حدثنا محمد بن أبيه قال:
لما بلغت من العمر تكليفا , و جاوزت زمنا مرّ خفيفاً , تفكرت في حالي , و ما سيكون في مآلي ,فما وجدت غير طريق الصالحين نافع , و ما رأيت بعد هدي السالكين من دافع ,فعزمت على التقوى و الزهد ,و شمرت ساعدي للبعد , فما كان إلا أن جمعت متاعي , و تركت أهلي باكين عند الوادع, و شرعت في طي المفاوز و القفار , و أنا في ذلك أتنقل ما بين سيارة وقطار , حتى أدركت بلاد العلم , من بعد أن عانيت صنوف الهم , و ما أن أشرفت على مداخل المدينة ,حتى بدت أنوارها العميمة , و أسوارها القديمة .
تلـــك البلاد بلاد كلها نعم *** و العين باكية والقلب قد كلفا
اللّه شرفها من بعد مـــكتنا *** فيها المهـاجر والأنصار و الحلفا
فيها العلوم و فيها الخير منتشر*** فيها الكرام ذوو الأخلاق والحنفا
فكان أن يممت وجهي صوب المسجد , لأنهل من ذلك المورد , و أزور المصطفى الحبيب , قبل كل حبّ قريب , فما دخلته , حتى رجف فؤادي من بهائه , و جميل عمرانه , و حسن نظامه , تنظر في جنباته , فترى المنبر و الروضة عن يساره , و القبر الشريف عن يمينه , فصليت أحسن ركعتين , لكأني ما صليت قبلها لثاني القبلتين , و سلمت على المبعوث بالرحمة , صاحب اللواء و الحكمة , و على صاحبيه النجباء , من ناصروه في الشدة و الرخاء , و شرعت أطوف بالمسجد أتتبع حلقه , و أشتم عبقه , و أنهل من علوم أعلامه الكبار,الذين ترى حلقهم يرتادها المؤمنون من كل الأقطار .
و بينا أنا في سرور , و قلبي قد غشاه ما غشاه من الحبور , إذ بي أفزع من صوت مزمار عنيف, ينعص عيش الملك الشريف , فأدركت حينها أن الحلم كان جميلا , و الوقت فيه كان قصيرًا طويلاً.
فرجعت إلى مولاي أسأله , و أطلب توفيقه فيما أؤمّله :
مولاي يا ربّ الخلائق كلّها *** يا عالـمًا بالـسرّ و الإعلان
يا كافلا رزق الجميع و راحما *** كلّ الأناسي بل كذا للجان
أمنن عليّ بفضل مال واسع *** فأطوف بالأقـطار و البلدان
و أزرو مكة و المدينة بعدها *** و أفوز بـالأجر و بالرضوان
محاولة العكرمي : ليلة 14 من رمضان 1434 هجري
لما بلغت من العمر تكليفا , و جاوزت زمنا مرّ خفيفاً , تفكرت في حالي , و ما سيكون في مآلي ,فما وجدت غير طريق الصالحين نافع , و ما رأيت بعد هدي السالكين من دافع ,فعزمت على التقوى و الزهد ,و شمرت ساعدي للبعد , فما كان إلا أن جمعت متاعي , و تركت أهلي باكين عند الوادع, و شرعت في طي المفاوز و القفار , و أنا في ذلك أتنقل ما بين سيارة وقطار , حتى أدركت بلاد العلم , من بعد أن عانيت صنوف الهم , و ما أن أشرفت على مداخل المدينة ,حتى بدت أنوارها العميمة , و أسوارها القديمة .
تلـــك البلاد بلاد كلها نعم *** و العين باكية والقلب قد كلفا
اللّه شرفها من بعد مـــكتنا *** فيها المهـاجر والأنصار و الحلفا
فيها العلوم و فيها الخير منتشر*** فيها الكرام ذوو الأخلاق والحنفا
فكان أن يممت وجهي صوب المسجد , لأنهل من ذلك المورد , و أزور المصطفى الحبيب , قبل كل حبّ قريب , فما دخلته , حتى رجف فؤادي من بهائه , و جميل عمرانه , و حسن نظامه , تنظر في جنباته , فترى المنبر و الروضة عن يساره , و القبر الشريف عن يمينه , فصليت أحسن ركعتين , لكأني ما صليت قبلها لثاني القبلتين , و سلمت على المبعوث بالرحمة , صاحب اللواء و الحكمة , و على صاحبيه النجباء , من ناصروه في الشدة و الرخاء , و شرعت أطوف بالمسجد أتتبع حلقه , و أشتم عبقه , و أنهل من علوم أعلامه الكبار,الذين ترى حلقهم يرتادها المؤمنون من كل الأقطار .
و بينا أنا في سرور , و قلبي قد غشاه ما غشاه من الحبور , إذ بي أفزع من صوت مزمار عنيف, ينعص عيش الملك الشريف , فأدركت حينها أن الحلم كان جميلا , و الوقت فيه كان قصيرًا طويلاً.
فرجعت إلى مولاي أسأله , و أطلب توفيقه فيما أؤمّله :
مولاي يا ربّ الخلائق كلّها *** يا عالـمًا بالـسرّ و الإعلان
يا كافلا رزق الجميع و راحما *** كلّ الأناسي بل كذا للجان
أمنن عليّ بفضل مال واسع *** فأطوف بالأقـطار و البلدان
و أزرو مكة و المدينة بعدها *** و أفوز بـالأجر و بالرضوان
محاولة العكرمي : ليلة 14 من رمضان 1434 هجري