تقريب المتروك المسلح
كتبه / حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله , و بعد :
لم أر أحدا أكذب في دعواه للتقريب مع أهل السنة من المتعالم الحاقد علي المتروك , فقلبه كله غيظ على أهل السنة , و مقالاته مغاريف لأضغان قلبه . على خيار عباد الله كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فمقال المتروك بتاريخ 12 ربيع الآخر 1431 هـ , لا يختلف عن كثير من مقالاته السابقة حيث يضمنها سب السابقين و الطعن في خلفاء المسلمين خصوصا خلفاء بني أمية و يذكر ما جرى للأولين من فتن أريقت فيها الدماء ثم يعنون لشره هذا بعنوان " دعوة للتقارب بين السنة و الشيعة " , خوش تقارب !!!
و الأدهى في هذا المقال هو تزكيته للخروج على الولاة و ثناءه العطر على الخروج المسلح يعني " الإنقلابات العسكرية " , و طعنه في كل حكم إلا من حكم " العلوية " حيث أثنى على من جرد لهم الولاء دون الأمويين و العباسيين , و حض كل واحد بأن يكون " ثوري النزعة " .
هذا الجاهل بالسنة و بالعلم الشرعي يتكلم بما يضحك عليه من له أدنى معرفة بالسنة و أهلها , فقد قال المتروك في مقالته : " إلي ما قبل عهد المتوكل العباسي لم يكن مسمى [ أهل السنة و الجماعة ] معروفا و متداولا بين الناس " .
قوية هذه يا المتروك !!! شكلك حيل جاهل بالسنة , فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ , و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار " . رواه أحمد و أبو داود و هو صحيح .
فالسنة و أهلها حاضرون منذ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم , فأهل السنة هم الصحابة و التابعون و من تبعهم بإحسان .
و أما بخصوص ما يتعلق بعلاقة أبي حنيفة مع الخليفة أبي جعفر المنصور , فقد كان أبو حنيفة رحمه الله مبتعدا عن كل فتوى قد يتوصل بها للخروج على الولاة و سفك دماء المسلمين , حتى في مسألة الاستثناء في كلام , فإنه لا يعتد به إذا لم يكن متصلا , فقد قال بعض المحرضين للمنصور إن أبا حنيفة يبغض جدك ابن عباس رضي الله عنهما , و يقول : إن الاستثناء المنفصل لا يصح , فقال أبو حنيفة : يا أمير المؤمنين هذا الرجل يريد أن يفسد عليك دولتك , فقال : و كيف ذلك ؟ قال : لأن الاستثناء المنفصل لو صح لجاز لكل من بايعك عام أول أن يستثني الآن , أو بعده مدة استثناء تحل به البيعة من عنقه , ثم يخرج عليك ! فضحك المنصور , و قال له : الزم مقالتك .
التحبير شرح التحرير ( 6 / 2565 )
مقالة المتروك هي دعوة لإراقة الدماء و قلب النظام , حيث قال كفانا الله ضغائنه : " أهل السنة و الجماعة يقاومون و يناهضون الحكام بالأحاديث النبوية الشريفة , و كان الشيعة الإمامية يقاومون الظلم و الاستبداد بالثورة المسلحة " .
فالحمد لله الذي أنطقك الله بهذا الاعتراف و الإقرار , و بينت انتفاء التطرف عن أهل السنة , و أثبت الخروج بالسيف لفئتك الشيعة .
فأهل السنة كما قلت لا يخرجون على الولاة , و ينصحون لهم لأنه ليس لهم غرض في الحكم , و لأنهم متبعون للسنة في معاملة الحكام حيث يمتثلون قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى من أميرة شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فمات فميتته جاهلية " . [ رواه البخاري و مسلم ] .
فأهل السنة يتناصحون مع ولاتهم بالمعروف كما أمرهم نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال : " الدين النصيحة و قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله و رسوله , و لأئمة المسلمين و عامتهم " . [ رواه مسلم ] .
و لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتغير الولاة , قال الصحابة له : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا , ما صلوا " [ رواه مسلم ] .
و سادات آل البيت المتقدمين لزموا الجماعة و اختاروا حقن دماء المسلمين على سفكها , و هذا المنهج الواضح في سيرة الحسن بن علي رضي الله عنهما الذي امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن ابني هذا سيد و سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين " . [ رواه البخاري ] .
و هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما و هو من سادات آل البيت نصح الحسين بلزوم الجماعة و عدم الخروج على يزيد , وقال له , " إني لكاره لوجهك هذا " مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ( 7 / 142 ) .
و محمد بن الحنفية رحمه الله من سادات آل البيت الكرام قال للحسين رضي الله عنه : " إن الخروج لي برأي " مختصر تاريخ دمشق ( 7 / 143 ) .
و الحسين نفسه كان مترددا أولا في الخروج , و كان آخر أمره ترك الخروج و الرغبة في العودة إلى الحجاز أو إلي ثغر من الثغور ليجاهد الكفار , قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن آخر أمر الحسين رضي الله عنه : " فإنه رضي الله عنه لم يفرق الجماعة , و لم يقتل إلا و هو طالب للرجوع إلى بلده , أو إلى الثغر , أو إلى يزيد , داخلا في الجماعة , معرضا ن تفريق الأمة " منهاج السنة ( 4/ 586 ) .
و كذلك سادات آل البيت بالمدينة لزموا الجماعة و اجتنبوا فتنة الحرة زمن يزيد , قال أبو جعفر الباقر رحمه الله : " لم يخرج أحد من آل أب طالب و لا من بني عبد المطلب أيام الحرة " البداية و النهاية ( 11 / 654 ) .
أما حركة النفس الزكية التي تحدث عنها المتروك , فكان واجبه أن يذكر كيف بدأت و ضد من بدأت ليتبين له أن مقصودها الثورة من أجل الحكم لا من أجل الإصلاح , فإن محمد بن علي صاحب حركة النفس الزكية قد بدأ تنظيمه السري و تخطيطه للخروج على الولاة سنة 100 هــ , يعني أن خليفة المسلمين هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله , الخليفة العادل الذي يسميه المسلمون خامس الخلفاء الراشدين .
و بهذا يتبين أن منهج المتروك الذي يريده منا كما قال في مقالته : " ثوري النزعة علوي الهوى " هو مجرد هوى و حميمة و عصبية لا علاقة له بالإصلاح , و هكذا تبين أن المتروك لا يختلف كثيرا عن صاحبة " حسن الصفار " الذي يقول : " نحن الشيعة قتلنا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه , و هو من هو في ديانته و تقواه و عدله لدرجة تستحي منه الملائكة , و قد امتدح خلافته سيد آل البيت نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : " خلافة النبوة بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا " [ رواه أبو داود و الترمذي و صححه الإمام أحمد رحمه الله ] .
و الصفار و المتروك و الشيعة ليسوا على هدى آل البيت المتقدمين , فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عثمان بن عفان رضي الله عنه : " كان أوصلنا للرحم , و أتقانا للرب " [ تاريخ الإسلام للذهبي , سيرة الخلفاء الراشدين ص 479 ] .
و قال علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله : " و الله ما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه على وجه حق " . [ سير أعلام النبلاء ( 4/ 397 ) ] .
و قال الحسن : " عمل عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة ما ينكرون من إمارته شيئا " . [ تاريخ الإسلام , سير الخلفاء الراشدين ص 479 ] .
فلا تكن يا المتروك " ثوري النزعة " و لا تهيج الفتن , يكفين شر " الثورة الإيرانية " عجل الله بزوالها آمين .
و الحمد لله رب العالمين