مسألة:الاختلاف في علة جعل الإعراب في آخر الكلمة
اختلفوا في جعل الإعراب في آخر الكلمة، فقال بعضهم: إنما كان لأن الإعراب دال على معنى عارض في الكلمة فيجب أن تستوفى الصيغة الموضوعة لمعناها اللازم، ثم يؤتى بعد ذلك بالعارض كتاء التأنيث وياء النسب، وقال آخرون: إنما جعل أخيرا، لان الإعراب يثبت في الوصل دون الوقف فكان في موضع يتأتى الوقف عليه وهو الأخير، وقال قطرب: إنما جعل أخيراً لتعذر جعله وسطا إذ لو كان وسطا لاختلطت الأبنية، وربما أفضى إلى الجمع بين ساكنين أو الابتداء بالساكن، وكل ذلك خطأ لا يوجد مثله فيما إذا جعل أخيرا، قال قطرب: والمذهب الأول فاسد لأن كثيرا من المعاني العارضة تدخل في أول الكلمة ووسطها قبل استيفاء الصيغة نحو: الجمع والتصغير وهو معنى عارض.
والجواب: ان العلل المذكورة كلها صحيحة وأمتنها عند النظر الصحيح هو الأول، وأما ما نقض به من التصغير والجمع فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن التصغير والجمع معنيان يحدثان في نفس المسمى، وهما التكثير والتحقير، فلذلك كانت علاماتهما في نفس الكلمة، لأن التكثير معناه ضم اسم إلى اسم وهو مساو له في الدلالة على المعنى، فكان الدال على الكثرة داخلا في الصيغة، كما أن إضافة أحدهما إلى الآخر داخل في المعنى، وليس كذلك المعنى الذي يدل عليه الإعراب فان كونه فاعلا لا يحدث في المسمى معنى في ذاته بل هو معنى عارض أوجبه عامل عارض.
والوجه الثاني: أن التصغير والجمع من قبيل المعاني التي يقصد إثباتها في نفس السامع، فيجب أن يبدأ بها أو تقرن بالصيغة لتثبت في نفس السامع معناها قبل تمام المعنى الأصلي بدونها، وهذا كما جعل الاستفهام والنفي في أول الكلام ليستقر معناه في النفس، ولو أخر لثبت في النفس معنى ثم أزيل وليس كذلك الإعراب، لان الصيغة المجردة عن الإعراب لا تنفي كون الاسم فاعلا أو مفعولا حتى إذا جاء الإعراب بعد ذلك أزال المعنى الأول، وكذلك الألف واللام جعلت أولا ليثبت التخصيص في المسمى، ولا يؤتى بها أخيرا لئلا يحدث التخصيص بعد الشياع ، واحتج الآخرون الذين قالوا: بأن الإعراب لا ينبغي أن يكون موضعه أخيراً بأنه دال على معنى في الكلمة فوجب أن يكون في أصلها كالتصغير والجمع والتعريف والنفي والاستفهام وغير ذلك، وإنما عدل إلى الأخير لما ذكرناه من اختلاط الأبنية؛ والجواب عن هذا قد سبق. والله أعلم.
مسائل خلافية أبو البقاء عبد الله بن الحسين العُكْبُري
538- 616
اختلفوا في جعل الإعراب في آخر الكلمة، فقال بعضهم: إنما كان لأن الإعراب دال على معنى عارض في الكلمة فيجب أن تستوفى الصيغة الموضوعة لمعناها اللازم، ثم يؤتى بعد ذلك بالعارض كتاء التأنيث وياء النسب، وقال آخرون: إنما جعل أخيرا، لان الإعراب يثبت في الوصل دون الوقف فكان في موضع يتأتى الوقف عليه وهو الأخير، وقال قطرب: إنما جعل أخيراً لتعذر جعله وسطا إذ لو كان وسطا لاختلطت الأبنية، وربما أفضى إلى الجمع بين ساكنين أو الابتداء بالساكن، وكل ذلك خطأ لا يوجد مثله فيما إذا جعل أخيرا، قال قطرب: والمذهب الأول فاسد لأن كثيرا من المعاني العارضة تدخل في أول الكلمة ووسطها قبل استيفاء الصيغة نحو: الجمع والتصغير وهو معنى عارض.
والجواب: ان العلل المذكورة كلها صحيحة وأمتنها عند النظر الصحيح هو الأول، وأما ما نقض به من التصغير والجمع فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن التصغير والجمع معنيان يحدثان في نفس المسمى، وهما التكثير والتحقير، فلذلك كانت علاماتهما في نفس الكلمة، لأن التكثير معناه ضم اسم إلى اسم وهو مساو له في الدلالة على المعنى، فكان الدال على الكثرة داخلا في الصيغة، كما أن إضافة أحدهما إلى الآخر داخل في المعنى، وليس كذلك المعنى الذي يدل عليه الإعراب فان كونه فاعلا لا يحدث في المسمى معنى في ذاته بل هو معنى عارض أوجبه عامل عارض.
والوجه الثاني: أن التصغير والجمع من قبيل المعاني التي يقصد إثباتها في نفس السامع، فيجب أن يبدأ بها أو تقرن بالصيغة لتثبت في نفس السامع معناها قبل تمام المعنى الأصلي بدونها، وهذا كما جعل الاستفهام والنفي في أول الكلام ليستقر معناه في النفس، ولو أخر لثبت في النفس معنى ثم أزيل وليس كذلك الإعراب، لان الصيغة المجردة عن الإعراب لا تنفي كون الاسم فاعلا أو مفعولا حتى إذا جاء الإعراب بعد ذلك أزال المعنى الأول، وكذلك الألف واللام جعلت أولا ليثبت التخصيص في المسمى، ولا يؤتى بها أخيرا لئلا يحدث التخصيص بعد الشياع ، واحتج الآخرون الذين قالوا: بأن الإعراب لا ينبغي أن يكون موضعه أخيراً بأنه دال على معنى في الكلمة فوجب أن يكون في أصلها كالتصغير والجمع والتعريف والنفي والاستفهام وغير ذلك، وإنما عدل إلى الأخير لما ذكرناه من اختلاط الأبنية؛ والجواب عن هذا قد سبق. والله أعلم.
مسائل خلافية أبو البقاء عبد الله بن الحسين العُكْبُري
538- 616