إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

الردبالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الردبالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

    الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    لقد اطلعت في بعض منتديات الشروق أونلاين ، منتدى الدراسات الإسلامية على مقال شدة انتباهي بقوة بعنوان " ملعون من قال أن أبوي النبي في النار "فلما قرأت المقال تبين لي أن هذا اللعن يتعدى علماء الحديث رحمهم الله ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال للأعرابي :(أبي وأبوك في النار ).فدفعني ذلك أن أقوم بالرد عليه وأبين ماعنده من خلط وخبط وطعن وجرأة على الحديث وأهله ، لعل الله أن يرد اللعنة عليه ، ومن المناسب قبل أن أنزل الرد عليه أنزل موضوعه بالتمام ليعلم القراء أننا ما ظلمناه ، ويلعلم إخواننا الذين يتساهلون مع أهل الأهواء والبدع جناية هؤلاء على أهل الحديث والسنة أتباع السلف الصالح ، وأن ضررهم بالغ لعلهم يستفيقوا لهذه الحرب القذرة على السلفيين ، فيأخذوا عدتهم ويرصوا صفوفهم لمواجهة هذا السيل الجارف من البدع والمحدثات الحزبية والخرافات الطرقية ، والخزعبلات العقلانية ، نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يجعلنا على مرابطين على ثغر من ثغور أهل السنة أتباع السلف الصالح، وأن يردنا وإخواننا إلى جادة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وبقي أن أنبه راجيا من الأخوة الأفاضل طلبة العلم والمشايخ كالشيخ علي رضا ، والشيخ عمر العتيبي وغيرهما ..أن لا يبخلوا علي بنصائحهم وتوجيهاتهم لما يرونه في الموضوع من زلل ، أو خطا ، أو قصور ، فالشكر مني لهم موصول ، والثناء عليهم بالجميل مأمول .
    وهذا مقاله بتماهه دون تصحيح لبعض أخطائه أنزله باللون الأزرق .


    السلام عليكم
    ملاحظة: أتمنى على الاخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي فحسب.لأن فيه الرد الوافي والشافي حديثان رواهما مسلم بدون مشاركة البخارى لإثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين.. لأنهما ماتا على الشرك والكفر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم تكاثرت وتناثرت أقواله على لسان أصحابه ثم انتقلت إلى مسامع وألسنة التابعين - الذين رأوا وسمعوا أصحاب النبى بعد وفاته - ثم شاعت واختلطت بعد ذلك أقواله، عليه صلوات الله، على ألسنة الصادقين والكاذبين والمدلسين على السواء، ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوى استحدث علماء الحديث دلائل وقرائن للتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث - وهو ما سمى علم (الجرح والتعديل)، والإسناد هو سلسال أسماء الرجال الذين رووا الحديث صعودا حتى الصحابى الذى سمع النبى أو حكى عنه، ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا كمحاولة للتأكد من صحة الحديث فإن سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيا فأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض) أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبول الحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم فى المقال بحديثين من هذه النوعية.
    الحديثان أخرجهما (مسلم) وهما حول مصير أبوى النبى فى الآخرة :
    الحديث الأول: (مسلم) باب «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين» 203: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبى؟ قال: فى النار. فلما قفى دعاه فقال:<< إن أبى وأباك فى النار>>.
    الحديث الثانى: (مسلم) «باب استئذان النبى ربه عز وجل فى زيارة قبر أمه» 976: «حدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن عباد (واللفظ ليحيى) قالا: حدثنا مروان بن معاوية عن يزيد (يعنى بن كيسان) عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله:<< استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى >> .
    والمراد فى الحديثين إثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين، لأنهما ماتا على الشرك والكفر، ودعونا نستعرض ما شيَّده الشارحون والمفسرون من طوابق شاهقة على هذين الحديثين .
    1) زيَّن (مسلم) هكذا باستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولا أعلم كيف جزم (مسلم) بهذا الجزم الذى ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله فى أهله، ولكن الأعظم هو مختافة القرآن كما سنوضح، ورغم أننى على حد علمى لم أعرف أن (مسلما) كان فقيه زمانه لكى يحكم بهذا وحده، هكذا ابتناء على حديث آحاد، لم يشاركه فى إخراجه معلمه وأستاذه (البخارى)ليخرِّج حديثا على شرطه هو، مخالفا للقرآن العظيم ومخالفا للأحاديث الصحيحة كما سنبين، ومدعيا على أبوى النبى ادعاءً عظيما كهذا، ثم تأكيده فى عنوان الباب استنتاجه بجرأة أن أبا النبى فى النار خالدا لا تنفعه شفاعة النبى.
    2) قال (النووى) وهو الشارح الأكبر لكتاب (مسلم) فى تعليقه وشرحه على حديث (أبى وأباك فى النار): «فيه أن من مات على الكفر فهو من أهل النار، وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذهُ قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء». ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووى) هذه الجرأة أولا على أبوى النبى وذلك فى جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيف تأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر« والمعروف دينا ولغة وبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه، ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبى الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» سبأ 44.
    3) أما كلام (النووى) عن الحديث الثانى (استأذنت ربى) فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين فى الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووى) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبى هو من قبور المشركين ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا برواية متيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح، ثم يخلط النووى فى نهاية تعليقه خلطاً كبيرا فيقول «وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» فيجعل أم النبى تارة مشركة وتارة كافرة، والفرق بينهما كبير، أو أنه إمعان فى الجرأة وتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدا من عند نفسه تتصف بالوصفين معا فهى مشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه.
    4) أما (البيهقى) فيزيد الجرأة إبداعا وشرحا فيقول فى كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة فى الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقى (البيهقى) علومه الخاصة التى أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنه رآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزم بعبادتهم الأوثان قد جاءه فى المنام.
    5) ثم يأتى دور (ابن كثير) فى تفسيره لكى يضع بصمته فى الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبدالمطلب بأنهم من أهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة والأطفال والمجانين يمتحنون فى العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هو التعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث (مسلم) أن آباء النبى فى النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبل بعثة النبى - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل على أن آباء النبى ليسا كما زعم (مسلم) من أهل النار، فلم يجد (ابن كثير) مخرجا من الأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء فى آن على ما آلت إليه جرأة القوم على القرآن وعلى النبى، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبى من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيد الله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا على هذا البؤس الذى استنتجه (ابن كثير).
    6) عدد من أهل السلف شبُّوا عن الطوق وردوا أحاديث (مسلم)، الأول هو (جلال الدين السيوطى) الذى ألف ثلاث رسائل فى رد حديثى (مسلم) كان أشهرها رسالة (التعظيم والمنة فى أن أبوى رسول الله فى الجنة)، والثانى هو القاضى (ابن العربى) الذى قال بجرأة لا نستطيعها نحن عندما سُئِل عمن يقول إن أبوى النبى فى النار قال: «ملعون من قال ذلك «.
    أما المعاصرون باستثناء القلب الشجاع (محمد الغزالى) فقد استهجنوا الحديثين ولكنهم التجؤوا للتأويل- التأويل صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر إذا عنَّ ما يقتضى ذلك على أن يكون هذا الصرف مقبولا فى اللغة - إيثارا للسلامة من الدخول فى معارك رد حديث بأحد الصحيحين وارتكنوا فى تأويلهم إلى «أن العرب كانت تطلق على العم كلمة الأب، إذن فالمقصود فى الحديث هو (أبوطالب) عم النبى»، لكن الثابت أن العرب فى سياق كلام واضح كهذا لا يقصدون أبدا العم فى كلامهم عن الأب، فالرجل الذى سَأل النبى من البديهى أنه سأل عن أبيه الحقيقى؛ لذا فلا يُتَصور من النبى وهو أفصح العرب أن يعارضه إلا بمساويه فكان مقصد النبى فى الكلام لاريب الأب الصُلبى الحقيقى، حيث لا يتبادر إلى الذهن ولا تقبل اللغة الكلام هنا عن العم، وأيضا ارتكن المتأولون لمعنى الأب على أنه العم أن القرآن ذكر أن نبى الله (إبراهيم) كان يعظ أباه بقوله:«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً» الأنعام 74، وقال المتأولون أن اسم أبيه ليس (آزر) كما فى القرآن ولكن اسمه (تارح) أو (تارخ) لذلك فالمقصود بقول الله «لأبيه« هو عمه (آزر)، وبالطبع إن كانت محاولة التأويل تحمل نوايا طيبة، فإن الارتكان على دليل كهذا هو خطأ يراد به تصليح خطأ لأن ادعاء أن اسم أبيه هو (تارح أو تارخ) هو ادعاء مبنى على كذبة فاحشة من آلاف كذبات الإسرائيليات التى دُسَّت فى تفاسير القرآن عن طريق الراعى الرسمى للإسرائيليات (كعب الأحبار)، لذلك فإن معنى الأب فى آيات النبى إبراهيم ينصرف للأب الحقيقى وليس العم.
    نقد الحديث لتعارضه مع صريح القرآن:
    قول الله عز وجل: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» القصص 59والآية لا تحتاج شرحا أن الله لا يعذب أحدا ولا يهلك القرى حتى يبعث الرسل .
    2- قول الله عز وجل: « وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ» الشعراء 208 وتلك الآية تحمل نفس المعنى أن الإهلاك مقترن ببعث الرسل المنذرين.
    3- قول الله عز وجل: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» الأنعام 131، والغفلة هى عدم إنذارهم برسول.
    4- قول الله عز وجل: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا» الإسراء 15، وذلك للتأكيد على المعنى المراد أن شرط العذاب هو إرسال الرسل.
    5- قول الله عز وجل: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» النساء 165، مما يؤكد أن الحجة لا تقوم إلا بعد إرسال الرسل.
    وكل الآيات السابقة تكفينا صراحة ووضوحا لرد ألف حديث وليس حديثا واحدا حيث تؤكد أن أهل الفترة ممن عاشوا قبل الرسل لا يعذبون لعدالة ورحمة الله، وإن لم يعف عنهم فعلى الأقل يكون أمرهم موكلا إلى الله تعالى، فكيف نجزم أنهم فى النار ففى ماذا أذنبوا ليدخلوها، وكيف يتساوون فى العذاب مع من سمع دعوة النبى وبلغه القرآن ثم كفر به فأين عدالة الإله، والله يقول:
    «إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» النساء 40 أما زعمهم البغيض أن أبوى النبى سمعا دعوة نبى الله إبراهيم ولذلك عُدُّوا من المشركين فالآيات تنضح بتكذيب دعواهم.
    1- قول الله عز وجل:« لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ» يس 6، والحديث موجه للنبى الكريم يقول الله فيه ما لا يحتاج إلى شرح بل هو إقرار إلهى بأن قوم النبى ما أنذر آباؤهم، فأى جرأة وقحة هذه التى امتلكها من يدَّعون أن أبوى النبى فى النار لأنهما قد وصلتهما دعوة النبى إبراهيم. فلعله علم خاص بهم لم يعلم به الله - ونستغفر الله من ذلك-
    2- قول الله عز وجل: «وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» سبأ 44، نفس المعنى الجلى الواضح أن الله لم يرسل لآباء النبى وقومهم أنبياء.
    3- قول الله عز وجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» السجدة 3، تأكيد على المعنى المراد.
    4- قول الله عز وجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» القصص 46
    فما هو المطلوب أكثر من هذه الآيات الصريحات التى تعضد بعضها بعضا مؤكدة أن أهل الفترة لا يعذبون لأنهم لم تقم عليهم حجة الرسل، والآيات الأخرى التى تجزم أن قوم النبى خاصة لم يأتهم نذير قبل النبى؛ وعليه فإن كل ما يقال بخلاف ذلك كلام هابط مرسل واستدلال مضحك وهزلى.
    نقد الحديث لتعارضه مع الأحاديث الصحيحة المتفقة مع صريح القرآن.
    1- أخرج البخارى (4315) حديثا فى موقعة (حنين) أن النبى لما تولى عنه المسلمون قال: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وهنا يتبين أن الرسول يفخر ببنوته لجده (عبدالمطلب) والثابت أن الله أنزل فى كتابه:« وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» التوبة 3، فلو كان جده صلوات الله عليه من المشركين الخالدين فى النار لتبرأ النبى منه تصديقا لنص القرآن، كما تبرأ النبى إبراهيم من أبيه:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» التوبة 114، فلا يُتصور أن يفخر النبى بجده المشرك وهو مطالب بالبراءة منه ما يؤكد أنه توفى على التوحيد.
    2- أخرج مسلم نفسه (2276) قول النبى: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل. واصطفى قريشا من كنانة. واصطفى من قريش بنى هاشم. واصطفانى من بنى هاشم«. ولا أعلم معنى فى الاصطفاء إلا النسب المتسلسل الطاهر المبرأ من الشرك لأن الله سبحانه قال فى كتابه العزيز« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة 28، فلا يمكن أن يصطفى الله النجس ولكن الاصطفاء للموحدين الأطهار وذلك ما يؤكد توحيد آباء النبى كما يؤكد بطلان ووهم حديثى مسلم.
    3- قول الله عز وجل فى كتابه: «وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ» الشعراء 219، جاء عن ابن عباس فى التفسير أن المعنى هو تقلب النبى فى أصلاب أجداده من الساجدين قبل مولده.
    نقد السند فى الحديثين :
    1- هذان الحديثان من أفراد مسلم أى ما انفرد به عن البخارى ولم يتابعه عليه إلا بعض كتب السنن والمسانيد، وذلك بنظر أهل الحديث يعد نزولا عن درجة الحديث الذى اتفقا عليه البخارى ومسلم مع أن رأينا فى هذه المسألة بخلاف ذلك فمن الجائز أيضا اجتماعهم على حديث به علل كثيرة فالعصمة لله ورسوله ولا لأحد بعدهما.
    2- هذان الحديثان (آحاد) وقد قرر الكثير من علماء الحديث قديما وحديثا أن (الآحاد) لا يقام عليه عمل ولا عقيدة، وليس هذا فحسب بل هو مخالف كما أوضحنا لصريح القرآن والنقل.
    3- أما الرواة ففى حديث (أبى وأباك) الراوى هو (حماد بن سلمة) وقد وثَّقه بعض العلماء ورده بعضهم، كما أن البخارى نفسه لم يقبل أن يخرج له ولو حديثا واحدا كتقرير منه بضعف روايته لأنه كان يخطئ كثيرا وكان يروى بالمعنى وليس باللفظ، وجاء فى (حماد) عند علماء الجرح والتعديل قول (أبو حاتم) فى الجرح والتعديل (9/66): «حماد ساء حفظه فى آخر عمره»، أما أهم ما قيل فيه فقد قال (الزيلعى) فى نصب الراية (1/285): «لما طعن فى السن ساء حفظه. فالاحتياط أن لا يُحتج به فيما يخالف الثقات«، والكلام معناه مهم وهو أن حديثه إذا خالف الثقات لا يحتج به، وقد خالف القرآن بذاته، فأى مخالفة بعد.
    الخلاصة :
    هذان الحديثان مردودان لا يصح منهما شىء لمعارضتهما القرآن والأحاديث المتفقة مع ظاهر آياته، لأنه لا يمكن رد النص القرآنى الذى هو قطعى الثبوت وقطعى الدلالة بنص ظنى الثبوت وظنى الدلالة إن تعارضا، فالآيات الكريمات لا تحتمل إلا الثبوت ولا يحتمل معناها معنى آخر غير ظاهرها.
    يتبع بردي عليه إن شاء الله ...

  • #2
    الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [ج1]
    بسم الله الرحمن الرحيم .
    الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    إن الناظر المتمعن في هذا المقال- الأبتر من البركة - بسبب أن صاحبه لم يفتتحه بالبسملة والحمد والثناء على الله ، بعنوان " ملعون من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار "ليدرك من أول وهلة أن السبب الذي دفعه لكتابته هو حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ،ودفع الأذى عنه ،والغيرة على أبوي النبي صلى الله عليه وسلم – ونعم الحب ، ونعم الدفاع ونعم الغيرة - لو كانت بتعقل وعلم ، وعدل وورع ، إلا أن صاحب الموضوع لم يسلك هذا السبيل ، ولم ينتهج سبيل التحري والتحقيق والتدقيق ، بل خلط خلطا عجيبا ، وجاء بأغلوطات ظنها من الواضحات ، أو اختلط عليه الأمر حتى هدم ما بناه كالتي تنقض غزلها ، كما سأبينه- إن شاء الله - مع أنه يدعي أنه بلغ مبلغ المجتهدين ، بقوله : ولا أعلم ، ولا أدرى بأي طريق استقى البيهقي علومه الخاصة ،فذهب يصف بعض علماء الأمة كالإمام مسلم بن الحجاج إمام عصره والإمام النووي ،والبيهقي، وابن كثير بما لا يليق أن يوصف به ، منتقدا علماء الحديث وعلومه بطريقة ماكرة ، وخدعة ظاهرة ، من نظر فيها حسبها شيئا ، وهي على شفا جرف هار يكاد ينهار به في مهاوي الضلال ومعاقل الحدادين الجهال ، ولبيان الحق في الموضوع ، وإخراج ما ينفع الناس من زبده المصنوع ، ورد كلامه المكتوب والمسموع ،بالبرهان المشفوع ، بالحجة والدليل المقطوع ،لعله يرجع ويترك الخوض في الممنوع ، أقول سائلا المولى الإعانة لما توخيت من الإبانة إنه نعم المولى ونعم النصير .
    أولا: لقد أنزل أبو أسامة الموضوع مبتورا من المقدمة ، ولم يذكر لنا من صاحب المقال ، حتى نعرف هل هو من العلماء الرجال الذين تشد إليهم الرحال أم من الرويبضات فنعرض عنهم في الحال؟ أو نبين ما عندهم من ضلال .
    وثانيا : أنزله بعنوان [ ملعون من قال أن والدي النبي صلى الله عليه وسلم في النار ].
    وهذا اللعن مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم فقد قال : << ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا البذيء >>صحيح الجامع [ح5257].فلا يليق بمؤمن أن يلعن مسلما أخطأ في مسألة علمية فكيف بمن لعن عالما أو علماء أو جماهير الأمة نازعوه في مسألة علمية صح عندهم الحديث فيها ، هذا والله عين التعصب بالظلم والعدوان، واللعن بالباطل والبهتان .
    ثالثا : لم يسند هذا اللعن عن ابن العربي رحمه الله ، ولم يذكر أين قاله ، مما يجد العبد في النفس منه شيئا ، فأنني أرفع بابن العربي عن هذا المستوى ... أن يكون قاله، وعلى فرض ذكر السند إليه ، وعزوه إلى مصدره لم يحقق صحة نسبته إليه ، وعلى فرض صحة نسبته إليه فهو مخطئ من جهة اللعن ، لا من جهة اجتهاده ، فلا ينبغي تقليده فيه ...
    رابعا : إن هذا اللعن يستلزم منه لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت عنه الحديث ، ويستلزم أيضا لعن كل من روى هذه الأحاديث ، وهذا أمر خطير إن قاله عن اعتقاد، أرأيت لو ثبت الحديث في الموضوع ، فهل يجوز لعن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك أذى لله ورسوله أعظم من هذا ؟ وهذا جزؤه قال تعالى :{{ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا }} ألا تخشى أن يعود اللعن عليك وعلى قائله في الدنيا والآخرة ، ألم يكن الأجدر بك أن تتأدب مع جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم فتترك النقل عن ابن العربي ،ولا تعنون لموضوعك باللعن حتى إذا ثبت الاحتمال بصحة الأحاديث التي تشكك فيها تكون بريئا من التعرض للعن النبي صلى الله عليه وسلم ، وباقي العلماء الذين نقلوا عنه ذلك من صحابة وتابعين وتابعيهم بإحسان ..ولا ترجع عليك اللعنة .
    وأيضا تصرف أبو أسامة في الموضوع ولم يميز المواطن التي تصرف فيها، حتى نفرق بين الرد على صاحب المقال، وبين ما تصرف فيه ، كما ذكر لنا أن الموضوع منقول ، ولكن لم يذكر من أين نقله ؟ فليعلم الأخ الكريم أن كل هذه المسائل مما تفقد الموضوع الأمانة العلمية وتنقص الثقة فيه عند أهل التوثيق و التحقيق للعلوم الشرعية .
    ثالثا : ذكّرنا بملاحظة تنقض الموضوع وتهدمه من أصله وهي قوله :
    ملاحظة: أتمنى على الإخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي فحسب.لأنفيه الرد الوافي والشافي.
    فقوله : أتمنى على الإخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي ... جوابه أن يقال له: وهل أبقى صاحب المقال لقائل سبيلا للعلم وهو حشا موضوعه وملأه بالطعن، والتنقيص، وسوء الظن بالعلماء ، وعدم الأدب معهم ، وتجريحهم والجرأة عليهم .. حتى يتناول معه الموضوع من جانبه العلمي البحت ؟ وقد سد الباب أما من تسول له نفسه بالرد والبيان أنه حكم عليه مسبقا بأنه ملعون .. ومع ذلك فقد سولت لي نفسي أن أبين الحق لتنزل اللعنة بعد ذلك على من خالفه .. فأقول :
    وهل هذه الجمل والعبارات من العلم والأدب ؟ ) زيَّن (مسلم) هكذا باستنتاجه الفطن ...
    أنظر إلى هذه الادعاء والتنقيص ..
    ورغم أنني على حد علمي لم أعرف أن مسلما كان فقيهزمانه لكي يحكم بهذا وحده...
    ومدعيا على أبوي النبي ادعاءً عظيما كهذا، ثم تأكيدهفي عنوان الباب استنتاجه بجرأة أن أبا النبي في النار خالدا لا تنفعه شفاعةالنبي.
    ولا أعلم أيضا كيف يملك النووي هذه الجرأة أولا ...
    فكيف عرف ذلك وكيفتأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول ..
    وهنا يكرر (النووي) ذات الجرأة ..
    ثم يخلطالنووي في نهاية تعليقه خلطاً كبيرا ..
    أو أنه إمعان في الجرأةوتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدا من عند نفسه تتصف بالوصفين معا فهيمشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه ..
    وأما(البيهقي) فيزيد الجرأة إبداعاوشرحا..
    ولا أدرى من أين استقى علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزمبعبادتهم الأوثان قد جاءه فى المنام.
    وما قاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هوالتعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد..
    وأخيرا : يقول: .. لأنفيه الرد الوافي والشافي.
    فأقول :فأي وفاء يا أخي وأي شفاء في هذه العبارات وما سيأتي؟ لا، لا يا بني اسمحلي أن أقول لك : بل فيه الظلم ، والتعالم على أهل العلم ، وعدم الأدب معهم ..والجرأة والقبح ، والأذى ..وليس فيه من العلم إلا الخلط والتمويه ، والتلبيس سامحه الله .
    وأين العلم في قوله : ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوي استحدث علماء الحديث دلائل وقرائنللتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث ..
    فقوله استحدث ، بمعنى استفعل ، وهو طلب الإحداث بمعنى أنهم ابتدعوا أشياء من عند أنفسهم ، ولم يتتبعوا أو يستقروا الأدلة من الكتاب والسنة ، ثم قعدوا منها قواعد وضوابط اصطلحوا على تسميتها بعلوم الحديث دراية وراية ، مما سماه صاحب الموضوع بمصطلحه الجديد -دلائل وقرائن – وهذا فيه طعن ضمني يؤكده قوله فيما بعد : ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا .. فقوله: نظريا .. وكأن العلماء لم يستعملوا هذا العلم في واقع الرواية على الوجه الصحيح ، حتى فلتت منهم فلتات عظيمة أبقت الحال على ما هو عليه من الاختلاط الذي يصفه صاحبنا ، ولم تستفد الأمة منه في غربلة السنة النبوية ..
    ويؤكده قوله : فإنسلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيافأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكانرواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض)...
    أنظر أيها الناقل العاقل –وأنت المؤدب بالسفه -إلى الطعن في جهود جهابذة الأمة كيف يصفها بأنها أصبحت عكسية سلبية أثرت أيما تأثير على العقل الذي وقف حائرا أمام روايات صحت بها الأسانيد برواية الثقات الأثبات فأين الأدب يا صاحبي مع هؤلاء ؟ وأين العلم الذي تطالبنا به أيها الكريم ؟
    وانظر إلى قوله : ...أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبولالحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبولالحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوحوصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدممخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثير منأحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم في المقال بحديثين من هذه النوعية.
    فقوله :.. أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبولالحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبولالحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوحوصراحة وجرأة...
    أقول: لم يقل أحد من علماء الحديث أنه يستحيل رفض السند ، بل ردوا كثير من الأسانيد ، لم تتوفر فيها الشروط والضوابط التي قعدوها لقبول الإسناد ، وقبلوا أسانيد أخرى ولم يجزم أحدهم بأنها قطعية إلا فيما تواتر ، وكانت عندهم دقة عجيبة أبهرت الأعداء استفاد منها أعداء الإسلام الآن وفي غابر الأيام، وكذلك قعدوا قواعد أخرى في أصول الفقه عملوا بها فيما بعد ، وهي أنهم تركوا أحاديث صحت أسانيدها لأن ظاهرها يخالف مقاصد الشرع، وعندي أمثلة كثيرة على هذا ، وقد بحثوا كل الأحاديث التي أشكلت عليهم مع القرآن أو مع بعضها البعض وجمعوا بينها، وأراحوا من بعدهم ، وخرجوا بأنه لا توجد أحاديث صحيحة تناقض صريح القرآن ، بل قالوا إن السنة مبينة للقرآن شارحة له ...وصدق الإمام أحمد رحمه الله حين قال في رسالته أصول السنة : ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليم ..
    واعلم أن الإسناد من خصائص هذه الأمة ، والإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء في الدين ، ولعمت الفوضى وتحرف الدين وبدل وغير ،فهل تجوز في عقلك أنه يمكن أن تحرس البيضة من الكسر بغير سلاح ، ولا وقوف عندها ولا محافظة عليها، هذا يستحيل عقلا وشرعا ،فالإسناد سلاح عظيم من أجل حماية حياض السنة من الكذب ، والتحريف والتغيير ، فقد أجمع العلماء سلفا وخلفا على قبول قواعد الإسناد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم << إن أمتي لا تجتمع على ضلالة >> رواه أبو داود كتاب الفتن بلفظ<< وأن لا تجتمعوا على ضلالة >> و ابن ماجة كتاب الفتن ، وتلك القواعد مستقاة من الكتاب والسنة، وليست مستحدثة ، ولو قرأت مقدمة صحيح مسلم -الذي نلت منه- لعلمت قيمة تلك القواعد الذهبية التي قعدها أهل الحديث منهم الإمام مسلم رحمهم الله جميعا.
    وأما قولك :..مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوحوصراحة وجرأة...
    هذا طعن في علماء الحديث ، كأنك تقول أنهم دونوا وقبلوا أحاديث باطلة تخالف صريح القرآن ، وتجرءوا على ذلك ، نعوذ بالله من الخذلان ومن هذا الهذيان ،الذي نقضته بنفسك بقولك :
    .. ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدممخالفة الحديث لصريح القرآن..
    ألم تعلم أن مسلما من أولئك الأوائل الذين كان لهم النصيب الأوفر في نقل تقعيد كثير من القواعد المستنبطة من الكتاب والسنة بالأسانيد الثابتة الصحيحة ،والتي وافقه عليها أهل العلم ممن كان في عصره ، أو جاء بعده ، ولو قرأت مقدمة صحيحه لعملت ذلك ، ثم من تقصد بالأوائل ؟ لعلك لا تعرف أن رواة الحديث الذي استنكرته مع وجوده في صحيح مسلم هم من أولئك الأوائل كالحسن بن سفيان ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، والفضل بن دكين ، وإبراهيم بن سعد ، والإمام الزهري في سند آخر فقد رووا نفس الحديث من طريق آخر بالسند الصحيح عند الطبراني .. والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيرهم ..، فلو درست إسناده لعلمت أن الحديث رواه أولئك الأوائل الذين تشيد بهم ، وقد ورد الحديثان بطرق كثيرة فيها كثير من أولئك الأوائل ولم يقل أحدهم ما قلته أنت .. فأين العلم الذي تطالبنا به أيها الكريم ؟
    ثم يأتي لينقض إشادته بالأوائل بهذه المقولة : وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا في الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم في المقال بحديثين من هذه النوعية.
    من هم أهل التراث الذين تقصد غير أهل الحديث الذين دونوا ونقلوا أحاديث تخالف صرح القرآن في زعمك؟ فإن علماء الحديث قاطبة ينكرون أن يكون هناك أحاديث صحيحة تخالف صريح القرآن وخاصة ما جاء في الصحيحين ، وإنما المعتزلة هم الذين ينكرون ذلك على قاعدتيهم المشئومتين ، التحسين والتقبيح العقليين ، فما رآه العقل حسنا فهو حسن حتى لو كان أبطل الباطل ، وما رآه العقل قبيحا فهو قبيح حتى لو كان حقا من القرآن أو السنة الصحيحة، وبهذا ردوا أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، ولم يثبت عن أحد من أهل الحديث أنه رد أحاديث في الصحيحين أو أحدهما ،حتى الذين انتقدوا عليهما أحاديث ، جاء آخرون من بعدهم وردوا تلك الانتقادات ، وإن كان عندك شيئا من ذلك فتفضل به مشكورا ، أما أنا فعندي أمثلة كثيرة على أن المعتزلة هم الذين ردوا أحاديث كثيرة ، وكانوا سببا في هذه الطامة التي آتيت بها ، أكتفي بذكر بعض الأمثلة عن واحد من المفكرين المعاصرين الذين تأثروا كثيرا بالاعتزال والفلسفة ،وهو الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله - الذي يصفه صاحب المقال بالقلب الشجاع ،وهو غارق في البدعة إلى القاع ، فقد رد أحاديث في البخاري ومسلم كما في بعض كتبه ، منها حديث الذباب ، وحديث ملك الموت الذي فيه أن موسى فقأ عينه ... فهذه الأمثلة هي أكبر من العقل ،والعقل عنده يردها والأسماع تمجها على حد تعبيره ، فوقف العقل حائرا أمامها فعمدوا إلى إنكارها أو تأويلها بحجة أنها تخالف القرآن أو العقل الذي فهم القرآن فهما علميا صحيحا أفضل من فهم السلف الصالح الذين رووا الأحاديث وقالوا نؤمن بها على مراد الله ومراد رسوله ، حتى جاء العلم المادي فكذب العقلانيين وأثبتها وحينها فقط سلموا بذلك ومع ذلك لم يرجعوا عن طريقتهم الفاسدة .وقالوا طريقة السلف أسلم وطرقة الخلف أعلم وأحكم ، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم عن يقولون إلا كذبا ، فطريقة السلف أعلم ، وأحكم ، وأسلم ، وطريقة الخلف أظلم وأجهل ومن العلم أعدم .
    الآن دعنا نعود بك لنقف معا على بعض كلامه الذي جانب فيه الصواب ورمى فيه أولوا الألباب باللعن والطعن في الحديث ومخالفة صريح الكتاب فقال:
    )زيَّن (مسلم) هكذا باستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أنمن مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولا أعلمكيف جزم (مسلم) بهذا ...
    أولا:أتدري فيمن تتكلم ؟أأنت عاقل مسلم ، أم غافل مجرم ، إن الإمام مسلم إمام عصره بلا منازع .
    قال الإمام الذهبي رحمه الله: هو الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادق صاحب الصحيح .سير أعلام النبلاء [ج12/557]وترجمته من السير حافلة بثناء العلماء عليه ، وأنه الإمام المبجل .
    قال الإمام النووي رحمه الله : اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان البخاري ومسلم، وقد تلقتهما الأمة بالقبول .مقدمة شرح صحيح مسلم وكتابه الأسماء واللغات،[ج2/89/1].فإن التشكيك في الصحيحين تشكيك فيما تلقته الأمة بالقبول ، فهذا قولك : وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا في الكثير من أحاديث الصحيحين .. فهذا ما اقترفه أهل التراث عندك عامة فلم تستثني منهم إلا السيوطي وابن العربي ..وجاءوا ب [ سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيافأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكانرواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض)...
    وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة الإمام مسلم. [ج11/33]صاحب الصحيح الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثر العلماء ، وذهب بعض المغاربة وعلي النيسابوري إلى تقديم صحيح مسلم على البخاري ...
    وقال ابن حجر رحمه الله تهذيب التهذيب [ج10/114] حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله ، بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى ،وقد نسج على منواله خلق من النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطي الوهاب .هذا قول الحافظ ابن حجر ، ولا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا أهل الفضل . وقال ابن عقدة : قلما يقع الغلط لمسلم في الرجال لأنه كتب الحديث على وجهه .
    وقال الحاكم : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم سمعت أحمد بن سلمة يقول عقد لمسلم مجلس المذاكرة فذكر له حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله وقدمت له سلة فيها تمر فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث . زاد غيره فكان ذلك سبب موته . هكذا هي همم الربانيين ، يدفع حياته ثمنا في سبيل التوثيق والتأكد من الحديث ، ويأتي مثلك أيها المتعالم لتنال من شموخ هؤلاء .
    وقال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء كان مسلم من علماء الناس وأوعية العلم ما علمته إلا خيرا ..
    وقال ابن الجارودي : حدثنا مسلم بن الحجاج وكان من أوعية العلم ، وقال ابن ابي حاتم : كتبت عنه وكان ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث .تهذيب التهذيب [ج10/115].
    هذا هو الإمام الذي أطبقت الدنيا على فضله وقبول كتابه ،حتى وجد من أجدادك من يقدمه على البخاري ، وما وجدت أحدا جرحه أو طعن فيه ، حتى تأتي أنت -ولا أحد يسمع بعلمك- فتتجاوز كل هذه العصور وتقطع ظهور هذه الأجيال من الجبال الأثبات من أهل العلم لتطعن فيه وتصفه بأنه ليس بفقيه وليس له الأهلية ليحكم على حديث آحاد وإنما الأهلية لك لترد الحديث وتحكم عليه بأنه يخالف القرآن ، وكأن كل من نظر في صحيح مسلم من مئات الآلاف من العلماء على مر هذه العصور فاتهم هذا الفضل حتى أدركته أنت ، فالويل لك من الله يوم تلقاه .
    إن قولك ذلك في الإمام مسلم ليس طعنا فيه فقط بل هو طعن في الأمة التي تلقت كتابه مع صحيح البخاري بالقبول ، ويُقصد بالأمة هنا العلماء ،ويستلزم منه أنهم غشوا باقي الأمة التي لم تطلع على الأحاديث التي تفرد بها مسلم أو أخرجها أيضا البخاري وهي تخالف صريح القرآن ، فجئت أنت لتطلعها على ما فات أولئك الجهابذة من النقاد ، فالله حسبك من هذا التطاول ، وهذا الاعتداء فانظر إلى هذه الأجيال من العلماء الماضين لم يتجرأ أحد منهم من أهل السنة على وصمه ووصفه بما وصفته بل كلهم يثني عليه ويجله على ما قدم للأمة ، حتى لو كان من بعض المنتقدين لبعض أحاديثه .
    إن الإمام مسلما ما كان ليؤذي الله لأن أذية الرسول صلى الله عليه وسلم هي أذية لله تعالى ، وما كان له أن يخالف القرآن الكريم ،وهو الذي أوقف حياته في الحل والترحال على خدمة كتاب الله وسنة رسوله ، ودفع في سبيلها كل غال ونفيس حتى دفع حياته ثمنا للتأكد من حديث واحد نسب إليه ، ولو اطلعت على شيء من سيرته في طلبه للحديث وطريقة جمعه له ، والتعب الذي حصل له لما وسعك أن تفوه بكلمة فيه، وتتجرأ عليه بهذا الكلام المشين .
    وانظر إلى قولك فيه : ورغم أنني على حد علمي لم أعرف أن (مسلما) كان فقيهزمانه لكي يحكم بهذا وحده، هكذا ابتداء على حديث آحاد، لم يشاركه في إخراجه معلمهوأستاذه..
    فهذا أيضا من جهلك بترجمته وتطاولك على من أثنى عليه، وإلا فمتى علمت أن السلف كانوا يفرقون بين الفقه والحديث ، وهل الفقه غير الحديث ؟ وهل كان رسول الله فقيها أم محدثا، أم كليهما ؟ فإن قوله عليه الصلاة والسلام: << من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين >> أخرجاه في الصحيحين ، لا يعني به التفقه في الدين على طريقة الفقهاء خاصة من معرفة شروط الوضوء والصلاة ، والشرط والسبب والعلة ، والواجب والمستحب والمكروه والحرام، وغير ذلك من الأحكام والقواعد الفقهية ، وإنما يقصد به الفهم في الدين فهما صحيحا على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ، على مراد الله ومراد رسوله ، وهذا الفهم هو الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم : << خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا >> أخرجاه في الصحيحين ، وقوله فقهوا أي بفتح الفاء وليس بكسرها . ثم أقول لك من أنت يرحمك الله وما مبلغك من العلم ؟ حتى تحكم على جبل من جبال العلم ذنبه أنه اتبع العلماء الذين قبله فخرج الحديث بإسناد على شرطه تبرأة للذمة ، ولم يكن بدعا منهم، فكيف حكمت عليه بأنه لا يسحن الحكم ابتداء على الأحاديث ، ثم سوغت لنفسك أنت فحكمت عليها ابتداء بأنها تخالف القرآن وأنها أحاديث آحاد ؟ فلم تقبلها ولو كانت ألف حديث ، وحديث في الصحيحين التي عبثت أيدي أهل التراث بهما على حد تعبيرك أيها الدعي؟
    يتبع إن شاء الله ...

    تعليق


    • #3
      الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [2]

      بسم الله الرحمن الرحيم .

      إن الإمام مسلما من كبار المحدثين الذين دونوا فقه رسول الله وحملوه إلى الأمة وقد شهد له بذلك القاصي والداني فقد فاق أقرانه حتى قدمه بعضهم على شيخه البخاري في حسن الترتيب وسياقة الأحاديث، ولو لم يكن فقيها ذكيا فطنا لا يدري ولا يفهم ما يكتب ما استطاع أن يرتبه ذلك الترتيب الذي
      فاق به أقرانه حتى أستاذه ومعلمه، ويأتي صحيحه بهذا التأليف الممتاز الذي أعجز العلماء بعده ،وأبهر الأعداء ..في المرتبة الثانية بعد صحيح البخاري .
      ثم قل لي بربك أيها الدعي أين نجد الدليل من الكتاب والسنة على التفريق في الأخذ بين الأحاديث المتواترة والآحاد ؟ ألا تعلم أن الحديث حجة بنفسه ؟وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:<< ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه وأنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ..>> رواه أبو داود ، ولأن السنة وحي من الله لنبيه وما ينطق عن الهوى عن هو إلا وحي يوحى ، كما ذكر ذلك السيوطي الذي جعلته من علماء السلف في كتابه مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة .
      إن القول برد أحاديث الآحاد الصحيحة في العقيدة يستلزم منه رد كل الأحاديث التي جاءت في كتاب الإيمان والتوحيد من صحيح البخاري ومسلم ، وغيرهما من كتب السنة ، ويلزم من ذلك رد ثلث الدين ، فإن العقيدة أو التوحيد تمثل ثلث الدين ، هذا إن لم نقل أكثر الدين ، فإن الآحاديث المتواترة في العقيدة قليلة جدا ، والاعتماد على فهم القرآن الكريم دون السنة – شبهة القرآنيين ضلالة كبيرة – ثم إن هذا المعتقد – التفريق بين المتواتر من الأحاديث والآحاد يستلزم منه الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه فرد في تبليغه القرآن الذي يحمل عقيدة المسلمين ، ويستلزم الطعن في كل أفراد الصحابة الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرسلهم دعاة إلى الله يحملون رسائله إلى الملوك والسلاطين ، وأخيرا يستلزم رد كل ما تكتبه أنت أيها الغريب الفرد في العقيدة، ومنه هذه القضية التي نحن بصدد الكشف عنها لأنك آحاد من الناس، ولست متواترا ،ثم هل يمكنك أن تأتيني بحديث واحد في العقيدة رده الصحابة أو التابعون بحجة أنه آحاد ، إن هذا التقسيم مجرد تقسيم صوري محدث دخل منه من دخل إلى إنكار صفات الباري ، أو تأويلها ، وإنكار عذاب القبر ، كالخوارج والمعتزلة والجهمية،وما في اليوم الآخر من الغيبيات التي لم يأتي تفصيلها في كتاب الله ولا في المتواتر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .فأحاديث عذاب القبر ونعيمه ، وأحاديث الشفاعة ، لا تثبت عندك لأنها آحاد ، وهذا هو معتقد الخوارج والمعتزلة الذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه ..
      أما قولك :ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووي) هذه الجرأة أولا على أبوي النبي وذلكفي جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيفتأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر«.
      ألا تعلم أن الجرأة هي التطاول على العلماء ، ولمزهم وغمزهم بما هم منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، فأن القول في الإمام النووي في رد التهمة عنه هو كالقول في الإمام مسلم
      وأزيدك هنا شيئا وهو اعتماده على أصح كتاب بعد كتاب الله ، ثم كتاب البخاري ، اللذين تلقتهما الأمة بالقبول ،ثم أقول لك : وأنت ماذا تقول في موتهما ؟ فإن قلت ماتا على الإيمان فإثبات ذلك دون خرط القتاد ، والشواهد تكذبك ، وإن قلت ماتا ولا يدرى على ما ماتا فيقال لك كيف أثبت ذلك ؟ وإن قلت ماتا على الكفر فيقال لك ما جئت بشيء جديد ، وإنما سودت الصحف لتهرف بما لا تعرف ، ثم نتوجه إليك بهذا السؤال الثاني وهو: على أي دين كانا أبواه صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قلت على الفطرة .. قيل لك وكيف عرفت ذلك أنت في القرن الخامس عشر وغاب عن كل هذه القرون ، وإن قلت ، على دين إبراهيم قيل لك أيضا وكيف أثبت ما تعيبه على غيرك كالنووي والبيهقي وغيرهما ؟ وإن قلت لا أدري على ماذا كانا قيل لك :
      العلم نور يقتبس ** فصاحبه مكرم حيث جلس .
      من فاته العلم طأطأ وانتكس **فكان ما بين حمار وفرس .
      وقيل له :
      العلم نور للفتى ** يكرمه حيث أتى
      من فاته العلم وثبتا** فحقه في العالمين أن يسكتا
      وإن قلت : ماتا على الكفر كما هو مشهور عند جماهير العلماء من السلف والخلف ، وأن الله أحياهما تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك السيوطي والسهيلي ، قيل لك : أثبت ذلك بطريق الرواية اجتهادا وتحقيقا ؟ أم بطريق العقل ، تصورا وتخييلا ؟ فإن كانت الأولى ، كذبتك أقوال فحول هذا الشأن ، وأن ما أورده السيوطي في الرسالة التي أشرت إليها فقد حكم عليه أهل الاختصاص بأنه كذب مختلق ، وأنه لا يثبت ، ولا يمكنك إثباته ، وإن قلت الثانية – وهي التي تتبادر إلى الذهن- فهل حضرتهما أنت أو كشف لك عن ذلك فعاينتهما ،أو رأيت ذلك في المنام لترمي بهذه الفرية البيهقي رحمه الله ، أم أنك اعتمدت على آيات وأحاديث سقتها ولم تفهم معانيها على ما كان عليه العلماء سلفا وخلفا ،مما لم تسبق إليه .. وسأبين لك ذلك إن شاء الله ...
      وأما قولك : والمعروف دينا ولغة وبداهة أنالكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه ...
      وهنا أسألك بالله أن تخبرني من أي قاموس جئت بأن المعروف في الدين واللغة والبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة ؟ أم أنك لا تعرف معنى الكفر وأقسامه ؟
      وإن كان أمرك كذلك فتعالى معي لنتعلم أنا وأنت معنى الكفر في اللغة والشرع وأقسامه .
      الكفر لغة هو : التغطية والستر . قال في المصباح المنير [ص267] كفر النعمة أي غطاها مستعار من كفر الشيء إذا غطاه وهو أصل الباب ومنه يقال للفلاح كافر لأنه يكفر البذر أي ستره في الأرض ومنه قوله تعالى : [[ .. يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ..]]
      وقال : في مادة كفر : أي كفر بالله يكفر كفرا وكفرانا ، ويطلق على البراءة والجحود ، وعلى نفي الصانع ، ولم أجد في قواميس اللغة في حدود علمي من يقول أن الكفر في اللغة هو الكفر بالدعوة
      وقال في مختار الصحاح : كفر ، الكفر ضد الإيمان وقد كفر بالله وقوله تعالى :{ إنا بكل كافرون } أي جاحدون ، وقوله : {فأبى الظالمون إلا كفروا } والكافر الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء. قال ابن السكيت: ومنه سمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه .
      أما في الشرع ، فالمعروف أن الكفر هو: الكفر بالله تعالى وهو أنواع ، وليس بالدعوة كما تقول ، لأنه يمكن أن يؤمن بالدعوة ويكفر بالله ، كالمنافقين الذين أظهروا الإيمان بدعوة الإسلام وكفروا بالله تعالى .وإليك أنواع الكفر :

      1- كفر إباء واستكبار : ككفر إبليس ، ومنه قوله تعالى :{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، وهذا مثل حال من يعلم أن دين الإسلام هو دين الحقِّ الذي لا يقبل الله سواه، والذي فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ثم يتركه إباءً واستكباراً ويتخذ له ديناً أو مذهباً من صنع البشر.
      2- كفر الجحود: وهو أن يجحد جملة بما أنزله الله تعالى أو يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة من الإسلام ، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(1) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
      3-كفر الشك والإعراض : وهو الذي يشك في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجزم بصدقه، ولا يجزم بكذبه، ويعرض عنه قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9]. وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22].
      4- كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم في أيِّ شيء مما جاء به. قال الله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ(2) وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 25-26].
      فأين ما تدعيه أن الكفر هو الكفر بالدعوة فقط لغة وشرعا وبداهة ؟ سبحان الله !! وعلى اصطلاحك هذا فإن المشركين الذين ماتوا قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم كعمرو بن لحي وغيره هم مؤمنون
      ليسوا بكفار ولا مشركين ، لنهم لم يكفروا بدعوة نبينا محمد ، أو على الأقل هم من أهل الفترة مع ما غيروا من دين إبراهيم الحنيف الذي كان عليه بنو إسماعيل..ومع ما كانوا عليه من عبادة الأوثان فهل تقول ذلك ؟
      أما قولك :..ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قدبلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبي الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ» سبأ 44.
      فعلى فهمك هذا فإن الآية تنفي إرسال إبراهيم، ورسالته ، ورسالة ابنه إسماعيل ، فلمن أرسل إسماعيل في قوله تعالى :{ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} ؟ وإنما تفسر الآية بقوله تعالى مخبرا عن دعوة إبراهيم : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }وعليه فمعنى الآية : :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ» سبأ 44. أنهم ما جاءهم نذير من غيرهم بعد إبراهيم وإسماعيل ، لأن إبراهيم دعا ربه أن يبعث فيهم رسولا من أنفسهم ، فاستجاب الله دعوته حتى تبقى رسالته هي السائدة حتى يأتيهم رسول من أنفسهم وتتحقق دعوة إبراهيم .ومع ذلك لما جاءهم النذير قالوا هذا إفك ، وهذا سحر ، أو أنه ساحر ، فرد الله عليهم بالآية من أين لكم ذلك ولم يأتكم كتاب من قبله ، ولا نذير في أبائكم يخبركم بأنه إفك وسحر ، كما جاء اليهود والنصارى الذين ادعوا أنهم أهل كتاب وأهل إتباع الرسل .
      وأيضا فالآية تقرر عدم إرسال النذير إليهم ، إما مطلقا ، وإما مؤقتا، فإن قلت مطلقا ، كذبك القرآن فقد جاءهم إسماعيل بنص الآية ، وإن قلت : مؤقتا وافقت من يقول بأنهم بلغتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل المذكورة في الآيتين السابقتين وفي غيرهما ...فإنها باقية إلى يومنا هذا في قوله تعالى :{{ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطافين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبأس المصير }فهل هذه الدعوات وغيرها مما أخبرنا الله به مما طلبه إبراهيم باقية إلى يوم الناس هذا أم اندثرت ، هل الحج ، والطواف بالبيت ، ومقام إبراهيم ،والوقوف بعرفات ، وغيرها من أحكام الحج الباقية حتى اليوم من غير دين إبراهيم أم من دينه ؟ وما كانت قريش عليه من الحج والطواف والوقوف بمزدلفة وغيرها من شعائر الحج على فيه من تحريف من دين إبراهيم الحنيف أم من دين الشرك ؟
      وهل التغيير والتبديل الذي دخل عليها ، من السائبة ، والبحيرة ، والأصنام حول الكعبة ، والطواف عرايا وغيرها من المخالفات التي بعضها شرك وبعضها كفر وبعضها معاصي من دين إبراهيم ؟
      ثم يوجه لك نفس السؤال الذي وجهته إلى الإمام النووي ، كيف عرفت أنت أنهما لم تبلغهما دعوة إبراهيم وهي كما علمت أشهر من أن تذكر ؟ فما كانت قريش تقوم به من شعائر فإنما كانت تنسبه إلى إبراهيم ، ولذلك لما دخل النبي صلى الله عليه الكعبة يوم الفتح رأى صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام فقال : قاتلهم الله ، والله ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام ، ثم أقول لك وبماذا كنت تسميهما أنت إذا كان الأمر كذلك وأن دعوة إبراهيم لم تبلغهما حسب استنتاجك في ردك قول النووي؟
      والجواب : إما أنهما كانا مشركين على دين أبائهما ،لم تبلغهما دعوة إبراهيم ، كما استنبطته أنت، وإما كافرين على التفريق بين الكفر والشرك الذي تدعيه ، مع أنه لا فرق بينهما وإنما هناك عموم وخصوص بين الشرك والكفر فكل مشرك كافر ، ولا عكس ،أو أنهما كانا مؤمنين لكن يقال بأي رسالة ؟ ورسالته صلى الله عليه وعلى نبينا لم تبلغهما؟ وهذا من أبعد المحال ، وبهذا ينتقض بنيانك، مثلك مثل الذين يخربون بيوتهم بأيديهم .
      وإما أن يكونا من أهل الفترة ، وهذا يحتاج إلى دليل ، وبيان من الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين أنهما في النار حتى يزيل الإشكال ، وخاصة وقد سئل بيان ذلك فأجاب بما يرفع الإشكال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم .
      واعلم أن والديه صلى الله عليه وسلم هم من الكفار المصطفين الذين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لدعوتهم إلى الإسلام وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: << كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه ...>> ولم يقل أو يسلمانه ،لأن الأصل في الولادة للإنسان هي الإسلام ، ولأن أب المولود مسلم فلا يحتاج إلى أن يسلمه فهو على الفطرة ، فهل كان أجداد النبي صلى الله عليه وسلم مسلمون حتى يبقى والداه على الإسلام ؟ وهل كان هناك إسلام قبل بعثته صلى الله عليه وسلم حتى يبقى عليه أبواه ، وعندك أن دعوة إبراهيم لم تبلغهم ؟
      والآن إليك أقوال أهل العم في الآية التي فسرتها بهواك :{وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِننَّذِيرٍ}سبأ الآية : 44 .
      قال ابن جرير الطبري رحمه الله:[ج22/ص 103] يقول تعالى : وما أنزلنا على المشركين القائلين لمحمد صلى الله عليه وسلم لما جاءهم بآيتنا : هذا سحر مبين بما يقولون من ذلك كتبا يدرسونها يقول : يقرءونها .
      قال القرطبي رحمه الله : [ج14/ص310] قوله تعالى : { وما آتيناهم ممن كتب يدرسونها } لأي لم يقرءوا في كتاب أتوه بطلان ما جئت به ، ولا سمعوه من رسول بعث إليهم ، كما قال: {{ أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون }} فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ، ولا شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب ، وإن كانوا مبطلين : نحن أهل كتاب وشرائع ومستندون إلى رسل من رسل الله .
      وقال ابن كثير رحمه الله : [ج3/ص2374]وقد جاء بالآيات قبلها هذه حتى يتبين المعنى : {{وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ، وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير }} أي ما أنزل الله على العرب من كتاب قبل القرآن ، وما أرسل إليهم نبيا قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقد كانوا يودون ذلك ويقولون : لو جاءنا نذير أو أنزل علينا كتاب لكنا أهدى من غيرنا فلما من الله عليهم بذلك كذبوه وعاندوه وجحدوه .
      فالآية عليك ، وليست لك ، فالقوم كانوا كفارا بنص القرآن : [[وقال الذين كفروا }} فخاطبهم بما كانوا عليه قبل مجيء الإسلام ، وبقي معهم الوصف بعد مجيئه جحودا قال تعالى :{.. إنهم لا يكذبونك ولكن الذين كفروا بربهم يجحدون } إلا من أسلم منهم فخرج بالإسلام من وصف الكفر والشرك ، أما من مات قبل مجيء الإسلام فهو على دين أبائه ، أو يكون من أهل الفترة أو من أتباع بقيا دين إبراهيم أو ممن تنصر واتبع النصرانية فأحوال أهل ذلك الزمان لا تخرج عن هذه المراتب، وأما من مات بعد ولم يؤمن ،فهو الكافر والمشرك على أصالته التي عاش عليها قولا واحدا عند أهل السنة ، وإخراج أبوي النبي صلى الله عليه وسلم من الخطاب يحتاج إلى دليل ، ولا دليل في الآية البتة .
      فإن قوله تعالى : [[ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ..}} وقوله تعالى: {{ ..كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير }} فهذا الخطاب العام للإنس والجن من الكافرين فهل عندك دليل صريح صحيح أنهما خارجين من هذا الخطاب ، كما عند مخالفك الدليل الصريح بأنهما من أهل النار ، فإن ما ذكرت من الآيات والأحاديث ليس فيها التصريح بما تدعيه بل هو المخالف للقرآن الكريم ..كما سأبينه إن شاء الله ..
      يتبع إن شاء الله ...

      تعليق


      • #4
        الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [3]
        بسم الله الرحمن الرحيم .
        وأما قولك : أما كلام (النووي) عن الحديث الثاني (استأذنت ربي)فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عنالاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووي) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبي هو من قبورالمشركين ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا بروايةمتيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح ثم يخلطالنووي في نهاية تعليقه خلطاً كبيرا ..
        إن النووي رحمه الله من كبار علماء المسلمين الذين خدموا صحيح مسلما خدمة ما خدمها أحد من المشرقيين، وكثير من العلماء يرجع إليه في الشرح منهم الحافظ ابن حجر في الفتح ،وغيره كثير ، ولم يقل أحد منهم بجرأتك أنه خلط خلطا كبيرا في شرحه لهذا الحديث ، أو لغيره من الأحاديث ، فالإمام النووي متبع معه الدليل الثابت في صحيح مسلم الذي هو أصح الكتب بعد البخاري ، وحتى الذين انتقدوا على البخاري ومسلما بعض الأحاديث كالدارقطني وغيره لم ينتقدوا على مسلما عدم ثبوت هذا الحديث حتى السيوطي الذي تشيد به وأنه من السلف – والأمر ليس كذلك - لم ينتقد على مسلم تصحيحه للحديث في كتابه الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج [ح347]ولم يعقب على تبويب النووي بشيء ،حتى جئت أنت وانتقدت عليه وعلى شارحه فأنت تقول : ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا بروايةمتيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي ..
        فنقول لك : وأنت كيف تيقنت ذلك وليس معك دليل ،وقول أحد من علماء السلف فغاية ما معك بعض اجتهادات العلماء من الخلف، ممن أولوا الحديث ولم يضعفوه ، وبعض الروايات الموضوعة والضعيفة ضعفا شديدا ،فإنّا أطالبك بواحد من أهل العلم بالحديث ضعفه أو رده صراحة ..
        ثانيا أقول لك : وعلى أي دين كانت أمه صلى الله عليه وسلم ، إذا كنت تنكر على من يقول أن دين إبراهيم لم يدركها ، فهي عندك لم تكن مشركة ، ولم تكن على الحنيفية ملة إبراهيم ، فلم يبقى أمامك إلا أمرين
        إما أنها كانت من أهل الفترة ، وقد مر جوابه ،وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة ، وإما أن الله أحياهما له فآمنا به ، وهذا لا يثبت في حديث صحيح آحاد فضلا عن متواتر ، إذ شرطك أنك لا تأخذ بالآحاد في العقيدة ، فكيف أخذت بروايات ضعيفة وموضوعة من الصوفية ، ورددت الصحيح الثابت ؟
        ثالثا : حق لك أن تقول ذلك وتدعيه لأنك بلغت درجة الاجتهاد في الضلالة ترد ما يخالف هواك وتقبل ما يحلو ويوافق مذهبك ،فرميت أهل التراث بما فيك مما هم منه براء ، وإلا فأين أنت من البحث والتحقيق في إسناد الحديثين اللذين انتقدتهما على مسلم على طريقة القوم ، فليس في بحثك إلا الجهل والتقليد لبعض من لا يعتبر بخلافه عند الخلاف ..
        مع العلم أن مسلما لم ينفرد بإخراجهما فقد أخرجهما كل من أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه [ج 2/343]من طريقين ،والنسائي [ح 1923] باب زيارة قبر المشرك ، وابن ماجة [ح 1277] باب في زيارة قبور المشركين ، والإمام أحمد [ج5/355-356-357]والترمذي [ح842]وقال عقبه : حديث بريدة عن أبيه حديث حسن صحيح ، عبد الحق الإشبيلي في الأحكام [ح187/188] ، والبغوي في شرح السنة [ح1554] وابن حزم في المحلى [ج5/ 237] مسألة رقم 600 باب تستحب زيارة القبور وهو فرض ولو مرة ولا بأس بأن يزور المسلم قبر حميمه المشرك الرجال والنساء سواء . والطبراني ... والشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار [ج5/138-139 ] وقال عقبه :فيه دليل على جواز زيارة القريب الذي لم يدرك الإسلام ، وعند قوله صلى الله عليه وسلم : << فلم يؤذن لي >> قال : فيه دليل على عدم جواز الاستغفار لمن مات على غير ملة الإسلام ،وكل هؤلاء وغيرهم أخرجوه من طرق صحيحة يطول التفصيل فيها ذكر الحافظ ابن حجر شيئا منها في الفتح شرح صحيح البخاري [ج8/ 367]باب إنك لا تهدي من أحببت، وصدرها بقوله : ثبت أنه النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه ..الحديث هكذا بالجزم مما يفيد أنها صحيحة ثابتة ، فماذا تقول في الحافظ ابن حجر رحمه الله أيضا ،هل ستقول أنه تجرأ ، وخلط خلطا كبيرا ؟
        وقد اشترك مع مسلم في التبويب كل من النسائي إذ بوب عليه باب زيارة قبر المشرك،وابن ماجة إذ بوب عليه باب في زيارة قبور المشركين . وما نقلت عن ابن حزم والشوكاني ، فماذا يعني أنك خصصت مسلما بذلك الطعن ، هل يعني أنك تريد أن تهدم الصحيح ،فإذا انهدم الصحيح جئت إلى بقية السنن لأنها ليست في مرتبة مسلم في الصحة عندك فألغيتها ؟ أم ستقول أن النسائي وابن ماجة والحافظ ابن حجر وابن حزم والشكواني مقلدون لا يفهمون ما يروون .. أم أنهم يخلطون خلطا عجيبا ؟ ألا قاتلك الله من ظالم .
        وأما حديث: << أبي وأبوك في النار >> فقد أخرجه مع الإمام مسلم كل من أبي داود [ح4718] وفي صحيحه [ح3949]والسيوطي في الديباج [ح347] وابن ماجة [ح1278] وعبد الحق الإشبيلي في الحكام :[ح198/199]وابن حبان في صحيحه [ح574] وفي مجمع الزوائد للهيثمي [1/118] عن الطبراني في الكبير [1/18/1] والضياء في المختارة ، والبيهقي في دلائل النبوة [ج1/191].
        أما قولك : .. أما (البيهقي) فيزيد الجرأة إبداعاوشرحا فيقول في كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفةفي الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقىالبيهقي علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزمبعبادتهم الأوثان قد جاءه في المنام.
        أنظر إلى هذا الأدب الرفيع في كلامك هذا لتعرف من هو الجريء الذي لا يحسن الكلام ، أبلغت درجة هؤلاء الأئمة ،مسلم والنووي والبيهقي وابن كثير ،وغيرهم من أئمة الحديث ممن تطعن فيهم بالجملة حتى تتجرأ عليهم بهذه الوقاحة مستندا إلى تأويلات فاسدة، وشبه عارية عن الدليل،وذهبت تناصر أهل التضليل ، وتركت أقوال الإسلام فحول أهل العلم من السلف بالدليل ، ولو سلكت مسلك التأويل ولم تفتتح موضوعك باللعنة لجمهورهم لهان الخطب ، ولكنك جنيت وتعديت حتى بلغت بك الجناية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لمزك مسلما خاصة وأهل الحديث أهل التراث عامة لمز وغمز للنبي صلى الله عليه وسلم وردك الحديث الثابت باللعنة يستلزم لعن النبي صلى الله عليه وسلم.فأسأله تعالى أن يرجعها عليك .
        وأما قولك :..ولا أدرى أيضا بأية طريق استقىالبيهقي علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام، وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزمبعبادتهم الأوثان قد جاءه في المنام.
        فأقول إن الطريق التي استقى البيهقي علومه بها هي طريقة أهل الحديث إذ أخرج الأحاديث مروية بأسانيدها ولم يكن بدعا ممن كان قبله من أهل الحديث الذين أخرجوها ، فقد أخرج حديث زيارته صلى الله عليه وسلم لأمه واستئذانه ربه أن يستغفر لها من ثلاثة طرق ، من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه ، ثم ذكر له متابعا من حديث محارب بن دثار، ومن طريق مسروق بن الأجدع عن بن مسعود رضي الله عنه ، ومن طريق أبي حازم عن أبي هريرة به .
        أما حديث :< أبي وأباك في النار> فقد رواه من ثلاثة طرق من طريق حماد بن سلمة ، ثم حوله من طريف عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، ومن طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر ابن سعد عن أبيه . فالبيهقي استقى علمه بطريق الإسناد الذي عليه كلام النبوة الثابت ، وأنت من أين استقيت علمك ؟ فلعلك تقول مما فات البيهقي وابن كثير وغيرهما من علماء السلف من تفسير الآيات التي فسرتها أنت برأيك الكال ،وعقلك القاصر الضال ، ومن كان على شاكلتك مما حملتموها مالا تحتمل .. فالبيهقي بعد أن ساق الروايات في المسألة خلص إلى ما يفهم منها بطريق المنطوق والمفهوم الذي لا يخالف القرآن بل يؤديه ، وكذلك ابن كثير الذي أطبقت الأمة على أن تفسيره أحسن التفاسير بعد تفسير ابن جرير الطبري على أنك نقلت بعض كلامه في مكان وتركت بعضه الآخر في مكان آ خر كما سأذكره ...
        ثم يأتي قولك في ابن كثير رحمه الله : ثم يأتي دور ابن كثير في تفسيرهلكي يضع بصمته في الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهلالنار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة
        والأطفال والمجانين يمتحنون فيالعرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة منلا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله ابن كثير هو أعجب العجاب بل هوالتعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث مسلم أن آباء النبيفي النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبلبعثة النبي - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل علىأن آباء النبي ليسا كما زعم – مسلم - من أهل النار، فلم يجد -ابن كثير- مخرجا منالأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء في آن على ما آلت إليه جرأة القومعلى القرآن وعلى النبي، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخلبعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبي من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيدالله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا علىهذا البؤس الذي استنتجه ابن كثير.
        وهكذا يأتي دور ابن كثير لتذبحه كما فعلت بمن سبقه ، فمن أنت يرحمك الله حتى يبلغ بك الطغيان بالعلم إلى هذه الجرأة والوقاحة فتنال من ابن كثير الذي أطبقت الأمة على علمه وفضله ، وحاز من السبق ما تفوق به على أقرانه ، وقد كتب الله تعالى القبول لكتابه فحاز على مرتبة قل أن تكون لكتاب مثله ، فكان له الشرف أن يعتلي المرتبة الثانية بين التفاسير بعد كتاب ابن جرير فأين أنت والمغامسي والغزالي ، والقرضاوي ، والعودة من ابن كثير ..؟
        هذا أولا ، وثانيا: لم تسند كلام ابن كثير أين قال ذلك ولم تحقق فيه وأنا أنقل لك ما تركت من كلامه الذي قاله ابن كثير في تفسيره [ج2/ ص1401]عند قوله تعالى :{{ وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }} وبعد أن ذكر الأحاديث والآثار وأقوال السلف في الآية وسبب نزولها بالأسانيد قال : وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث قصة أن الله أحيا أمه فآمنت به ، ثم عادت ، وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون : أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به ،وقد قال الحافظ بن دحية : هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع ، قال الله تعالى : { ولا الذين يموتون وهم كفار } النساء : 18 ، وقال أبو عبد الله القرطبي إن مقتضى هذا الحديث ... ورد على ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله : أن هذه حياة جديدة ، كما رجعت الشمس بعد غروبها بعد غيبوبتها فصلى علي رضي الله عنه العصر ، قال الطحاوي : وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس . قال القرطبي : فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا ، قال : وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به . قلت : [أي ابن كثير ] وهذا كله متوقف على صحة الحديث، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم .أنظر الإنصاف عند ابن كثير فأين هذا مما نقلته عنه؟
        على أن هذه الآية تقرر أن والدته في النار كما جاء في سبب نزولها وبذلك قرر العلماء الذين قالوا ما أنكرته عليهم ، والسؤال الذي يمكن أن يوجه إليك : لماذا يستأذن الرسول ربه في الاستغفار لأمه لو كانت مؤمنة به ، ولماذا منعه من الاستغفار لها على ما صحت به الأحاديث المفسرة للآية المذكورة آنفا ؟
        وعند قوله تعالى :{{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }}قال رحمه :هذا إخبار عن عدله تعالى ، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، كما قال تعالى :{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير *قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير }الملك :8-9، وكذا قوله :{ وسيق الذين كفروا إلى جنهم زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه . ثم ذكر الأحاديث التي جاءت في أهل الفترة ممن يحتجون يوم القيامة على الله تعالى ،وهي عشرة أحاديث ،ولم يتعرض لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم .
        واعلم يرحمك الله أن حديثك هذا عن أهل الفترة ، فيه مغالطة أو أنك لم تفهم منهم أهل الفترة الذين يختبرون ، وقد ذكرت لك أن العرب في تلك الحقبة من الزمن لا يخرجون عن أربعة أصناف ، وهذا ما سأبينه الآن في تمام بحثي معك - إن شاء الله - فأقول باختصار : اعلم أن الذين يحتجون يوم القيامة أربعة أصناف لا خامس لهم هم كما جاءت بذلك الأحاديث: المعتوه ،والشيخ الهرم ورجل مات قبل أن تبلغه دعوة نبي ، والولدان ،أي الذين ماتوا دون البلوغ ،فأما المعتوه ، والشيخ الهرم والخرف ، والولدان [أولاد المشركين ] فهم يختبرون على ما بينته السنة ،ولا إشكال في ذلك .
        ويبقى الكلام معك حول من مات قبل أن تبلغه الدعوة ، لأن الإشكال فيهم قائم ، ولأن الفترة هي المدة الزمنية بين رسول ورسول أو نبي ورسول فترة فيها الوحي ومات من مات ولم تبلغه دعوة نبي جديد ،ولكنه يبقى محجوجا بدعوة النبي الذي قبله ،لأن الرسالة لم تنقطع إقامة للحجة على خلقه ،ولأنه لا يخلو زمان من قائم لله بحجة ،كما قاله علي رضي الله عنه ،ولأن الله تعالى يرسل الرسول ولم تطمس معالم التوحيد نهائيا بل يبقى منها شيء حتى تكون سلسلة الرسالة مترابطة ، والحجة قائمة .
        قال تعالى : {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس حجة بعد الرسول } وقال : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } وقال: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وهذه عمومات لا يستثنى منها إلا من يحتجون يوم القيامة ممن ذكروا في الأحاديث وتبقى بعض الاستثناءات ، وهي أن هناك من لم تبلغه دعوة من كان قبله من الأنبياء .أما من كان حيا وبلغته دعوة نبي ولم يؤمن فهذا يدخل في العموم لأن الحجة عليه قائمة .واعلم أن أهل الفترة على ثلاثة أنواع :
        1 - مشركون خلص بلغتهم دعوة من كان قبلهم من نبي ،فلم يؤمنوا بها وغيروها وحرفوها أو بدلوها ،بالكفر والشرك ، وهؤلاء إذا ماتوا على ذلك فهم في النار وقد قامت عليهم الحجة بدين النبي الذي كان قبلهم،لأن الله تعالى أخذ على نفسه أن لا يغفر لمن أشرك به، فقال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فلو غفر لمشرك دون غيره ، لغفر لأبي إبراهيم ، وهو خليله ولأكرمه في أبيه كما أكرم محمدا في جده وأبويه على حد دعواكم ،أن الله أحياهم له ، فكيف يكرم محمدا ولا يكرم إبراهيم وهو خليله ، وهو دعوة فهذا يدفع الكثير من المشركين إلى الاحتجاج عليه سبحانه .
        2 - موحدون خلص ، وهؤلاء هم من بلغتهم دعوة من كان قبلهم من نبي فاعتصموا بذلك حتى لو لم يقوموا بشريعة فهؤلاء ناجون بما معهم من التوحيد ، لأن من حقق التوحيد دخل الجنة على ما كان من عمل ابتداء أو مآلا، وبذلك جاءت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة .
        3- وطائفة ثالثة: لا هم مشركون ، ولا موحدون ، وهم الذين لا سيئات عندهم فيعذبون ، ولا حسنات فينعمون وفي ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن يزيد بن أبان قال قلنا لأنس يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين ؟ فقال :<< قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة ..>> قلت : فهؤلاء يختبرهم الله يوم القيامة مع باقي الأصناف الثلاثة ، وعلى هذا قامت الأدلة ، ولا يردها إلا مكابر معاند ، ولا يظلم ربك أحدا.
        أما الاستدلال على نجاة الأبوين بأنهما ماتا في زمن الفترة فهو مبني على أصول الأشاعرة المتصوفة أن من مات ولم تبلغه الدعوى يكون ناجيا، وهذا مانص عليه السيوطي في رسالته التي ألفها في نجاة البوين . أما الماتريدية فيقولون إن من مات قبل مضي مدة يمكنه فيها التأمل ولم يعتقد إيمانا ولا كفرا فلا عقاب عليه ، بخلاف ما إذا اعتقد كفرا ، أو مات بعد المدة غير معتقد شيئا . نعم ، البخاريون من الماتريدية وافقوا الأشاعرة وحملوا قول الإمام الماتريدي " لا عذر لأحد في الجهل بخالقه " على ما بعد البعثة ، واختاره المحقق ابن الهمام في التحرير ، لكن هذا في غير من مات معتقدا الكفر ، فقد صرح النووي والفخر الرازي بأن من مات قبل البعثة مشركا فهو في النار ، وعليه حمل بعض المالكية ما صح من الأحاديث في تعذيب أهل الفترة
        بخلاف من لم يشرك منهم ، ولم يوحد بل بقي عمر في غفلة من هذا كله ففيهم الخلاف ، والصحيح أنهم يختبرون أما من اهتدى بعقله كقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نوفل وغيرهم فلا خلاف في نجاتهم. فتح الملهم [ج2/251].
        يتبع إن شاء الله ...

        تعليق


        • #5
          الرد بالأدلة والاثار على من لعن من قال أن ابوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [ ج4]
          وأما قولك :عدد من أهل السلف شبُّوا عن الطوقوردوا أحاديث مسلم، الأول هو جلال الدين السيوطي الذي ألف ثلاث رسائل في رد حديثي مسلم كان أشهرها رسالة التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة،والثاني هو القاضي ابن العربي الذي قال بجرأة لا نستطيعها نحن عندما سُئِل عمنيقول إن أبوي النبي في النار قال: «ملعون من قال ذلك«.
          والجواب عليه . أيهما أولى بهذه التسمية " أهل السلف" كل الرواة الذين رووا الحديثين المذكورين وكل من أخرجهما من المؤلفين كالإمام مسلم ، وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم ممن ذكرتهم لك ، وممن لم أذكرهم ، أم السيوطي وابن العربي ؟ يا رجل لا تضحك الناس على عقلك فيستخفون منك .
          ثانيا: بأي ميزان تزن العلماء ، بالعلم والإتباع و الورع ، والرجوع إلى تراجمهم ، أم بالعقل والهوى لأنك وجدتهم رووا غليلك في معتقدك بالروايات الموضوعة والمنكرة ، والواهية ، هل يمكنك أن تتحفنا بمن وصف السيوطي وابن العربي أنهم من علماء السلف ، ألا تعلم أنهما أشعريان غارقان في التصوف ؟ لذلك مشيا على أصول الأشاعرة أن من مات ولم تبلغه الدعوى يموت ناجيا ، فردا بذلك الأحاديث التي تخالف أصول مذهبهما ،أو أولوها كما فعل غيرهما لأنها تنقض عليهم أصولهم ، وهكذا مذهبهم في كل نص أوهم التشبيه حتى قال قائلهم : كل نص أوهم التشبيه ** فأوله ورم تنزيه .
          وأما قولك : أما المعاصرون باستثناء القلب الشجاع (محمد الغزالي) فقد استهجنوا الحديثين ...
          فاعلم هداك الله أن من تسميه القلب الشجاع الغزالي -رحمه الله - للأسف ولى ظهره أهل السنة أتباع السلف الصالح ، هو الذي استهجن الأحاديث ، وطعن في علماء الحديث لأنه تأثر كثيرا بالمدرسة الاعتزالية والفلاسفة والمستشرقين ،فاسمع إليه وهو يقول: كل ما نحرص نحن عليه شد الانتباه إلىألفاظ القرآن ومعانيه ، فجملة غفيرة من أهل الحديث محجوبون عنها، مستغرقون في شئونأخرى تعجزهم !عن تشرب الوحي .
          فرد بما تعلم منهم أحاديث كثيرة اتفق البخاري ومسلم عليها أو أخرجاها، أو أخرجها أحدهما خلافا لقاعدتك الجديدة التي خرجت بها علينا أيها المجتهد أنك لا تقبل الحديث الذي انفرد به مسلم حتى يوافقه البخاري على إخراجه ، ومن الأمثلة على ذلك كما في كتابه قذائف الحق [ص125] حديث الذباب ، حتى جاء العلم الحديث فكشف عما فيه من معجزة تنبأ بها المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فسلموا للعلم المادي ولم يسلموا للوحي الذي لم تدركه عقولهم . وكذلك حديث موسى الذي فيه أنه فقأ عين ملك الموت ،في كتابه السنة النبوية [ص36] وحديث انشقاق القمر وهو في الصحيحين وادعي له التواتر. انظر: الطريق من هنا [ص 66 ] وله كلام خطير حول هذا الحديث وحول أخبار الآحاد. وحديث يقطع الصلاة المرأة والكلب. السنة النبوي [ص 128]وكذلك هذا الحديث الذي أوله بحجة أن عقول القوم لم تهضم الحديث النبوي ، وزعموا أن هذا فيه أذى للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قرر هذا الحكم ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بما يؤذي نفسه بنفسه سبحان الله لهذه العقول السخيفة!! وعلى قولك في الآية : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ..}} أن الذي يقرأ سورة المسد قد أذاه صلى الله عليه وسلم لأنها نزلت في عمه ، والعم صنو الأب ، -كما أفتى بتحريم قراءتها بعض متصوفة الشام وعلى رأسهم الملا رمضان ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأها ولم يكتمها قد فتح بابا للناس ليؤذونه ، كما فتح الباب حين قال للأعرابي : << أبي وأبوك في النار >> رواه مسلم ،وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن مسلم ، فاتقوا الله يا قوم ، فالأذى لرسول الله هو في تحريم ما جاء به على الناس ورده بتأويلات باطله والكذب عليه بحجة توقيره وتعظميه ...
          هذا أولا :وثانيا أقول لك : كان يكفيك أن ترد هذا الكلام ولا تقبله فكيف تقبل وتصوب من يستهجن حديث رسول الله ، ويقبحه بعقله ، أم أنك لا تعرف معنى هذه الكلمة القبيحة ، فإنه حتى لو كان الحديث ضعيفا لا يليق أن يوصف بهذه الصفة ، وهي استثقاله لأنه معيب قبيح ، فالهجنة هي العيب والقبح ، والهجين هو اللئيم ، ومن هنا يقال من استهجن حديث رسول الله الثابت عنه فهو الهجين .
          وأما قولك عنهم :ولكنهم التجئوا للتأويل- التأويل صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر إذا عنَّ ما يقتضى ذلك على أنيكون هذا الصرف مقبولا في اللغة - إيثارا للسلامة من الدخول في معارك رد حديث بأحد الصحيحين وارتكنوا في تأويلهم إلى «أن العرب كانت تطلق على العم كلمة الأب، إذنفالمقصود في الحديث هو (أبو طالب) عم النبي»، لكن الثابت أن العرب في سياق كلام واضحكهذا لا يقصدون أبدا العم في كلامهم عن الأب ..
          فأقول لك : في كلامك هذا يظهر جهلك واضحا جليا ، بالشرع فحمل لفظ الأب على العم ،وإن كنا لا نوافقهم على ذلك التأويل فهو جائز لغة وشرعا ففي اللغة كما ذكر من نقلت عنهم التأويل أن العرب تستعمل لفظ الأب محل العم ، وفي الشرع فقد قال صلى الله عليه وسلم :<< العباس عم رسول الله ، وإن عم الرجل صنو أبيه >> صحيح الجامع [ح3999]. لكن المقصود هنا كما ذكرت أنه الأب للصلب منكرا على من أوله بذلك ثم عدت ووافقت عليه لتهدم ما بنيت في مقالك الأول ، في نقلك عن ابن باديس والقرضاوي وغيرهما أنه العم في تعليقك الأخير مما يبين تناقضك والله المستعان من هذا الإصرار ..
          أما قولك : أن القرآن ذكر أن نبي الله (إبراهيم) كان يعظ أباه بقوله:«وَإِذْ قَالَإِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً» الأنعام 74، وقالالمتأولون أن اسم أبيه ليس (آزر) كما في القرآن ولكن اسمه تارح أو تارخ لذلك فالمقصود بقول الله «لأبيه« هو عمه آزر، وبالطبع إن كانت محاولة التأويل تحملنوايا طيبة، فإن الارتكان على دليل كهذا هو خطأ يراد به تصليح خطأ لأن ادعاء أن اسمأبيه هو تارح أو تارخ هو ادعاء مبنى على كذبة فاحشة من آلاف كذبات الإسرائيلياتالتي دُسَّت في تفاسير القرآن عن طريق الراعي الرسمي للإسرائيليات كعب الأحبار..
          فقد صدقت في هذا الكلام ماعدا ما يتضمنه من طعن في كعب الأحبار ، فإذا كنت تعتقد أن هذا التأويل اعتمد على كذبة كهذه فلماذا قبلته من ابن باديس ، والقرضاوي ، والغزالي وغيرهم ممن جعلتهم علماء فوق علماء السلف ، ممن تأولوا الحديث بأنه العم وليس الأب للصلب ؟ يا لسخافة عقلك أم أنك لا تدري ما يخرج من رأسك ؟
          وإذا كنت تعتقد أن الأب المذكور في القرآن في قصة إبراهيم ، هو الأب الحقيقي ، وأن الأمر في قصة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأب الحقيقي فكيف يحي الله أب محمد صلى الله عليه وسلم إكراما له ولا يحي أب إبراهيم إكراما له وهو خليل الله ؟ كما أن الله منع استغفار محمد صلى الله عليه وسلم لأمه ، وذوي قرابته ، في آية التوبة وأنه سبحانه عقبها بالآية التي منع فيها خليله إبراهيم من الاستغفار لأبيه فما وجه التفريق عندكم ؟
          وزيادة على ما ذكرت كيف يحي الله أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحي له جده ، وعمه وهما من رعاه ودافعا عنه وخاصة عمه الذي أبلي بلاء حسنا في سبيل محمد ودعوته ، ومع ذلك لم يشفع له ذلك أن يحيه الله له ويقذف الإيمان في قلبه تطييبا لخاطر نبيه وحبيبه محمد ؟
          يتبع إن شاء الله ...

          تعليق


          • #6
            الرد بالأدلة والأثارعلى من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار [5]
            أما قولك : نقد الحديث لتعارضه مع صريح القرآن:ثم ذكرت هذه الآيات ...
            فيقال لك أن هذه الآيات مدفوعة بآيات أخرى وإليك بعضا منها ، ويبقى أن نطالبك أن تردها كما رددت الحديث الصحيح الذي لا يخالف القرآن بل يؤيده ..
            قول الله عز وجل: «وَمَاكَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَاظالِمُونَ» القصص: 59].
            قول الله عز وجل: « وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّالَهَا مُنذِرُونَ» [الشعراء 208]. قول الله عز وجل: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَمُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» الأنعام 131، والغفلة هى عدمإنذارهم برسول.قول الله عز وجل:«وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا»[الإسراء 15] .
            قول الله عز وجل: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّيَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»[ النساء 165]فهذه الآيات التي ذكرتها تدل على أن الله لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه الرسول مما يؤكد أنالحجة لا تقوم إلا بعد إرسال الرسل، ونحن نعتقد أن هذه الآيات حق ، وأن الآيات الآتية كذلك حق ، وأن الأحاديث التي ضعفتها حق ، ولا تعارض بينها ،وأن الجمع بينها ميسور وممكن ، وان نرجع في ذلك إلى علماء السلف ، وما تألوا به الآيات ، ولكنك أنت كيف تفعل بهذه الآيات مع تلك ، هل ستردها مع أنك لا تقبل من الأحاديث الصحيحة حتى لو كانت مئات الأحاديث أصح وأوضح من الشمس ؟ التي تبينها وتفسرها ، ولا تصطدم معها .وإليك الآيات :
            1 – قوله تعالى :{ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء } ومعلوم أن قوله جل وعلا : [كلما ألقي فيها فوج ] يعم جميع الأفواج الملقين في النار ، قال أبو حيان في البحر المحيط في تفسيره لهذه الآية ما نصه : {وكلما } تدل على عموم أزمان الإلقاء فتعم الملقين ، ومن ذلك قوله جل وعلا : {{ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين}} وقوله في هذه الآية :{ وسيق الذين كفروا}عام لجميع الكفار . وأن لفظ "الذين "اسم موصول فهو عام لجميع الموصولات ، فقوله :{{ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا – إلى قوله : ..قالوا بلى }} عام في جميع الكفار ، وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قد أنذرتهم الرسل في دار
            الدنيا فعصوا أمر ربهم كما هو واضح. وقوله تعالى: {{ولا الذين يموتون وهم كفار }} وقولهجل وعلا : {{وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير }} فقوله : { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر }عام أن كل من عمر وقتا يمكن له فيه أن يتذكر ولم يتذكر بما بلغه من دين إبراهيم أنه مؤاخذ ، وقوله : { وجاءكم النذير }عام أيضا في جميع أهل النار وقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقوله :{{ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق }}.
            وقوله تعالى :{{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة }} وظاهر هذه الآيات دال على أن الكفار لا يعذرون في كفرهم بالفترة ، إلا من ثبت في حقهم دليل الاحتجاج ، وهل عندك دليل يخرج أبوي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا العموم وأنهما من أهل الفترة ، ثم بين لنا من أي نوع كانا من الأنواع أهل الفترة الثلاثة ؟ فإن قلت : ماتا موحدين قيل لك ما فائدة قولك : أن الله أحياهما له فآمنا به ثم ماتا ؟ وإن قلت أن الله أحياهما له فآمنا به ثم عادا فإن هذا إنما يدل على أنهما ماتا على الكفر أو الشرك فأحياهما له حتى يؤمنا به وأنت تنكر بهذا، وإلا ما فائدة إحيائهما له ليؤمنا به وهما مؤمنين به ، مع أن هذه القصة تعتبر معجزة ينبغي أن يكون لها من الشهرة بمكان، وهي لم تثبت في حديث حسن أو صحيح فضلا عن متواتر ، وإن قلت ماتا على الكفر وقعت فيما أنكرته على مسلم والنووي والبيهقي وابن كثير ،وغيرهم .. وإن قلت : كانا غافلين طول حياتهما لا يدريان شيئا كذبتك الشواهد والآيات ،والأمثال فإن الناس على دين ملوكهم ، وأبائهم : بين ذلك المولى سبحانه بقوله عنهم :{{ إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون }} فأي ملة كان عليها هؤلاء القوم ؟ أليست ملة إبراهيم المغيّرة والمبدلة ؟وقوله: {{ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم }} أي من كان على شاكلتهم ، وإن قلت لا أدري على ما ماتا ، فكيف تنكر على من تمسك بالحديث وأنت لا تدري ؟ أليس هذا هو القبح بعينه أن تتكلم فيما لا تعلم؟
            أما قول الله تعالى : قول الله عز وجل:{{ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُممِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}} السجدة :3/ تأكيد على المعنىالمراد.وقول الله عز وجل:{{لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍمِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}} القصص: 43.
            قد بينته آنفا وبينت المراد منه فيما سبق فأغنى عن إعادته ، وبقي الكلام مع قولك : نقد الحديث لتعارضه مع الأحاديث الصحيحة المتفقة مع صريحالقرآن.
            أما قولك :أخرج البخاري (4315) حديثا في موقعة (حنين) أن النبي لما تولى عنهالمسلمون قال: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وهنا يتبين أن الرسول يفخرببنوته لجده (عبد المطلب) والثابت أن الله أنزل في كتابه:« وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِوَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَالْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» التوبة 3، فلو كان جده صلوات الله عليه من المشركينالخالدين في النار لتبرأ النبي منه تصديقا لنص القرآن، كما تبرأ النبي إبراهيم من أبيه :« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍوَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَمِنْهُ» التوبة 114، فلا يُتصور أن يفخر النبي بجده المشرك وهو مطالب بالبراءة منهما يؤكد أنه توفى على التوحيد.
            أولا يقال لك: عجيب استنتاجك هذا ، فمن قال من أهل التفسير أن جده مات على التوحيد ،وكيف جزمت بذلك ؟ مع أن الآية نزلت بعد موت جده بمدة ، وأنها تقرر أن الذين لم يتبعوه وتولوا عن الإيمان أنهم مشركون على دين أبائهم وأن الله أمر رسوله بتبشيرهم بالنار فقد قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه : أبي وأباك في النار ، وكلما مررت بقبر كافر فبشره بالنار>> .رواه مسلم.
            ثانيا : وكيف قبلت هذين الحديثين وهم من أحاديث الآحاد لم يبلغا درجة التواتر ؟ فلماذا هذا التناقض ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ..} أم هو مجرد إتباع الهوى ؟..
            ثالثا قولك :فلو كان جده صلوات الله عليه من المشركينالخالدين في النار لتبرأ النبي منه تصديقا لنص القرآن، كما تبرأ النبي إبراهيم منأبيه:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍوَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَمِنْهُ» التوبة 114، فلا يُتصور أن يفخر النبي بجده المشرك وهو مطالب بالبراءة منهما يؤكد أنه توفى على التوحيد..
            أولا : هذه الآية والتي قبلها من براءة هي براءة من المشركين بعامة ، ويدخل فيها من مات على الشرك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ، لما نزلت عليه وأرسل عليا رضي الله عنه ينادي بها يوم الحج الأكبر : أن لا يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، هذا عند البخاري وغيره من دواوين السنة وزاد أحمد والترمذي وابن جرير [ج10/65] :<< وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ،ومن كان له عهد عند رسول الله فهو له إلى مدته >> إشارة منه صلى الله عليه وسلم أن الذين ماتوا على الشرك لا يدخلون الجنة ولو كانوا أقرب قريب كما قال :<< أبي وأبوك في النار >> وكما قال : <<يا بني عبد المطلب ويا بني هاشم .. أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا >>.فماذا يغني عن عبد المطلب قول النبي صلى الله عليه وسلم : << أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد الطلب >> ؟ وهو يقول :<< يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار >> وكلاهما في الصحيحين .
            على أن الحديث الذي جئت به ليس فيه أن جده عبد المطلب كان موحدا ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله الفتح [ج7/626] وأما نسبه إلى عبد المطلب دون أبيه فكأنما لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر ، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا ، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن
            عبد المطلب ، كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم : أيكم ابن عبد المطلب ؟ وقيل لأنه اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو الله ويهدي إلى الله الخلق على يديه ويكون خاتم الأنبياء ، فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه وقد اشتهر ذلك بينهم ، وذكر سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة . وهذا فيه أن بعثته صلى الله عليه وسلم بلغتهم ، ومع ذلك لم يثبت في أي رواية في السيرة أو السنة أن عبد المطلب مات على التوحيد ، بل الذي اشتهر وتناقله أهل السير غير ذلك ، ولو قرأت شيئا من سيرة حياة جده عبد المطلب ، في قصة نذره ، وأنه أعطي قيّم هبل الإله الذي كان يعبد من دون الله ، عند إرادة الوفاء بالنذر، وإتيانه العرافة ، في قصة الذبيح لعلمت أنه مات على الشرك ..
            ثانيا : إن براءة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أبيه ليست من النسب وإنما هي من الاستغفار له لوعده إياه بذلك فلما تبين له أنه عدو لله ، تبرأ من الاستغفار له ، وليس من الانتساب إليه ولذلك يوم القيامة يلتقي به ويطلب من ربه أن يحقق له أن لا يخزيه كما وعده سبحانه : {واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزيني يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} فقد أخرج البخاري في تفسيره لهذه الآية { ولا تخزني يوم يبعثون }عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال:<< إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة >> وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:<< يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب، إنك وعدتني أنك لا تخزني يوم يبعثون ، فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين >> . وأخرجه في كتاب الأنبياء وفيه زيادات ولفظه :<< يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك : لا تعصني ؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك .فيقول إبراهيم : يا رب ، إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال :يا إبراهيم ، ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ ،فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار .وأخرج بن جرير [ج10/45-48] عن ابن عباس قال : مازال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات،فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وفي رواية : لما مات تبين له أنه عدو لله ، وكذا قال مجاهد والضحاك ، وقتادة وغيرهم – رحمهم الله - وهؤلاء أئمة التفسير - وقال عبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير : أنه يتبرأ منه في يوم القيامة حين يلقى أباه وعلى وجه أبيه الغبرة والقترة فيقول : يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك فيقول: أي ربي ، ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون ؟ فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقال : انظر إلى ما وراءك ، فإذا هو بذيخ متلطخ ، أي قد مسخ ضبعانا ، ثم سحب بقوائمه ويلقى في النار .والذيخ : هو الذكر من الضباع ، تفسير ابن كثير [ج2/1402] .
            وقول إبراهيم : [ واغفر لأبي إنه كان من الضالين ] كقوله :{ ربنا اغفر لي ولوالدي }وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ،{{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم }} هذه هي البراءة أي من الاستغفار ، وليس من النسب ، وقد قطع الله تعالى الإلحاق في الاستغفار للمشركين ، وطلب من النبي والمؤمنين أن يتقدوا بإبراهيم بقوله :{{ قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم وما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء }} فقد كانوا يستغفرون لآبائهم لهذه الآية حتى نزلت :{{ وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى }} فتبرؤوا من الأحياء براءة إبراهيم والذين معه من قومهم ،ولم ينهوا عن الاستغفار لهم قبل موتهم ، وتبينهم أنهم أصحاب الجحيم ، وأما من ماتوا على الشرك والكفر فقد نهوا عن الاستغفار لهم فتركوه .
            يتبع إن شاء الله ...

            تعليق

            يعمل...
            X