- الشيخ فركوس
- ألفاظ في الميزان
السؤال:
أحسن اللهُ إليك، انتشرت في هذه الأزمانِ مصطلحاتُ «العامِّيِّ» و«العوامِّ»، ما المقصود بها؟
وهل الذي يُطلقها على غير السُّنِّيِّين أو السلفيِّين مصيبٌ في ذلك؟ أرجو منكم البيانَ الشافيَ في هذه المسألة، وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالعامِّيُّ: جمعُه عوامُّ، وهو: المنسوبُ إلى العامَّة مِن الناس، ويُطْلَق على العوامِّ -أيضًا-: الجمهورُ من الناس بمعنى معظمِهم وجُلِّهم، والعامَّةُ مِن الناس ضدُّ الخاصَّة، والمرادُ بالخاصَّة -في باب العلم-: الأثباتُ وأهلُ النظر والاجتهاد والبصيرة، وأهلُ الحَلِّ والعقد، الذين لهم مزيدُ رتبةِ شرفِ العلمِ على العوامِّ، لذلك لا اعتبارَ للعوامِّ في الإجماع مطلقًا اتِّفاقًا أو خلافًا عند الأكثرين مِن العلماء والأصوليِّين؛ لأنهم حشوٌ من الناس لا يُعتمد عليهم لجهلِهم، والحشوُ من الكلام هو الفضلُ الذي لا خيرَ فيه.
هذا، والمعلومُ أنَّ من سمةِ أهل الأهواء: بُغْضَهم للسلف أهلِ السُّنَّة والجماعةِ ولَمْزَهم وتعييرَهم بألقابٍ شائنةٍ ابتدعوها منها: الحشويةُ نسبةً إلى حشوِ الناس، وهمُ العامَّةُ والجمهورُ، ولهم في ذلك ألقابٌ أخرى.
وأوَّلُ من أطلق كلمةَ «الحشوية»: عمرُو بنُ عُبَيْدٍ رأسُ المعتزلةِ حين ذُكر له عن عبد الله بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ما يخالف مقولتَه(١)، فقال: «كان ابنُ عمرَ حشويًّا»(٢)، وكان هذا اللَّفظُ في اصطلاحِ مَن قاله يريد به العامَّةَ والجمهورَ الذين هم حشوٌ لا يُعتمد عليهم لجهلِهم.
ولَمَّا استأذن ابنُ أبي داود على الجاحظ -وكان مُتكلِّمًا معتزليًّا- قال: «من أنت؟»، قال: «رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ»، فقال: «أَوَمَا عَلِمْتَ أَنِّي لاَ أَقُولُ بِالحَشْوِيَّةِ؟»(٣) طعنًا منه في أهل الحديث والأثر، قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: «علامةُ أهلِ البدعِ الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزَّنادقةِ تسميتُهم أهلَ الأثر حشويَّةً، يريدون بذلك إبطالَ الأثر، وعلامةُ القدرية تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مُجْبِرَةً، وعلامةُ الجهميَّةِ تسميتُهم أهلَ السُّنَّةِ مشبِّهةً، وعلامةُ الرافضة تسميتُهم أهلَ الأثر نابتةً وناصبةً»(٤).
والمنصفُ إذا حقَّق النَّظرَ في منهج أهل الكلام في التأليف والتنظير يلاحِظ زهادةَ اعتمادِهم على الأحاديث والآثار، وحلولَ المراء والجدال والخصوماتِ محلَّها، ومعظمُ مصنَّفاتِهم ومناظراتِهم ومقالاتِهم يَحشونها بالظنون والأوهامِ والخيالِ مع إثقال الكلام بما لا طائلَ تحته، ومفرَّغٌ غالبًا مِن بركة العلم وصحَّةِ الاعتقاد، فناسَبَ أهلَ الكلامِ ومَن على شاكلتِهم وصفُ الحشويَّة، وهي جديرةٌ بهم، وهم أحقُّ بها تسميةً.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
(١) انظر: «معجم المناهي اللفظيّة» لبكر أبو زيد (٢٣٢).
(٢) انظر: «منهاج السنَّة النبوية» (٢/ ٥٢٠) و«مجموع الفتاوى» (١٢/ ١٠، ١١، ١٧٦، ٥/ ٥١١) كلاهما لابن تيميَّة.
(٣) «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١١/ ٥٣٠).
(٤) «عقيدة السلف» (١٠٥).