قال – رحمه الله – في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة "(14 / 948 -949) : " رابعاً: قول الأستاذ الفاضل سفر الحوالي في كتابه " ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي " ( 2 /686 ) - تعليقا على هذا الحديث ؛ مع أنه صدره بقوله:
"روي..." ؛ المشعر بضعف المروي اصطلاحاً، فإنه مع ذلك قال - في "الحاشية ":
"سبق تخريجه، وأنه حسن إن شاء الله، ويدل لصحة معناه حديث جبريل... ".
قلت: فالتحسين ينافي التضعيف المشار إليه! الأمر الذي جعلني أقول: لعل المؤلف لم يُراع بالتصدير المذكور الاصطلاح المشار إليه، أو أن ( الُمحشّي ) هو غير المؤلف. والله أعلم.
وقوله: "ويدل لصحة معناه..." ؛ فأقول: صحة المعنى لا يدل بالضرورة على صحة المبنى ؛ فكم من حديث لا أصل له والمعنى صحيح - كما هو معلوم -.
وقد بدا لي من مطالعتي للكتاب المذكور أنه ذو فائدة كبيرة جداً في الرد على علماء الكلام الذين يخالفون أهل الحديث في قولهم: ( الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال الصالحة من الإيمان )، مع غلو ظاهر في بعض عباراته ؛ حتى ليخال إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج ، مع أنه يرد عليهم ، وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة ؛ تارة تصريحاً وأخرى تلويحاً، مع إظهاره الاحترام والتبجيل - خلافاً لبعض الغلاة ولا أقول: الأتباع -، وهو يعلم أنني أنصر مذهب أهل الحديث، متذرعاً بأنني لا أكفر تارك الصلاة كسلاً ؛ ما لم يدل على أن تركه عن عقيدة وجحود، كالذي يقال له: ( إن لم تصل، وإلا ؛ قتلناك )، فيأبى فيقتل ؛ فهذا كافر مرتد - كما كنت نقلته في رسالتي " حكم تارك الصلاة " عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية - وعلى مثله حمل ابن تيمية الآثار التي استفاضت عن الصحابة في كفر تارك الصلاة، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ". انظر كلامهما في الرسالة المذكورة ( ص 38 - 46 ). ومع هذا رمانا المؤلف المذكور بالإرجاء.. سامحه الله، وهدانا الله وإياه لما اختلف فيه من الحق ؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومجال مناقشته واسع جداً فيما نبا قلمه عن الصواب، وما فيه من الأخطاء والتناقضات، وبخاصة في تأويله للأحاديث والنصوص وليّه إياها إلى ما يتفق مع ما ذهب إليه مع محاولته التشكيك في صحة الحديث المتفق على صحته ؛ إذ شعر أن تأويله إياه غير مقنع - كما فعل بحديث الجهنميين الذين يخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه -. بل وإعراضه أحياناً عن ذكر ما هو عليه منها.
أقول: هذا باب واسع جداً يتطلب التفرغ له وقتاً مديداً، مما لا أجده الآن.
والله المستعان ".
وقال - رحمه الله – في "سلسلة الأحاديث الصحيحة " (7/1/ 153 -154): " وبالجملة فمجال الرد عليه واسع جدا ، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه ، وبيان ما يؤخذ عليها فقها وحديثا ، وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف ، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص ، وإن كان قد اقترن به أحيانا شيء من الغلو والمخالفة ، والاتهام بالإرجاء، مع أنع يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ، فأقول : الإيمان يزيد وينقص ، وإن الأعمال الصالحة من الإيمان ، وإنه يجوز الاستثناء فيه ، خلافا للمرجئة ، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء ! فقلب بذلك وصية النبي – صلى الله عليه وسلم - : " وأتبع السيئة الحسنة تمحها ... "! فقلت : ما أشبه الليلة بالبارحة ! فقد قال رجل لابن المبارك : " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر ؛ أمؤمن هو ؟ قال : لا أخرجه من الإيمان . فقال الرجل : على كبر السن صرت مرجئا ! فقال له ابن المبارك : إن المرجئة لا تقبلني ! أنا أقول : الإيمان يزيد وينقص ، والمرجئة لا تقول ذلك . والمرجئة تقول : حسناتنا متقبلة ، وأنا لا أعلم تقبلت مني حسنة ، وما أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ! . رواه ابن راهويه في مسنده ( 3/670-671) .
قلت : ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض ما يقوله المرجئة ؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلا ، وابن المبارك في عدم تكفيره مرتكب الكبيرة ! ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج ؛ لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة ! وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " .
وقال في كتابه "الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد" ص /32 – 33 – في معرض كلام له على الطاعن في مسند الإمام أحمد-: " ان الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " – ثم قال الشيخ الألباني - : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " - الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط . أقول : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان ، ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء" اهـ.
وقال : « إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ؛ آمن من هنا - قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله - ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.
فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح , على كل حال: فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب، وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكملة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب…».اهـ من شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).
وقال جوابا على السائل: فضيلة الشيخ ما دام العمل شرط كمال لا شرط صحة كما يقول المعتزلة والخوارج, فإن بعض الناس يتهم أهل السنة أو يتهم بعض السلفيين بأنهم مرجئة, ذلك لأنهم يعتقدون أنهم إن قالوا إن العمل شرط كمال فان ذلك يؤدي إلى أن الإيمان قول بلا عمل, ويقولون هذا قول المرجئة, فما دمتم أنتم أيها السلفيون لا تكفرون تارك الأعمال, ومن تلك الأعمال الأركان الخمسة وكذلك من ترح الحكم بغير ما انزل الله من غير ما جحود واستحلال فانتم مرجئة فما ردكم على هذه الفرية بارك الله فيكم؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: أولاً نحن ما يهمنا الاصطلاحات الخارجة بقدر ما يهمنا اتباع الحق حيثما كان, سواء قيل أن هذا مذهب الخوارج والمعتزلة, فهم يقولون معنا لا اله إلا الله محمد رسول الله, فهل معنى كوننا وافقناهم على هذه الكلمة الطيبة أن نحيد عنها لأن غيرنا من أصحاب الانحراف عن الحق هم يقولون بذلك أيضا؟!! بداهة سيكون الجواب لا, وإنما نحن كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ندور مع الحق حيث دار, الذين يتهمون أهل السنة الذين يقولون بما ذكرنا مما عليه الأئمة, بالإرجاء, فما هو هذا الإرجاء عندهم؟؟ ما هو هذا الإرجاء؟ الذين يقولون بالإرجاء لا يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال الصالحة, ولذلك فثمة خلاف واضح جدا بين أهل الحق وبين المرجئة, فنحن نعلم أن علماء السلف يذكرون عن بعض الفرق من المرجئة الذين يقولون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, أن أحدهم لا يتورع عن أن يقول إيماني كإيمان جبريل هذا منقول, ذلك لأن حقيقة الإيمان عندهم غير قابلة للزيادة والنقصان, مذهب إرجائي من قولنا نحن بأن الإيمان يزيد وينقص- وكما جاء في السؤال مما حاجة للتكرار- أن زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية, ولقد بلغ من انحراف القائلين بالإرجاء حقيقة مبلغا خالفوا فيه نصوصا غير النصوص التي تدل صراحة في الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد, فقالوا أنه بناء على قولهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, قالوا تلك الكلمة وبنوا عليها أنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان, لا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله, ورتبوا على هذه القولة حكماً خطيرا جدا وهو تكفير من يستثني في إيمانه فمن قال أنا مؤمن إن شاء الله فقد جاء في كتب الفروع بأنه لا يجوز لحنفي أن يتزوج بشافعية لأنهم يستثنون في إيمانهم, هكذا كان قد صدر من بعض علمائهم من قبل, ثم جاء من يظن بأنه كان من منصفيهم أو من المعتدلين فيهم, فأفتى بالجواز لكن في الحقيقة أنني أتساءل أيهما أخطر أهذا الذي أفتى بالجواز بالتعليل الآتي أم أولئك الذين صرحوا بأنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية لأنهم يشكون في إيمانهم؟!التي تشك في إيمانها لا تكون مسلمة ولا من أهل الكتاب ليجوز أن يتزوجها لو كانت من أهل الكتاب, فجاء هذا الذي قد يظن أنه من المعتدلين فيهم فأجاب حينا سئل-وهو المعروف بمفتي الثقلين ومؤلف التفسير-قال: يجوز, والتعليل الآن هو موضع الحيرة تنزيلا لها بمنزلة أهل الكتاب!! فهذا هو جواب المرجئة.
ولا شك أن الذين يتهمون القائلين بكلمة الحق مما سبق بيانه آنفا أن الإيمان يزيد وينقص إلى آخره, أنهم يقولون على أهل الحق ما ليس فيهم, وفي اعتقادي أنهم يعلمون ما يقولون ويعلمون أنهم مبطلون فيما يقولون, فالفرق في اعتقادي واضح جدا بين عقيدة السلف وبين المرجئة فشتان بين الفريقين, والظلم من هؤلاء الناشئين اليوم الذين يتهمون اتباع السلف الصالح بأنهم مرجئة.
مفرغ من سلسلة الهدى والنور رقم الشريط 855
"روي..." ؛ المشعر بضعف المروي اصطلاحاً، فإنه مع ذلك قال - في "الحاشية ":
"سبق تخريجه، وأنه حسن إن شاء الله، ويدل لصحة معناه حديث جبريل... ".
قلت: فالتحسين ينافي التضعيف المشار إليه! الأمر الذي جعلني أقول: لعل المؤلف لم يُراع بالتصدير المذكور الاصطلاح المشار إليه، أو أن ( الُمحشّي ) هو غير المؤلف. والله أعلم.
وقوله: "ويدل لصحة معناه..." ؛ فأقول: صحة المعنى لا يدل بالضرورة على صحة المبنى ؛ فكم من حديث لا أصل له والمعنى صحيح - كما هو معلوم -.
وقد بدا لي من مطالعتي للكتاب المذكور أنه ذو فائدة كبيرة جداً في الرد على علماء الكلام الذين يخالفون أهل الحديث في قولهم: ( الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال الصالحة من الإيمان )، مع غلو ظاهر في بعض عباراته ؛ حتى ليخال إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج ، مع أنه يرد عليهم ، وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة ؛ تارة تصريحاً وأخرى تلويحاً، مع إظهاره الاحترام والتبجيل - خلافاً لبعض الغلاة ولا أقول: الأتباع -، وهو يعلم أنني أنصر مذهب أهل الحديث، متذرعاً بأنني لا أكفر تارك الصلاة كسلاً ؛ ما لم يدل على أن تركه عن عقيدة وجحود، كالذي يقال له: ( إن لم تصل، وإلا ؛ قتلناك )، فيأبى فيقتل ؛ فهذا كافر مرتد - كما كنت نقلته في رسالتي " حكم تارك الصلاة " عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية - وعلى مثله حمل ابن تيمية الآثار التي استفاضت عن الصحابة في كفر تارك الصلاة، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ". انظر كلامهما في الرسالة المذكورة ( ص 38 - 46 ). ومع هذا رمانا المؤلف المذكور بالإرجاء.. سامحه الله، وهدانا الله وإياه لما اختلف فيه من الحق ؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومجال مناقشته واسع جداً فيما نبا قلمه عن الصواب، وما فيه من الأخطاء والتناقضات، وبخاصة في تأويله للأحاديث والنصوص وليّه إياها إلى ما يتفق مع ما ذهب إليه مع محاولته التشكيك في صحة الحديث المتفق على صحته ؛ إذ شعر أن تأويله إياه غير مقنع - كما فعل بحديث الجهنميين الذين يخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه -. بل وإعراضه أحياناً عن ذكر ما هو عليه منها.
أقول: هذا باب واسع جداً يتطلب التفرغ له وقتاً مديداً، مما لا أجده الآن.
والله المستعان ".
وقال - رحمه الله – في "سلسلة الأحاديث الصحيحة " (7/1/ 153 -154): " وبالجملة فمجال الرد عليه واسع جدا ، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه ، وبيان ما يؤخذ عليها فقها وحديثا ، وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف ، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص ، وإن كان قد اقترن به أحيانا شيء من الغلو والمخالفة ، والاتهام بالإرجاء، مع أنع يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ، فأقول : الإيمان يزيد وينقص ، وإن الأعمال الصالحة من الإيمان ، وإنه يجوز الاستثناء فيه ، خلافا للمرجئة ، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء ! فقلب بذلك وصية النبي – صلى الله عليه وسلم - : " وأتبع السيئة الحسنة تمحها ... "! فقلت : ما أشبه الليلة بالبارحة ! فقد قال رجل لابن المبارك : " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر ؛ أمؤمن هو ؟ قال : لا أخرجه من الإيمان . فقال الرجل : على كبر السن صرت مرجئا ! فقال له ابن المبارك : إن المرجئة لا تقبلني ! أنا أقول : الإيمان يزيد وينقص ، والمرجئة لا تقول ذلك . والمرجئة تقول : حسناتنا متقبلة ، وأنا لا أعلم تقبلت مني حسنة ، وما أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ! . رواه ابن راهويه في مسنده ( 3/670-671) .
قلت : ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض ما يقوله المرجئة ؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلا ، وابن المبارك في عدم تكفيره مرتكب الكبيرة ! ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج ؛ لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة ! وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " .
وقال في كتابه "الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد" ص /32 – 33 – في معرض كلام له على الطاعن في مسند الإمام أحمد-: " ان الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " – ثم قال الشيخ الألباني - : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " - الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط . أقول : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان ، ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء" اهـ.
وقال : « إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ؛ فالله –عز وجل- حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله خيالا ؛ آمن من هنا - قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله- ومات من هنا…
هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ ويعيش دهره – مما شاء الله - ولا يعمل صالحًا !! ؛ فعدم عمله الصالح دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.
فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح , على كل حال: فنحن نفرق بين الإيمان الذي هو مقره القلب، وهو كما أفادنا هذا الحديث من عمل القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح ؛ هي أجزاء مكملة للإيمان ماهي أجزاء أصيلة من الإيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملًا صالحًا ؛ كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب…».اهـ من شرحه على الأدب المفرد (الشريط السادس/الوجه الأول).
وقال جوابا على السائل: فضيلة الشيخ ما دام العمل شرط كمال لا شرط صحة كما يقول المعتزلة والخوارج, فإن بعض الناس يتهم أهل السنة أو يتهم بعض السلفيين بأنهم مرجئة, ذلك لأنهم يعتقدون أنهم إن قالوا إن العمل شرط كمال فان ذلك يؤدي إلى أن الإيمان قول بلا عمل, ويقولون هذا قول المرجئة, فما دمتم أنتم أيها السلفيون لا تكفرون تارك الأعمال, ومن تلك الأعمال الأركان الخمسة وكذلك من ترح الحكم بغير ما انزل الله من غير ما جحود واستحلال فانتم مرجئة فما ردكم على هذه الفرية بارك الله فيكم؟
الشيخ الألباني-رحمه الله-: أولاً نحن ما يهمنا الاصطلاحات الخارجة بقدر ما يهمنا اتباع الحق حيثما كان, سواء قيل أن هذا مذهب الخوارج والمعتزلة, فهم يقولون معنا لا اله إلا الله محمد رسول الله, فهل معنى كوننا وافقناهم على هذه الكلمة الطيبة أن نحيد عنها لأن غيرنا من أصحاب الانحراف عن الحق هم يقولون بذلك أيضا؟!! بداهة سيكون الجواب لا, وإنما نحن كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ندور مع الحق حيث دار, الذين يتهمون أهل السنة الذين يقولون بما ذكرنا مما عليه الأئمة, بالإرجاء, فما هو هذا الإرجاء عندهم؟؟ ما هو هذا الإرجاء؟ الذين يقولون بالإرجاء لا يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال الصالحة, ولذلك فثمة خلاف واضح جدا بين أهل الحق وبين المرجئة, فنحن نعلم أن علماء السلف يذكرون عن بعض الفرق من المرجئة الذين يقولون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, أن أحدهم لا يتورع عن أن يقول إيماني كإيمان جبريل هذا منقول, ذلك لأن حقيقة الإيمان عندهم غير قابلة للزيادة والنقصان, مذهب إرجائي من قولنا نحن بأن الإيمان يزيد وينقص- وكما جاء في السؤال مما حاجة للتكرار- أن زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية, ولقد بلغ من انحراف القائلين بالإرجاء حقيقة مبلغا خالفوا فيه نصوصا غير النصوص التي تدل صراحة في الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد, فقالوا أنه بناء على قولهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص, قالوا تلك الكلمة وبنوا عليها أنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان, لا يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله, ورتبوا على هذه القولة حكماً خطيرا جدا وهو تكفير من يستثني في إيمانه فمن قال أنا مؤمن إن شاء الله فقد جاء في كتب الفروع بأنه لا يجوز لحنفي أن يتزوج بشافعية لأنهم يستثنون في إيمانهم, هكذا كان قد صدر من بعض علمائهم من قبل, ثم جاء من يظن بأنه كان من منصفيهم أو من المعتدلين فيهم, فأفتى بالجواز لكن في الحقيقة أنني أتساءل أيهما أخطر أهذا الذي أفتى بالجواز بالتعليل الآتي أم أولئك الذين صرحوا بأنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية لأنهم يشكون في إيمانهم؟!التي تشك في إيمانها لا تكون مسلمة ولا من أهل الكتاب ليجوز أن يتزوجها لو كانت من أهل الكتاب, فجاء هذا الذي قد يظن أنه من المعتدلين فيهم فأجاب حينا سئل-وهو المعروف بمفتي الثقلين ومؤلف التفسير-قال: يجوز, والتعليل الآن هو موضع الحيرة تنزيلا لها بمنزلة أهل الكتاب!! فهذا هو جواب المرجئة.
ولا شك أن الذين يتهمون القائلين بكلمة الحق مما سبق بيانه آنفا أن الإيمان يزيد وينقص إلى آخره, أنهم يقولون على أهل الحق ما ليس فيهم, وفي اعتقادي أنهم يعلمون ما يقولون ويعلمون أنهم مبطلون فيما يقولون, فالفرق في اعتقادي واضح جدا بين عقيدة السلف وبين المرجئة فشتان بين الفريقين, والظلم من هؤلاء الناشئين اليوم الذين يتهمون اتباع السلف الصالح بأنهم مرجئة.
مفرغ من سلسلة الهدى والنور رقم الشريط 855