كتابة كلمة (مئة) من دون ألف كان معروفًا من قبل، ولم يكن وَلِيدَ زمانِنا كما يظن بعضُ الناس.
نقَل ابنُ السرًاج عن المبرد أنه قال: «فمن اتّبع الكُتّاب كَتَبَ (مائة) كما يكتبون، ومَن آثَرَ الصوابَ كتبَها بياءٍ وهَمَزَها».
ونقل السيوطي عن أبي حيان أنه قال: «وكثيرًا ما أكتب أنا (مئة) بغير ألف كما تكتب (فئة)؛ لأن كَتْبَ (مائة) بالألف خارج عن الأقيسة ... قال: وحكى صاحب البديع أن منهم من يحذف الألف من (مائة) في الخط».
وزيادةً على ذلك قد اعتمدَتْه في زماننا مجامعُ لغوية، وأَخَذَ به جَماعةٌ من الكتّاب المحترفين من علماء العربية وغيرهم، وصار وجهًا معمولًا به في الكتابة في زماننا، إذَنْ فليس إلى تخطئته سبيلٌ.
وما قيل في (مئة) يقال في (هيئة)، فقد زعم كثيرون أن الشائع في المخطوطات القديمة هو كتابة (هيأة) بالألف.
وهذا الكلام ليس صحيحًا.
قال ابن السراج: «وإذا كانت الهمزة لامًا وقبلها ياء أو واو مفتوحًا ما قبلها، ودخلت عليها هاء التأنيث حذفت، نحو: الهيئة والسَوْءة والفيئة، فهذه لو كان موضع الواو والياء غيرهُما من حروف الصحة لكُتبَتْ أَلِفًا».
وقال أبو حيان: «ومنهم من يجعل صورتها الألف على كل حال، وهو أقل استعمالًا».
فهذا يدل على أن رسمها بالألف كان هو الأقل استعمالًا عند القدماء، وليس العكس.
ولا يعني هذا أنه خطأ؛ فهو معمول به في زماننا وقبل زماننا، لكنه ليس الأكثر، كما أنه ليس الأقيَس.
وتفصيل ذلك أن للعلماء في رسم الهمزة مذهبين:
1- كتابتها على مذهب أهل التخفيف: وذلك بكتابتها على صور أحد حروف المد، مثل: المؤمنون، المئذنة، المأكل. إلا إذا وقعت في أول الكلمة فإنها ترسم ألفا بكل حال.
2- كتابتها على مذهب أهل التحقيق: وذلك بكتابتها على صورة الألف مطلقًا حيثما وقعت وكيفما وقعت. مثل: المُأمنون، المِأذنة، المأكل.
والمذهب الأول هو الشائع قديما وحديثا، وهو الذي عليه رسم المصحف، وأما المذهب الثاني فهو قليل الاستعمال، يتبناه في كل زمان فئة قليلة ولا يلقى انتشارا وشيوعا بين الناس. وقد تبناه في زماننا بعض الكتّاب، ولا سيما من المنادين بتسهيل الكتابة في زماننا، لكن مع ذلك لم يلق انتشارًا أيضًا.
والهمزة في (هيئة) إذا كتبت على لغة أهل التحقيق تكتب: هيأة.
وأما على لغة التسهيل فاختُلف فيها؛
- فهناك من يكتبها (هيأة) طردًا للقاعدة التي تقول: كل همزة مفتوحة يسبقها سكون ترسم على الألف؛ لأن الفتحة أقوى من السكون، والفتحة تجانسها الألف.
وهذا الرأي فيما يتعلق بهذه الكلمة يتفق مع ما قبله في النتيجة ويختلف في المقدمة والعلة.
- وهناك من يرسمها مفردة على المتسع الذي يين الياء والهاء، أي مثلما تكتب في رسم المصحف، وهذا بناء على أن هذه الكلمة عندما تسهّل تنطق (هَيَّة)؛ فلذلك رسمت الهمزة على المتسع لتتوافق مع لغة أهل التخفيف؛ قد ذكر ابنُ جني في آخِر كتابه (عقود الهمزة) ما ملخصه: أنه إذا أشكل عليك كتابة همزة فاكتبها على لغة من يخفِّف.
ثم بعد ظهور المطابع في زماننا لم يتمكنوا من كتابتها على المتسع، فاضطروا إلى استخدام النبْرة، ثم مع الوقت شاع استخدام النبرة وأصبح امرًا مستساغًا في الكتابة.
ولا يخفاكم أن الإملاء الذي نبكتب به اصطلاحي لا توقيفي، فبما أن الناس اصطلحوا على ذلك فلا بأس، ولا يوصف ذلك بالخطأ.
وعليه فهذا المذهب أقرب -من حيث الصورة- إلى الشائع عن المتقدمين، إضافة إلى أنه أكثر انتشارًا في زماننا؛ لذاك هو أصح، ولا أقول: (صحيح)؛ لأن (صحيح) يعني أن ما يقابله خطأ، وليس الأمر كذلك، وإنما هو صحيح أيضا؛ لذلك يقال أصح؛ لأن ما يقابله صحيح وليس خطأ، وإنما المسألة مسألة تفضيل بين صحيحين.
وخلاصة الكلام أن كل الصور المذكورة معمول بها. وبناء على ذلك فلا إنكار على من أخذ بمذهب منها؛ لأنها مبنية على اجتهادات بِرَدِّها إلى بعض الأصول العامة في الإملاء.
علي المالكي
أستاذ اللغويات بكلية التربية - جامعة بنغازي
نقَل ابنُ السرًاج عن المبرد أنه قال: «فمن اتّبع الكُتّاب كَتَبَ (مائة) كما يكتبون، ومَن آثَرَ الصوابَ كتبَها بياءٍ وهَمَزَها».
ونقل السيوطي عن أبي حيان أنه قال: «وكثيرًا ما أكتب أنا (مئة) بغير ألف كما تكتب (فئة)؛ لأن كَتْبَ (مائة) بالألف خارج عن الأقيسة ... قال: وحكى صاحب البديع أن منهم من يحذف الألف من (مائة) في الخط».
وزيادةً على ذلك قد اعتمدَتْه في زماننا مجامعُ لغوية، وأَخَذَ به جَماعةٌ من الكتّاب المحترفين من علماء العربية وغيرهم، وصار وجهًا معمولًا به في الكتابة في زماننا، إذَنْ فليس إلى تخطئته سبيلٌ.
وما قيل في (مئة) يقال في (هيئة)، فقد زعم كثيرون أن الشائع في المخطوطات القديمة هو كتابة (هيأة) بالألف.
وهذا الكلام ليس صحيحًا.
قال ابن السراج: «وإذا كانت الهمزة لامًا وقبلها ياء أو واو مفتوحًا ما قبلها، ودخلت عليها هاء التأنيث حذفت، نحو: الهيئة والسَوْءة والفيئة، فهذه لو كان موضع الواو والياء غيرهُما من حروف الصحة لكُتبَتْ أَلِفًا».
وقال أبو حيان: «ومنهم من يجعل صورتها الألف على كل حال، وهو أقل استعمالًا».
فهذا يدل على أن رسمها بالألف كان هو الأقل استعمالًا عند القدماء، وليس العكس.
ولا يعني هذا أنه خطأ؛ فهو معمول به في زماننا وقبل زماننا، لكنه ليس الأكثر، كما أنه ليس الأقيَس.
وتفصيل ذلك أن للعلماء في رسم الهمزة مذهبين:
1- كتابتها على مذهب أهل التخفيف: وذلك بكتابتها على صور أحد حروف المد، مثل: المؤمنون، المئذنة، المأكل. إلا إذا وقعت في أول الكلمة فإنها ترسم ألفا بكل حال.
2- كتابتها على مذهب أهل التحقيق: وذلك بكتابتها على صورة الألف مطلقًا حيثما وقعت وكيفما وقعت. مثل: المُأمنون، المِأذنة، المأكل.
والمذهب الأول هو الشائع قديما وحديثا، وهو الذي عليه رسم المصحف، وأما المذهب الثاني فهو قليل الاستعمال، يتبناه في كل زمان فئة قليلة ولا يلقى انتشارا وشيوعا بين الناس. وقد تبناه في زماننا بعض الكتّاب، ولا سيما من المنادين بتسهيل الكتابة في زماننا، لكن مع ذلك لم يلق انتشارًا أيضًا.
والهمزة في (هيئة) إذا كتبت على لغة أهل التحقيق تكتب: هيأة.
وأما على لغة التسهيل فاختُلف فيها؛
- فهناك من يكتبها (هيأة) طردًا للقاعدة التي تقول: كل همزة مفتوحة يسبقها سكون ترسم على الألف؛ لأن الفتحة أقوى من السكون، والفتحة تجانسها الألف.
وهذا الرأي فيما يتعلق بهذه الكلمة يتفق مع ما قبله في النتيجة ويختلف في المقدمة والعلة.
- وهناك من يرسمها مفردة على المتسع الذي يين الياء والهاء، أي مثلما تكتب في رسم المصحف، وهذا بناء على أن هذه الكلمة عندما تسهّل تنطق (هَيَّة)؛ فلذلك رسمت الهمزة على المتسع لتتوافق مع لغة أهل التخفيف؛ قد ذكر ابنُ جني في آخِر كتابه (عقود الهمزة) ما ملخصه: أنه إذا أشكل عليك كتابة همزة فاكتبها على لغة من يخفِّف.
ثم بعد ظهور المطابع في زماننا لم يتمكنوا من كتابتها على المتسع، فاضطروا إلى استخدام النبْرة، ثم مع الوقت شاع استخدام النبرة وأصبح امرًا مستساغًا في الكتابة.
ولا يخفاكم أن الإملاء الذي نبكتب به اصطلاحي لا توقيفي، فبما أن الناس اصطلحوا على ذلك فلا بأس، ولا يوصف ذلك بالخطأ.
وعليه فهذا المذهب أقرب -من حيث الصورة- إلى الشائع عن المتقدمين، إضافة إلى أنه أكثر انتشارًا في زماننا؛ لذاك هو أصح، ولا أقول: (صحيح)؛ لأن (صحيح) يعني أن ما يقابله خطأ، وليس الأمر كذلك، وإنما هو صحيح أيضا؛ لذلك يقال أصح؛ لأن ما يقابله صحيح وليس خطأ، وإنما المسألة مسألة تفضيل بين صحيحين.
وخلاصة الكلام أن كل الصور المذكورة معمول بها. وبناء على ذلك فلا إنكار على من أخذ بمذهب منها؛ لأنها مبنية على اجتهادات بِرَدِّها إلى بعض الأصول العامة في الإملاء.
علي المالكي
أستاذ اللغويات بكلية التربية - جامعة بنغازي