لما تلمزون أهل الحديث بفرقة (الجَّرح والتَّجريح) ؟
تنبيه لبعض الدعاة
مابال أقوام يلمِزون إخوانهم من أهل الحديث بفرقة (الجرح والتجريح)، ويكثرون من
تكريرهم لهذه المقالة حيثما حلوا أو ارتحلوا!!.
كتبه
أبوعبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) (آل عمران: 102)
((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) (النساء:1)
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)) (الأحزاب:70-71)
أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار وبعد:
تمهيد
أكتب هذه العبارات بأسلوب سهل جدا، وبعيد عن التعقيد والألفاظ الوحشية، حتى يدرك الطلابُ المعنيون أن نقد المخالف، ومنهج الجرح والتعديل بمعنى التحذير من المناهج الضالة سابق عن وجود فالح بن نافع الحربي، ولن يذهب بذهاب فالح فأربعوا على أنفسكم، ومنه فعليكم أن تتحلوا بالحلم والعلم والحكمة، وتنتهوا عن غمز إخوانهم من أهل الحديث والأثر بفرقة الجرح والتجريح، وكذلك حتى ينتبه الشباب السلفي إلى خطورة صنيع القوم، وأنهم لو يفسح لهم المجال لنشر هذا المصطلح، فإنه يأت يوم إذا قمت وحذرت من الصوفية، كشر الناس في وجهك وقالوا: هذا من فرقة الجرح والتجريح!.
مقدمة تحليلية نفسية لهؤلاء القوم
لماذا صار بعض طلبة العلم هداهم الله يطلقون على إخوانهم من أهل الحديث: (فرقة الجرح والتجريح)؟،
لقد أكثر بعضُ طلبة العلم الجزائريين من قولهم (فرقة الجرح والتجريح)، وبدؤوا يدفعون الشباب إلى محوّ أشرطة النقد، والردّ على المخالف على صيغة العموم، ولو حصروا كلامهم في بعض الأشرطة لبعض الشباب التي لا تحمل إلا الفتن، والكلام الفارغ كأشرطة فوزي البحريني، ومن كان على شاكلته لحمد صنيعهم، ولكن للأسف الشديد يطلقون العبارات على عواهنها حتى صارت بعض المكتبات لا تبيع أشرطة الشيخ ربيع، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ محمد بن هادي، والشيخ زيد المدخلي، والشيخ يحي النجمي، والشيخ مقبل بن هادي، والله العاصم من الشبه والضلال،ولكي يعطوا لفعلهم صبغة النصيحة، ويلطفوا الأجواء حتى لا يتفطن لهم المسلمون يقولون للشباب: سجلوا عليها القرآن هو أنفع لكم،وهذا الجنس من الدعاة صار يتحرج من النقد بكل صوره، حتى بلغ بهم الأمر إذا ذكر يوسف القرضاوي المصري صاحب الشبه في مجلسهم، تمايلوا وتماوتوا على طريقة حبان العنزي، وقالوا: الرجل فقيه ويسكتون!! دون أن يبينوا مخازيه التي نتّن وعفّن بها الكون.
ومن خلال جمعنا لأشرطتهم واستماعها وجدناهم يعنون من تصريحهم السالف تلامذة الشيخ ربيع، وإخوانه من أهل العلم الذين يسلكون منهج أهل الحديث والأثر في نقد الفرق والطوائف والمناهج المحدثة.
والذي آل بهذا الصنف إلى هذا القول؛ أنه في زمن غبر ظهر شبابٌ مساكين قلدوا فالح الحربي هداه الله ورزقه العقل السالك في باب النقد، وتوسعوا معه توسعا مشينا وخطيرا، مع جهلهم الظاهر بمنهج السلف، وطبعهم الجاف الذي لم يروض في حلق أهل الفضل، فشمل منهج فالح وأضرابه المبتدع، والجاهل، والسنيّ، والعالم، والمسكين من أهل السنة، والنساء في خدورهن، وأدخلوا بصنيعهم المحدث أبناء الأمة في دوامة رهيبة، وعطلوا الدعوة إلى الله، وصار ديدنهم تتبع عثرات إخوانهم من أهل السنة، والغمز فيهم بثُمن الخطيئة، ولقد جاءنا نصيبنا من الأذى على أيدي هؤلاء الشباب هداهم الله وغفر لهم، وأثار ظلمهم وما أصابنا في دولة الإمارات إلى الآن يطف فوق الماء، وبعض الدعاة من الجزائر قام بجمع فقاقيع الغلاة بقيادة الغيثي، والمرضى نفسيا وشرع في نشرها في الجزائر، حتى ينتقم منا والله المستعان، وفي نفس الوقت يصفني بالولوع في باب النقد والكثرة منه، والله يا إخواننا لقد تشابه البقر علينا.
وقد وقع الدعاة المشار إليهم في شباك فالح وأعوانه من الشباب إما جرحى أو أسرى، وما كانوا يتصورون أن ينقلب عليهم فالح انقلابا كليا، ويكلبهم بعبارته القاتلة، ويمزقهم كل ممزق، فأحدث لهم نقدُ فالحٍ وأنصاره من الشباب عقدة نفسية اتجاه الجرح والتعديل، أو على اصطلاح بعض العلماء منهج نقد المخالف والردّ عليه، وأضحوا يخافون من هذا المصطلح، وكلما ذكر النقد في مجلسهم تذكروا الآلام التي أصابتهم، والمحن التي حلت بهم، حتى تكون في أنفس القوم هاجس من منهج النقد، يوقظ مضاجعهم، ويذكرهم بالليالي الحالكة، وبعبارة موجزة غدا النقد عند القوم بعبعا، ووحشا مخيفا والله المستعان.
إذا هي حالة نفسية أصابت القوم، واضطررتهم عنوة كالوسواس القهري إلى الغمز في كلّ مجاهد يذب عن السنة، ويردّ على المخالف، وهذه الحالة المرضية لا تؤهل القوم إلى التأصيل وتصنيف الناس، لأن عملهم غير صادر من أصول ثابتة، وقواعد متينة، فإكثارهم من عبارة (الجرح والتجريح) في المجالس ينبئ عن اضطراب هائل يتخبط فيه القوم.
وأريد أن أطرح بعض الأسئلة على القوم، فمعذرة إن كانت تحمل شيئا من الفظاظة
1 - فهل كلّ من ظُلم باسم منهج الجرح والتعديل، ومزقه فالح بمخالبه، جاز له أن يقابل الظلم بمنهج محدث كي يشفي به صدره من الغيظ، ويعطل به منهج بزل الإسلام في حماية الإسلام؟
2 - وهل محاربة الغلو والتنطع، يعني القفز إلى منهج سهل بن ميسر بن مميع بن مضيع!، وتعطيل منهج أهل الحديث في نقد المخالف، وتمييع القضايا، والتبرير للمخالفين صنيعهم دون نصحهم أو التحذير منهم.
3 - وهل يجوز لطلاب العلم وحالتهم النفسية سيئة جدا أن يتقدموا بين يدي العلماء في باب تصنيف الناس، وتلقيبهم بألقاب محدثة؟ لأن تصنيف الناس؛ إما أن يكون باعتبار مؤسس الفرقة، كالجهمية، والتجانية، والقادرية، والأشعرية، والقديانية، و..، فهي فرق سميت بأسماء مؤسسيها.
وإما باعتبار فعل الفرقة، كالخوارج، والمعتزلية، والقدرية، والجبرية، وهكذا
وأعود إلى المقصودين من التنبيه وأقول: إن فرقة الجرح والتجريح التي تحذرون منها في اليقظة والمنام إلى أي باب من الأبواب السابقة تعود؟.
فإن قلتم إلى المؤسس، فأنا لا أعلم رأسا على ضلالة في هذا العصر يدعى بالجرح والتجريح وإن قصدوا فالحا الحربي فكان الأجدر بهم أن يقولوا فرقة الفالحية! وأنا لا أظن أنهم أهلا لهذا الفعل، وهم في كتبهم ينكرون حتى القطبية والله المستعان.
يقول واحد من هؤلاء الطلاب غفر الله له في جزء له أسماه الهداية إلى أن طلب العلم فرض عين ومنه فرض كفاية (ص59): (وليس من منهجهم (أي أهل السنة والجماعة) إطلاق اسم جديد على كل بدعة كما يفعل اليوم بعض من ينتسب إلى السلفية، لكنهم قليلوا العلم والدقة، فلذلك أطلق أمثال هؤلاء على بعض من أخطأ من إخوانهم ألقابا جديدة؛ كالمغراوية، والقطبية، والمأربية، والشريفية...إلخ)
وعلى هذه المقطوعة بعض الملاحظات أذكر منها ما يليق بالتنبيه:
1*- إن القطبية النتنة ليست من إطلاق الشباب بارك الله فيك، بل هي من أحكام العلماء الأماجد، وتعود أصولها إلى مؤسسها سيد قطب الهالك، وعجيب أمر هذا الطالب كيف ينكر وجود فرقة القطبية وضررها قد وصل إلى البيت الأبيض والله المستعان.
روى الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الشهادات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: (إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمنّاه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوءً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة)
قال ابن تيمية رحمه الله في المجموع (35/414): (والبدعة التي يبدع بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة)
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (24/172):(... من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع...)
فهل عند هذا الطالب شك في فساد منهج القطبية، وأن مؤسسها وأتباعه خالفوا الظاهر والمستفيض من منهج السلف؟
2*- عاتب الكاتب الشباب الجاهل وضعيف الدقة على تعبيره حين أطلقوا على بعض إخوانهم مآربة ومغراوية وشريفية....إلخ، فلماذ أعطيت لنفسك الأهلية ووسمت إخوانك أهل الحديث بفرقة (الجرح والتجريح)، (أ تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
وإن قالوا باعتبار أفعال بعض الشباب الجاهل بمنهج السلف الصالح، فيكون الجواب: هل يصح شرعا وعقلا أن تضيفوا طائفة إلى الوجود انطلاقا من صنيع بعض الشباب الحمقى، وتخالفون قواعدكم المبثوثة في كتبكم؟! إن هذا لأمر عجاب!
3*- ومن سبقكم من العلماء إلى وصف الشباب الجهال من الغلاة بطائفة الجرح والتجريح؟
4*- وهل فعلكم هذا لا يعد جرحا لقوم آخرين، وأنتم تتظاهرون بالتسامح وتكثرون من الحديث عن الآداب؟
أين الصبر على المخالف، وأين أنتم من قوله تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد* كلا طرفي قصد الأمور ذميم.
إنّ التحلي بالوسطية في باب نقد المخالف معلم من معالم إعجاز الإسلام، ودليل على صلاحيته لكل زمان ومكان.
قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ولهذا تجد الإسلام الحنيف يحذر من المصير إلى أحد الانحرافين: الغلو أو التقصير، يقول تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
وهذه الوسطية التي تميز الإسلام عما سواه من الأديان هي (العدل) فإن معنى قوله تعالى (أمة وسطا): أي عدولا خيارا كما جاء عن النبي ونقله السلف.
فهل من العدل أن تصفوا إخوانكم أهل الحديث بفرقة الجرح والتجريح
ومن ذلك قوله تعالى: (قال أوسَطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون، قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن ربيع، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة: أي أعدلهم وخيرهم. تفسير بن كثير 14/96ط/ مكتبة أولاد الشيخ
وقال العلامة عبد الرحمن السّعدي في تفسيره (ص1044):(قال أوسطهم)؛ أي أعدلهم وأحسنهم طريقة
ويقول الشاطبي –رحمه الله–:(إن الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط العدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، فإذا نظرت إلى كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط والاعتدال، ورأيت التوسط فيها لائحا، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يرجع إليه، والمعقل الذي يلجأ إليه)
وقال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان1/207ط:المكتب الإسلامي ( فنهى النبي عن التشديد في الدين، وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه، إما بالقدر وإما بالشرع، فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوساوس، فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم، قال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه،-يعني الوضوء- وأن يجاوز فعل النبي، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إسباغ الوضوء الإنقاء، فالفقه كل الفقه الاقتصاد في الدين، والاعتصام بالسنة)اهـ
قال ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين(2/496): (مَا أمر اللهُ بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإما إلى إفراطٍ وغُلوٍ، ودينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، كما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد)
إن علماءنا وعلى رأسهم الشيخ ربيع لما رؤوا خطورة منهج الغلاة في باب النقد قد أتى على الأخضر واليابس، قاموا عن بكرة أبيهم ووقفوا في وجوههم، ولكن بمنهج أهل الحديث الصافي، الذي الوسطية ميزة من ميزاته الواضحة، فحاربوا الغلو بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة وتأصيلات أهل الحديث، ولهذا استطاعوا كبح جماح دعاة الغلو دون آثار جانبية تعود على منهج السلف بالضرر، وأما الطلاب المشار إليهم أرادوا أن يرفعوا عن الأمة زكاما فأحدثوا فيها جذاما، والله المستعان.
أوصي نفسي وطلبة العلم بتقوى الله، وترك الأساليب المحدثة في علاج أمراض الأمة، والعودة إلى منهج أهل الحديث في باب النقد، والتحلي بالصبر على المخالف، والثبات والصدق في المواقف.
والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا ويقينا شرور أنفسنا، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه على عجالة والحزن يعصر فؤاده أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي
منقول من منتديات البيضاء العلمية ,وأصل المشاركة كانت لأخ الفاضل أبو عبد الودود عيسى البيضاوي جزاه الله خيرا
تنبيه لبعض الدعاة
مابال أقوام يلمِزون إخوانهم من أهل الحديث بفرقة (الجرح والتجريح)، ويكثرون من
تكريرهم لهذه المقالة حيثما حلوا أو ارتحلوا!!.
كتبه
أبوعبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) (آل عمران: 102)
((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) (النساء:1)
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)) (الأحزاب:70-71)
أما بعد:
فإنّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار وبعد:
تمهيد
أكتب هذه العبارات بأسلوب سهل جدا، وبعيد عن التعقيد والألفاظ الوحشية، حتى يدرك الطلابُ المعنيون أن نقد المخالف، ومنهج الجرح والتعديل بمعنى التحذير من المناهج الضالة سابق عن وجود فالح بن نافع الحربي، ولن يذهب بذهاب فالح فأربعوا على أنفسكم، ومنه فعليكم أن تتحلوا بالحلم والعلم والحكمة، وتنتهوا عن غمز إخوانهم من أهل الحديث والأثر بفرقة الجرح والتجريح، وكذلك حتى ينتبه الشباب السلفي إلى خطورة صنيع القوم، وأنهم لو يفسح لهم المجال لنشر هذا المصطلح، فإنه يأت يوم إذا قمت وحذرت من الصوفية، كشر الناس في وجهك وقالوا: هذا من فرقة الجرح والتجريح!.
مقدمة تحليلية نفسية لهؤلاء القوم
لماذا صار بعض طلبة العلم هداهم الله يطلقون على إخوانهم من أهل الحديث: (فرقة الجرح والتجريح)؟،
لقد أكثر بعضُ طلبة العلم الجزائريين من قولهم (فرقة الجرح والتجريح)، وبدؤوا يدفعون الشباب إلى محوّ أشرطة النقد، والردّ على المخالف على صيغة العموم، ولو حصروا كلامهم في بعض الأشرطة لبعض الشباب التي لا تحمل إلا الفتن، والكلام الفارغ كأشرطة فوزي البحريني، ومن كان على شاكلته لحمد صنيعهم، ولكن للأسف الشديد يطلقون العبارات على عواهنها حتى صارت بعض المكتبات لا تبيع أشرطة الشيخ ربيع، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ محمد بن هادي، والشيخ زيد المدخلي، والشيخ يحي النجمي، والشيخ مقبل بن هادي، والله العاصم من الشبه والضلال،ولكي يعطوا لفعلهم صبغة النصيحة، ويلطفوا الأجواء حتى لا يتفطن لهم المسلمون يقولون للشباب: سجلوا عليها القرآن هو أنفع لكم،وهذا الجنس من الدعاة صار يتحرج من النقد بكل صوره، حتى بلغ بهم الأمر إذا ذكر يوسف القرضاوي المصري صاحب الشبه في مجلسهم، تمايلوا وتماوتوا على طريقة حبان العنزي، وقالوا: الرجل فقيه ويسكتون!! دون أن يبينوا مخازيه التي نتّن وعفّن بها الكون.
ومن خلال جمعنا لأشرطتهم واستماعها وجدناهم يعنون من تصريحهم السالف تلامذة الشيخ ربيع، وإخوانه من أهل العلم الذين يسلكون منهج أهل الحديث والأثر في نقد الفرق والطوائف والمناهج المحدثة.
والذي آل بهذا الصنف إلى هذا القول؛ أنه في زمن غبر ظهر شبابٌ مساكين قلدوا فالح الحربي هداه الله ورزقه العقل السالك في باب النقد، وتوسعوا معه توسعا مشينا وخطيرا، مع جهلهم الظاهر بمنهج السلف، وطبعهم الجاف الذي لم يروض في حلق أهل الفضل، فشمل منهج فالح وأضرابه المبتدع، والجاهل، والسنيّ، والعالم، والمسكين من أهل السنة، والنساء في خدورهن، وأدخلوا بصنيعهم المحدث أبناء الأمة في دوامة رهيبة، وعطلوا الدعوة إلى الله، وصار ديدنهم تتبع عثرات إخوانهم من أهل السنة، والغمز فيهم بثُمن الخطيئة، ولقد جاءنا نصيبنا من الأذى على أيدي هؤلاء الشباب هداهم الله وغفر لهم، وأثار ظلمهم وما أصابنا في دولة الإمارات إلى الآن يطف فوق الماء، وبعض الدعاة من الجزائر قام بجمع فقاقيع الغلاة بقيادة الغيثي، والمرضى نفسيا وشرع في نشرها في الجزائر، حتى ينتقم منا والله المستعان، وفي نفس الوقت يصفني بالولوع في باب النقد والكثرة منه، والله يا إخواننا لقد تشابه البقر علينا.
وقد وقع الدعاة المشار إليهم في شباك فالح وأعوانه من الشباب إما جرحى أو أسرى، وما كانوا يتصورون أن ينقلب عليهم فالح انقلابا كليا، ويكلبهم بعبارته القاتلة، ويمزقهم كل ممزق، فأحدث لهم نقدُ فالحٍ وأنصاره من الشباب عقدة نفسية اتجاه الجرح والتعديل، أو على اصطلاح بعض العلماء منهج نقد المخالف والردّ عليه، وأضحوا يخافون من هذا المصطلح، وكلما ذكر النقد في مجلسهم تذكروا الآلام التي أصابتهم، والمحن التي حلت بهم، حتى تكون في أنفس القوم هاجس من منهج النقد، يوقظ مضاجعهم، ويذكرهم بالليالي الحالكة، وبعبارة موجزة غدا النقد عند القوم بعبعا، ووحشا مخيفا والله المستعان.
إذا هي حالة نفسية أصابت القوم، واضطررتهم عنوة كالوسواس القهري إلى الغمز في كلّ مجاهد يذب عن السنة، ويردّ على المخالف، وهذه الحالة المرضية لا تؤهل القوم إلى التأصيل وتصنيف الناس، لأن عملهم غير صادر من أصول ثابتة، وقواعد متينة، فإكثارهم من عبارة (الجرح والتجريح) في المجالس ينبئ عن اضطراب هائل يتخبط فيه القوم.
وأريد أن أطرح بعض الأسئلة على القوم، فمعذرة إن كانت تحمل شيئا من الفظاظة
1 - فهل كلّ من ظُلم باسم منهج الجرح والتعديل، ومزقه فالح بمخالبه، جاز له أن يقابل الظلم بمنهج محدث كي يشفي به صدره من الغيظ، ويعطل به منهج بزل الإسلام في حماية الإسلام؟
2 - وهل محاربة الغلو والتنطع، يعني القفز إلى منهج سهل بن ميسر بن مميع بن مضيع!، وتعطيل منهج أهل الحديث في نقد المخالف، وتمييع القضايا، والتبرير للمخالفين صنيعهم دون نصحهم أو التحذير منهم.
3 - وهل يجوز لطلاب العلم وحالتهم النفسية سيئة جدا أن يتقدموا بين يدي العلماء في باب تصنيف الناس، وتلقيبهم بألقاب محدثة؟ لأن تصنيف الناس؛ إما أن يكون باعتبار مؤسس الفرقة، كالجهمية، والتجانية، والقادرية، والأشعرية، والقديانية، و..، فهي فرق سميت بأسماء مؤسسيها.
وإما باعتبار فعل الفرقة، كالخوارج، والمعتزلية، والقدرية، والجبرية، وهكذا
وأعود إلى المقصودين من التنبيه وأقول: إن فرقة الجرح والتجريح التي تحذرون منها في اليقظة والمنام إلى أي باب من الأبواب السابقة تعود؟.
فإن قلتم إلى المؤسس، فأنا لا أعلم رأسا على ضلالة في هذا العصر يدعى بالجرح والتجريح وإن قصدوا فالحا الحربي فكان الأجدر بهم أن يقولوا فرقة الفالحية! وأنا لا أظن أنهم أهلا لهذا الفعل، وهم في كتبهم ينكرون حتى القطبية والله المستعان.
يقول واحد من هؤلاء الطلاب غفر الله له في جزء له أسماه الهداية إلى أن طلب العلم فرض عين ومنه فرض كفاية (ص59): (وليس من منهجهم (أي أهل السنة والجماعة) إطلاق اسم جديد على كل بدعة كما يفعل اليوم بعض من ينتسب إلى السلفية، لكنهم قليلوا العلم والدقة، فلذلك أطلق أمثال هؤلاء على بعض من أخطأ من إخوانهم ألقابا جديدة؛ كالمغراوية، والقطبية، والمأربية، والشريفية...إلخ)
وعلى هذه المقطوعة بعض الملاحظات أذكر منها ما يليق بالتنبيه:
1*- إن القطبية النتنة ليست من إطلاق الشباب بارك الله فيك، بل هي من أحكام العلماء الأماجد، وتعود أصولها إلى مؤسسها سيد قطب الهالك، وعجيب أمر هذا الطالب كيف ينكر وجود فرقة القطبية وضررها قد وصل إلى البيت الأبيض والله المستعان.
روى الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الشهادات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: (إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمنّاه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب سريرته، ومن أظهر لنا سوءً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة)
قال ابن تيمية رحمه الله في المجموع (35/414): (والبدعة التي يبدع بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة)
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (24/172):(... من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافا لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع...)
فهل عند هذا الطالب شك في فساد منهج القطبية، وأن مؤسسها وأتباعه خالفوا الظاهر والمستفيض من منهج السلف؟
2*- عاتب الكاتب الشباب الجاهل وضعيف الدقة على تعبيره حين أطلقوا على بعض إخوانهم مآربة ومغراوية وشريفية....إلخ، فلماذ أعطيت لنفسك الأهلية ووسمت إخوانك أهل الحديث بفرقة (الجرح والتجريح)، (أ تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
وإن قالوا باعتبار أفعال بعض الشباب الجاهل بمنهج السلف الصالح، فيكون الجواب: هل يصح شرعا وعقلا أن تضيفوا طائفة إلى الوجود انطلاقا من صنيع بعض الشباب الحمقى، وتخالفون قواعدكم المبثوثة في كتبكم؟! إن هذا لأمر عجاب!
3*- ومن سبقكم من العلماء إلى وصف الشباب الجهال من الغلاة بطائفة الجرح والتجريح؟
4*- وهل فعلكم هذا لا يعد جرحا لقوم آخرين، وأنتم تتظاهرون بالتسامح وتكثرون من الحديث عن الآداب؟
أين الصبر على المخالف، وأين أنتم من قوله تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد* كلا طرفي قصد الأمور ذميم.
إنّ التحلي بالوسطية في باب نقد المخالف معلم من معالم إعجاز الإسلام، ودليل على صلاحيته لكل زمان ومكان.
قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيدا) ولهذا تجد الإسلام الحنيف يحذر من المصير إلى أحد الانحرافين: الغلو أو التقصير، يقول تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
وهذه الوسطية التي تميز الإسلام عما سواه من الأديان هي (العدل) فإن معنى قوله تعالى (أمة وسطا): أي عدولا خيارا كما جاء عن النبي ونقله السلف.
فهل من العدل أن تصفوا إخوانكم أهل الحديث بفرقة الجرح والتجريح
ومن ذلك قوله تعالى: (قال أوسَطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون، قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومحمد بن ربيع، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة: أي أعدلهم وخيرهم. تفسير بن كثير 14/96ط/ مكتبة أولاد الشيخ
وقال العلامة عبد الرحمن السّعدي في تفسيره (ص1044):(قال أوسطهم)؛ أي أعدلهم وأحسنهم طريقة
ويقول الشاطبي –رحمه الله–:(إن الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط العدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، فإذا نظرت إلى كلية شرعية فتأملها تجدها حاملة على التوسط والاعتدال، ورأيت التوسط فيها لائحا، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يرجع إليه، والمعقل الذي يلجأ إليه)
وقال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان1/207ط:المكتب الإسلامي ( فنهى النبي عن التشديد في الدين، وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه، إما بالقدر وإما بالشرع، فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوساوس، فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم، قال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه،-يعني الوضوء- وأن يجاوز فعل النبي، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إسباغ الوضوء الإنقاء، فالفقه كل الفقه الاقتصاد في الدين، والاعتصام بالسنة)اهـ
قال ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين(2/496): (مَا أمر اللهُ بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإما إلى إفراطٍ وغُلوٍ، ودينُ الله وسطٌ بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، كما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد)
إن علماءنا وعلى رأسهم الشيخ ربيع لما رؤوا خطورة منهج الغلاة في باب النقد قد أتى على الأخضر واليابس، قاموا عن بكرة أبيهم ووقفوا في وجوههم، ولكن بمنهج أهل الحديث الصافي، الذي الوسطية ميزة من ميزاته الواضحة، فحاربوا الغلو بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة وتأصيلات أهل الحديث، ولهذا استطاعوا كبح جماح دعاة الغلو دون آثار جانبية تعود على منهج السلف بالضرر، وأما الطلاب المشار إليهم أرادوا أن يرفعوا عن الأمة زكاما فأحدثوا فيها جذاما، والله المستعان.
أوصي نفسي وطلبة العلم بتقوى الله، وترك الأساليب المحدثة في علاج أمراض الأمة، والعودة إلى منهج أهل الحديث في باب النقد، والتحلي بالصبر على المخالف، والثبات والصدق في المواقف.
والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا ويقينا شرور أنفسنا، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه على عجالة والحزن يعصر فؤاده أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي
منقول من منتديات البيضاء العلمية ,وأصل المشاركة كانت لأخ الفاضل أبو عبد الودود عيسى البيضاوي جزاه الله خيرا