(نصيحة مشفق لمن لا يقبل كلام أهل العلم) و (تنبيه لمن يسجل في منتدانا المبارك)
[تنبيه: هذه النصيحة، وإن كانت لمعين في أصلها إلا أنِّي لما رأيت معناها مفيدا، ومحتملا لغيره أفردتها بالنشر]
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على إمامنا ورسولنا محمد بن عبدالله الصادق الأمين... أما بعد،
فأولًا: وقبل تنبيهي المختصر -إن شاء الله- أنبهك أخي -أنَّ الهدف من هذه المنتديات هو نشر العلم النافع، والمتوقع من الأعضاء المساهمة في هذا الباب، والمتوقع منهم -أيضًا- أن يستغلوا عضويتهم في منتدانا فيما يقربهم إلى الله -عز وجل-، وإنِّي أرى مشاركاتك-على قلتها- منصبة في مسائل معينة، وكأنَّ العلم قد ضاق فلم يبق منه إلا هذه المسائل تريد تحريرها!!، وبيان الحق فيها!!.[1]
وإنِّي لأعجب من سبب تسجيلك في منتدانا مع علمك بتوجه المنتدى ومنهجه، فإنْ كان السبب إبداء رأيك في الحويني وحسان..الخ فقد فعلتَ، ولن تثنينا عمَّا نراه حقًا، ولن نقبل مثل هذه المشاركات في منتدانا ففارقنا بلطف، وإن كنت تريد -حقًا- الإفادة والاستفادة فأهلا بك بين إخوانك والله أعلم وأرحم بك وبهم.
ثانيًا: اعلم أخي-وفقك الله للخير- أنَّ باب الجرح والتعديل من أشرف العلوم الشرعية، ولما كانت منزلته عالية، كان لا يخوض فيه بحق إلا من هو مثله، شريفُ، بلغ الغاية في العلم مع الإنصاف والورع، فهو على:
1-معرفة بأصول السنة وأدلتها.
2- معرفة بالبدع وشعبها.
ولا يدخل الخلل في كلام المتكلم -بعد ثبوت ورعه وتقواه- في هذا الباب إلا من وقوع التقصير في أحد الجانبين، ويتفاوت العلماء في هذين الأصلين، فمنهم من يغلب عليه معرفة السنة وأدلتها، فمتى عَرَض له قولٌ رآه يخالف ما يعرفه من السنن والآثار -رده وقال: هذا خطأ، وإن لم يعلم أصل هذه المقولة، ومراد المتكلم منها، ومآلها..لكن نفعه الله بما يعرفه من أصول السنة، فيردها بالأدلة والأوجه الدالة على نقضها.[2]
ومنهم من يغلب عليه معرفة البدع وشعبها، فيعرف مداخلها ومخارجها، وما تحت الكلام من العقارب والحيات، فيكشفها ويبين زيفها ويستعين بما عنده من علوم السنة والأثار.
وهكذا درجات عديدة يتفاوت العلماء بينها، ولكنْ الأصل الذي يجمع هؤلاء وهؤلاء أنَّ مَردَّ إنكارهم ومستنده هو: الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة[3]، فكم من الأمور يراها طالب العلم سهلة يسيرة، ولكنها عند العالم عظيمة، لماذا؟ لأنه لا يزنها بمكياله، بل يرى بعين الشرع، يرى:
1- كثرة الأدلة في نقضها وتعدد الأوجه في بيان زيفها.
مما يدله على فحش هذا الأمر ومضادته للشريعه وحكمتها، فيشتد نكيره.
2- اهتمام الشارع في بيان حكمها.
مما يدله على بعد المخالف عن السنة وجهله بها.
3- آثار السلف في إنكار هذه المقولة والتشديد فيها.
مما يدله أنَّ الأمر جلل، لا يحتمل اللين فيه، فإن آب ورجع المخالف وإلا حكم عليه بما يستحق مع مراعاة الشروط والموانع.
ولما كان الأمر هكذا، قلنا لا يتكلم في هذا الباب إلا أهله، ممن يزن الأمور بميزان الشرع، لا بميزانه هو، فيعرف
أولا: حكم الكلام من حيث القبول والرد.
ثم ثانيا: إن كان القول باطلا، نظر في حجم هذا الخطأ بالنظر إلى ما سبق ذكره من الأدلة..الخ.
ثم بعدها ينظر إلى المصالح والمفاسد..الخ ثم بعدها يحكم على المخالف بما يدين الله به.
ــ فانظر إلى هذه الأصول اللازم توفرها فيمن يحكم، ثم بعدها قل لي:
كم من هذه الأمور نحن لا ندركها؟ بل قل: كم هو الذي ندركه منها؟ لا شك قليل، فأنت تعال معي! كم من مسألة في الفقه تجهلها؟ ولا تعلم هل فيها إجماع ووفاق أم لا؟ هل الخلاف فيها سائغٌ أم لا؟ كم؟ مائة مائتين..ثلاثمائة، بل تعال معي!! هل درست أبواب القضاء والحدود، أبواب الوقف والهبات ..الخ، هل قرأت صحيح البخاري ومسلم والسنن الأربع، هل قلَّبت كتب شيخ الإسلام واستقرأت كلامه فيما تريد الحكم فيه سواء سلبًا أو إيجابًا، نفيًا أو إثباتًا؟ كيف علمت أن الأمر هينٌ ويسير؟ هل نظرت في أصول السنة للالكائي، والشريعة للآجري، والإبانة الكبرى لابن بطة، والسنة للخلال، وغيرها من كتب العقائد وآثار السلف ،فرأيتهم يُسهلون في مثل هذا؟، هل تتبعت كلام العلماء فرأيتهم يقولون مثلما تقول؟
فإن لم تفعل أيًا من هذا، وأقررت بقصر باعك وقلة بضاعتك في العلم، ولكن ما زالت نفسك تنازعك للتطاول على العلماء، فتذكر معي للحظات:
هل ناقشت في مرة من المرات شخصا يقول: الغناء حلال؟ أو هل ناقشت شخصا يدافع مثلا عن بعض القبوريين أو عمن يثني عليهم؟ فيقول: يا أخي! كلهم دعاة وهو اجتهد وأخطأ..الخ.
أيش ترد عليه؟ تقول: يا أخي الله قال كذا، ورسوله قال كذا، والسلف قالوا كذا، وهذا القول مخالف لكلام الله ورسوله ..هذا القول خلاف إجماع السلف، وقد أنكر السلف على مثل هذا وحكموا عليه إما بالكفر أو بالبدعة على حسب ما تناقشه فيه..ألم يمر بك مثل هذا قط؟!، ألم يناقشك في يوم ما شخصُ عن اللحى؟ أو تقصير الثوب؟ أو الاختلاط؟ أو أو أو..الخ، فكيف كان ردك؟ لماذا اشتددت في ردك؟ لأنك تعرف أدلة المسألة، واهتمام الشارع بها، وزجر من خالف فيها، إنك تعرف زجر النبي-صلى الله عليه وسلم- ونهيه عن الغناء والمعازف والوعيد الوارد فيها، لعله مر بك كذلك قول أحمد، أو سفيان، أو حماد، أو الأوزاعي فيمن دعا الناس إلى الغناء، أو الاختلاط بالنساء...هذا هو مربط الفرس، فلما كنت تعلم هذه المسائل لاشتهارها في مجتمعك، أو شهرتها بين صغار طلبة العلم -لم تطق الخلاف فيها واشتد نكيرك، لماذا؟ لأن الأمر عظيم، الله قد قال، والنبي-صلى الله عليه وسلم- قال، والسلف قالوا.
أقول أخي وهكذا حال العلماء كحالك مع هذا العامي.
فمن المسائل ما لا تدركه، لا يستطيع العالم أن يوقفك بوضوح أو يفهمك إياها، لأنه سيكلفك بما لا تطيق، فقد تكون هناك من المقدمات والأصول المحتاج إليها في هذه المسألة مما ليس عندك، كمن يدافع عن أبي الحسن ولم يفهم بعد معنى (المجمل والمفصل)، ما هو المجمل عند أهل اللغة؟ هل قولنا: (غثاء) مجمل !! ، فأنت مهما تشرح له سيقول: لكن هو له كلام آخر يثني على الصحابة، هذا مجمل يحمل على المفصل!، وهذا والله وتالله وبالله ليس بإجمال بل هو كلام ظاهر المعنى عند أهل اللغة.
بل من الأمثلة الواقعة حتى بين بعض طلبة العلم تجده يقول: يا أخي لماذا هذه القصة الطويلة والحرب الشعواء على من قال: القرآن مخلوق!، يعني أيش سيضر؟ تجده ينكر هذا القول، ويذمه لكن في نفسه حيرة!، لماذا السلف أقاموا حربا حُبس وجُلد فيها إمام السنة، وقُتل آخرون، لماذا؟..حيرة! هذا الكلام يخرج ممن لم يدرك لوازم هذا القول الخبيث، ولذلك أكثر من ذِكْرِ هذه اللوازم ابنُ مندة، وقبله الإمام أحمد، وكذا الكناني ليبينوا خطورة هذا القول،فكشفوا تلك البواقع الناتجة عن هذا القول مما قد لا يظهر لمن ليس له توسع في علوم الشريعة، وقوة إدراك لمآلات الأقوال والأفعال.
فأنت إن عقلت هذا وتدبرت حالك مع العامي، فكذلك حال العالم معك، فهو قد عَلِمَ من الشريعة والأثر ما لا تعلم، وعنده من العلم بالمصالح والمفاسد والموازنة بينهما ما ليس عندك، فرُبَّ مصلحة تراها متحققة، وهي عند التحقيق متوهمة، لا وجود لها إلا في ذهنك القاصر، أو تكون قد عارضتها مفسدة أعظم منها، لكن كيف لك أن تعلم عظم المفسدة مع جهلك بالشريعة وما سبق بيانه، فأنت اخي الزم غرز العلماء تفز، وأرى أني قد أطلت على غير نيتي ومرادي، وعذري أني كررت الكلام ونوعت العبارة لعلها أن تكون نافعة للقارئ والكاتب والحمدلله رب العالمين.
الهامش:
[1] مرادي الكلام حول فلان وفلان ممن حاد عن جادة الصواب، والدفاع عنهم والإعراض عن كلام أهل العلم.
[2] ولأجل ذا تجد أهل العلم يحرصون على استخدام الألفاظ الشرعية، الواردة في الكتاب والسنة وعلى لسان السلف ليأمنوا مثل هذه المزالق، وهذا من فقههم رحمهم الله.
[3] وممن آراه قد بلغ الغاية في كلا الأصلين شيخ الإسلام وإمام المسلمين ابن تيمية-رحمه الله- لذا تجد كلامه محررًا دقيقًا مع إنصاف وورع، وعلم جم، وسعة إطلاع ومعرفة بمذهب المخالف قبل الموافق، وأما في علم الحديث خاصة وعلم الرجال فلا يُعدل بالذهبي -رحمه الله- أحدٌ، ومن المتأخرين العلام المعلمي-رحمه الله- فلعمري كأنه قد ارتوى بكلام الذهبي.
تعليق