بين الجنى الداني ومغني اللبيب
من أشهر الكتب المؤلفة في معاني الحروف: كتاب: «الجنى الداني في حروف المعاني» لحسن بن قاسم المرادي المصري المالكي، المعروف بابن أم قاسم (ت749هـ)، وكتاب: «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» لجمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي (ت761هـ)، ولعله ليس من المبالغة أن يقال: إنهما أشهر كتابين في هذا الباب على الأطلاق.
وقد لاحظَ العلماء والدارسون أن بين «الجنى الداني» والجزءِ الأول من «المغني» تشابها كبيرًا وواضحًا، لا يقتصر على المضمون فقط، بل قد يتعداه إلى العبارات والجمل أيضًا؛ فثَمَّ تشابهٌ في تقسيم معاني الأدوات، وترتيب هذه المعاني، وعددها، وكذا في الشواهد التي يستشهد بها كلا الرجلين، وفي المذاهب والأقوال والنقول التي يوردانها، وفي التوجيهات النحوية والمعنوية، وفي الاستدراكات والتعقيبات.
وهذا القدر من التشابه يُحيل أن يكون الأمر مجردَ توارُدِ أفكار، ويحمل على الجزم بأن أحد المؤلفَيْن نقَلَ عن الآخر، أو أنهما نَقَلَا من مصدر واحد. والاحتمال الأول أقوى، في وقتنا هذا على الأقل؛ لأنه ليس فيما بين أيدينا اليوم من الكتب التي توسعت في الكلام عن معاني الحروف قَبْل المرادي وابن هشام كتابٌ يصح الحكم بأن الكتابين قد نقلا منه، مع أننا نجد في الكتابين نقولًا عن كتب سابقة –لا سيما كتب ابن مالك وابن عصفور وأبي حيان-، لكن نلاحظ أن اللفظ في الكتب السابقة يختلف عنه في الكتابين ثم هو يتقارب أو يتحد بين الكتابين، مما يؤكد وجود علاقة مباشرة بينهما، وعليه فلا يبقى إلا الاحتمال الأول، وهذا الأمر شغَلَ أذهان عدد من الباحثين رغبةً في معرفة حقيقته.
وقد ذهب الأكثرون إلى أن ابن هشام هو الذي نقل من كتاب المرادي، منهم:
1- الحاج خليفة (حاجي خليفة).
2- محمد عبد الخالق عضيمة، إذْ قال: «نقل ابنُ هشام «الجنى الداني» بنصه وفصه إلى كتابه «المغني» دون أن يشير ولو مرة إلى اسم الكتاب أو اسم مؤلفه».
لكن التعبير الذي استخدمه عضيمة غيرُ مسلّم؛ فإن ابن هشام قد ترك مما في «الجنى الداني» حروفًا لم يذكرها، وعددًا من الأقوال والنقول والمعاني والشواهد، وكذا ترك الأبياتَ التي يوردها المرادي في أواخر عدد من الأبواب يَنْظم فيها معانيَ الحروف، إضافة إلى أن كثيرًا من كلام المرادي موجود في «المغني» بمعناه لا بحروفه.
وقد ضرب عضيمة مثالا يوضح به اعتماد ابن هشام على المرادي، وهو قول ابن هشام: «(جلل) حرف بمعنى (نعم)، حكاه الزجاج في كتاب «الشجرة»».
ثم قال عضيمة معلقا: «وقد ذكر هذا المرادي، وربما لا يكون ابن هشام قد رأى كتاب «الشجرة» للزجاج».
نعَم الكلامُ في الكتابين متطابق، لكن هذا لا يعني أن المرادي هو الذي نقل الكلام عن كتاب: «الشجرة»، فربما هو أيضا لم يره؛ لأن هذا الكلام قد سبقهما إليه المالقي (ت702هـ) في كتابه: «رصف المباني»( )، وهو أحد مصادر «الجنى الداني».
3- محققَا «الجنى الداني»: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، إذْ قالا: إن ابن هشام ذكر في مقدمة كتابه أن كتابَه نسيج وحدِه، وفريد أصله وفرعه. وهذا الدعوى تحملنا على الميل إلى أن المرادي اعتمد في «الجنى الداني» على ما جمعه ابن هشام، غير أن إن القرائن التاريخية تجعلنا نرجح العكس؛ وذلك لأن ابن هشام صنّف كتابه مرتين: أولاهما سنة 749هـ، والثانية سنة 756هـ، وقد نُكب ابن هشام بالتأليف الأول في طريقه إلى مصر، فلم يبق للكتاب بين الناس إلا التأليف الثاني، وهو متأخر عن وفاة المرادي الذي توفي سنة التأليف الأول. مع أنه ذكر كتبا كثيرة استقى منها، وعددا كبيرا من العلماء نَقل عنهم أو أخذ بأقوالهم، ولم يكن للمرادي وكتابه من ذلك نصيب ولو مرة واحدة.
لكن ما ذكراه من الجزم بأن ابن هشام ألف «المغني» مرتين فيه نظرٌ؛ ذلك لأن ابن هشام ذكر أنه أنشأ في عام 749 كتابًا في قواعد علم الإعراب، لكن لم يذكر اسمه ولا طريقة تأليفه، ويغلب على الظن أنه على نمط الجزء الثاني من «المغني» لا الجزء الأول؛ لأنه ذكر أنه في معنى كتابه: «الإعراب عن قواعد الإعراب»، وهذا الكتاب هو بمنزلة المقدمة للجزء الثاني، ولم يضمنه معاني الحروف.
ثم ذكر ابن هشام أنه لما عاد إلى مكة واستقر بها وضع التصنيفَ الجديد وهو «مغني اللبيب»، وأنه يحوي زيادات وإضافات على ما كان في التصنيف الأول.
فغالب الظن أن الشكل الثاني من الكتاب –وهو الموجود بين أيدينا اليوم- هو الذي تضمن الكلام عن معاني الحروف. وهذا الاستنتاج يقوّي كونَ ابن هشام هو الذي نقل من المرادي لا العكس.
كذلك قولهم بأن عبارة ابن هشام توهم أوليّته في التأليف – ليس قولًا دقيقًا؛ وذلك لأن ابن هشام ومن في عصر ابن هشام يعلمون أن هناك كتبًا كثيرة في معاني الحروف سبقت ابن هشام، وهذا يجعلنا نحتاج إلى حمل كلامه على معنى آخر غير أصل الوضع، مثل أن نحمله على الشكل الذي انتهى إليه، وما جمعه فيه مما لم يوجد مجتمعا إلا عنده. تماما كما سيأتي من كلام السيوطي عن كتابه: «الاقتراح».
4- محقق «توضيح المقاصد والمسالك».
5- عبد اللطيف الخطيب محقق «المغني».
6- صاحبا البحث الموسوم بـ«بين الجنى الداني ومغني اللبيب؛ دراسة موازنة»، إذ عقَدَا موازنة بين الكتابين في بحث مستقل، وجزمَا بأن المرادي سابق لابن هشام في ذلك( )، ثم أخذا يوازنان بين مناهج كلا الكتابين من نواح عدة، تتجلى فيها أوجه الشبه والاختلاف.
وقد قارنتُ بين نماذجَ من الكتابين عشوائيةٍ متفرقةٍ، لا سيما الأبواب الطوال –كالباء، والواو، والكاف، واللام-؛ للتأكد من صحة ما قيل آنفًا، فوجدتُ أن النتائج مقارِبة لما قيل، فثَمَّ شبه بين الكتابين في المحتوى ليس بالقليل، لكنه في الأكثر معنوي لا لفظي، أو هو مقارب للفظ «الجنى الداني» لكن لا يتطابق وإياه مطابقةً تامة، إضافة إلى أن ابن هشام في كثير من الأحيان يرتب المعاني بترتيب المرادي نفسه دون تقديم أو تأخير، ويورد الأدلة نفسها والأمثلة نفسها، وإذا زاد شيئًا من المعاني وضعَها في مؤخرة المعاني، وأحيانًا ينقص منه.
والذي يترجح لديّ هو ما عليه الأكثرون من أن ابن هشام هو الذي نقل عن المرادي؛ وذلك للأدلة الآتية:
1- أن تاريخ تأليف «المغني» في صورته الأولى هو نفسه تاريخ وفاة المرادي، هذا إن سلّمنا بأن «المغني» في صورته الأولى يحوي معاني الحروف ولا يقتصر على القسم الثاني المتعلق بعلم الإعراب. فما بالنا لو قارنّا تاريخ تأليف الإبرازة الأولى من «المغني» بتاريخ تأليف «الجنى الداني»؟ بل ما بالنا لو عرفنا أن المرادي في بعض المواضع كان يحيل على كتبه الأخرى التي ألّفها قبل «الجنى الداني»( )؟
2- أن ابن هشام يُكثر من النقول عمن سبقه دون العزو إليهم، فمثلا: نراه نقل كثيرا من أعاريب أبي حيان في «البحر المحيط» ولم يشر إليه. وقال عضيمة: «وأكاد أقطع بأن كل إعراب لآيات القرآن مبسوط ف «المغني» إنما كان من «البحر المحيط»( ).
وذكر ذلك أيضًا بعضُ الباحثين الذين درسوا أقوال ابن هشام في التفسير في «مغني اللبيب»، وزاد على ذلك أنه استفاد من «أمالي ابن الشجري»، و«أمالي ابن الحاجب»، و«التبيان في إعراب القرآن»، وغيرها، في مواضع كثيرة لم يكن منه أدنى إشارة في كثير منها ( ). فليس من الغريب إذن أن ينقل ابن هشام عن المرادي دون أن يعزو إليه.
ولا بد في هذا المقام من التماس العذر لابن هشام فيما فعل، بشكل أو بآخر؛ لأننا لا نعلم ما كان يحيط به من ظروف وملابسات، ولا نعلم ما كان يدور في قلبه حين فعل ذلك؛ فالأولى إذن أن نتوقف في الحكم عليه، وألا نتوجه باللوم إليه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
كتبه
أ. علي المالكي
من أشهر الكتب المؤلفة في معاني الحروف: كتاب: «الجنى الداني في حروف المعاني» لحسن بن قاسم المرادي المصري المالكي، المعروف بابن أم قاسم (ت749هـ)، وكتاب: «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب» لجمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي (ت761هـ)، ولعله ليس من المبالغة أن يقال: إنهما أشهر كتابين في هذا الباب على الأطلاق.
وقد لاحظَ العلماء والدارسون أن بين «الجنى الداني» والجزءِ الأول من «المغني» تشابها كبيرًا وواضحًا، لا يقتصر على المضمون فقط، بل قد يتعداه إلى العبارات والجمل أيضًا؛ فثَمَّ تشابهٌ في تقسيم معاني الأدوات، وترتيب هذه المعاني، وعددها، وكذا في الشواهد التي يستشهد بها كلا الرجلين، وفي المذاهب والأقوال والنقول التي يوردانها، وفي التوجيهات النحوية والمعنوية، وفي الاستدراكات والتعقيبات.
وهذا القدر من التشابه يُحيل أن يكون الأمر مجردَ توارُدِ أفكار، ويحمل على الجزم بأن أحد المؤلفَيْن نقَلَ عن الآخر، أو أنهما نَقَلَا من مصدر واحد. والاحتمال الأول أقوى، في وقتنا هذا على الأقل؛ لأنه ليس فيما بين أيدينا اليوم من الكتب التي توسعت في الكلام عن معاني الحروف قَبْل المرادي وابن هشام كتابٌ يصح الحكم بأن الكتابين قد نقلا منه، مع أننا نجد في الكتابين نقولًا عن كتب سابقة –لا سيما كتب ابن مالك وابن عصفور وأبي حيان-، لكن نلاحظ أن اللفظ في الكتب السابقة يختلف عنه في الكتابين ثم هو يتقارب أو يتحد بين الكتابين، مما يؤكد وجود علاقة مباشرة بينهما، وعليه فلا يبقى إلا الاحتمال الأول، وهذا الأمر شغَلَ أذهان عدد من الباحثين رغبةً في معرفة حقيقته.
وقد ذهب الأكثرون إلى أن ابن هشام هو الذي نقل من كتاب المرادي، منهم:
1- الحاج خليفة (حاجي خليفة).
2- محمد عبد الخالق عضيمة، إذْ قال: «نقل ابنُ هشام «الجنى الداني» بنصه وفصه إلى كتابه «المغني» دون أن يشير ولو مرة إلى اسم الكتاب أو اسم مؤلفه».
لكن التعبير الذي استخدمه عضيمة غيرُ مسلّم؛ فإن ابن هشام قد ترك مما في «الجنى الداني» حروفًا لم يذكرها، وعددًا من الأقوال والنقول والمعاني والشواهد، وكذا ترك الأبياتَ التي يوردها المرادي في أواخر عدد من الأبواب يَنْظم فيها معانيَ الحروف، إضافة إلى أن كثيرًا من كلام المرادي موجود في «المغني» بمعناه لا بحروفه.
وقد ضرب عضيمة مثالا يوضح به اعتماد ابن هشام على المرادي، وهو قول ابن هشام: «(جلل) حرف بمعنى (نعم)، حكاه الزجاج في كتاب «الشجرة»».
ثم قال عضيمة معلقا: «وقد ذكر هذا المرادي، وربما لا يكون ابن هشام قد رأى كتاب «الشجرة» للزجاج».
نعَم الكلامُ في الكتابين متطابق، لكن هذا لا يعني أن المرادي هو الذي نقل الكلام عن كتاب: «الشجرة»، فربما هو أيضا لم يره؛ لأن هذا الكلام قد سبقهما إليه المالقي (ت702هـ) في كتابه: «رصف المباني»( )، وهو أحد مصادر «الجنى الداني».
3- محققَا «الجنى الداني»: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فاضل، إذْ قالا: إن ابن هشام ذكر في مقدمة كتابه أن كتابَه نسيج وحدِه، وفريد أصله وفرعه. وهذا الدعوى تحملنا على الميل إلى أن المرادي اعتمد في «الجنى الداني» على ما جمعه ابن هشام، غير أن إن القرائن التاريخية تجعلنا نرجح العكس؛ وذلك لأن ابن هشام صنّف كتابه مرتين: أولاهما سنة 749هـ، والثانية سنة 756هـ، وقد نُكب ابن هشام بالتأليف الأول في طريقه إلى مصر، فلم يبق للكتاب بين الناس إلا التأليف الثاني، وهو متأخر عن وفاة المرادي الذي توفي سنة التأليف الأول. مع أنه ذكر كتبا كثيرة استقى منها، وعددا كبيرا من العلماء نَقل عنهم أو أخذ بأقوالهم، ولم يكن للمرادي وكتابه من ذلك نصيب ولو مرة واحدة.
لكن ما ذكراه من الجزم بأن ابن هشام ألف «المغني» مرتين فيه نظرٌ؛ ذلك لأن ابن هشام ذكر أنه أنشأ في عام 749 كتابًا في قواعد علم الإعراب، لكن لم يذكر اسمه ولا طريقة تأليفه، ويغلب على الظن أنه على نمط الجزء الثاني من «المغني» لا الجزء الأول؛ لأنه ذكر أنه في معنى كتابه: «الإعراب عن قواعد الإعراب»، وهذا الكتاب هو بمنزلة المقدمة للجزء الثاني، ولم يضمنه معاني الحروف.
ثم ذكر ابن هشام أنه لما عاد إلى مكة واستقر بها وضع التصنيفَ الجديد وهو «مغني اللبيب»، وأنه يحوي زيادات وإضافات على ما كان في التصنيف الأول.
فغالب الظن أن الشكل الثاني من الكتاب –وهو الموجود بين أيدينا اليوم- هو الذي تضمن الكلام عن معاني الحروف. وهذا الاستنتاج يقوّي كونَ ابن هشام هو الذي نقل من المرادي لا العكس.
كذلك قولهم بأن عبارة ابن هشام توهم أوليّته في التأليف – ليس قولًا دقيقًا؛ وذلك لأن ابن هشام ومن في عصر ابن هشام يعلمون أن هناك كتبًا كثيرة في معاني الحروف سبقت ابن هشام، وهذا يجعلنا نحتاج إلى حمل كلامه على معنى آخر غير أصل الوضع، مثل أن نحمله على الشكل الذي انتهى إليه، وما جمعه فيه مما لم يوجد مجتمعا إلا عنده. تماما كما سيأتي من كلام السيوطي عن كتابه: «الاقتراح».
4- محقق «توضيح المقاصد والمسالك».
5- عبد اللطيف الخطيب محقق «المغني».
6- صاحبا البحث الموسوم بـ«بين الجنى الداني ومغني اللبيب؛ دراسة موازنة»، إذ عقَدَا موازنة بين الكتابين في بحث مستقل، وجزمَا بأن المرادي سابق لابن هشام في ذلك( )، ثم أخذا يوازنان بين مناهج كلا الكتابين من نواح عدة، تتجلى فيها أوجه الشبه والاختلاف.
وقد قارنتُ بين نماذجَ من الكتابين عشوائيةٍ متفرقةٍ، لا سيما الأبواب الطوال –كالباء، والواو، والكاف، واللام-؛ للتأكد من صحة ما قيل آنفًا، فوجدتُ أن النتائج مقارِبة لما قيل، فثَمَّ شبه بين الكتابين في المحتوى ليس بالقليل، لكنه في الأكثر معنوي لا لفظي، أو هو مقارب للفظ «الجنى الداني» لكن لا يتطابق وإياه مطابقةً تامة، إضافة إلى أن ابن هشام في كثير من الأحيان يرتب المعاني بترتيب المرادي نفسه دون تقديم أو تأخير، ويورد الأدلة نفسها والأمثلة نفسها، وإذا زاد شيئًا من المعاني وضعَها في مؤخرة المعاني، وأحيانًا ينقص منه.
والذي يترجح لديّ هو ما عليه الأكثرون من أن ابن هشام هو الذي نقل عن المرادي؛ وذلك للأدلة الآتية:
1- أن تاريخ تأليف «المغني» في صورته الأولى هو نفسه تاريخ وفاة المرادي، هذا إن سلّمنا بأن «المغني» في صورته الأولى يحوي معاني الحروف ولا يقتصر على القسم الثاني المتعلق بعلم الإعراب. فما بالنا لو قارنّا تاريخ تأليف الإبرازة الأولى من «المغني» بتاريخ تأليف «الجنى الداني»؟ بل ما بالنا لو عرفنا أن المرادي في بعض المواضع كان يحيل على كتبه الأخرى التي ألّفها قبل «الجنى الداني»( )؟
2- أن ابن هشام يُكثر من النقول عمن سبقه دون العزو إليهم، فمثلا: نراه نقل كثيرا من أعاريب أبي حيان في «البحر المحيط» ولم يشر إليه. وقال عضيمة: «وأكاد أقطع بأن كل إعراب لآيات القرآن مبسوط ف «المغني» إنما كان من «البحر المحيط»( ).
وذكر ذلك أيضًا بعضُ الباحثين الذين درسوا أقوال ابن هشام في التفسير في «مغني اللبيب»، وزاد على ذلك أنه استفاد من «أمالي ابن الشجري»، و«أمالي ابن الحاجب»، و«التبيان في إعراب القرآن»، وغيرها، في مواضع كثيرة لم يكن منه أدنى إشارة في كثير منها ( ). فليس من الغريب إذن أن ينقل ابن هشام عن المرادي دون أن يعزو إليه.
ولا بد في هذا المقام من التماس العذر لابن هشام فيما فعل، بشكل أو بآخر؛ لأننا لا نعلم ما كان يحيط به من ظروف وملابسات، ولا نعلم ما كان يدور في قلبه حين فعل ذلك؛ فالأولى إذن أن نتوقف في الحكم عليه، وألا نتوجه باللوم إليه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
كتبه
أ. علي المالكي