خطأ شائع في تعريف أسلوب الخبر:
يقسم العلماء الأساليب العربية إلى قسمين, خبر, وهو ما يحتمل أو يدخله الصدق والكذب، وإنشاء, وهو ما لا يحتمل الصدق والكذب، قال ابن فارس رحمه الله في الصاحبي في فقه اللغة:
باب معاني الكلام:
وهي عند بعض أهل العلم عشرة: خبرٌ. واستخبار. وأمر. ونهي. ودُعاء. وطَلَب. وعَرْض. وتحْضيض. وتَمنّ. وتعجّبٌ. ا.ه رحمه الله.
وهذه الأقسام العشرة ترجع إلى قسمين, خبر, وإنشاء.
والخبر في معناه اللغوي العلم, بأن تعلم مخاطبك بأمر ما، ومن الأخطاء التي نشأنا عليها أنهم علمونا أن ضابط أسلوب الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب، بدون تفصيل، وهذا كلام فيه نظر، فالخبر يمكن الحكم عليه من جهتين, من حيث المخبر به، ومن حيث المخاطب به.
أما من حيث المخبر به فقد قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الأصول من علم الأصول:
وذلك أن الخبر من حيث المخبر به ثلاثة أقسام:
الأول : ما لا يمكن وصفه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه.
الثاني : ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعاً أو عقلاً.
فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد النبي ï·؛، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد.
الثالث: ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما، كإخبار شخص عن قدوم غائب ونحوه. ا.ه رحمه الله.
ولذا فتعريف الخبر الذي ارتضاه الشيخ رحمه الله في المصدر السابق هو: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته.
ومن هنا يتبين لك أن العبارة المشتهرة من أن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب عبارة مجملة, فمن الأخبار ما لا يوصف إلا بالصدق فقط وهي أخبار الشرع، ومنها ما لا يوصف إلا بالكذب كالإخبار عن المستحيل شرعا أو عقلا، زد على ذلك أن بقية الأخبار المحتملة للصدق والكذب ثلاثة أقسام, ما صدقه راجح، ما كذبه راجح، مستوي الطرفين، وهذه التفاصيل كلها لا تسعها عبارة احتمال الصدق والكذب.
ولم يخرج القسم الذي لا يمكن وصفه إلا بالصدق، ولا يمكن أن يوصف إلا بالكذب عن كونها أخبارا، ولذا فهي تحتاج إلى أن تدخل في ضابط الخبر، فكيف السبيل إلى ضابط جامع مانع تدخل فيه الأقسام الخمسة؟
وهنا تبرز أهمية النظر إلى الأسلوب الخبري من حيث المخاطب به فيمكن أن يقال إن الخبر ما يمكن أن يلحقه التصديق أو التكذيب, نحو: ذهب الرجل إلى السوق.
وتدخل في هذا الضابط الأقسام الخمسة المذكورة سابقا, ما لا يوصف إلا بالصدق، ما لا يوصف إلا بالكذب، ما الراجح فيه الكذب، ما الراجح فيه الصدق، ما يستوي فيه الطرفان، فأما أخبار الشرع فهو صدق في ذاته, قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثا} وقال أيضا: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. ويمكن أن يلحقها التكذيب إما عنادا أو كبرا أو جحودا وإنكارا أو غير ذلك, قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}، وقال أيضا: {فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ} الآية. وأما المستحيل شرعا أو عقلا فمع أنها لا توصف إلا بالكذب فيلحقها التصديق إما سذاجة أو ظنا أو غفلة من التزيين أو غير ذلك, قال تعالى: }وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون}، فهنا تدخل الأقسام الخمسة في إمكانية أن يلحقها التصديق أو التكذيب.
ومما يدلك على قوة هذا الضابط أنه معتبر شرعا في الإثابة أو العقوبة, قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين، والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين}.
ومما يقوي هذا الضابط ما يتناوله أهل البلاغة في اعتبار حال المخاطب، والمخاطب بالخبر له ثلاث حالات, إما أن يكون المخاطب خالي الذهن فيلقى إليه الخبر بلا مؤكدات ويسمى خبرا ابتدائيا يفيد العلم، وإما أن يكون المخاطب شاكا أو مترددا فيؤكد له الخبر بمؤكد ويسمى خبرا طلبيا، وإما إن يكون المخاطب منكرا فيؤكد له الخبر بمؤكدات عدة ويسمى خبرا إنكاريا، وهذه التدرجات إنما تنبني على إمكانية تطرق الأخبار للتصديق أو التكذيب بغض النظر عن كونها صدقا في ذاتها أو كذبا في ذاتها، أو يمكن أن توصف بالصدق أو الكذب.
قال ابن فارس رحمه الله في الصاحبي:
بابُ الخَبَرِ:
أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثرَ من أنّه إعلامٌ. تقول: "أخبرتُه. أخُبِرْه" والخبر هو العلم.
وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه. وهو إفادة المخاطَب أمراً في ماضٍ من زمان أو مستَقبل أو دائم. نحو "قام زيد" و"يقوم زيد" و"قائم زيد". ثم يكون واجباً وجائزاً وممتنعاً. فالواجب قولنا: "النار مُحرقة". والجائز وقولنا: "لقي زيد عمراً". والممتنع قولنا: "حملت الجَبَل". ا.ه رحمه الله.
وجاء في مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي بتعليق الشيخ محمد عطية سالم رحمهما الله:
(فصل)
وحد الخبر هو الذي يتطرق اليه التصديق أو التكذيب وإيضاحه أن ضابط الخبر هو ما يمكن أن يقال لقائله صدقت أو كذبت وما لا يمكن فيه ذلك فهو الإنشاء كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الطلب وكصيغ العقود لأنها لإنشاء العقد لا للأخيار به. ا.ه رحمه الله.
فيتلخص أن قوة هذا الضابط تكمن في ثلاثة أمور, دخول أقسام الخبر الخمسة فيه، وترتب الإثابة والعقاب عليه، وتدرج البلاغيين في أضرب الخبر باعتبار حال المخاطب من حيث التصديق أو التكذيب.
فلذا تكون عبارة أن الخبر ما يمكن أن يلحقه أو يتطرق إليه تصديق أو تكذيب أدق من عبارة ما يحتمل أو يدخله الصدق والكذب، والله أعلم.
يقسم العلماء الأساليب العربية إلى قسمين, خبر, وهو ما يحتمل أو يدخله الصدق والكذب، وإنشاء, وهو ما لا يحتمل الصدق والكذب، قال ابن فارس رحمه الله في الصاحبي في فقه اللغة:
باب معاني الكلام:
وهي عند بعض أهل العلم عشرة: خبرٌ. واستخبار. وأمر. ونهي. ودُعاء. وطَلَب. وعَرْض. وتحْضيض. وتَمنّ. وتعجّبٌ. ا.ه رحمه الله.
وهذه الأقسام العشرة ترجع إلى قسمين, خبر, وإنشاء.
والخبر في معناه اللغوي العلم, بأن تعلم مخاطبك بأمر ما، ومن الأخطاء التي نشأنا عليها أنهم علمونا أن ضابط أسلوب الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب، بدون تفصيل، وهذا كلام فيه نظر، فالخبر يمكن الحكم عليه من جهتين, من حيث المخبر به، ومن حيث المخاطب به.
أما من حيث المخبر به فقد قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الأصول من علم الأصول:
وذلك أن الخبر من حيث المخبر به ثلاثة أقسام:
الأول : ما لا يمكن وصفه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه.
الثاني : ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعاً أو عقلاً.
فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد النبي ï·؛، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد.
الثالث: ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما، كإخبار شخص عن قدوم غائب ونحوه. ا.ه رحمه الله.
ولذا فتعريف الخبر الذي ارتضاه الشيخ رحمه الله في المصدر السابق هو: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته.
ومن هنا يتبين لك أن العبارة المشتهرة من أن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب عبارة مجملة, فمن الأخبار ما لا يوصف إلا بالصدق فقط وهي أخبار الشرع، ومنها ما لا يوصف إلا بالكذب كالإخبار عن المستحيل شرعا أو عقلا، زد على ذلك أن بقية الأخبار المحتملة للصدق والكذب ثلاثة أقسام, ما صدقه راجح، ما كذبه راجح، مستوي الطرفين، وهذه التفاصيل كلها لا تسعها عبارة احتمال الصدق والكذب.
ولم يخرج القسم الذي لا يمكن وصفه إلا بالصدق، ولا يمكن أن يوصف إلا بالكذب عن كونها أخبارا، ولذا فهي تحتاج إلى أن تدخل في ضابط الخبر، فكيف السبيل إلى ضابط جامع مانع تدخل فيه الأقسام الخمسة؟
وهنا تبرز أهمية النظر إلى الأسلوب الخبري من حيث المخاطب به فيمكن أن يقال إن الخبر ما يمكن أن يلحقه التصديق أو التكذيب, نحو: ذهب الرجل إلى السوق.
وتدخل في هذا الضابط الأقسام الخمسة المذكورة سابقا, ما لا يوصف إلا بالصدق، ما لا يوصف إلا بالكذب، ما الراجح فيه الكذب، ما الراجح فيه الصدق، ما يستوي فيه الطرفان، فأما أخبار الشرع فهو صدق في ذاته, قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثا} وقال أيضا: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. ويمكن أن يلحقها التكذيب إما عنادا أو كبرا أو جحودا وإنكارا أو غير ذلك, قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}، وقال أيضا: {فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ} الآية. وأما المستحيل شرعا أو عقلا فمع أنها لا توصف إلا بالكذب فيلحقها التصديق إما سذاجة أو ظنا أو غفلة من التزيين أو غير ذلك, قال تعالى: }وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون}، فهنا تدخل الأقسام الخمسة في إمكانية أن يلحقها التصديق أو التكذيب.
ومما يدلك على قوة هذا الضابط أنه معتبر شرعا في الإثابة أو العقوبة, قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين، والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين}.
ومما يقوي هذا الضابط ما يتناوله أهل البلاغة في اعتبار حال المخاطب، والمخاطب بالخبر له ثلاث حالات, إما أن يكون المخاطب خالي الذهن فيلقى إليه الخبر بلا مؤكدات ويسمى خبرا ابتدائيا يفيد العلم، وإما أن يكون المخاطب شاكا أو مترددا فيؤكد له الخبر بمؤكد ويسمى خبرا طلبيا، وإما إن يكون المخاطب منكرا فيؤكد له الخبر بمؤكدات عدة ويسمى خبرا إنكاريا، وهذه التدرجات إنما تنبني على إمكانية تطرق الأخبار للتصديق أو التكذيب بغض النظر عن كونها صدقا في ذاتها أو كذبا في ذاتها، أو يمكن أن توصف بالصدق أو الكذب.
قال ابن فارس رحمه الله في الصاحبي:
بابُ الخَبَرِ:
أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثرَ من أنّه إعلامٌ. تقول: "أخبرتُه. أخُبِرْه" والخبر هو العلم.
وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه. وهو إفادة المخاطَب أمراً في ماضٍ من زمان أو مستَقبل أو دائم. نحو "قام زيد" و"يقوم زيد" و"قائم زيد". ثم يكون واجباً وجائزاً وممتنعاً. فالواجب قولنا: "النار مُحرقة". والجائز وقولنا: "لقي زيد عمراً". والممتنع قولنا: "حملت الجَبَل". ا.ه رحمه الله.
وجاء في مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي بتعليق الشيخ محمد عطية سالم رحمهما الله:
(فصل)
وحد الخبر هو الذي يتطرق اليه التصديق أو التكذيب وإيضاحه أن ضابط الخبر هو ما يمكن أن يقال لقائله صدقت أو كذبت وما لا يمكن فيه ذلك فهو الإنشاء كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الطلب وكصيغ العقود لأنها لإنشاء العقد لا للأخيار به. ا.ه رحمه الله.
فيتلخص أن قوة هذا الضابط تكمن في ثلاثة أمور, دخول أقسام الخبر الخمسة فيه، وترتب الإثابة والعقاب عليه، وتدرج البلاغيين في أضرب الخبر باعتبار حال المخاطب من حيث التصديق أو التكذيب.
فلذا تكون عبارة أن الخبر ما يمكن أن يلحقه أو يتطرق إليه تصديق أو تكذيب أدق من عبارة ما يحتمل أو يدخله الصدق والكذب، والله أعلم.