إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تفريغُ دَرْسٍ جديدٍ فريدٍ مِنْ نوعِه للشَّيخِ الفاضِلِ محمَّد بنِ سَعيد رسْلان بِعنوان : ظاهرةُ البِلى اللَّفْظِيِّ ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغُ دَرْسٍ جديدٍ فريدٍ مِنْ نوعِه للشَّيخِ الفاضِلِ محمَّد بنِ سَعيد رسْلان بِعنوان : ظاهرةُ البِلى اللَّفْظِيِّ ..

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

    وبِه نَسْتَعِينُ وعلَيْه نتَوكَّلُ

    إِنَّ الحمدَ لله نَحْمدُهُ ، ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيِّـئَاتِ أَعْمالِنا ، مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَه ، وأَشْهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَه ، وأَشْهدُ أَنَّ محمَّدًا عبدُه ورسُولُهُ صَلَّى اللهُ علَيْه وعلَى آلِه وسَلَّمَ ، أَمَّا بَعْدُ :
    فإِنَّ أَصْدَقَ الحدِيثِ كِتابُ الله ، وخَيْرَ الهدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ علَيْه وعلَى آلِه وسَلَّمَ ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحدَثاتُها ، وكُلَّ مُحدَثَـةٍ بِدْعةٌ وكُلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ ، وكُلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ ، أَمَّا بَعْدُ :
    فَمِنَ الحقَائقِ المقرَّرةِ عندَ المحدَثِـينَ مِنْ عُلماءِ اللُّغاتِ أَنَّ كثرةَ الاسْتِعْمالِ تُـبْلي الأَلْفاظَ ، وتَجْعلُ الأَلْفاظَ عُرْضَةً لِقَصِّ أَطرافِها تَمامًا كما تَـبْلَى العُملاتُ المعْدِنيَّـةُ والورَقِيَّـةُ الَّتي تَتبَادلُها أَيْـدِي البشَرِ ؛ فيُصِيبُ الألْفاظَ مِنَ البِلَى ما يُصِيبُ العُملاتِ المعْدِنيَّـةَ والورَقِـيَّـةَ .
    والكلِماتُ القَصِيرةُ كثيرًا ما تُقاوِمُ الانْحِرافاتِ الَّتي تُصِيبُ الكلِماتِ الطَّويلةَ بِاطِّرادٍ ، أَمَّا الكلِماتُ الطَّويلةُ فعلَى العَكْسِ مِنْ ذلِكَ ؛ تُـقَدِّمُ لَنا في بَعْضِ الأَحيانِ انْحِرافاتٍ خاصَّةً ناجِمةً مِنْ طُولِـها .
    وهذِه بِوَجْهٍ خاصٍّ هِيَ الحالُ بِالنِّسْبَـةِ لِكلِماتٍ كثيرةِ الاسْتِـعْمالِ ، ومِنْ ثَـمَّ يُمْكِنُ فَهْمُها قَبلَ النُّطْقِ بِها لِكَـثْرةِ اسْتِعْمالِـها ، إِلَى حَدِّ أَنَّ المتكلِّمَ يَسْتَطيعُ أَنْ يُعْـفِيَ نَفْسَه مِنْ تَوْضِيحِ النُّطْقِ بِها مُكتَـفيًا بِنُطْقِها في صُورةٍ مُختَصَرةٍ ؛ فالبِلَى الصَّوْتِيُّ واضِحٌ فيها بِدرجةٍ خاصَّةٍ .
    وهذِه الأَلْفاظُ في عُمُومِها : إِمَّا آلاتٌ مُسَاعِدةٌ في اللُّغةِ ، وإِمَّا عِباراتٌ مَحفُوظةٌ مُتدَاوَلةٌ ؛ وهِيَ لذلِكَ لَيْسَتْ في حاجةٍ إِلَى وُضُوحِ النُّطْقِ الَّذي تَقْـتَضِيه الرَّغْبةُ في الإِفْهامِ ؛ فيُصِيبُها حينَـئِذٍ تِلْكَ الظَّاهِرةُ الَّتي سَمَّاها اللُّغَوِيُّونَ : ( البِلَى اللَّفْظِـيَّ ) ، كما يبْـلَى الثَّوْبُ وكما تَبْـلَى العُملاتُ الوَرقِيَّـةُ والمعدِنيَّـةُ لِكثرةِ التَّداوُلِ بِالأَيْـدِي تَبْلَى الأَلْفاظُ أَيْضًا .
    ومِنَ الأَلْـفَاظِ الَّتي تُـعَاني هَـذَا القَـصَّ والبِـلَى : الأَدواتُ الَّتي تَـدُورُ كـثيرًا في الكَـلَامِ ، وكذلِكَ كلِماتُ التَّحِيَّـةِ الَّتي يُـرَدِّدُها النَّاسُ صَباحَ مَسَاءَ ، وما شَابَههَا .
    كعِبارةِ : ( عِمْ صَباحًا ) ، هذِه تَطوَّرتْ عنْ : ( أَنْعِمْ صَباحًا ) (1) .
    وكعِبارةِ : ( مُ اللهِ ) وهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ : ( أَيْـمُنُ اللهِ ) (2) .
    وفي مِصْرَ يَقُولُونَ : ( سَ الْخِـير ) ! بَدَلًا مِنْ : ( مَسَاءِ الـخَـيْرِ ) .
    وفي العِراقِ يَقُولُونَ : ( اللهْ بِالخِيرْ ) ! أَيْ : ( صَبَّحكَ اللهُ بِالخيْرِ ) أَوْ ( مَسَّاكَ اللهُ بِالخيْرِ ) ، فأَصَابَ العِبارةَ البِلَى اللَّفْظِـيُّ وهذَا القَصُّ مِنها حَتَّى صَارتْ إِلَى هذَا الَّذي وَصَلَتْ إِلَيْه (3) .
    أَيْضًا كلِمةَ ( للسَّاعةِ ) ، مَثَـلًا : للسَّاعةِ لَـمْ يأْتِ فُلانٌ ، يَعْني : لِلآنِ لَـمْ يَأْتِ فُلانٌ ، أَصْبحتْ في مِصْرَ : ( لِلسَّـهْ ) ! ولا يَـدْرِي كثيرٌ ممَّنْ يتكلَّمُ بِها مَعْناها ومِنْ أَيْنَ جاءَتْ ، هِيَ في الأَصْلِ : ( لِلسَّاعةِ ) يَعْني : لِلْآنِ .
    في شَمالِـيِّ إِفْرِيقـيا يقُولُونَ : ( لِلسَّـعْ ) ! ، وفي السُّودانِ : ( لِلسَّاتِي ) ! (4) .
    وكذلِـكَ كلِمةَ ( حَـتَّى ) أَصْبَحتْ في نُطْقِ أَهْلِ سُوريا الـيَـوْمَ : ( تَـا ) ، بَعْضُهُمْ يقُولُ : ( طَـوِّلْ رُوحَكْ تَا احْكِي لَكْ ) ! ، بِمَعْنَى : مَهْلًا حَتَّى أَحْكِيَ لَكَ .
    رُوِيَ هذَا التَّطَـوُّرُ في كلِمةِ ( حَتَّى ) في القَدِيمِ ، ذكَرَهُ الجَوالِـيـقِيُّ ( المتوَفَّى سَنةَ 539 ) (5) ، يقُولُ عنْ عَوامِّ عَصْرِه : (( ومِنْ كَلامِهم الـمُحالِ الغَثِّ : ( جِئْتُ تَـا أَلْقاكَ ) ، يَعْني : حَتَّى أَلْقاكَ )) .
    بلْ يُمْكِنُ أَنْ تَعُودَ بِهذِه الظَّاهِرةِ إِلَى عُصُورِ الاحْتِجاجِ في العَرَبِـيَّـةِ ، في مِثْلِ قَوْلِ أَبِي وَجْزةَ السَّعْدِيِّ (6) : [ الكامل ]

    العَـاطِـفُونَ تَحِـينَ ما مِنْ عاطِـفٍ.........والـمُطْعِمُونَ زَمانَ أَيْنَ الـمُطْعِمُ

    ( العاطِفُونَ تَحِـينَ ) حَتَّى حِينَ ( ما مِنْ عاطِفٍ ) لا يُوجَدُ مَنْ يَعْطِفُ ، وإِنْ كانَ نُحاةُ العَربِيَّـةِ قدِ اخْتلَطَ علَيْهمُ الأَمْرُ في شَأْنِ هذَا البَـيْتِ (7) .

    وإلَى الملْـتَـقَى بمشِيئَـةِ الله تعالَى ..

    ـــــــــــــــــــــــــــ
    (1) لعلَّ هذَا القَوْلُ هُو الأقْربُ ، وقيلَ : إِنَّه فِعْلُ أَمرٍ منْ ( وَعَمَ يَـعِمُ ) ، قالَ امرُؤُ القَيْسِ في قَصِيدتِه الَّتي تقارنُ بِمعلَّقتِه في الجوْدةِ : [ الطَّويل ]

    أَلَا عِـمْ صَـباحًا أَيُّها الطَّـلَـلُ الـبَـالِي......... وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخالِي

    (2) وقَدْ تُصُرِّفَ فيها تَصَرُّفاتٍ عجيبةً ، انظُرْها في اللِّسانِ ، مادَّة ( ي م ن ) .
    (3) وفي بَعْضِ البِلادِ : ( صَبَّحْكْ بِالخِير ) و ( مسَّاكْ بالخير ) ، أوْ ( مَسِّيكْ بالخير ) كأنَّهُ مِنْ : يُمَسِّيكَ المضارعِ .
    (4) أَوْ : ( لِلسَّـادِي ) كأنَّها اخْتِصارُ ( للسَّاعةِ هذِه ) = ( لِلسَّاعة ذِي ) ، ويُلاحظُ أنَّ ( لِلسَّه ) ونحْوها إِذَا أدرِجتْ في جُملةٍ كانَ معناها ( إِلَى الآنِ أوْ حَتَّى هذِه السَّاعةِ ) وأمَّا إِذَا كانتْ مُفردةً في جَوابِ سُؤالٍ عنْ حُصُولِ شَيْءٍ فهِيَ تُؤَدِّي معْنَى ( إِلَى الآنِ لا ) أيْ ( لَـمَّا بَعْدُ ) .
    وممَّا يُشْبِـهُ هذَا قوْلُهمْ لـ ( في هذِه السَّاعةِ ) بِمَعْنى ( الآنَ ) : ( ها السَّعْ ) ويقلبُ أهلُ العِراقِ العَيْنَ إِلَى همزةٍ ( ها السَّأْ ) ، ويُسْقِطُها أَكثرُ أهلِ الشَّامِ ( ها السَّ ) .
    (5) الجوالِـيقِيُّ هُو : مَوْهُوب بْنُ أَحمدَ بْنِ الحسنِ بْنِ الخضرِ البَغْداديُّ ، والجواليقِيُّ نِسْبةً إِلَى عَملِ الجواليقِ وبَيْعِها ـ جَمْعُ جُوالِق وجُوالَق ، وِعاءٌ مَعْرُوفٌ ، مُعرَّبٌ ، في اللِّسَانِ عنِ ابْنِ الأَعْرابِيِّ ـ ، عالِمٌ بِاللُّغةِ والأَدبِ ، ترجمتُهُ في مُعْجمِ الأُدباءِ و وفياتِ الأَعيان وسِيرِ أَعلامِ النُّبلاءِ وغيْرِها .
    وممَّا ذكرُوا مِنْ مناقِبه ـ وهذَا ما يَنبَغي أَنْ يُعْنَى بِه في التَّراجُمِ ـ : كانَ طويلَ الصَّمتِ شَديدَ التَّحرِّي فيما يقُولُ ، لا يقُولُ شَيْـئًا إِلَّا بعْدَ التَّحْقِيقِ ويُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ ( لا أَدرِي ) حتَّى قالَ ابْنُ الجوزِيِّ ـ وهُو مِنْ تلامِذَتِه ـ : ( رُبَّما سُئِلَ المسألةَ الظَّاهِرةَ الَّتي يُبادِرُ بِجوابِها بَعْضُ غِلْمانِه فيتَوَقَّفُ فيها حتَّى يَتيَـقَّنَ ) لله دَرُّهُ .
    وكانَ ملِيحَ الخطِّ يتنافسُ النَّاسُ في تَحْصِيلِه والمغالاةِ بِه ، مِنْ مُصَنَّفاتِه المشْهُورة : ( المعرَّبُ منَ الكلامِ الأَعْجمِيِّ ) و ( شَرْحُ أَدبِ الكاتِبِ ) و ( تكمِلةُ إِصْلاحِ ما تَغلطُ فيه العامَّـةُ ) أَكملَ بِه دُرَّةَ الغَوَّاصِ لِلحَرِيرِيِّ وكُلُّها مَطْبُوعةٌ .
    وقدْ تَبعَ الشَّيْخُ حفظَهُ اللهُ ياقُوتَ وابْنَ خلِّكانَ في سَنةِ وفاتِه ، وقالَ الذَّهبِيُّ رحمهُ اللهُ في السِّيرِ (20/90) : ( ماتَ في المحرَّمِ سَنةَ أَرْبعينَ وخمسمِئَـة ، وغلِطَ مَنْ قالَ : سَنةَ تِسْعٍ وثلاثِينَ ) اهـ .
    (6) يَزِيد بْنُ عُبَـيْدٍ أَبُو وَجْزَةَ ـ بِفَتْحِ الواوِ وسُكُونِ الجِيمِ بَعْدَها زَايٌ ـ السَّعْدِيُّ المدَنِيُّ الشَّاعِرُ : ثِقَةٌ ، مِنَ الخامِسَةِ ماتَ سَنةَ ثَلاثِينَ ومِئَـةً ( د ، س ) . أيْ : رِوايتُه عِندَ أَبي داوُدَ والنَّسائِيِّ ، كذَا في التَّقْرِيبِ ، وفي الكاشِفِ للذَّهَبيِّ : عنْ عُمر بْنِ أَبي سَلمةَ وعنهُ ابْنُ إِسْحاقَ وسُليْمانُ بْنُ بِلالٍ ، ثقةٌ ، وانظُرْ ترجمتهُ أيْضًا في ( الشِّعْر والشُّعَراء ) لابْنِ قُتَيْـبَةَ رحمه الله (2/691) ت : الشَّيخ أحمد شاكر رحمه الله .
    (7) رِوايةً ودِرايَـةً ، انْظُر رِوايةَ البَيْتِ والخِلافَ في تَوْجيه التَّاءِ في ( تَحينَ ) في اللِّسانِ ، مادَّةَ ( ح ي ن ) ، وفي الإِنْصافِ لابْنِ الأَنبارِيِّ ص (86.) ط ( المكتبة العصْرِيَّـة ) معَ تعْلِيـقِ محقِّقِـهِ محمَّد مُحيِي الدِّينِ عبدِ الحميدِ .
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 25-Mar-2009, 08:42 PM.

  • #2
    * مِثْـلُ ذلِكَ ما أَصَابَ ( إِمَّا لا ) ، وهذِه اسْتَخْدَمَها العَرَبُ في مِثْلِ : ( افْعَلْ هذا إِمَّا لا ) وهِيَ في كلامِهِمْ مُخْـتَصَرةٌ مِنْ : ( افْعَلْ هذَا إِنْ كُنتَ لا تَفْعلُ غَيرَهُ ) .
    أَصَابَها تَطَوُّرٌ آخر في القَرْنِ الثَّالِثِ الهجْرِيِّ : ضُمَّتِ الهمزةُ فيها وأُمِيلتْ الألِفُ الأَخيرةُ نَحْوَ الياءِ ، وذكرَ ذلِكَ أَبُو حاتِمٍ السِّجِسْتَـانِيُّ ( الـمُتوَفَّى سَنةَ 255 ) فقالَ : ( والعامَّةُ تـقُولُ أَيْضًا : أُمَّـا لِي ؛ فيَضُمُّونَ الأَلِفَ ، وهُو خطأٌ أَيْضًا ، والصَّوابُ : إِمَّا لا ، غيرَ مُمالٍ ؛ لأَنَّ الأَداوتِ لا تُمالُ ) اهـ .
    ثُمَّ قُصَّتْ أَطْرافُها وأَصَابَها تَطَوُّرٌ آخَر وبِلًى آخَرفي اللَّهجاتِ الحدِيثةِ ، وصَارتْ ( أُمَّا لْ ) في مِثْلِ قَوْلِنا : ( كُلْ ، أُمَّـا لْ ) ! هذَا أَصْلُها .
    أَنتَ تَـقُولُ مَثَـلًا لِرجُلٍ : ( أُمَّـا لْ فِـينْ فُلانْ ) أَوْ ( كُلْ ، أُمَّا لْ ) ولا تَدرِي ( أُمَّا لْ ) هذِه ما تكُونُ !
    أَيْضًا كلِمةَ ( اخْسَأْ ) أَصْبَحتْ في كلامِنا : ( اخْصْ ) .
    * وكـذلِكَ كلِـمةَ : ( يُوسُفْ أَفَـنْدِي ) وهِيَ الفاكِـهةُ الـمعْـرُوفَـةُ أَصْبَحتْ في مِصْـرَ : ( سَفَـنْـدِي ) ، وهيَ في السُّعُودِيَّـةِ : ( أَفَـنْـدِي ) .
    * كلِمةَ ( بِوُدِّي ) صَارَتْ في كلامِ المصْرِيِّـينَ : ( بِدِّي ) ؛ ( بِدِّي تفْعل كذَا ) هيَ في الأَصْلِ : ( بِوُدِّي أَنْ تَـفْعلَ كذَا ) .
    * وكذلِكَ كلمةَ ( أَبْغِي ) صَارَتْ في كلامِ أَهْلِ نَجْدٍ : ( أَبِي ) كذَا ، فأصَابَها البِلَى والقِدمُ ؛ فتَهرَّأتْ ثُمَّ فَنِـيَ مِنها ما فنِيَ وقُصَّ مِنها ما قُصَّ .
    * عِبارةُ ( مَرْحَبًا بِكَ ) : يَنْطِقُها السُّودانِـيُّونَ : ( حَبَا بَكْ ) .
    * عِبارةُ ( سَمْعًا وطاعةً ) : يَنْطِقُها أَهلُ نَجْدٍ : ( سَمْ ) ويُرِيدُونَ بِها ( سَمْعًا وطاعةً ) .
    * كذلِكَ عِبارةُ ( أَيُّ شَيْءٍ ؟ ) تُقابِلُنا كثيرًا في عِباراتِ القُدماءِ في صُورةِ ( أَيْشٍ ؟ ) قالَ عَنها ابْـنُ عَبـدِ القَوِيِّ الحنبـلِيُّ : ( كما قَـالُوا : أَيْـشٍ تَـقُولُ ؟ ، وأَصْلُه : أَيَّ شَيْءٍ تَـقُولُ ؟ ) اهـ ، فـ ( أَيْـشٍ ) هذِه هذَا أَصْلُها بَعدَ أَنْ بَلِـيَتْ جِدَّتُها وقُصَّتْ أَطْرَافُها .
    * كذلِكَ كلِمةُ ( العِرْزالُ ) ، ومَعْناها في اللُّغةِ : المتاعُ القَلِيلُ ، أَصْبحتْ علَى لِسَانِ النَّـاسِ : ( العِزالُ ) ؛ فيكتُبُونَ قائِمةَ العِزالِ ! ، بِمعنَى : أَثاثِ البَيْتِ ومتاعِه .
    * كذلِكَ تَقُولُ في الإِجابةِ : ( إِيـوَهْ ) هذِه مُقْتَطعةٌ مِنْ : ( إِي والله ) ، كما اقْتُطِعتْ مِنْها : ( إِلَّا ) بِمعْنَى : ( نَعَمْ ) ، مِنْ ( إِي والله ) فَصَارتْ ( إِلَّا ) ، يَعْني : إِذَا ناداهُ فأَجابَ قالَ : ( إِلَّا ) ، المصْرِيُّونَ يقُولُونَ : ( إِيوَهْ ) ، قالَ الخفاجِيُّ ـ كما في شِفاءِ الغليلِ ـ : ( إِيوَهْ : إِي بِمَعْـنَى : نَعمْ ، في القَسَمِ خاصَّةً ، قالَ في الكَشَّافِ : سَمِعْتُـهُمْ في التَّصْدِيـقِ يَقُولُونَ : ( إِيوَهْ ) فيَصِلُونَـهُ بِواوِ القَسَمِ ( إِي ، و ) ولا يَنطِقُونَ بِه وحْدَه ، والنَّاسُ تَزيدُ علَيْه هاءَ السَّكْتِ فتصِيرُ : ( إِيوَهْ ) ويجعلُونَها بِمعْنَى ( نَعَمْ ) أَوْ ( أَجبْـتُك ) .
    * مِنْ أَمْثِلةِ ذلِكَ أَيْضًا قَوْلُنا في مِصْرَ : ( بيض برشْتْ ) بِمَعْنَى : أَنَّـهُ بيْضٌ غيرُ ناضِجٍ نُضْجًا كامِلًا علَى النَّارِ ، أَصْلُ الكلِمةِ مِنَ الفارِسِيَّـةِ : ( نيم برِشْتْ ) وهُو المشْوِيُّ نِصْفَ شَيٍّ ، وهِيَ مُكوَّنةٌ مِنْ ( نيم ) يَعْني ( نِصْف ) و ( برِشْتْ ) مُقْتَضَبةٌ مِنْ ( برِشْتَـه ) بِمَعْنَى مَشْوِيّ ، فصارَتْ : ( بيض برِشْتْ ) وأَصْلُها فارِسِيٌّ ، قاطِعُوها لأَنَّها مِنْ عندِ الرَّوافِضِ .
    * وكانَ أَحدُ المدرِّسِينَ في مراحِلِ التَّعْلِيمِ العامِّ مِنْ لَوازِمِه الكلامِيَّـةِ في شَرْحِ الدُّروسِ : عبارةُ ( مشخْبلكَ ) بَدلًا مِنْ ( مشْ واخِدْ بالَكَ ) ، فكانَ في كُلِّ حينٍ يقُولُ ـ يشْرحُ شَيْـئًا ثُمَّ يقُولُ ـ : ( مْشَخْبَلَك ) يَعْني : ( مش واخِدْ بالَكَ ) فأَصابَ ( مش واخدْ بالَك ) البِلَى اللَّفْظِيُّ ، احْفظْ هذَا .
    يُسَمَّى : ( البِلَى اللَّفْظِيَّ ) هذِه ظَاهرةٌ منَ الظَّواهِرِ اللُّغَوِيَّـةِ الَّتي تُصِيبُ اللُّغةَ كما بَيَّنَ ذلِكَ المحْدَثُونَ مِنَ اللُّغَوِيِّـينَ ، وهذَا مُجمَعٌ علَيْه يُصِيبُ جميعَ اللُّغاتِ ، ولكِنْ هذِه لُغةٌ مَحفُوظةٌ لُغةُ القُرْآنِ العَظيمِ .
    * في كُلِّ اللُّغاتِ أَدواتٌ وحُرُوفُ جَرٍّ وحُرُوفُ وَصْلٍ ، وأَصْلُ تِلْكَ الأَدواتِ أَوْ أَصْلُ بَعْضِها وأَصْلِ بَعْضِ حُرُوفِ الجرِّ وحُرُوفِ الوَصْلِ أَصْلُها ـ في غالِبِ الأَمرِ ـ كلِماتٌ قائِمةٌ بِنَفْسِها تَحوَّلَتْ إِلَى آلاتٍ نَحْوِيَّـةٍ ، وذلِكَ بتَحْويلِ الكلِماتِ المليئَةِ إِلَى كلِماتٍ فارِغةٍ ، فالأَدواتُ النَّحْوِيَّـةُ الَّتي تَسْتَعْمِلُها اللُّغاتُ لَيْسَتْ إِلَّا بقايا مِنْ كلِماتٍ مُسْتَـقِلَّةٍ قَديمةٍ أُفْرِغَتْ مِنْ مَعْناها الحقِيقِيِّ واسْتُعْمِلتْ مُجرَّدَ مُوَضِّحاتٍ ، أَيْ : مُجرَّدَ رُمُوزٍ ، ولكنَّها في أَصْلِها : كلِماتٌ مُسْتَقِلَّـةٌ قَديمةٌ .
    يُمكِنُ أَنْ تتَـبَّعَ هذَا في كثيرٍ مِنَ اللُّغاتِ ، تتطَـوَّرُ تِلْكَ اللُّغاتُ علَى هذَا النَّحْوِ الموصُوفِ ، فتَجدُ ذلِكَ في كثيرٍ مِنْ حُرُوفِ الـجرِّ وفي حُرُوفِ الوَصْلِ وفي أَدواتِ التَّـعْرِيفِ وغيرِ ذلِكَ .
    * وهِيَ في كُـلِّ اللُّغاتِ إِشَاراتٌ قَديمةٌ ؛ كما اتُّخِذَ مِن اسْمِ العَددِ أَداةُ تنكِـيـرٍ تُـعَـبِّرُ عنِ الوَحْدةِ .
    في الجرْمانِيَّـةِ وفي الإِغْرِيـقِيَّـةِ الحديثةِ وفي جَميعِ اللُّغاتِ الرُّومانيَّـةِ تَجدُ ذلِكَ ؛ تَجدُ اسْمَ العَددِ أَداةَ تنكيرٍ تُعبِّرُ عنِ الوَحْدةِ .
    * واسْمُ الإِنْسانِ صَارَ في الفِرنْسِيَّـةِ والجرْمانيَّـةِ والأَرْمينـيَّةِ أَداةً نَحْوِيَّةً تُعبِّرُ عنِ الشَّائِعِ ، ففي الأَلمانيَّـةِ مَثَلًا : ( ... [ غير واضح ] ) يُقالُ حَرْفيًّا : يقُولُ إِنسانٌ .
    * والأَفعالُ الَّتي تُسَمَّى بِـ ( الأَفعالِ المساعدةِ ) ـ كما في الإِنجليزِيَّـةِ مَثلًا ـ هِيَ كلِماتٌ مُفرَّغةٌ أَيْضًا مِنْ معانيها :
    في الإِنجليـزِيَّـةِ : فِعل ( to do ) بِمعنَى : يَفْعلُ ، يُسْتعْملُ أَداةً نَحْويَّـةً لِلاسْتِفْهامِ ؛ كما في : ( ?Do you see ) هذَا فِعْلٌ ! صَارَ أَداةً نَحْوِيَّـةً لِلاسْتِفْهامِ ، كأنَّه أَداةُ اسْتِفْهامٍ ! ( ?Do you see ) يَعْني : هلْ تَرى ؟ .
    * وكذلِـكَ لِلنَّـفْيِ يأتي : ( I don’t see ) يَعني : لا أرَى ، معَ أَنَّـهُ فِعلٌ كما مرَّ ! فِعل ( to do ) يُقالُ : هُو مِنَ الأَفعالِ المساعِدةِ .
    * وكذلِكَ عِندنا في العَربيَّـةِ : الفِعْلُ ( عادَ ) فُرِّغَ مِنْ مَعناهُ وصَارَ أَداةً في مِثْلِ ( لَـمْ يَعُدْ صَالِـحًا لِلاسْتِعمالِ ) صَارَ أَداةً ، هُو فِعْلٌ ، ولكنَّكَ لا تَفْهَمُه في مِثْلِ هذَا التَّركيبِ علَى أَصْلِه ، وإنَّما تَفهمُه مُفرَّغًا مِنَ المعْنَى .
    * مِنَ الكلِماتَ الَّتي فُرِّغتْ مِنْ مَعناها الأَصْلِيِّ وصَارَتْ أَداةً في العرَبيَّـةِ ، وعانتْ كثيرًا مِنْ آفةِ البِلَى اللَّفْظِيِّ كلمةُ : ( سَوْفَ ) .
    يظُنُّ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ السِّينَ و( سَوْفَ ) أداتانِ مُختلِفتانِ لِلدَّلالةِ علَى الاسْتِقْبالِ وُضِعَتا هكذَا وَضْعًا مُنْذُ أَنْ خلَقَ اللهُ العربيَّـةَ ، بأَصْلِ الخلْقةِ ، خُدِعَ بذلِكَ نُحاةُ البَصْرةِ ، وحكَّمُوا المنطِقَ العَقْلِيَّ في أَنَّ ( زِيادةَ المبْنَى تَدُلُّ علَى زِيادةِ المعنَى ) ؛ فقالُوا : إِنَّ ( سَوْفَ ) تَدُلُّ علَى الاسْتِقْبالِ البَعيـدِ ، والسِّينُ تدُلُّ علَى الاسْتِقْبالِ القَريبِ .
    لَيسَ في نُصُوصِ اللُّغةِ ما يَشْهدُ لِتكلُّفِهمْ هذَا ، يقُولُ تَعالَى : " فَسَيَـكْفِيكَهُمُ اللهُ " [ سُورةُ البقرةِ ، الآية : ] ، وهذَا لَيْسَ مَعْناهُ : تَحقُّقَ هذِه الكفايةِ في الغَدِ ، هُمْ يقُولُونَ : السِّينُ للاسْتِقْبالِ القريبِ و( سَوْفَ ) للاسْتِقْبالِ البَعيدِ ، والقُرْآنُ يرُدُّ .
    كما أَنَّ قَوْلَه تعالَى : " وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) " [ الضُّحَى ] لَيْسَ مَعْناهُ : تأَخُّرَ الإِعْطاءِ عامًا أَوْ عامَيْنِ ؛ فإِذَنْ لَيْسَ كما تكلَّفُوا وقالُوا .
    بلْ إِنَّ الحقيقةَ أَنَّ ( سَوْفَ ) أَقْدَمُ منَ السِّينِ وأنَّ السِّينَ جُزْءٌ مُقْتَطَعٌ مِنْها ، و ( سَوْفَ ) مِنَ الكلِماتِ القَديمةِ في اللُّغاتِ السَّاميَّـةِ الأُخْرَى ، كالآراميَّـةِ ؛ ففيها : ( ساوْ به ) هكذَا في الآراميَّـةِ ، وهيَ اسْمٌ مَعْناهُ فيها : الغايةُ والنِّهايةُ ، ثُمَّ أَصْبحَ في العربيَّـةِ القديمةِ أَداةً تدُلُّ علَى الاسْتِقْبالِ في الأَفْعالِ ، ثُمَّ بدأتْ تُعانِي قَصًّا لِبعْضِ أَطْرافِها وبِلًى وَقَعَ في حَواشيها في الفَترةِ الَّتي سبَقَتْ نُزُولَ القُرْآنِ العظيمِ .
    وتجدُ ذلِكَ في مَجالِسِ ثَعْلب وفي مُغْني اللَّبيبِ وفي الصَّاحِبي لابْنِ فارسٍ : ويَـخْـتَصِرُونَ ( سَوْفَ أَفْعلُ ) فيقُولُونَ : ( سَأَفْعلُ ) .
    و ورَدَ أَنَّ العرَبَ قَـالُوا : ( سَـوْ يَـكُونُ ) ، وأنَّهُمْ قَـالُوا : ( و سَـفْ يَـكُونُ ) ، وقَـالُوا : ( سايكُونُ ) ، وقالُوا : ( سَيكُونُ ) ؛ فهذَا ـ كما تَـرَى ـ إِنَّما هُو تَحقيقٌ لِتلْكَ الظَّاهِرةِ الَّتي تُعاني منْها اللُّغةُ بلِ اللُّغاتُ .
    عندَما جاءَ القُرْآنُ الكريمُ ، وأَنزلَه اللهُ ربُّ العالَمينَ علَى نَبِيِّـهِ الكريمِ صَلَّى الله علَيْه وعلَى آلِه وسَلَّمَ سَجَّلَ لَنا إِحْدَى صُورِ التَّطَـوُّرِ في ( سَوْفَ ) ، أَوْ قُلْ : المرحلَةَ الأَخيرةَ منْها ، معَ الأَصْلِ الَّـذي كانُوا علَـيْه ، والَّذي كانَ لا يَـزالُ يَـعِـيشُ معهُ ما نَشَأَ عنهُ جَنْـبًـا إِلَى جَنْبٍ .
    كما رَوَى لَنا اللُّـغَوِيُّونَ صُوَرَ التَّطَـوُّرِ الأُخْرَى الَّتي لَـمْ يُـكْـتَبْ لَها ما كُتِبَ لِغَـيْرِها مِنَ البَـقَاءِ .
    مِنْ قُدامَى النُّحاةِ العرَبِ منْ لَحظَ هذَا وقيَّـدَهُ ، مِنْهُمُ العلَّامةُ ابْنُ مالِكٍ صَاحِبُ الأَلْفِيَّـةِ رحمَه اللهُ ؛ منعَ هذَا العلَّامةُ رحمهُ اللهُ تعالَى كَوْنَ التَّراخِي في ( سَوْفَ ) أَكْـثـرَ ؛ وعلَّـلَ بِأَنَّ ( الماضِي والمسْتقْبَـلَ مُتقابِلانِ ، فإِذَا كانَ الماضِي لا يُقْصَدُ بِه إِلَّا مُطْـلَقُ الـمُضِيِّ فكذلِكَ المسْتَقْبلُ ) ؛ لا يُقالُ مُسْتَقْبلٌ قريبٌ ومُسْتَقْبلٌ بَعيدٌ ، لِـمَ ؟ ، قالَ : ( ليَجْرِيَ المتقابِلانِ علَى سَنَنٍ واحِدٍ ) .
    كما يَـرَى رحمهُ اللهُ أَنَّ دَعْوَى التَّفاوُتِ بَيْنَ السِّينِ و ( سَوْفَ ) في مُدَّةِ الاسْتِقْبالِ مَرْدُودٌ ؛ لأَنَّ العربَ عبَّرتْ عنِ المعنَى الواحِدِ في الوَقْتِ الواحِدِ ، بِقَوْلِهمْ : ( سَيَـفْعلُ ) و ( سَوْفَ يَفْعَلُ ) ؛ فعبَّرتِ العَربُ عنِ المعْنَى الواحِدِ في الوَقْتِ الواحِدِ بِالسِّينِ و ( سَوْفَ ) مِنْ غيرِ ما تَفاوُتٍ .
    قالَ رحمهُ اللهُ تَعالَى : ( وجاءَ عنِ العربِ : سَفْ أَفْعلُ ، و : سَوْ أَفْعلُ ، و : سَيْ أَفْعلُ ، وهيَ أَغْربُها ) يعْني الأَخيرةَ ، قالَ : ( حكاها صَاحِبُ المحكَمِ ، واتَّفَقُوا علَى أَنَّ أَصْلَ سَفْ و سَوْ و سَيْ : سَوْفَ ) .
    قالَ ابْنُ مالِكٍ رحمهُ اللهُ تعالَى : ( و زَعَمُوا أَنَّ السِّينَ أَصْلٌ بِرَأْسِها غيرُ مُفرَّعةٍ عنْ سَوْفَ ، ولكِنَّها مِنها كنُونِ التَّوْكيدِ الخفيفةِ مِنْ نُونِ التَّوْكيدِ الثَّقيلةِ ) كذَا قالُوا ، قالَ : ( وهذَا عِندِي تكلُّفٌ ، ودَعْوَى مُجرَّدةٌ مِنَ الدَّليلِ ) .
    قالَ ابْنُ مالِكٍ رحمَهُ اللهُ تعالَى : ( فقَدْ أَجْمعْنا علَى أَنَّ سَفْ و سَوْ وسَيْ عندَ مَنْ أَثْـبَتها فُرُوعُ سَوْفَ ؛ فلتَـكُنِ السِّينُ أَيْضًا فَرْعَها ؛ لأَنَّ التَّخْصِيصَ دُونَ مُخَصِّصٍ مَـرْدُودٌ ، ويكُونُ هذَا التَّصَرُّفُ في سَوْفَ بِالحذْفِ شَبِيهًا بما فُعِلَ بِأَيْمُنِ الله في القَسَمِ حينَ قيلَ : أَيْمُ اللهِ ، وأَمُ اللهِ و مُنُ اللهِ ، و مُ اللهِ ، وقَريبًا مِنْ قَوْلِهمْ في حاشَا : حاشَ ، و حَشَا إلَى آخِرِه ، وقالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ كانتِ السِّينُ بَعْضَ سَوْفَ لكانَتْ مُدَّةُ التَّسْوِيفِ بِهما سَواءً ، ولَيْسَ كذَلِكَ ) هذِه حُجَّةٌ يَدْحَضُها ابْنُ مالِكٍ رحمَه اللهُ قالَ : ( وقالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ كانتِ السِّينُ بَعْضَ سَوْفَ لكانَتْ مُـدَّةُ التَّسْوِيفِ بِهما سَواءً ، ولَـيْسَ كـذلِـكَ ، بلْ هيَ بِسَوْفَ أَطْولُ ؛ فكانتْ كُلُّ واحِدةٍ مِنهُما أَصْلًا بِـرَأْسِها ) قالَ : ( قُلْتُ : وهذِه دَعْوَى مَـرْدُودةٌ بِالقِياسِ والسَّماعِ ؛ فالقِياسُ أَنَّ الماضِيَ والمسْتَقبلَ مُتقابِلانِ ، والماضِي لا يُقْصَدُ بِه إِلَّا مُطْلقُ المضِيِّ دُونَ تَعَرُّضٍ لِقُرْبِ الزَّمانِ وبُعْدِه لِـيَجْرِيَ المتقابِلانِ علَى سَنَنٍ واحِدٍ ، والقَوْلُ بِتَوافُقِ سَيَفْعلُ وسَوْفَ يَفْعلُ مُصَحِّحٌ لِذلِكَ فكانَ المصِيرُ إِلَيْه أَولَى ) وهذَا قِياسٌ ، فهُو يُـرِيدُ أَنْ يقُولَ : هيَ جُزْءٌ مِنها ، يعْني : أَصَابَ سَوْفَ مِنَ البِلَى مَا أَصَابَها وأَقْنَى علَيْها الَّذي أَقْنَى علَى لُـبَـدِ ! ، وكما أَنَّ النَّاسَ يُصِيبُهمْ ما يُصِيبُهمْ وكذلِكَ المخلُوقاتِ يُصِيبُها ما يُصِيبُها فكذلِكَ الأَلْفاظُ ، قالَ : ( هذَا قياسٌ ، وأَمَّا السَّماعُ فإِنَّ العرَبَ عبَّرتْ بِـ سَيْفْعلُ و بِـ سَوْفَ يَفْعلُ عنِ المعْنَى الواحِدِ الواقِعِ في الوَقْتِ الواحِدِ ؛ فصَحَّ بِذلِكَ تَوافُقُهما وعدَمُ تَخالُفِهما ، فمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ تعالَى : " وَسَوْفَ يُـؤْتِـي اللهُ الـمُؤْمِـنِـينَ أَجْرًا عَظِـيمًا " ، وقَوْلُه تعالَى : " فأَمَّا الَّذِينَ ءَامَـنُوا بِاللهِ وَاعْـتَصَمُوا بِه فسَيُدْخِلُهُمْ فِـي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ " وكذلِكَ قَوْلُه تعالَى : " كَلَّا سَيَعْلَمُونَ " ، و " كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ " ، ومِنْـهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
    [ الطَّويل ]

    وَما حالَـةٌ إِلَّا سَيُـصْرَفُ حَالُـها.........إِلَى حَالةٍ أُخْـرَى وسَوْفَ تَـزُولُ )

    فاسْتَخْدَمَ السِّينَ وسَوْفَ ، قالَ : ( .. فهذَا كُـلُّـهُ صَريحٌ في تَوافُقِ سَيَفْعلُ وسَوْفَ يَفْعلُ في الدَّلالةِ علَى مُطْلقِ الاسْتِقْبالِ دُونَ تَفاوُتٍ في قُرْبٍ وبُعْدٍ ) ؛ فابْنُ مالِكٍ لَحظَ هذَا أَيْضًا ، ولَحظَ أَنَّ بَعْضَ الكلِماتِ يُصِيبُها البِلَى اللَّفْظِيُّ ، ويُصِيبُها القَصُّ مِنْ أَطْرافِها حتَّى تَصِيرَ بَعْضَ ما كانَتْ .
    ذكرَ السِّينَ و سَوْفَ وذكرَ تَعاقُـبًا في هذَا البِلَى فذَكرَ سَابِقَه ، فذَكرَ ما رَصَدَ ورَصَدَهُ اللُّغَوِيُّونَ قَبْلَه مِنْ ( سَفْ ) و ( سَوْ ) و ( سَيْ ) ؛ فقالَ : والسِّينُ أَيْضًا مُلْحَقَـةٌ .
    وذكرَ أَيْضًا ما تَعاقَبَ علَى ( أَيْمُنِ اللهِ ) وكذلِكَ ما وَقَعَ بِكلِمةِ ( حاشَا ) .
    * وأَيْضًا هذِه لامُ الاسْتِغاثَـةِ الَّتي تَدْخُلُ علَى المنادَى ، في مِثْلِ قَوْلِ مُهَلْهِلٍ ـ هُو ابْنُ رَبِيعةَ ـ :
    [ المديد ]

    يَـا لَـبَـكْـرٍ أَنْشِـرُوا لِي كُـلَـيْـبًا.........يَـا لَـبَـكْـرٍ أَيْـنَ أَيْـنَ الـفِــرارُ

    هذِه اللَّامُ بَقِيَّـةٌ مِنْ ( آل ) الَّتي فُـرِّغَتْ مِنْ مَعْناهَا وقُصَّتْ أَطْرافُها علَى النَّحْوِ الَّذي مَـرَّ في ( سَوْفَ ) ، وهيَ لامُ الاسْتِغاثـةِ ؛ يَعْني : كأَنَّـهُ قالَ : ( يا آلَ بَـكْرٍ أَنْشِرُوا لي كُلَيْـبًا ، يا آلَ بَـكْرٍ أَيْنَ أَيْنَ الفِرارُ ؟! ) .
    * وهذَا يقَعُ كثيرًا في كثيرٍ مِنَ الأَسْماءِ ، يَعْني : كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يقُولُ : ( الشَّيْخُ محمَّدٌ بْنُ صَالِحٍ العُثَـيْـمِين ) هِيَ : ( آلُ عُثَـيْمينَ ) ، وكذلِكَ : ( الشَّيخُ عبْدُ اللهِ الجار اللهِ ) هيَ في الأصْلِ : ( عبدُ اللهِ آل جارِ اللهِ ) ، وكذلِكَ : ( الشَّيْخُ الفَوْزان ) هيَ : ( آلُ فَوْزان ) ، كثيرٌ مِنْ هذِه الأَسْماءِ وَقَعَ فيها هذَا الأَمْرُ ، و وَقَعَ فيها ما يُقالُ لَه : البِلَى اللَّفْظِيُّ .
    * والاسْتِسْهالُ في النُّطْقِ والكَسَلُ في الأَداءِ فيأْكُلُونَ مِنْ هُنا حَرْفًا ومِنْ هُنالِكَ حَرْفًا حتَّى تَصِيرَ مَسْخًا ، ولا يُدْرَى مَعْناها في الحقيقَـةِ ، وهذِه لامُ الاسْتِغاثـةِ ولَها ما لَها مِنْ مَوْقِعِها في كُتُبِ النَّحْوِ .

    تعليق


    • #3
      * ومِنْ أَمْثِلةِ هذِه الظَّاهِرَةِ ظاهِرةِ التَّفْرِيغِ والتَّحَوُّلِ إِلَى الأَداةِ والبِلَى ـ كما في لامِ الاسْتِغاثَةِ وكذلِكَ ما مرَّ ذِكْرُه ـ في العامِّـيَّـةِ : في العرَبِيَّـةِ كلِمةُ ( شَيْءٍ ) ، بَلِيَتْ وصَارَتْ علَى حرْفٍ واحِدٍ هُو : الشِّينُ ، ثُمَّ فُـرِّغَتْ مِنْ مَعْناها وأَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْ أَداةِ النَّفْيِ ، إِلَى درجةِ أَنَّ العامَّـةَ يقُولُونَ في مِصْرَ : ( ما شُفْتِشْ شَيْ ) هِيَ في الأصْلِ : ( ما شُفْت شَيْء ) فأصَابَ ( شَيْء ) البِلَى حَتَّى صَارَتْ ( شِينًا ) ، ثُمَّ فُرِّغَتْ مِنْ مَعْناها وأَصْبَحتْ جُزْءًا مِنْ أَداةِ النَّفْيِ ، ( ما شُفْت شَيْ ) هذَا هُو الأصْلُ فصَارَتْ : ( ما شُفْتِشْ شَيْ ) ، ونَسُوا أَنَّ هذِه الشِّينَ هِيَ ( شَيْء ) فجاءُوا بِـ ( شَيْء ) وراءَها فقالُوا : ( ما شُفْتِشْ شَيْء ) فما الدَّاعي إِلَى الإِتْيانِ بِـ ( شَيْء ) وراءَ ( شَيْء ) ؟! ولكِنْ نُسِيَ أَنَّ الشِّينَ مُختَصَرَةٌ مِنْ ( شَيْء ) ، وأَصْبَحَتْ لا تَعْني في ذِهْنِ المتحَدِّثِ بِها إِلَّا النَّـفْيَ .
      * كذلِكَ ( الحاءُ ) الَّتي تدخُلُ في لَهجاتِ الخطابِ العامِّـيَّـةِ ، تَدْخُلُ علَى الفِعْلِ المضَارِعِ لِلدَّلالةِ علَى الاسْتِقْبالِ ، فهذِه الحاءُ أَصْلُها : كلِمةُ ( رائِح ) مِنَ الرَّواحِ ، فُـرِّغَتْ مِنْ مَعْناها الأَصْلِيِّ وتَعاوَرَها البِلَى والقصُّ .
      يُقالُ مَثَلًا : ( رايِـح أَعمل كذَا ) أَوْ ( راح أَعمل كذَا ) و يقُولُ : ( حاعملْ كذَا ) ، كُلُّ هذِه الصُّورِ لا تزالُ مُسْتَعْمَلةً في لَهجاتِ الخطابِ في البلادِ العربِيَّـةِ ، بلْ تَطَوَّرتْ في لَهجةِ المصْرِيِّينَ إِلَى أَبْعدَ مِنْ هذَا ؛ فصَارَتْ هاءً تُوضَعُ في أَوَّلِ المضَارعِ ، ويُمْكِنُ أَنْ تَجدَ ـ مَثَلًا ـ في بَعْضِ الإِعْلاناتِ أَوْ بَعْضِ الكتاباتِ علَى الجدرانِ وتَقِفُ طَويلًا تـتأَمَّلُ لأنَّكَ لا تَسْتطيعُ أَنْ تَقْرأَهُ ، مثلًا لَوْ وَجدْتَ : ( هندَّخِر علشَان نَبْني البَلَد ) ! ، ( هندَّخِر ) هذِه لا يُمْكنُ أَنْ تأتي بَـادِيَ الرَّأيِ إِلَى الـذِّهْنِ بِمَـعناها الـحقِّ ، والأَصْلُ أَنَّـهُ يُـرِيدُ أَنْ يَـقُولَ : ( حندَّخِر ) أَوْ : ( راح نَدَّخِر ) أوْ : ( رايح ندَّخِر ) أو : ( رايحين ندَّخِر لنَبْنيَ البلد ) ، فأصَابَها البِلَى ثُمَّ وقَعَ علَيْها هذَا الإِبدالُ ، أُبْدِلَتِ الحاءُ هاءً ؛ هذَا مَعْلُومٌ لِقُرْبِ المخرَجِ .
      الشَّيْخ محمَّد علي الدُّسُوقِيُّ رحمهُ اللهُ لَـمْ يَعْرِفْ أَصْلَ الهاءِ و الحاءِ في مِثْلِ هذِه التَّراكِيبِ ، قالَ ـ مَثلًا ـ : ( هتفْعل كذَا صَحيح ) قالَ : ( لأنَّ الهاءَ مُبْدَلةٌ مِنَ الهمزِ ، والأَصْلُ : أَتفْعلُ كذَا ؟ ، قالَ في القامُوسِ في الكلامِ علَى أَوْجُهِ الهاءِ : الرَّابِعُ : المبدَلةُ مِنْ همزَةِ الاسْتِفْهامِ ، وفي اللِّسانِ : ويقُولُونَ : هإِنَّكَ زَيْدٌ ؟ ) مَعْناهُ : أَ إِنَّكَ زَيْدٌ ؟ فأُبْدِلتِ الهمزةُ هاءً ، وإِنَّما هُو خللٌ في النُّطْقِ لِقُرْبِ المخرجِ أَيْضًا ، فهذِه جَميعُها مِنْ حُرُوفِ الحلْقِ : [ الرَّجز ]
      هَمْزٌ فَـهَاءٌ ثُـمَّ عَـيْنٌ حَـاءُ...........مُهْمَلَـتَانِ ثُـمَّ غَـيْنٌ خَـاءُ
      هِيَ جَميعُها مِنْ حُرُوفِ الحلْقِ ؛ فيقَعُ هذَا الخلْطُ الَّذي يُقالُ لَه الإِبْدالُ ، قالَ : ( وفي قِراءَةٍ : "هأَلِدُ وأنا عَجُوزٌ " أَيْ : أَ أَلِدُ ) ، قالَ : ( وهذِه لُغَـةُ الوَجْهِ القِبْـلِيِّ ) ، قالَ : ( وبَعْضُ العامَّـةِ يُبْدِلُها حاءً خَطأً فيَـقُولُ : حتَـكْتُب ؟ ) ، قالَ : ( وقَدْ يَسْتَعْمِلُها العامَّـةُ بِمَعْنَى السِّينِ ، يقُولُونَ : حقُوم ، أَو هاقُوم أَو سَأَقُوم ، وذلِكَ خطأٌ ؛ لأنَّـهُ لَـمْ يَـرِدْ إِبْدالُ السِّينِ حاءً أَو هاءً في مِثْلِ هذَا ) ولَـيْسَ كذلِكَ ، وإِنَّما هذَا الَّذي مَـرَّ ذِكْـرُه ، الأَصْلُ هُو : كلِمةُ ( رائِح ) مِنَ الرَّواحِ ، فُرِّغَتْ مِنْ معناها الأَصْلِيِّ وتعاوَرَها البِلَى .
      والعامَّـةُ المصْرِيُّونَ قَوْمٌ ذَوُوا حِيَـلٍ ؛ فجعلُوا الحاءَ هاءً ( هاعملْ كذَا ) ! ، والشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ رحمهُ اللهُ لَـمْ يَلْتَـفِتْ لِذَلِكَ ، وأَعادَ الأَمرَ إِلَى القامُوسِ ، وخطَّـأَ وقالَ ، رحمهُ اللهُ تعالَى .
      * كذلِكَ تِلْكَ الباءُ الَّتي تدْخُلُ في المضَارعِ لِلدَّلالةِ علَى الزَّمنِ الحالِيِّ ، في مِثْلِ : ( فُلانٌ بِياكل ، وبِـيشْـرَب و بيلْعَب .. ) ! ، هذِه الباءُ هِيَ كُلُّ ما بَقِيَ مِنَ الفِعْلِ ( بَقِيَ ) : ( فُلانٌ بَقِيَ يَـأْكُلُ ) و ( بَقِيَ يَشْربُ ) و ( بَقِيَ يَلْعبُ ) ، ثُمَّ أَصَابَ البِلَى اللَّفْظِيُّ ( بَقِيَ ) حَتَّى صَارَتْ علَى الباءِ وَحْدَها مِسْكينةً مُفْرَدَةً ! .
      فَلَمْ يُدْرِك الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ رحمَهُ اللهُ سِرَّ هذِه الباءِ و رَآها في صُورتِها الحالِـيَّـةِ ، فقالَ : هذِه علَى هذِه الصُّورةِ مُشْبِهةٌ لِـباءِ الجرِّ ، وقالَ عنْ عامَّـةِ عَصْرِه مُتَـوَجِّعًا : ( لَقَدْ فقَدَ العامَّـةُ أَهمَّ قَواعِدِ اللُّغةِ وقَـوَّضُوا أَعْظمَ أَركانِها ، وهُو أَنَّـهُ لا يَجُوزُ دُخُولُ أَيِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الجرِّ علَى الأفْعالِ ؛ فعكَسُوا القَضِيَّـةَ واسْتبَاحُوا حِمَى اللُّغةِ العربيَّـةِ ) اهـ ، ولَيْسَ كذلِكَ ، وإِنَّما هُو البِلَى اللَّفْظِيُّ أَصَابَ ذلِكَ الفِعْلَ ( بَـقِيَ ) حَتَّى صَارَ علَى الباءِ وَحْدَها ، وصَارَ النَّاسُ يَنْطِقُونَ بِها كذلِكَ : ( فُلان بيلْعبْ وبياكلْ وبيشْرَبْ ) ! ، وهِيَ في الأَصْلِ ما بَقِيَ مِنْ ذلِكَ الفِعْلِ ، ولَيْسَتْ بِحرْفِ جَرٍّ دَخَلَ علَى فِعْلٍ كما قالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ رحمَه اللهُ تعالَى .
      ما الَّذي حَدَثَ لِـهذَا الفِعْلِ ( بَقِيَ ) مِنَ التَّفْرِيغِ والبِلَى ؟
      هذَا أَمرٌ قَديمٌ في عُصُورِ العربيَّـةِ ، هذِه الزِّيادةُ علَى فِعْلِ المضَارعِ قَديمةُ العَهْدِ جِدًّا ، حَتَّى إِنَّها رُصِدَتْ مِنْ كلامِ النَّاسِ في القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجْرِيِّ كما في كِتابِ ( دُرَرِ التِّيجانِ وغُرَرِ تَوارِيخِ الزَّمانِ ) لأبي بكرٍ بْنِ عَبْـدِ الله بْنِ أيبَك صَاحِبِ ( صَرْخَدْ ) مِنْ عُلَماءِ القَرْنِ الثَّامِنِ ، ونَقَلَ كلامًا عنْ أُناسٍ مِنَ القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجْرِيِّ .
      * والفَرَّاءُ فَطِنَ رحمهُ اللهُ إِلَى أَنَّ كثْرةَ الاسْتِعْمالِ تُـبْـلِي الأَلْفاظَ ؛ فقالَ : ( "ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ " : هِيَ في قِراءَةِ عَبْدِ الله : "ولَسَيُعْطِـيكَ " ) ، قالَ : ( والمعْنَى واحِدٌ ، إِلَّا أَنَّ "سَوْفَ " كثُرَتْ في الكَلَامِ وعُرِفَ مَوْضِعُها فتُرِكَ مِنْها الفاءُ والواوُ ، والحرْفُ إِذَا كثُرَ فرُبَّما فُعِلَ بِه ذلِكَ ؛ كما قِيلَ : أَيْشٍ تَقُولُ ؟ ، وكما قيلَ : قُمْ لاباكَ ، وكما قيلَ : قُمْ لَـبْشانِـئِكَ ! يُريدُونَ : لا أبَا لَكَ ، ولا أَبَا لِشَانِـئِكَ ! ) ذَكَـرَ ذلِكَ في ( مَعانِي القُرْآنِ ) ؛ ففَطِنَ رحمَه اللهُ لِـهذِه الظَّاهِرةِ مِنْ ظَواهِرِ اللُّغةِ ، وهِيَ دائِرةٌ في اللُّغاتِ كُلِّها .
      فإِذَا عرَفْتَ هذَا وتأَمَّلْتَ فيه تَسْتَطيعُ أَنْ تَعْرِفَ مَعانِيَ كلِماتٍ تدُورُ علَى لِسانِكَ لا تُلْقِي لَها بالًا ، فإِذَا أَرْجَعْتَها إِلَى أَصْلِها عَرَفْتَها ، وإِذَا عَرَفْتَها وتَحقَّقْتَ مِنْها أَدْرَكْتَ مَعْناها ومَرامِيَها وما وَراءَها .
      قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ : ( هذَا اللَّفْظُ كثُرَ في كلامِهمْ وشَاعَ اسْتِعْمالُه ، وهُمْ لِـما كثُرَ في اسْتِعْمالِـهِمْ أشَدَّ تَغْيِـيرًا ، كما جاءَ عنهُمْ لِذَلِكَ : لَـمْ يَكُ ، ولَـمْ أَدْرِ ، ولَـمْ أبَلْ ، وأَيْشٍ تقُولُ ؟ ) ، وكلُّ هذَا إِنَّما هُو قَصٌّ مِنْ تِلْكَ الأَحْرُفِ في بَعْضِ الكلِماتِ بلْ كما وَقَعَ في بَعْضِ الـجُمَلِ كما في قَوْلِ العامَّـةِ في مِصْرَ : ( مَساءُ الخيْرِ ) فَصَارَتْ علَى التَّسْهِيلِ : ( مَسَا الخيْرِ ) ثُمَّ صَارَتْ : ( سا الخِير ) ، وكُلُّ ذلِكَ إِنَّما هُو بِـلًى يُدْرِكُ الكلِماتِ حتَّى تَصِيرَ إِلَى تِلْكَ التَّراكِيبِ .
      قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ أَيْضًا : ( لَـمَّا كثُرَ اسْتِعْمالُها لَها تلاعَبَتْ بِها العَربُ كأَشْياءَ يكثُـرُ تَصَرُّفُها فيها لِكَثْرَةِ نُطْقِها بِها ) اهـ ؛ فهذِه ظاهِرةٌ مِنْ ظَواهِرِ اللُّغةِ بَحثَها عُلَماؤُنا وفَطِنُوا لَها قَديمًا ، ورَصَدُوها وكتَـبُوها .
      وكانَ الوَاجِبُ أَنْ يَصِلَ الخلَفُ أَنْـفُسَهُمْ بِمَوْصُولِ السَّلَفِ وأَنْ يَـشِيدُوا علَى ما أَسَّسُوا ، تَمامًا كما وَقَعَ مِنْ عَبْدِ القاهِرِ في كِتابَيْه : ( دلائِلِ الإِعْجازِ ) و ( أَسْرارِ البلاغةِ ) ، فقَدْ أَسَّسَ نَظَرِيَّـةَ النَّظْمِ قائِمةً ، ودَلَّ علَى العلاقَاتِ ، وأرْجَعَ ذلِكَ إلَى النَّحْوِ ، وأَسَّسَ أَسَاسًا مَتِـينًا لَـمْ يَلْتَـفِتْ إِلَـيْه أَحَدٌ .
      ثُمَّ جاءَ مَنْ جاءَ بَعْدُ ممَّنْ بَحثَ في اللُّغاتِ مِنْ عُلَماءِ الغَرْبِ كَـ ( فندريس ) وأَمْثَالِه ، وتكلَّمُوا عنْ نَظَرِيَّـةِ ( النَّظْمِ ) كأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَسَّسُوها وهُم الَّذينَ وَضَعُوا قَواعِدَها ! ، وكُلُّ ذلِكَ مَسْرُوقٌ ، وكلُّ ذلِكَ عِندَنا نَحْنُ ! .
      فأَمْثالُ هذِه الأُمُورِ مَبْثُوثَـةٌ بِفَضْلِ الله تبارَكَ وتعالَى في كُتُبِ أَسْلافِنا ، ولكِنْ تَحْتاجُ جيلًا ناهِضًا مُحْـتَسِبًا صَابِرًا يُهْمِلُ أَمرَ المالِ والزَّمنِ ، ويتبَـتَّـلُ في مَحاريبِ العِلْمِ طَالِـبًا ، ويَعْكُفُ علَى آثارِ أَجْدادِه وأسْلافِه سَاهِرًا ، ويُنَقِّبُ في الأَضابِيرِ في بُطُونِها ، مُسْتَخْرِجًا كُنُوزَها ودَفائِـنَها .
      وكَمْ مِنْ غَوَّاصٍ غاصَ في بِحارِ أَسْلافِنا فأَخْرَجَ مِنَ اللَّآلِـئِ ما يَبْهرُ الأَنْظارَ ، ويُحَيِّرُ العُقُول والأنْظارَ ، وما زالَ البَحْرُ زاخِرًا ، زاخِرًا بِما فيه مِنْ تِلْكَ الكُنُوزِ .
      نسْأَلُ اللهَ أَنْ يُهَـيِّـئَ لِـهذِه الأُمَّـةِ مِنْ أَمْرِها رَشَدًا .

      تعليق

      يعمل...
      X