أهل الفكر المنحرف، ككتب سيد قطب المصري، وأبي قتادة الفلسطيني، وأبي بصير الخارجي، وأبي محمد المقدسي الأردني، ومصطفى شكري المصري، وعمر عبد الرحمن المصري، وكتب الشيعة الضلال، وكلّ ثورِيٍ ثائر وضيق الصدر على أُمته الضعيفة، والنّاس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، حتى ولو ظهر لهؤلاء الشّباب المساكين من يدّعي النبوةَ مع اعترافهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدّعي الربوبية لوجدت على ذلك أتباعا وأشياعا والله المستعان، ولما أضحى حال الشباب كما عرفت فسد طبعُهم، وتغير مزاجُهم، وقلصت أنفسهم عن طلب الحقّ، وتغيرت فطرتهم، وقفست فيهم الغيرة على الأوطان إلا من رحم الرحمن، وصاروا ولا حول ولا قوة إلا بالله كالشاة العائرة يتململون بين الحق والباطل، وأمسوا بعد ما تلوثت فطرُهم بفكر دعاة الخروج والعصيان المدني يغمزون في علماء أهل الحديث والأثر بعبارات خفيّة وسامّة وجارحة، ويُجهدون أنفسهم كلّ الجُهد في جمع عرفيج أهل الباطل والأهواء في أهل الحق ليسقطوا هيبتهم، ويشوِّشوا على أنصارهم من طلاّب العلم النجباء بالأضمات والأباطيل، بل؛ وكأنّهم حُقنوا بمصل البغض والحقد على أهلّ الحديث والأثر وحُكّامهم المسلمين، وجُنِّدوا لمحاربة كلّ حكيم وعاقل يخاف على ثوابت أمته أن يُعبث بها، أو أن تصير في أيدي أهل الشّرور والفتن يوظفونها في خدمة إبليس وأعوانه، والله العاصم من كيد أهل الضلال.
وصدق ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله حين قال: (إنّ العبدَ إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحقّ عن مواضعه) إغاثة اللهفان 1/55
تعليق