بسم الله الرحمن الرحيم
قال الفتى السُّلمي: ألْقتني يَد المسْند ببعض أيام رمضانَ إلى ناحية من نواحي (.....) ، وبينا أنا أطُوف هائما إذا رجلٌ قائما(1) ، شابٌ في وجهه نَضارة وعلى منْطِقِهِ حلاوةُ عبارة ، قد طرح عليه ماءُ الحياء احمرار الوَجنة كبدر في حلْكُوك الدُّجنة ، كأن عُثنونه سوْرة درباسٍ مع جمال هيئةٍ وحسنِ لباسٍ .
فقال مبادرا كأنّه يَعرفني: ما بالك وكيفَ حالُك ؟ وما الذي أتى بك هُنا؟ وليس لك في تغربك الهناءُ ، فإن شئت جئت معي البيتَ وصاحبتني السَّمتَ ، فأجبته طلب الغنية عما أنا فيه من ورطةٍ كأنني مطلوب عند الشرطةِ.
فقادني إلى بيت مُشمَخرِّ البناء واسع الأرجاءِ، في ظله سيارة فارهةٌ(*) ونفسي من طول اللقم نافهةٌ، فقال : انتظر قليلا ولا تظُنّنّي ماكثاً طويلا، فجلست في الظل أنتظرهُ رجاء أن يأتني بالدخول أمْره ، فإذا بالعرقِ يتصببُ من طول الجَلْسة والجِلسة ، ثم عاد إليّ مبتسما وعن تطويله معتذراً ، فأدخلني إلى غرفة مكيّفة عالية السقف في أعلاها مثل الحقف(*) ، وقال مداعباً : ما حال بَِسْكرة(*) ؟ الظاهر أن (الحية هناك من السخانة مصكرة)، فقلت : كيف عرفت أنني من هناك ؟ فقال : ما الذي دهاك ، ألست أنت من عرفني أصله وفصله وحنجه وبنجه أنك : عبد الصمد بن أحمد السلمي البسكري ؟
فنظرت إليه مرعوبا: اسمع أيها المخلوق الذي في بيانه غروب وشروق ، كيف لك أن تعرف حالي واتصالي وأنت بعيد عن وصلي ووصالي ؟ فأزهق وزهزق حتى أغرق، ثم قال : لا تشغل بالك بأمري ودعني وكرّي وفرّي.
ثم طال الحديث عن أمور أكثرها لا نفقهها ولا ندرك شأوها إلى حين غروب الشمس والإفطار فصاح بأخ له من أبيه وأمه أن :ايت بطعام ضيفنا ، فجاء بعد برهة متضائلا ولصاحبي قائلا: ما تريد؟
فقال : أكرم ضيفنا بما لذ وطاب فإنه ناء الدار .
ثم جاء بوَضوء ، وقال : لنذهب إلى المسجد لصلاة المغرب فإنه قد اقترب ، فمضينا إلى حيث قال وقبل الصلاة صال بي وجال ، ثم صلينا وعدنا مسرعين حال كل شخص وأنا مرتقب أنه أهنأ وأمرأ وأمرق وأجرى ،وشخشخ وشكشك ومحكك ودشش وبركش وبربش وبهرسَ وأرفس ، فلما دخلنا ما كان إلا أن خلبز وخربط وملخ وبلخ وجاء بأشياءَ لا أعرفها ، وقال : ليأكل أبو أحمد عذبا .
فلما لم أجد بدّا من ترقيع خرق الخواء مددت يدي هنا وهناك مُنَقِّراً ، فعرف ما بي فقال : كأنك لم تعجب بما هو مقدم ، فلا يحسنون (2)أهلي غير هذا.
فأنشأت أقول:
يا لهف نفسي على لوزينج شبم ..... قد حط عن جنبه قعب به ماء
صاحت عصافير بطني من حلاوته ......فللعصافير إنـزال وإسراء
في أكله عود روح بعد ضويتها .....فغادرت من لذيذ الطعم ضراء
ضراء ذي سغَب تسفي بحرجفها .... على الذي قد أضرته الثويناء(3)
فبت عنده تلك الليلة ولما أردت مغادرته قلتُ : بالذي خلق السماوات والأرض من تكون؟
فقال : أنا (.........) قلت :ذاك البطل الكميُّ ، فقبلته في جبينه قبلة ثم سلمت وانصرفت.
--------------------
1-نصب على أنه حال من المبتدأ على مذهب سيبويه، وابتدأنا بنكرة لعظم المقام ، والله أعلم.
2- على لغة أكلوه البراغيث -حسب نطقه هو-
3-حسب طبيعة عملي ، لذلك جئت بها.
(*) ليست على ظاهرها ، كما أفادني .
(*) تصحفت عند الكتابة ، والصواب : القحف.
(*) هي بالفتح والكسر كما في( القاموس).
قال الفتى السُّلمي: ألْقتني يَد المسْند ببعض أيام رمضانَ إلى ناحية من نواحي (.....) ، وبينا أنا أطُوف هائما إذا رجلٌ قائما(1) ، شابٌ في وجهه نَضارة وعلى منْطِقِهِ حلاوةُ عبارة ، قد طرح عليه ماءُ الحياء احمرار الوَجنة كبدر في حلْكُوك الدُّجنة ، كأن عُثنونه سوْرة درباسٍ مع جمال هيئةٍ وحسنِ لباسٍ .
فقال مبادرا كأنّه يَعرفني: ما بالك وكيفَ حالُك ؟ وما الذي أتى بك هُنا؟ وليس لك في تغربك الهناءُ ، فإن شئت جئت معي البيتَ وصاحبتني السَّمتَ ، فأجبته طلب الغنية عما أنا فيه من ورطةٍ كأنني مطلوب عند الشرطةِ.
فقادني إلى بيت مُشمَخرِّ البناء واسع الأرجاءِ، في ظله سيارة فارهةٌ(*) ونفسي من طول اللقم نافهةٌ، فقال : انتظر قليلا ولا تظُنّنّي ماكثاً طويلا، فجلست في الظل أنتظرهُ رجاء أن يأتني بالدخول أمْره ، فإذا بالعرقِ يتصببُ من طول الجَلْسة والجِلسة ، ثم عاد إليّ مبتسما وعن تطويله معتذراً ، فأدخلني إلى غرفة مكيّفة عالية السقف في أعلاها مثل الحقف(*) ، وقال مداعباً : ما حال بَِسْكرة(*) ؟ الظاهر أن (الحية هناك من السخانة مصكرة)، فقلت : كيف عرفت أنني من هناك ؟ فقال : ما الذي دهاك ، ألست أنت من عرفني أصله وفصله وحنجه وبنجه أنك : عبد الصمد بن أحمد السلمي البسكري ؟
فنظرت إليه مرعوبا: اسمع أيها المخلوق الذي في بيانه غروب وشروق ، كيف لك أن تعرف حالي واتصالي وأنت بعيد عن وصلي ووصالي ؟ فأزهق وزهزق حتى أغرق، ثم قال : لا تشغل بالك بأمري ودعني وكرّي وفرّي.
ثم طال الحديث عن أمور أكثرها لا نفقهها ولا ندرك شأوها إلى حين غروب الشمس والإفطار فصاح بأخ له من أبيه وأمه أن :ايت بطعام ضيفنا ، فجاء بعد برهة متضائلا ولصاحبي قائلا: ما تريد؟
فقال : أكرم ضيفنا بما لذ وطاب فإنه ناء الدار .
ثم جاء بوَضوء ، وقال : لنذهب إلى المسجد لصلاة المغرب فإنه قد اقترب ، فمضينا إلى حيث قال وقبل الصلاة صال بي وجال ، ثم صلينا وعدنا مسرعين حال كل شخص وأنا مرتقب أنه أهنأ وأمرأ وأمرق وأجرى ،وشخشخ وشكشك ومحكك ودشش وبركش وبربش وبهرسَ وأرفس ، فلما دخلنا ما كان إلا أن خلبز وخربط وملخ وبلخ وجاء بأشياءَ لا أعرفها ، وقال : ليأكل أبو أحمد عذبا .
فلما لم أجد بدّا من ترقيع خرق الخواء مددت يدي هنا وهناك مُنَقِّراً ، فعرف ما بي فقال : كأنك لم تعجب بما هو مقدم ، فلا يحسنون (2)أهلي غير هذا.
فأنشأت أقول:
يا لهف نفسي على لوزينج شبم ..... قد حط عن جنبه قعب به ماء
صاحت عصافير بطني من حلاوته ......فللعصافير إنـزال وإسراء
في أكله عود روح بعد ضويتها .....فغادرت من لذيذ الطعم ضراء
ضراء ذي سغَب تسفي بحرجفها .... على الذي قد أضرته الثويناء(3)
فبت عنده تلك الليلة ولما أردت مغادرته قلتُ : بالذي خلق السماوات والأرض من تكون؟
فقال : أنا (.........) قلت :ذاك البطل الكميُّ ، فقبلته في جبينه قبلة ثم سلمت وانصرفت.
--------------------
1-نصب على أنه حال من المبتدأ على مذهب سيبويه، وابتدأنا بنكرة لعظم المقام ، والله أعلم.
2- على لغة أكلوه البراغيث -حسب نطقه هو-
3-حسب طبيعة عملي ، لذلك جئت بها.
(*) ليست على ظاهرها ، كما أفادني .
(*) تصحفت عند الكتابة ، والصواب : القحف.
(*) هي بالفتح والكسر كما في( القاموس).