تناقض أقوالهم وتضاربها
المسألة السادسة عشرة بعد المائة
(التناقض الواضح، لما كذَّبوا بالحق، كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} (1)).
الشرح
التناقض هو: تضارب الأقوال واختلافها، فمن ترك الحق فإنه يُبتلى بالتناقض وتضارب أقواله؛ لأن الضلال يتشعب، ولا حد لشعبه. وأما الحق: فإنه شيء واحد لا يتشعب ولا يختلف، والله جل وعلا يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}(2) .
فمن ترك الحق وقع في الضلال، والضلال متاهة والعياذ بالله، فتجد أصحابه مختلفين فيما بينهم؛ بل تجد الواحد منهم مختلفة آراؤه؛ لأنه ليس عنده هدىً يسير عليه، وإنما يتخبط، تارة يقول كذا، وتارة يقول كذا.
قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} (3).
يعني: مختلف، فأهل الباطل يختلفون فيما بينهم، ويتعادون ويضلل بعضهم بعضاً، أو يكفر بعضهم بعضاً، أما أهل الحق المتمسكون بالحق فإنهم لا يختلفون، وإن اختلفوا عن اجتهاد فإنهم لا يتعادون ولا يتقاطعون، وإذا تبين لهم الصواب رجعوا إليه، وتركوا أقوالهم، قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}(4).
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(5)، وتجدون الخلاف بين الأئمة الأربعة وبين الفقهاء، ولا أحد منهم ضلّل الآخر أو كفّر الآخر، كل يعمل بحسب ما يظهر له من الدليل، وإذا ظهر أنه مخالف رجع إلى الحق.
أما أهل الضلال فليس لهم مرجع يرجعون إليه، وإنما مرجع كل منهم إلى هواه، والأهواء تختلف.
المصدر مسائل الجاهلية للإمام المحدث محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ
بشرح العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ رحمه الله ـ
ص 287ـ288
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ق الآية 5.
(2) سورة يونس الآية 32.
(3) سورة ق الآية 5.
(4) سورة الشورى الآية 10.
(5) سورة النساء الآية 59.