إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وبعد :
    فأسعد وأتشرف أن أقدم لإخواني الفضلاء هذا العمل المتواضع ألا وهو : الجزء الأول من تفريغشرح أصول في التفسير للعلامة الإمام محمد العثيمين - رحمه الله -بشرح فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري - حفظه الله - .

    وقد بدأت بتفريغه منذ حوالي شهر ونصف والآن أنا في أكملت تفريغ تسعة أشرطة .

    وقد آثرت بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك أن أتحف إخواني بالجزء الأول عسى أن يكون عونا لكم إخواني على تدبر كتاب الله وفهم معانيه .

    وفي انتظار إكمال التفريغ أزف لإخواني هذا الجزء ، آملا منكم ألا تنسوني من صالح دعائكم لي ولوالدي بالتوفيق والسداد والإخلاص والخلاص من نار جهنم .

    وإن شاء الله ريثما أكمل التفريغ وأضع عليه اللمسات الأخيرةسأرسله لفضيلة الشيخ سعد الشثري كي يطالعه ويأذن بطبعه .

    وهذا رابط الشرح صوتيا

    ******
    ملاحظة وتنبيه :
    -قد أكون كتبت بعض الكلمات على غير ما هي عليه في الشريط المسموع ، وذلك لخطأ مني في السمع ، فمن وجد ذلك فيراسلني فالخطأ وارد ، وله من جزيل الشكر والدعاء .
    - إن أراد بعض الإخوة مساعدتي في التفريغ فليراسلني ، لأن العمل بمفردي يضعف همة المواصلة .
    - اعتمدت على نسخة على الشابكة على الوورد ، ولم التزم بقراءة الطالب على الشيخ .


    *******************




    ....

    وبعد :
    فإن المؤمن يعلم أن الله جل وعلا قد أنعم على البشر قاطبة نعمة عظيمة بإنزال هذا الكتاب القرآن الكريم الذي اشتمل على كل ما ينفع الناس وما تحصل به مصالحهم ، فإن هذه الشريعة المباركة جلبت الخير والمصلحة للناس جميعا ، قال تعالى : -(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)- [الأنبياء/107] .
    وهذا الكتاب شامل عام ، ما من قضية إلا وفي كتاب الله بيان المنهج الحق فيها وتعريف بالصواب فيها قال تعالى : -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )- [النحل/89] وهذا الكتاب هو كلام رب العزة والجلال ، العرف بأحوال الناس ، ومن هنا فهذا الكتاب رباني لا يقبل تعديلا ولا يقبل تغييرا ولا تحريفا ، بل إن الله جل وعلا بفضله قد حماه من ان تناله أيدي العابثين كما قال سبحانه : -(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)- [الحجر/9] .
    ثم هذا الكتاب الوارد من رب العزة والجلال هو كلام الله ، تكلم به حقيقة على ما سيأتي في مباحثه ، وهو كتاب مبارك تحصل البركة بقرائته وبتدبر معانيه وبالعمل به وبحفظه قال تعالى : -(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ )- [ص/29]وقال : -(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)- [الأنعام/155].
    وهذا الكتاب يحصل لأصحابه المجد والمكانة العالية كما قال جل وعلا : -(ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ)- [ق/1] ، وهذا الكتاب له تأثير على النفوس متى تمعنت فيه ، فهو يغير حال العبد من طريقة إلى طريقة ، يغيرها من حال الضلالة وحال المعصية وحال السوء والشر إلى حال الهداية والخير والاستقامة .
    فإذا كان هذا الكتاب يؤثر على الصخر فكيف لا يؤثر في القلوب قال تعالى : -(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )- [الحشر/21] .
    وكم وجدنا للقرآن من تأثير في النفوس عند حضور القلوب واستماع الآذان وتفكر العقول في آيات هذا الكتاب قال تعالى : -(فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)- [التوبة/124].
    وهذا الكتاب فيه الهداية والرحمة كما قال تعالى : -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)- [النحل/89]
    وهذا الكتاب من خاصيته أنه مصدق بالكتب السابقة جميعا ، الكتب السماوية التي أُنزلت على الأنبياء السابقين -(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ )- [المائدة/48] ، ومن هنا فهذا الكتاب ناسخ لما قبله من الكتب والشرائع .
    ومن خاصية هذا الكتاب أنه عربي اللسان ، والغة العربية واسعة وألفاظها كثيرة ومعانيها متعددة ، ولها أساليب لا يجدها الإنسان في لغات الناس ، وكما قال جل وعلا : -(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)- [يوسف/2].
    ومن هنا حسُنَ بنا ان نتوجه إلى هذا الكتاب العظيم لتدبر معانيه وأخذ العِظَة والعبرة منه فإن الله قد دعانا لذلك فقال سبحانه : -(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)- [ص/29] ، وكما قال جل وعلا : -(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)- [محمد/24] ، -(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)- [النساء/82] ، وهذا الكتاب له مميزات عديدة تجعلنا نطالعه ونتدبر المعاني العظيمة التي اشتمل عليها هذا الكتاب ، ومن هنا حرِص علماء الشريعة على تعريف الناس بمعاني كتاب الله عزوجل فأُلِّفت المؤلفات العديدة في تفسير القرآن من القرون الأولى ولا زال الناس يؤلفون مؤلفات في تفسير القرآن تغترف شيئا من معاني هذا الكتاب وتوضحها ولا زال فيه معانٍ جديدة لم ينبه إليها مما يدل على حاجة هذا الكتاب إلى الجهود التي تفسره وتوضح معناه .
    وقد حرص علماء الشريعة على وضع قواعد لتفسير كتاب الله جل وعلا يسير المفسرون عليها ليكون تفسير كتاب الله منضبطا بأصول وقواعد صحيحة توصل إلى مراد الله عزوجل ، فإن من أشنع ما يكون أن يفسر المرئ كلام الله بغير مراد الله فإن هذا من القول على الله بلا علم وقد عاب الله على الذين يكذبون عليه فقال سبحانه : -(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )- [الأنعام/21] أي لا يوجد أحد أظلم ممن كذب على الله ومن انواع الكذب على الله تفسير كلام بغير مراد الله ، وقال تعالى : -(وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى)- [طه/61] ، وقال جل وعلا : -(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)- [البقرة/168-169] .
    وقد حرص علماء الشريعة على كتابة قواعد التفسير ، وكانوا في الأزمنة الأولى يكتفون بما يذكر في علم الأصول ، فإن علم الأصول قد اشتمل على قواعد عديدة يتمكن المفسر بها من تفسير كلام الله عزوجل ؛ فهناك قواعد متعلقة بكيفية التفسير وأنواع القراءات وحكم كلٍ منها ، وبيان المحكم من المتشابه وبيان الناسخ من المنسوخ وفيها أيضا قواعد متعلقة بدلالات الأفاظ كالأمر والنهي وأنواع الكلام والإطلاق والتقييد والإجمال والبيان وأنواع المفاهيم والدلالات من مثل : دلالة الإشارة ودلالة التنبيه ودلالة الاقتضاء ومفاهيم الموافقة والمخالفة والصفة والشرط والعدد إلى غير ذلك من أنواع القواعد الأصولية التي يمكن استثمارها في تفسير كلام الله عزوجل .
    ودراسة هذه القواعد لها ثمرات عظيمة يحصلها الإنسان ، ما هي الثمرات التي تجنيها من دراسة أصول التفسير ؟
    هناك ثمرات كثيرة منها :
    * تمكن الإنسان من فهم كلام الله عزوجل على مراده ، فعندما نتأمل ونتدبر القرآن على مقتضى هذه القواعد نكون قد فهمنا القرآن فهما صحيحا ، وأما إذا كان الإنسان ينظر إلى الآيات القرآنية بدون أن يكون عنده قواعد فإنه سينزل كلام الله على غير مراده .
    * والفائدة الثانية أن يكون عندنا القدرة على الحكم على تفاسير العلماء صحة وضعفا ، فنعرف هل هذا التفسير لكتاب الله ولكلام الله تفسير صحيح أو فيه ما فيه.
    * والأمر الثالث : أن يكون لدى المرئ بدراسة أصول التفسير القدرة على الترجيح بين أقوال المفسرين ، فإن المفسرين اختلفوا في تفسير كلام الله ، وقد يكون اختلافهم من اختلاف التنوع فيكون الجميع صحيحا ، وقد يكون اختلافهم من اختلاف التضاد فحينئذ أحد الأقوال هو الصحيح وما عداه فإنه باطل .
    وكيف يتمكن الإنسان من الترجيح بين أقوالهم ؟ بواسطة هذه القواعد والأصول التي ندرسها في هذا العلم .
    ولعلنا نقرأ مقدمة المؤلف رحمه الله تعالى في هذا اليوم ونكتفي بقراءة المقدمة ، نعم .

    ***********
    يتبع إن شاء الله تعالى .

  • #2
    رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

    أصول في التفسير
    لسماحة الشيخ العلامة الفقيه
    محمد بن صالح العثيمين
    رحمه الله تعالى
    وأسكنه الله الفردوس الأعلى


    المقدمة
    الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلي الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً ، أما بعد :
    فإن من المهم في كل فن أن يتعلم المرء من أصوله ما يكون عونا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول ، ليكون علمه مبنياً على أسس قوية ودعائم راسخة ً، وقد قيل : من حٌرِم الأصول حرم الوصول .
    ومن أجل فنون العلم ، بل هو أجلها وأشرفها ، علم التفسير الذي هو تبيين معاني كلام الله عز وجل وقد وضع أهل العلم له أصولاً ، كما وضعوا لعم الحديث أصولاً ، ولعلم الفقه أصولاً .
    وقد كنت كتبت من هذا العلم ما تيسر لطلاب المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، فطلب مني بعض الناس أن أفردها في رسالة ، ليكون ذلك أيسر وأجمع فأجبته إلى ذلك .
    وأسأل الله تعالى أن ينفع بها .
    ويتلخص ذلك فيما يأتي :
    * القرآن الكريم :
    1- متي نزل القرآن على النبي صلي الله عليه وسلم ، ومن نزل به عليه من الملائكة ؟
    2- أول ما نزل من القرآن .
    3- نزول القرآن على نوعين : سببي وابتدائي .
    4- القرآن مكي ومدني ، وبيان الحكمة من نزوله مفرقاً . وترتيب القرآن .
    5- كتابة القرآن وحفظه في عهد النبي صلي الله عليه وسلم .
    6-جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما .
    التفسير :
    1-معني التفسير لغة واصطلاحاً ، وبيان حكمه ، والغرض منه .
    2- الواجب على المسلم في تفسير القرآن .
    3- المرجع في التفسير إلى ما يأتي :
    أ-كلام الله تعالى بحيث يفسر القرآن بالقرآن .
    ب- سنة الرسول صلي الله عليه وسلم ؛ لأنه مبلغ عن الله تعالى ، وهو أعلم الناس بمراد الله تعالى في كتاب الله .
    ج. كلام الصحابة رضي الله عنهم لا سيما ذوو العلم منهم والعناية بالتفسير ، لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم .
    د. كلام كبار التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة رضي الله عنهم .
    هـ . ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق ، فإن اختلف الشرعي واللغوي ، أخذ بالمعني الشرعي بدليل يرجح اللغوي .
    4- أنواع الاختلاف الوارد في التفسير المأثور .
    5- ترجمة القرآن : تعريفها – أنواعها – حكم كل نوع .
    *- خمس تراجم مختصرة للمشهورين بالتفسير ثلاث للصحابة واثنتان للتابعين .
    * أقسام القرآن من حيث الأحكام من المتشابه .
    موقف الراسخين في العلم ، والزائغين من المتشابه .
    التشابه : حقيقي ونسبي.
    الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه .
    *- موهم التعارض من القرآن والجواب عنه وأمثلة من ذلك .
    الْقَسَم :
    تعريفه – أداته- فائدته
    * القصص :
    تعريفها – الغرض منها – الحكمة من تكرارها واختلافها في الطول والقصر والأسلوب .
    * الإسرائيليات التي أقحمت في التفسير وموقف العلماء منها .
    * الضمير :
    تعريفه – مرجعه – الإظهار موضع الإضمار وفائدته – الالتفات وفائدته – ضمير الفصل وفائدته.









    شرح المقدمة :
    بدأ المؤلف رحمه الله هذا الكتاب بالبسملة اقتداءا بكتاب رب العزة والجلال فإنه مبدوء بالبسملة وسيرا على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في رسائلة وكتبه التي كتبها إلى اهل زمانه ، فقد كان يبتدئها بهذا اللفظ بسم الله الرحمن الرحيم .
    وفي صلح الحديبية أمر الكاتب أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال أهل مكة : لا نعرفه هذا ، قل باسمك اللهم . فكتبها النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في إجراء هذا الصلح لما يترتب عليه من مصالح شرعية .
    وبسم الله جار ومجرور ، الباء حرف جر واسم مجرور . والجار والمجرور يتعلق بمحذوف سواء كان فعلا أو اسما تقديره ابتدئ أو أستعين أو أتوكل أو نحو ذلك .
    والذي يظهر أن حذف الفعل من أجل تعميم ذلك الفعل ، عندما يكون هناك كلام محذوف في الجملة فإن المراد به تعميم المعنى ليشمل جميع الأفعال الصالحة لذلك ، وهذه يسمونها عند الأصوليين دلالة الاقتضاء : أن يكون في الكلام محذوف نحتاج إلى تقديره ، فحينئذ الراجح من أقوال الأصوليين أننا نعممه وذلك لأنه لم يحدث الفعل أو الاسم إلا لمصلحة ألا وهي تعميم الكلام ليشمل جميع المعاني .
    والله عَلَمٌ على الذات الإلهية رب العزة والجلال ، وهو مما يختص به سبحانه ولا يجوز أن يسمى به أحد سواه ، ومثله أيضا الرحمن فإن الصواب أن هذا الاسم مما يختص به رب العزة والجلال ولا يجوز أن يسمى به أحد سواه ولذلك ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن ] لأنها أسماء معبدة لأسماء لله عزوجل يختص بها لا يسمى بها أحد سواه جل وعلا .
    والرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة ، الرحمن على وزن فعلان الدال على الامتلاء والمبالغة ، وصفة الرحمة ثابتة لرب العزة والجلال فإنه جل وعلا يرحم العباد ، وقد ثبت أنه جل وعلا يرحم في الدنيا جميع الخلق ، وقد قيل إن الرحمن تشمل رحمة الدنيا ورحمة الآخرة لأنها للمؤمنين ولغيرهم .
    وأما الرحيم فإنها تختص بالآخرة لأهل الإيمان واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما . والأظهر تعميم هذين اللفظين للدنيا والآخرة .
    والتأكيد على صفة الرحمة من أجل معرفة أن الله جل وعلا لن يترك العباد هَمَلاً بل سيجعل لهم شرائع يسيرون عليها فتستقيم بها أحوالهم دنيا وآخرة ، ومن أجل التنبيه على أن رب العزة والجلال يرحم من يشاء من عباده بهدايته إلى الطريق المستقيم ، فينبغي بالعقلاء أن يحرصوا على الأسباب الجالبة لرحمة الله .

    وقوله : الحمد لله الأظهر أن {ال} هنا ليست لاستغراق وإنما المراد بها الحمد الكامل الذي لا يأتيه نقص بطريق من الطرق ، والمراد بالحمد الوصف بالجميل الاختباري ؛ فإذا وصفت غيرك بأوصاف اختبارية جميلة فإن هذا يسمى حمدا سواء كان لله او لغيره ، لكن الحمد الموجه لغير الله لا يكون كاملا من جميع الوجوه وإنما يعتريه النقص من بعض الوجوه ، وأما لحمد الموجه لله عزوجل فهو حمد كامل ، لأن صفات الله كاملة فيكون حمده كذلك .
    وقوله : الحمد لله أي الحمد الكامل ثابت لله وحده لأن المبتدئ المعَرَّف ينحصِرُ في الخبر .
    وقوله : نحمده أي نتوجه بالثناء والوصف الجميل له جل وعلا .
    ونستعينه : أي نطلب العون منه ، والعون المَدَدُ والقوة التي تكون سببا للاستجلاب الإنسان انوا المصالح التي يستفيد منها في دنياه وآخرته .
    والأصل أن المؤمن لا يستعين إلا بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله كما قال تعالى : -(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)- [الفاتحة/5] ، لكن ما يقدر عليه العباد يجوز ان يستعان بهم وإن كان الأولى ألا يطلب الإنسان غيرَه ولا يسألُه في أموره الخاصة ، وأما الأمور التي تعود بالنفع على الغير أو تكون سببا من أسباب جلب الخير للمستعان به فلابأٍ بذلك ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين بأصحابه فيما يعود بالنفع عليهم ، فاستعان بهم في قتال واستعان بهم في أمرٍ بمعروف واستعان بهم في نصيحة الخلق ، واستعان بهم في الدعوة إلى الله إلى غير ذلك .
    وقوله : ونستغفره : أي نطلب منه جل وعلا مغفرة الذنوب بسترها وعدم إظهارها والستر إما أن يكون بإزالتها بعفو الله جل وعلا وتجاوزه أو بعدم وجود آثارها ، لأن المعصية لها آثار على العباد في تصوراتهم وفي أرزاقهم وفي أخلاقهم وفي سائر أمورهم .

    قوله : ونتوب إليه أي نرجع إليه جل وعلا ونكون على الطريقة الأولى ، وبهذا نعرف الفرق بين المغفرة والتوبة ؛ فإن المغفرة ستر للذنب وإبعاد لآثاره عن العبد ، بينما التوبة رجوع إلى الله ورجوع إلى الطريقة الأولى التي يبتعد فيها الإنسان عن معصية الله جل وعلا .
    وقوله : ونعوذ بالله من شرور أنفسنا أي نلتجئ ونحتمي به سبحانه من شرور النفس ، والشرور هي الغوائل والآثار السيئة للنفس سواء كان في اعتقاداتها او في أعمالها ، لن الناس لا يصابون بالشرور إلا من قِبَلِ أنفسهم كما قال تعالى -(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )- [الشورى/30] وكما قال جل وعلا "-(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )- [آل عمران/165] وقال تعالى : -(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )- [النساء/79].
    قال : ومن سيئات أعمالنا : الأول متعلق بصفات النفس شرور النفس والثاني سيئات الأعمال وهي متعلقة بالجوارح ، وسيئات الأعمال أي الأعمال المخالفة لشرع الله ودينه .
    قوله من يهده الله فلا مضل له : المراد أن من يوفقه الله لسلوك الطريق المستقيم فلن يتمكن أحد من إبعاده عن ذلك ، وهذه هداية الألهام والتوفيق وليست هداية الدلالة والإرشاد .
    قوله : ومن يضلل فلا هادي له : أي من أبعده الله عن الطريق المستقيم وقدر عليه ذلك فلن يتمكن أحد من هدايته .
    فإن قال قائل : هل يأخذ من هذا ترك الدعوة إلى الله ؟
    نقول الدعوة إلى الله يستفيد منها الداعي ، ومن هنا فإن الداعي يدعو سواء كان الناس سيستجيبون له أو لا ، ثم إن أمر الهداية والضلال من الأمور الغيبية التي لا يُطلع عليها ، هل فلان سيهديه الله أو سيضله ؟ هذه أمور غيبية ، ومن ثَمَّ فأنت تبذل ما عليك لتستفيد الأجر وأما ما يتعلق بغيرك فأمره إلى الله .
    قوله : وأشهد أن لا إله إلا الله :أي أقر واعترف بهذه الشهادة ، سميت شهادة لأن المتكلم بها يوقن بها ويجزم بها كأنه يشاهدها وينظر إليها .
    وقوله أن لا إله إلا الله : أي لا معبود بحق إلا الله ، ففيها نفي وإثبات ومعناها : أنني أقر واعترف بأن العبودية حق خالص لله ومن ثَمَّ فإنني لا أعبد أحدا سوى الله وحده - فغير الله لا يجوز صرف شيء من العبادات له - لا شريك له ، وهذا هو أساس دعوات النبياء فكل نبي يدعو قومه يقول : -(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ )- [هود/2]-(أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ )- [المائدة/117] ، قال تعالى : -(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ )- [النحل/36] وقال : -(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)- [الأنبياء/25].
    وقوله : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أي أن محمد بن عبد الله العربي القرشي أرسله الله إلى الناس ليكون دالا إلى طريق شريعة الله ومنجيا لهم بإذن الله من عقوبة الله دنيا وآخرة .
    وقوله : عبده أي أن هذا النبي الكريم عبد من عباد الله فليس ابنا لله ولهذا وصف الله هذا النبي بصفة العبودية في المواطن الشريفة قال تعالى : -(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ )- [الإسراء/1] فقا بعبده . وقال جل وعلا : -(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ )- [الحديد/9] فهذه المواطن الشريفة يوصف فيها هذا النبي الكريم بالعبودية .

    صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه : الصلاة المراد بها الثناء على الصحيح من أقوال اهل العلم ، فإننا نطلب من الله أن يثني على هذا النبي الكريم .
    وقد وردت النصوص بالترغيب في الصلاة على هذا النبي الكريم قال تعالى : -(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56]وقال صلى الله عليه وسلم : [ من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ] وقال : [ البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ ] .

    قال : أما بعد : أي مهما يكن من شيء بعد فإن من المهم ، وأما يُأتى بها للتفريع والانتقال .
    وقوله : فإن من المهم في كل فن تعلم المرئ لأصول العلم الذي يريد أن يتعلمه ليكون عونا له على فهمه : أصول العلوم هي أساسها الذي تنطلق منه ، والأصول يستفاد منها فائدتان :
    - الفائدة الأولى القدرة على التفريع ، فإن من عرف شيئا الفروع فلا يتمكن من تفريع فروع أخرى بخلاف من عرف الأصول فإنه يتمكن من التفريع عليها .
    - والأمر الثاني : أن من عرف الأصول أحاط بالعلم في الغالب ، اما من ذهب يدرس الجزئيات والفروع فإنه لن يحيط بالعلم وإنما يحيط به إذا عرف أصوله وقواعده .
    - ومن فوائده أيضا : فهم العلم ومعرفة صحيحه من سقيمه ، لأن العلوم قد يتكلم فيها المتكلمون باجتهاداتهم ، والاجتهاد قد يقع فيه الصواب وقد يقع فيه الخطأ ، فإذا عرفنا الأصول ميزنا بين الصواب والخطأ ، وبذلك يكون معرفة المرئ لهذا العلم
    مبنيا لى أسس قوية ودعائم راسخة .
    ثم ذكر ما يتعلق بالتفسير فقال : أجل العلوم وأشرفها علم التفسير ، المراد بالتفسير توضيح معاني كلام الله في كتابه ، وهذا العلم شرفه مستمد من أصله ؛ فإن كلام الله أعلى الكلام وأرفعه ، ورفه مستمد من شرف المتكلم به ، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على من سواه .
    قال : وقد وضع أهل العلم لهذا العلم أصولا : سيأتي إن شاء الله تفصيل شيء من هذه الأصول ، وبين المؤلف أن سبب تأليفه لهذا الكتاب أنه من المناهج المقررة في المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وفي هذا الحرص على تسهيل العلوم وتيسيرها عند الطلبة .
    ثم ذكر المؤلف أقسام هذه الرسالة ، وهذه الرسالة لم تشتمل على جميع هذا العلم وإنما أوردت نماذج منهمن أجل وضع لبنة من لبنات هذا العلم في أهان المتلقين والدارسين .
    ومؤلف هذا الكتاب معلوم عندكم هو فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، وولد في سنة سبعٍ وأربعين وثلاثمائة وألف ، وتوفي عام إحدى وعشرين وأربعمائة وألف ، وهو من العلماء المجتهدين الذين اهتموا بتدريس العلوم فنفع الله بعلمهم كثيرا ، وبارك الله في علمه حتى وصل علمه إلى مشارق الأرض ومغاربها ، ومن فضل الله عزوجل أنه كان على عقيدة سلفية مبنية على أسس صحيحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان رحمه الله متفننا في علوم كثيرة ، ووصل إلى رتبة الاجتهاد في كثير من هذه العلوم ، وما هذه الرسالة إلا نموذج من نماذج مؤلفاته التي نفع الله بها الأمة ، ولا زال علمه محل درس ومحل عناية من أهل العلم ، ولعلنا إن شاء الله نتكلم عن هذه جزئيات هذه الرسالة في درسنا القادم .
    نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين وأن يرزقنا وإياكم فهم كتابه والعمل به واتباع هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .






















    القرآن الكريم
    القرآن في اللغة : مصدر قرأ بمعني تلا ، أو بمعني جمع ، تقول قرأ قرءاً وقرآناً، كما تقول : غفر غَفْراً وغٌفرانا ً ، فعلى المعني الأول ( تلا ) يكون مصدراً بمعني اسم المفعول ؛ أي بمعني متلوّ، وعلى المعني الثاني: ( جَمَعَ) يكون مصدراً بمعني اسم الفاعل ؛ أي بمعني جامع لجمعه الأخبار والأحكام (1) .
    والقرآن في الشرع : كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلي الله عليه وسلم ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناي . قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (الانسان:23) وقال : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2) . وقد حمى الله تعالى هذا القرآن العظيم من التغيير والزيادة والنقص والتبديل ، حيث تكفل عز وجل بحفظه فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ولذلك مضت القرون الكثيرة ولم يحاول أحد من أعدائه أن يغير فيه ، أو يزيد ، أو ينقص ، أو يبدل ، إلا هتك الله ستره ، وفضح أمره .
    وقد وصفه الله تعالى بأوصاف كثيرة ، تدل على عظمته وبركته وتأثيره وشموله ، وأنه حاكم على ما قبله من الكتب .
    قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر:87). ( وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)(قّ: من الآية 1) . وقال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155) (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (الواقعة:77) (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (الإسراء : من الآية 9) .
    وقال تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21) (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (24) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُون(25َ) (التوبة: 124-125) ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)(الأنعام: من الآية 19) (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان:52). وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل: من الآية 89) (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )(المائدة: من الآية 4 .
    والقرآن الكريم مصدر الشريعة الإسلامية التي بعث بها محمد صلي الله عليه وسلم إلى كافة الناس ، قال الله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1 )اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيد(2ٍ) (ابراهيم: 1-2) .
    وسنة النبيصلي الله عليه وسلم مصدر تشريع أيضاً كما قرره القرآن ، قال الله تعالى:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء:80) (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب:من الآية 36)(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحشر:من الآية 7) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ) (آل عمران:31)
















    شرح مبحث القرآن الكريم

    لما كانت هذه الأصول متعلقة بتفسير كتاب الله جل وعلا القرآن الكريم احتاج لتقديم مقدمة في تعريف القرآن ، وفي بيان خصائصه ومميزاته .
    واما من جهة التعريف فقد ذكر المؤلف أنه يعرف القرآن من جهة اللغة بأن القرآن مصدر للفعل قرأ ، وقرأ قد تكون بمعنى تلا وحينئذ يكون القرآن هو المَتلُوُّ ، فيكون اسم مفعول وذلك أن الناس يتلون هذا القرآن ويقرؤونه .
    والمعنى الثاني لفعل قرأ أن تكون بمعنى جمع ، ومن هنا قيل القرء لحصول الاجتماع فيه ، وعلى هذا المعنى يكون القرآن اسم فاعل بمعنى أن القرآن جامع لكونه يجمع الحِكَم والأحكام والمعاني والأخبار .
    ثم تكلم عن تعريف القرآن في الشرع ، وقبل أن ندخل في هذا الباب نبين مذاهب الناس في القرآن ، فإن الناس فيه على مذاهب متعددة أشهرها ثلاثة :
    - أولها : أن القرآن هو المعاني النفسية القائمة بالله جل وعلا ، وهذا الذي بين أيدينا عبارة عن القرآن أو حكاية عنه ، وليس هو ذات القرآن ، وهذا قول الكرامية والأشاعرة ومن نحى نحوهم .
    وهذا القول قول باطل وذلك أن الله جل وعلا قد أخبر ان هذا المسموع هو بذاته القرآن ، وأن القرآن هو الذي أنزل على هذا النبي الكريم قال تعالى : -(وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)- [الحجر/87] ما قال : آتيناك ما هو عبارة عن القرآن .
    وقال سبحانه : -(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)- [الإسراء/9] وقال : -(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ)- [الحشر/21] فدل هذا على أن المُنزل هو ذاته القرآن ، وقال سبحانه في حكاية قول الجن : -(إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى)- [الأحقاف/30] مع ذكرهم أن هذا الكتاب هو القرآن فدل هذا على أن المنزَل هو بذاته القرآن ، وأن من قال : إن الذي بين أيدينا عبارة عن القرآن أو حكاية عنه فقوله باطل .
    - والقول الثاني يقول : بأن هذا القرآن هو الذي بين أيدينا لأن القرآن هو الذي بين أيدينا ، لكن القرآن لم يتكلم به رب العزة والجلال ، وهذا اقلول أيضا قول باطل ؛ فإن الله جل وعلا قد أخبر ان هذا المسموع هو بعينه كلام الله كما قال سبحانه : -(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ )- [التوبة/6] وقال سبحانه : -(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)- [البقرة/75] .
    - والقول الثالث هو ما حكاه المؤلف هنا أن هذا الذي بين أيدينا هو القرآن ، وهو كلام الله حقيقة تكلم به وهو صفة من صفاه جل وعلا ، وهذا القول هو الذي تظاهرت الأدلة على الدلالة عليه وإقامة الحجة له .
    ولعله يأتينا شيء من الآيات القرآنية الدالة على هذا القول .
    فقوله : القرآن هو كلام الله : أي أن القرآن كلام تكلم الله به جل وعلا ، فالله سبحانه يتصف بصفة الكلام كما دلت النصوص على هذا ، قال تعالى : -(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)- [النساء/164] فدل هذا على أن الله متصف بصفة الكلام ، وكلام الله صفة اختيارية يتكلم متى شاء سبحانه وتعالى ليس كلامه صفةً له في الزل ثم لم يعد يتكلم بعد ذلك كما تقول بعض الطوائف، بل هو سبحانه كلما أراد أن يتكلم تكلم ، ويدل على هذا أن الله قد حكى عن وقائع وحوادث لأفعال بني آدم بصيغة الماضي مما يدل على أن فعلهم لها قبل كلامه جل وعلا كما قال سبحانه : -(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)- [المجادلة/1] فمعنى أن المجادلة حصلت قبل تكلُّم الله جل وعلا بهذه الآية .
    وهكذا أخبر الله عن حوادث ماضية بأنها قد حدثت : -(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى)- [غافر/23] فهذا خبر عن أمر ماضي ، لو كان كلام الله لو كان القرآم كلاما أزليا وأن الله لا يتكلم متى شاء لقال : سنرسل موسى ونحو ذلك .
    ثم قال : المنزل أي أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى ، ففيه إثبات صفة العلو لرب العزة والجلال قال تعالى -(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا)- [الإنسان/23] وقال تعالى -(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)- [الفرقان/1] ، وهذا الكتاب مُنَزَّلٌ على محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم الأنبياء ؛ أما كونه رسولا فقد قال تعالى : -(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)- [الفتح/29] وأما كونه خاتم الأنبياء فكما قال جل وعلا : -(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)- [آل عمران/144] وقال جل وعلا في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم : -(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)- [الأحزاب/40] ومعنى ختمه للنبوة أي انه لا يرسل احد بعده لا من نبي ولا من رسول ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : [ لا نبي بعدي ] وهذا يدلك على ان هذه الشريعة ستبقى إلى قيام الساعة لأن الله جل وعلا قد تكفل بإقامة الحجة على عباده ، وحجة على العباد في هذه الرسالة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا لابد أن يكون في كل زمان قائمون يقومون بهذه الشريعة يبلغونها للناس .
    قال : المبدوء بسورة الفاتحة : أي أن أوله سورة الفاتحة ، وسورة الفاتحة جزء من الكتاب وهي أول سورة فيه سميت الفاتحة لنه يُفتتح بها كتاب الله جل وعلا ، أو لأنه تُفتتح بها الصلاة ، أو لأنه يَفتتح بها الخير والنماء والبركة .
    المختوم بسور الناس : اي ان ىخر هذا الكتاب سورة الناس ، وترتيب القرآن بسوره الصواب انه توقيفي وليس من الأمور الاجتهادية من الصحابة رضوان الله عليهم ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرض القرآن في رمضان على جبريل ، كان يعرضه في كل سنة مرة فلما جاءت السنة الأخيرة قبل وفاته صلى الله عليه وسلم عرضه مرتين ، وهذا العرض لا يكون إلا بترتيب ، فكان هذا الذي بين أيدينا هو العرض الذي عرضه محمد صلى الله عليه وسلم على جبريل في رمضان آخر سنة له .
    وقال طائفة بأن هذا الترتيب وإن كان في أصله مأخوا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد اجتهد الصحابة في بعضه . ولو كان الأمر كذلك فإننا نقول قد وقع إجماع الأمة على هذا إجماعا قطعيا ، ومن ثَمَّ فإن هذا الترتيب ترتيب مقطوع به مجزوم به ، ومن ثّمَّ لا يصح لأحد أن يعارضه أو أن يخالفه ، ولعله يأتي بحث لذلك فيما يأتي .
    قال تعالى : -(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا)- [الإنسان/23]يصف الله جل وعلا نفسه بضمير الجمع على سبيل التعظيم وإلا فهو سبحانه واحد كما قال تعالى : -(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)- [البقرة/163] وكما قال سبحانه : -(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)- [الإخلاص/1].
    وقوله : -(نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا)- التنزيل أعظم معنى من النزول لأن التنزيل فيه تعظيم للمنزل ، وقد قيل إن التنزيل يتضمن النزول المفرق لآيات القرآن ، أما النزول فلا يقتضي التفريق ، أما إذا قيل : -(نَزَّلْنَا)- فإنه يقتضي التفيرق .
    وقال تعالى : -( إنا أنزلناه قرآنا عربيا)- [يوسف/2] أي نزل بلغة العرب ، -(لعلكم تعقلون )- أي من أجل ان تفهموا هذا الكتاب ، وفيه دلالة على أن لغة العرب ستبقى إلى قيام الساعة مهما كادها من كادها وأراد إلغائها .
    ثم ذكر المؤلف شيئا من خصائص هذا الكتاب ، فأول هذه الخصائص أنه منزل من عند رب العزة والجلال ، قد تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة .
    وثاني هذه الخصائص أنه قرآن عربي نزل بلغة العرب وذلك لأن لغة العرب اوسع الألسنة ، ولغة العرب أكثرها انتشارا ، ولغة العرب هي الجامعة لكثر من الأساليب التي لا توجد في لغات أخرى ، ففي لغة العرب من الدلالات ووانواع المفاهسم ما لايوجد في غيره من اللغات ، وفي لغة العرب من المعاني البديعة ما لا يوجد في كثير من اللغات .
    الصفة الثالثة لهذا الكتاب أنه محفوظ ، قد حماه الله جل وعلا فإن هذا الكتاب قد تكفل رب العالمين بحفظه فلا يتمكن أحد من تغييره او من زياةٍ فيه أو نقص قال تعالى : -( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )- [الحجر/9]والمراد بالذكر هنا كتاب الله جل وعلا ، فقد تكفل الله بحفظ هذا الكتاب ، ولذلك كانت الكتب السابقة قد أُوكِلَ حفظ ما فيها إلى أهلها - إلى أهل تلك الملل - فلم يحفظوها وحرَّفوا فيها : -(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ )- [المائدة/44]وأوكل الحفظ إليهم في الكتب السابقة ، أما هذا الكتاب العظيم القرآن الكريم فقد تكفل الله بحفظه وذلك لأن الله عزوجل أراد له البقاء ليبقى ، فتكفل بحفظه حتى يبقى إلى قيام الساعة .
    ومن هنا لم يتمكن أحد من تغيير هذا الكتاب تغييرا ينطلي على الناس ، قد توجد محاولات لتغيير شيء من آيات الكتاب لكنها لاتنطلي على الناس ويكتشفها الخلق ، ومن السنن الكونية في هذا أن من حاول تبديلا لكتاب الله قمعه الله عزوجل وأمات محاولاته وهتك ستره وفضح أمره .
    هكذا من خصائص هذا الكتاب أنه مبارك فيه نماء للعباد وزيادة لأحوالهم يبارك الله للعباد فيه متى ارتبطوا به يبارك لهم في عقولهم وتصوراتهم ، يبارك لهم في أبدانهم ، يبارك لهم في أموالهم وجميع أحوالهم : -(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)- [ص/29] وقال : -(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )- [الأنعام/155] .
    كذلك من خاصية هذا الكتاب أنه مؤثر ، فإذا استمع له المستمع بانصات وتامل وتفكر في معانيه أثر ذلك في نفسه وانظر هذا جليا في سيرة أعداء الله في عهد النبوة لما تقرأ عليهم آيات القرآن يحتارون فيها وتؤثر في نفوسهم أعظم التأثير ولذلك قال سبحانه : -(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )- [الحشر/21] وقال سبحانه : -(أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)- [الرعد/28] ولذلك نجد عند أهل القرآن من الطمأنينة والسكينة وتلقي المصائب العظيمة والابتلاء الكبير ما لا نجده عند غيرهم .
    هكذا أيضا من صفات كتاب الله جل وعلا أنه شامل ، ما من شيء إلا وفي كتاب الله حكمه ، إذا نظرنا في الآيات القرآنية وفي القرآن وجدناه شاملا لم يترك شيئا من أوال الناس إلى قيام الساعة إلا وقد شمله بأحكامه ، ولذلك قال تعالى : -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )- [النحل/89] .
    إذا عرضنا أحوال الناس وما يعرض لنا من قضيايا على كتاب الله وجدنا في كتاب الله ما و حل لها ، ما كأنه أنزل في يومنا هذا ليتحدث عن امرنا وشأننا الذي راجعنا الكتاب من أجله .
    ومن خاصية هذا الكتاب أنه ناسخ للكتب السابقة وحاكم عليها كما قال تعالى : -(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )- [المائدة/48] .
    ومن خاصية هذا الكتاب أن رب العزة والجلال يجعل لأصحابه ولأهله مكانة ومنزلة فهم المعظمون وهم الذين لهم المجد ولهم اثناء الحسن ، فإن الله وصف هذا الكتاب بأنه القرآن العظيم والقرآن المجيد ، فهذه الصفات للقرآن يستقيها أصحاب القرآن منه .
    وهكذا أيضا من صفات هذا الكتاب أن اتباع هذا الكتاب والسير على طريقته كما انها من أسباب ضا رب العالمين ي من أسباب الرحمة ونزول الخيرات في الدنيا وابتعاد المشاكل كما قال سبحانه : -(فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)- [الأنعام/155] ، وكما قال جل وعلا : -(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )- [الإسراء/9] أقوم معناها مأخوذ من القِوامة فهو يقيم أحوال أصحابه ويجعلها على أحسن الطرائق والمناهج .

    وقال : فإن قال قائل : إن بعض الناس إذا استمع لهذا القرآن زاد في عدائه للإسلام وأهله ، وزاد في فسقه وفجوره .
    فنقول في مثل هذا : بأن من نظر إلى القرآن بالعناد وبتكبر أو بالمضادة فإن الله جل وعلا يجازيه على سوء عمله -(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )- [الصف/5]ومن هنا فإنهم لا يهتدون إلى حقيقته ولا يسيرون معه وقد يقدمون الأمور الدنيوية على اتباع هذا الكتاب يظنون أن الدنيا تحصل لهم بمخالفته ، والحقيقة أن الدنيا لا تحصل إلا باتباعه ، فإنه ولو حصل شيء من المور الدنيوية للمضادين للكتاب لكنهم لا ينتفعون بها ، وإنما الذي ينتفع بها تمام الانتفاع هم أصحاب هذا الكتاب قال تعالى : -(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)- [الأعراف/32]ومن هنا قال تعالى : -(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)- [التوبة/124]فيها أن الإيمان يزيد بسماع آيات هذا الكتاب والعمل بها ، وأن الإيمان ليس على رتبة واحدة بل هو على رتب متفاوتة وأن أهله يتفاضلون .
    وقوله : -(وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)- أي تأتيهم الأخبار السارة والبشارات الطيبة ، ففيه دلالة على ان اهل الإيمان بسماعهم للكتاب وعملهم به يستبشرون أي تأتيهم البشارات تلو البشارات .
    -(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)- أ ي مرض الشبهات -(فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ)- الرجس الذي لديهم جعلهم لا ينتفعون بهذا الكتاب -(وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ)- [التوبة/125] .
    ومن خصائص هذا الكتاب انه يقوي النوس على مجاهدة العدو ، يستمع المؤمنون لآية من آيات كتاب الله فيتقوون و... ويكون سببا من أسباب انتصارهم على العدو بإذن الله تعالى .
    وهكذا هذا الكتاب فيه الحجج الواضحة البينة التي ترد على جميع الشبه ؛ ما من شبهة يثيرها الناس في أي عصر من العصور إلا وفي كتاب الله حلها وكشفها والجواب عنها ، ولذلك قال تعالى : -(فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ)- أي بهذا القرآن -(جِهَادًا كَبِيرًا)- [الفرقان/52] سواء كان جهاد البدن او جهاد الحجج والإقناع .
    وقوله : -(فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ )- لأن الكافرين يريدون من أهل الإيمان أن يتركوا دينهم وألا يسيروا على مقتضى أدلتهم الشرعية كتابا وسنة ، فنهىالله جل وعلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن طاعتهم في ذلك .
    وكذلك من خصائض هذا الكتاب أن الهدى معلق به ، من سار عليه وتمسك به وطلب الهدى فيه حصل طريق الهدى -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)- [النحل/89] .
    كذلك من خصائص هذا الكتاب أنه المصدر الأصيل للأحكام الشرعية ، الأحكام الشرعية تأخذ من كتاب الله عزوجل وتأخذ من الأدلة التي دل على حجيتها كتاب رب العالمين قال سبحانه -(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)- [إبراهيم/1] .
    وخصائص كتاب الله كثيرة متعددة ، ما ذكره المؤلف هنا نماذج منها ولعلنا نشير إليها في لقاء سابق .
    وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي كذلك أيضا مصدر تشريعي تأخذ منه الأحكام الشرعية ، فإن الله عزوجل قد أمر باتباع هذا النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه -(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )- [الأحزاب/36] وكما قال جل وعلا -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )- [النساء/59] وقال : -(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)- [الأنفال/1] في نصوص كثرة تأمر بطاعة الله وطاعة رسوله ، وقال سبحانه : -(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)- [النور/63] عن أمره أي عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
    فالمقصود أن السنة من مصادر التشريع وقد دل عليها كتاب الله جل وعلا ، وهناك مصادر تشريع أخرى من مثل الإجماع والاستصحاب قد دلت عليها نصوص قرآنية أو نبوية والأحكام ترجع إلى كتاب الله عزوجل إما بحديثها عن الأحكام أصالة أو بتقرير الدليل الدال على أحكامها .
    هذا شيء من خصائص القرآن الكريم ، ولعلنا إن شاء الله نتحدث في لقائنا القادم عن نزول القرآن .
    أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، كما أسأله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا ونية خالصة وان يكون معينا لنا وناصرا .
    هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

    (1) ويمكن أن يكون بمعني اسم المفعول أيضاً ، أي بمعني مجموع ؛لأنه جٌمع في المصاحف والصدور.

    تعليق


    • #3
      رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]












      1- نزول القرآن
      نزل القرآن أول ما نزل على الرسول صلي الله عليه وسلم في ليلة القدر في رمضان، قال الله تعالى :(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ(3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) (الدخان:3-4) . (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: من الآية 185) .
      وكان عمر النبي صلي الله عليه وسلم أول ما نزل عليه القرآن أربعين سنة على المشهور عند أهل العلم ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء وسعيد بن المسيِّبوغيرهم . وهذه السِّن هي التي يكون بها بلوغ الرشد وكمال العقل وتمام الإدراك .
      والذي نزل القرآن من عند الله تعالى إلى النبي صلي الله عليه وسلم، جبريل أحد الملائكة المقربين الكرام ، قال الله تعالى عن القرآن: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ(194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195) (الشعراء:192- 195) .
      وقد كان لجبريل عليه السلام من الصفات الحميدة العظيمة ، من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة ؛ ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسوله قال الله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ "(19)ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين(21ٍ) (التكوير:19- 21) . وقال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6)وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7) (لنجم:5-7) .
      وقال : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102)



      هذا الفصل فيه عدد من المباحث والمسائل :
      - أول هذه المسائل أن القرآن مُنَزَّلٌ من عند الله عزوجل ، وقد تواترت النصوص في إثبات هذا المعنى قال تعالى : -(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)- [الفرقان/1] وقال جل وعلا : -(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)- [الحجر/9] ، وفي هذا إثبات أن القرآن من عند الله عزوجل وهو المتكلم به سبحانه وتعالى حقيقة ويدل على هذا قوله تعالى : -(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)- [التوبة/6] ، وفي هذا أيضا إثبات صفة العلو لله جل وعلا وقد تواترت النصوص بإثبات هذه الصفة كما دل عليها الفطرة والعقل .
      - والأمر الثاني مما احتواه هذا الفصل أن القرآن أو ما نزل في ليلة القدر -(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)- [القدر/1] وليلة القدر ليلة من ليالي شهر رمضان هي في العشر الأواخر منه قال تعالى : -(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)- [الدخان/3] والمراد بهذه الليلة المباركة ليلة القدر بدلالة الآية الأخرى ، وليس المراد بها ليلة النصف من شعبان ولا ليلة أول محرم ولا غيره ، إنما المراد بها ليلة القدر ويدل على هذا قوله تعالى : -(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ )- [البقرة/185]فدل هذا على أن نزول القرآن كان في شهر رمضان .
      وقد اختلف أهل العلم في بيان المراد بهذه الآيات على قولين مشهورين :
      القول الأول : أن المراد إنزال القرآن إلى السماء الدنيا في بيت العزة كما ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال به جمهور أصحابه .
      والقول الثاني : أن المراد ابتداء نزول القرآن كان في ليلة القدر ، ونزل بعد ذلك منجما . وهذا قاله جمهور الصحابة رضوان الله عليهم ، وقد وقف العلماء من هذا الخلاف موقفين :
      * منهم من يقول : نرجح قول الجمهور لأن إثبات أن القرآن نزل كاملا في ليلة واحدة إنما قال به صحابي واحد ونحن لا نثبت الشيء بناء على قول صحابي واحد متى خالفه غيره من الصحابة .
      * والموقف الثاني يقول : بأنه لا يمتنع أن يكون الأمران ثابتين ، فيكون جبريل قد نزل بالقرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم بعد ذلك يكون جبريل عليه الصلام قد سمع القرآن من رب العزة والجلال فبلغه إلى الناس ولعل هذا أظهر فبه تجتمع الأقوال ولا يكون هناك تناقض أو تضاد بينها .

      ثم ذكر المؤلف عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت إنزال القرآن وأنه كان عمره أربعين سنة على المشهور عند أهل العلم .
      لماذا اختيرت هذه السن ؟ لأن هذه السن وقت بلوغ الأشد ويحصل بها تمام الإدراك ويكون عند الإنسان فيها من الخبرة والرأي ما يجعله مؤهلا لحمل الرسالة .
      ثم ذكر من قام بإنزال القرآن وهو جبريل عليه السلام وقد جاءت النصوص بفضل جبريل وبيان منزلته وكانت اليهود يعادون جبريل بزعمهم ووينافرونه ، وقد قال جل وعلا : -(قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)- [البقرة/97] الآية .
      وقد جاءت النصوص بالثناء على جبريل عليه السلام بصفات كثيرة منها عظم خلقه عليه السلام فقد ورد أن له ستمائة جناح ، وقد وصفه الله بأنه ذو قوة وبأنه مكين ند ربه وانه مطاع وأنه أمين .
      وفي قوله تعالى : -(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)- [التكوير/19]المراد بذلك قول جبريل وليس المراد به أنه المتكلم به وإنما المراد أنه الناقل له ، فإن القول قد ينسب إلى المتكلم به وقد ينسب إلى الناقل له ، ولذلك قال تعالى : -(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ)- وهو جبريل عليه السلام -(مِنْ رَبِّكَ)- من الله لأنه كلام الله حقيقة -(بِالْحَقِّ )- ليس فيه باطل ولا مرية -(لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا)- [النحل/102] فنزول هذا القرآن من أسباب ثبات المؤمنين على الخير والهدى ، نعم .




































      2- أول ما نزل من القرآن
      أول ما نزل القرآن على وجه الإطلاق قطعا ً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالي : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (العلق:1- 5) . ثم فتر الوحي مدة ، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر ، وزهي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر (1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5) (المدثر:1-5) . ففي ((الصحيحين)) : صحيح البخاري ومسلم (1) . عن عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي قالت : حتى جاءه الحق ٌّ ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال اقرأ ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم ما أنا بقارئ ( يعني لست أعرف القراءة ) فذكر الحديث ، وفيه ثم قال:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق(1)َ) إلى قوله:(عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)) (العلق:1- 5). وفيهما(1) عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال وهو يحدث عن فترة الوحي : ( بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء .... ) فذكر الحديث ، وفيه ، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر (1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2) إلى ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُر(5ْ) (المدثر:1-5) .
      وثمت آيات يقال فيها : أول ما نزل، والمراد أول ما نزل باعتبار شيء معين ، فتكون أولية مقيدة مثل : حديث جابر رضي الله عنه في ((الصحيحين ))(2) . إن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله: أي القرآن أنزل أول؟ قال جابر:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1) قال أبو سلمة : أنبئت أنه
      (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1) فقال جابر : لا أخبرك إلا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت ...) فذكر الحديث وفيه : ( فأتيت خديجة فقلت : دثروني ، وصبوا علي ماء بارداً ، وأنزل علي : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1) إلى قوله :(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:1-5) ).
      فهذه الأولية التي ذكرها جابر رضي الله عنه باعتبار أول ما نزل بعد فترة الوحي ، أو أول ما نزل في شأن الرسالة ؛ لأن ما نزل من سورة اقرأ ثبتت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما نزل من سورة المدثر ثبتت به الرسالة في قوله ( قُمْ فَأَنْذِرْ) (المدثر:2)
      ولهذا قال أهل العلم : إن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ ب(اقْرَأْ) (العلق:1) وأرسل ب الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1)







      تكلم المؤلف هنا رحمه الله عن أول ما نزل من القرآن ، وبين أن أولية الإنزال قد تكون على جهة الإطلاق وقد تكون على جهة النسبية ، فأما أول ما نزل على الإطلاق فهو أول سورة العلق -(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)- [العلق/1]إلى خمس آيات منها ، وذلك أنه قد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ يعني أنني لا أعرف القراءة .
      أما أول ما نزل من القرآن على جهة النسبية فهذا يختلف باختلاف النِّسب التي يجري الكلام عليها ، فهناك مثلا نسبية متعلقة بمكان كأول ما نزل بالمدينة ، ونسبية متعلقة بالزمان كقول بعضهم أو ما نزل بعد سورة الأحزاب كذا ، وهناك أول ما نزل في الحج آية كذا .
      وهناك نسبية متعلقة بالموضوع ، فيكون هناك موضوع من الموضوعات نزلت فيها آيات متعددة فيقول الصحابي : أول ما نزل من القرآن كذا يعني في هذا الموضوع .
      ومن أمثلته قول بعض الصحابة : أول ما نزل من القرآن - يعني في شأن الخمر -: -( تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)- [النحل/67] . وقول آخر : أول ما نزل في القرآن - يعني في شأن اليتامى - -(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)- [النساء/10] حتى تحرجوا من ذلك وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى : -(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)- [البقرة/220] الآية .
      وقوله هنا : ثم فتر الوحي مدة : أي ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان نزلت عليه سورة العلق توفق الوحي عنه مدة من الزمن ، ففتر يعني توقف ، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر .
      وذكر المؤلف حديث جابر في هذا ، ثم ذكر حديث أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأن بعضهم يقول : أول ما أُنزل -(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)- [المدثر/1] أي بعد فترة الوحي فهذه أولية من جهة الزمان .
      قال المؤلف : لأن ما نزل من سورة إقرأ ثبتت به نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وما نل من سورة المدثر ثبتت به الرسالة ، فإن قوله : -(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)- [العلق/1] اقرأ فعل أمر ، -(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)- [العلق/2] أي من أصل مادته وهو العلقة التي تكون في أول حياة الجنين ، وقيل المراد به النطفة ، وقيل المراد به ماء الرجل . -(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)- [العلق/3] لأنه قد تكرم على الناس بكونه قد علمهم.
      ثم قال تعالى : -(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ)- [المدثر/1-2] أي خوِّف الناس من الله ومن عقوبته ، -(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)- [المدثر/4] أي أبعد عنها مظاهر الشرك أو أبعد عنها النجاسات ، -(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)- [المدثر/5] أي الأصنام اتركها ولا تلتفت إليها لا بعبادتك ولا بقلبك .
      قال : ولهذا قال أهل العلم إن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر ، وفي هذا دلالة على أن مرتبة النبوة مغايرة لرتبة الرسالة وأنهما ليسا على رتبة واحدة كما يقول بعض الناس ، بل هما رتبتان مختلفتان ، ويدل على هذا قوله تعالى عن عدد من أنبيائه كموسى -(وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)- [مريم/51] مما يدل على المغايرة بين وصف الرسالة ووصف النبوة وإلا لما صح ان يأتى بأحد الوصفين بعد الآخر ولكان تكرارا لا فائدة منه ، ويدل عليه قوله تعالى : -(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)- [الحج/52] فدل هذا على الفرق بين الرسول وبين النبي . وقد جاء في حديث أ\كار النوم ان النبي صلى الله عليه وسلم علم البراء أذكار النوم وقال : إذا أويت إلى فراشك .. إلى أن قال :[ وقل : آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ] ، قال : فكررتها لأحفظها فقلت : ورسولك الذي أرسلت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا ونبيك الذي أرسلت ] فلو كان معناهما واحدا لما قال له طالبا منه تعديل لفظة [ ونبيك الذي أرسلت ] .
      وقوله : المدثر المراد بها المتغطي الذي غطى نفسه ، نعم .






























      3- نزول القرآن ابتدائي وسببي
      ينقسم نزول القران إلى قسمين :
      الأول : ابتدائي : ابتدائي : وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه ، وهو غالب آيات القران، ومنه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة:75)
      الآيات فإنها نزلت ابتداء في بيان حال بعض المنافقين ، وأما ما اشتهر من أنها نزلت في ثعلبة ابن حاطب في قصة طويلة ، ذكرها كثير من المفسرين ، وروجها كثير من الوعاظ ، فضعيف لا صحة له .(3) .
      القسم الثاني : سببي : وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه . والسبب :
      أ إما سؤال يجيب الله عنه مثل (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (البقرة: من الآية 189) .
      ب أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)(التوبة: من الآية 65) الآيتين نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس : ما رأينا مثل قران هؤلاء أقرب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبه ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)(التوبة: من الآية 65) (4).
      ج- أو فعل واقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل :(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1)



      قسم المؤلف نزول القرآن إلة قسمين :
      - القسم الأول : ابتدائي بأن لا يكون لإنزاله سبب لذات ذلك ، وقال : بأنه غالب آيات القرآن ، ومثل له بآية التوبة -(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)- [التوبة/75] والظاهر في هذا أن هذه الآية نزلت على سبب ، لأنه قال : -(وَمِنْهُمْ)- أي من المنافقين ، وهو في وصف أحوالهم سواء كان هذا المذكور في هذه القصة التي هي في معجم الطبراني بسند فيه متروك فهو ضعيف جدا ، أو قصة أخرى لم تنقل إلينا ، ولذلك فإن بعض الآيات يكون لها سبب فتنقل الآية لكن لا ينقل السبب ويكتفى بنقل الآية عن نقل سببها ، ولذلك ذهب طائفة من اهل العلم إلى ان آيات القرآن نزلت على أسباب وجدت قدرها الله عزوجل وخلقها من أجل أن تكون سببا من أسباب نزول هذه الآيات ولذلك ورد عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا إن القرآن قد قُسِّم على الحوادث ، فدل هذا على أن آيات القرآن إنما تنزل بسبب ، سواء كان هذا السبب طلبا كما في قصة أهل الكهف فإنها نزلت إجابة لطلب من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قصتهم او كانت لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم لئلا تفتر نفسه في الدعوة إلى الله ويستفيد من ذلك الدعاة إلى الله بعده بالاستمرار على الدعوة إليه جل وعلا وألا يلتفتوا إلى أولئك المخذلين وأولئك المعاندين والمعادين للإسلام وأهليه .
      أو يكون سبب نزول القرآن حادثة تحتاج إلى بيان حكمها ، وهذا في مواطن كثيرة ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : -(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)- [المنافقون/8] فهذه نزلت تحذيرا من مقالة هؤلاء المنافقين وتخويفا لهم بالله جل وعلا ، وهكذا أيضا آبة التيمم نزلت في قصة وحادثة بعينها في عهد النبوة .
      ولذلك فإن الأظهر ان آيات القرآن نزلت لأسباب : إما لجواب شبهة كانت موجودة في ذلك الزمان او لجواب سؤال أو لبيان حكم في حادثة أو للتحذير من بعض المظاهر الموجودة عندهم ، وأنه ليس هناك ما ليس له سبب ، لكن قد ينقل لنا السبب بواقعة معينة وقد يكون السبب مفهوما من الآية وقد لا يكون في نقل السبب فائدة ولذا لم ينقلوه لنا ونحو ذلك .
      هذا شيء من مباحث أقسام تقسيم نزول القرآن ، نعم .






























      فوائد معرفة أسباب النزول :
      1- معرفة أسباب النزول مهمة جدا ، لأنها تؤدي على فوائد كثيرة منها :
      بيان أن القران نزل من الله تعالى ، وذلك لأن النبيصلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء ، فيتوقف عن الجواب أحيانا ، حتى ينزل عليه الوحي ، أو يخفي الأمر الواقع، فينزل الوحي مبينا له . مثال الأول : قوله تعالى : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء :85) . ففي صحيح البخاري "(1) عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : أن رجلا من اليهود قال : يا أبا القاسم ما الروح ؟ فسكت ، وفي لفظ : فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء :85) الآية مثال الثاني قوله تعالى (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ)(المنافقون: من الآية وفي صحيح البخاري (2) أن زيد ابن أرقم رضي الله عنه سمع عبد الله ابن أبى رأس المنافقين يقول ذلك ، يريد أنه الأعز ورسوله الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأزل ، فأخبر زيد عمه بذلك ، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيدا فأخبره بما سمع ثم أرسل إلى عبد الله ابن أبيه وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تصديق زيد في هذه الآية ؛ فاستبان الأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
      2- بيان عناية الله تعالى برسولهصلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه مثال ذلك قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32) وكذلك آيات الإفك ؛ فإنها دفاع عن فراش النبي صلى الله عليه وسلم وتطهير له عن ما دنسه به الأفاكون .
      3- بيان عناية الله تعالى بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غموضهم . مثال ذلك آية التيمم ، ففي " صحيح البخاري " (3) أنه ضاع عقد لعائشة رضي الله عنها ، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأقام النبي صلى الله عليه وسلم لطلبه ، وأقام الناس على غير ماء ، فشكوا ذلك إلى أبي بكر ، فذكر الحديث وفيه : فأنزل الله أية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . والحديث في البخاري مطولاً .
      4- فهم الآية على الوجه الصحيح . مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(البقرة: من الآية 15 أي يسعى بينهما ، فإن ظاهر قوله : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْه)ِ (البقرة: من الآية 158 ) أن غاية أمر السعي بينهما ، أن يكون من قسم المباح ، وفي صحيح البخاري "(4) عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة ، قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (البقرة: من الآية 15 إلى قوله : (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة: من الآية 15 وبهذا عرف أن نفي الجناح ليس المراد به بيان أصل السعي ، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه ، حيث كانوا يرون أنهما من أمر الجاهلية ، أما أصل حكم السعي فقد تبين بقوله:(مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة:من الآية 15






      ذكر المؤلف هنا الفوائد المترتبة عن معرفة أسباب النزول ، وذكر أن من الفوائد أن نعرف أن هذا القرآن نزل من عند الله ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم في الحوادث ابتداء بل توقف حتى نزل إليه الوحي بحكم هذه النوازل ، مما يدل على أن هذا النازل ليس من عند نفسه وإنما هو من عند الله جل وعلا ، ومن المعلوم أن من طبيعة الإنسان خصوصا الراغب في العلو أن يدعي معرفة كل شيء ، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يتوقف حتى ينزل إليه القرآن دليل على ان هذه الشريعة المباركة من عند الله وأن هذا القرآن هو كلام رب العزة والجلال .
      ومن فوائد ذلك ان المرئ يعرف معاني الآية القرآنية التي نزلت بسبب هذه الحادثة التي وقعت في عهد النبوة ، فإن الإنسان إذا اطلع على الآية ولم يعرف سببها فقد ينزلها على غير المراد بها ، كما ذكر المؤلف في آية البقرة فيما يتعلق بالصفا والمروة .
      ومثله قوله تعالى -(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ)- [الطلاق/4] فهنا قد يقول قائل : هذه الآية فيما ارتبن فيه أما إذا لم يكن هناك ريبة ولا شك فلا يدخل فيها . فيقال : إن قوله : -(إِنِ ارْتَبْتُمْ )- المراد بها يفسره سبب نزول هذه الآية وهو انهم شكوا في شأن المرأة التي تكون كبيرة لا تحيض فنزلت الآية في بيان أن من كان كذلك فهعدته ثلاثة أشهر .
      وأيضا عندما يطلع الإنسان على قوله عزوجل : -(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)- [البقرة/196] يقع في إشكال : ما المراد بالهدي ؟ هل يجزئ فيه سُبعُ البَدَنَةِ أو نحو ذلك ؟ ينظر في سبب نزول هذه الآية فيجد أن سبب نزولها حادثة كعب بن عُجرَة ويجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :[أُنسك شاة ] ، فيذبح شاةً .
      وكذلك من فوائد معرفة أسباب النزول ألا نخصص سبب النزول من اللفظ العام ؛ فإن الآية العامة قطعية الدلالة في سبب النزول وبالتالي لا يصح لنا أن نخصص صورة السبب من اللفظ العام ، نعم .




































      عموم اللفظ وخصوص السبب :
      إذا نزلت الآية لسبب خاص ، ولفظها عام كان حكمها شاملا لسببها ، ولكل ما يتناوله لفظها ، لأن القران كان نزل تشريعا عاما لجميع الأمة فكانت العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه .
      مثال ذلك : آيات اللعان ، وهي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ)(النور: من الآية 6) ( إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(النور: من الآية 9) إلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ )(النور: من الآية 6) ففي صحيح البخاري " (1)من حيث ابن عباس رضي الله عنهما : أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم : البينة أو حد في ظهرك ، فقال من الحد ، فنزل جبريل ، وأنزل عليه : (إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ )(النور: من الآية 6)
      فهذه الآيات نزلت بسبب قذف هلال بن أمية لامرأته ، لكن حكمها شامل له ولغيره ، بدليل ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن عويمر العجلاني جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك . فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنه بما سمي الله في كتابه ، فلاعنها . الحديث (2) .
      فجعل البني صلى الله عليه وسلم حكم هذه الآيات شاملا لهلال بن أمية وغيره .



      الألفاظ التي ترد في النصوص منها ما يكون خاصا ومنها ما يكون عاما ، وألفاظ العموم لها صيغ محددة فإذا ورد شيء من هذه الصيغ قيل بأن الآية عامة .
      من أمثلة ذلك لفظ "كل" كقوله : -(بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)- [البقرة/282]-(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)- [آل عمران/189] ، ومن أمثلة ألفاظ العموم قوله كافة كما في قوله تعالى : -(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيراً)- [سبأ/28] ، ومن أمثلة ألفاظ العموم ما كان مسبوقا بـال الجنسية كقوله تعالى : -(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا )- [العصر/2-3] ، ومن أمثلته أيضا الأسماء المبهمة من مثل قوله تعالى : -(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)- [الزلزلة/7]، ومن علامات كون اللفظ من ألفاظ العموم أن يأتي بعده استثناء ، إذا جاءنا اللفظ العام وكان سببه خاصا فحينئذ هل نقول : غن العبرة بعموم اللفظ أوبخصوص السبب ؟
      الأسباب التي تنزل الآيات أو ترد الأحاديث من أجلها على نوعين :
      - أسباب شخصية : فحينئذ نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بإجماع العلماء ، ولذلك فإن الصحابة أجمعوا على أن آيات القذف لا تختص بذلك الرجل الذي تكلم في امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وآيات الظهار لا تختص بقيس بن ثابت بن الشماس عندما ظاهر من زوجته ، وهكذا أيضا قوله تعالى : -(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)- إلى قوله : -(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ )- [البقرة/187] فليست الآية خاصة بعمر او بمن قيل إن الآية نزلت فيه .
      ومثله أيضا لما جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله يقول : {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } نزل الوحي فجاءت :-(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )-[النساء/95] الآية ، فهنا -(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ )- نزلت بسبب واقعة شخصية ، فحينئذ نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بإجماع أهل العلم ، وذلك لأن لفظ الآية عام ونحن إنما تُعُبِّدنا بلفظ الآية لا بالواقعة الحاصلة في عهد النبوة .

      - النوع الثاني من أنواع الأسباب : الأسباب النوعية ؛ فإذا ورد لفظ عام بسبب خاص ولكن هذا السبب ليس من الأسباب أو من الحوادث الشخصية وإنما من الحوادث النوعية ، مثال ذلك : في السنة جاء في الحديث أن ناسا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا نركب البحر ور يكون معنا الماء . وفي لفظ : فإن توضأنا فني ما معنا من الماء ، أفنتوضأ من البحر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم عن البحر : [ هو الطهور ماؤه الحل ميتَتُه ] فهنا اللفظ عام ماء البحر [ هو الطهور ماؤه ] ماء اسم جنس مضاف إلى معرفة فيفيد العموم ، والسبب خاص لأنهم خَصُّوه بما إذا ركبوا في البحر ، وخَصُّوه بوقت احتياجهم للماء ، فهل نقول العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب ؟ قال الجمهور : العبرة بعموم اللفظ ، وفي مذهب مالك أن العبرة بخصوص السبب ، ولعل قول الجمهو أقوى لأننا متعبدون بألفاظ الشارع بألفاظ القرآن والسنة ولسنا متعبدين بألفاظ الرواة أو الصحابة المتكلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن الحكم لو كان خاصا لخصصه النص ولم يعمم الحكم فيه .
      ونشير إلى مسألة هناوهي أن سبب النزول قد يتكرر فيتكرر نزول السورة مرة أو مرتين ، وسبب النزول قد يكون للآية الواحدة أسباب نزول متعددة ، وتعدد أسباب النزول على نوعين :
      - النوع الأول : تعدد أسباب النزول لجميع الآية كما ورد في حديث القذف انه نزل في واقعتين ، وقد يكون سبب النزول متعددا بسبب أن كل جزء من الآية له سبب نزول خاص به ، من أمثلة ذلك آية : -(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)- [البقرة/187] فهذه نزلت في واقعة ، وقوله -(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ)- [البقرة/187] هذه نزلت في واقعة أخرى ؛ الأول نزل في الذي أراد أن يجامع امرأته فلما جاء وأراد منها ما يريد الرجل من امرأته قالت : إني كنت قد نِمتُ وكان عندهم أن من نام وجب عليه الإمساك إلى مغرب الغد ، فنزلت الآية في بيان أن أول وقت الصيام يبتدئ بالفجر -(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ )- [البقرة/187] يعني أن الرجل يقول لزوجنه أنت تكذبين في ادعائك أنك قد نِمتِ لأنك إنما تريدين أن تتهربي مني ، فنزلت الآية تجيز الجماع إلى طلوع الفجر سواء حصل نوم بالليل أو لم يحصل .
      ثم جاء في حديث آخر أن رجلا كان عنده زراعة ، فاشتغل في زراعته فجاء إلى أهل بيته فسألهم عن الطعام فقالت زوجته سأذهب أطلب لك طعاما ، فلما جاءت بالطعام وجدته قد نام ، فقالت : تعساً لك ، فلما جاء منالغد ذهب إلى زراعته واشتغل فيها ، فما جاءه الظهر إلا وقد سقط من الإعياء فنزلت الآية تبيح الأكل والشرب إلى طلوع الفجر .
      ثم هناك سبب ثالث في حادثة عدي بن حاتم لما قال تعالى : -( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ )- [البقرة/187] جاء بخيطين ووضعهما تحت وساده ، ثم أصبح يقلب النظر فيهما فاستمر في الأكل حتى مَيَّزَ الأبيض من الأسود ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنزل قوله من الفجر: -(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )- [البقرة/187] فبين أن المراد به ضوء الصباح وظلمة الليل وليس المراد به الخيطين اللذين يضعان تحت الوساد .
      هذا ما يتعلق بأحكام نزول الآيات ، ولعلنا إن شاء الله نتكلم عن المكي والمدني في يوم آخر .

      أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة ، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ، وأن يرزقنا وإياكم فهم الكتاب العظيم والعمل به والسير على طريقته ، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال الأمة وأن يردهم إلى دينه رداً جميلا .
      هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
      في أمان الله يا إخواني ، تمسوا على خير .











      (1) أخرجه البخاري ، كتاب ب دء الوحي ، باب 1 : كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ... ، أصول في التفسير ، حديث رقم 3 ؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، حديث رقم 403 { 252} 160 .

      (1) أخرجه البخاري ، كتاب بدء الوحي ، باب 1 : كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، حديث رقم 4 ؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، حديث رقم 406 { 255} 161 .

      (2) أخرجه البخاري ، كتاب التفسير ، باب 3 قوله : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) حديث رقم4924 ؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، حديث رقم 409 { 257} 161

      (3) رواه الطبراني ، وفيه على بن يزيد الألهاني وهو متروك .

      (4) ذكر هذه الحادثة ابن كثير في تفسيره (2/36، والطبري أيضاً (10/172)

      (1) أخرجه البخاري كتاب العلم باب قوله تعالي (وما أؤتيتم من العلم إلا قليلا)حديث رقم (125) ومسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ، وقوله (ويسألونك عن الروح ...) الآية . حديث رقم (2794).

      (2 )أخرجه البخاري كتاب التفسير سورة المنافقون باب قوله (إذا جاءك المنافقون قالوا إنك لرسول الله ) الآية . حديث رقم (4900) ومسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب صفات المنافقين وأحكامهم .حديث رقم (367).

      (3 ) أخرجه البخاري كتاب التيمم قوله تعالي (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه حديث رقم (334) ومسلم كتاب الحيض باب التيمم حديث رقم (367)

      (4 ) أحرجه البخاري كتاب الحج باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة ، ومسلم كتاب الحج باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به حديث رقم (127

      (1) أخرجه البخاري كتاب الشهادات باب إذا دعي أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة . حديث رقم (2671).

      (2) أخرجه البخاري كتاب التفسير سورة النور باب قوله عز وجل (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) الآية . حديث رقم (423) ومسلم كتاب اللعان حديث رقم (1492).

      تعليق


      • #4
        رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

        المكي والمدني
        نزل القران على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا في خلال ثلاث وعشرين سنة ، قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرها بمكة ، قال الله تعالى (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء :106) ولذلك قسم العلماء رحمهم الله تعالى القرآن إلى قسمين : مكي ومدني :
        فالمكي : ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة .
        والمدني : ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة .
        وعلى هذا فقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: من الآية 3) من القسم المدني وإن كانت قد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعرفة ، ففي الصحيح البخاري (3)عن عمر رضي الله عنه أنه قال : قد عرفنا ذلك اليوم ، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، نزلت وهو قائم بعرفة يوم جمعة .
        ويتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :
        أ- أما من حيث الأسلوب فهو :
        1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب، لان غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .
        أما المدني : فالغالب في أسلوبه البين ، وسهولة الخطاب ، لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة .
        2- الغالب في المكي قصر الآيات، وقوة المحاجة ، لأن غالب المخاطبين معادون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور .
        أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام ، مرسلة بدون محاجة ، لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ الدين في سورة البقرة .
        ب- وأما من حيث الموضوع فهو :
        الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ، لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .
        1- أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ، لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.
        2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد ، وظهر النفاق بخلاف القسم المكي .
        فوائد معرفة المدني والمكي :
        معرفة المكي والمدني نوع من أنواع علوم القرآن المهمة ، وذلك أن فيها فوائد منها :
        1- ظهور بلاغة القران في أعلى مراتبها ، حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة ، أو لين وسهولة .
        2- ظهور حكمه التشريع في أسمى غاياته حيث يتدرج شيئا فشيئا بحسب الأهم على ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ .
        3- تربية الدعاة إلى الله تعالى ، وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القران في الأسلوب والموضوع ، من حيث المخاطبين ، بحيث يبدأ بالأهم فالأهم ، وستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها .
        4- تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية ، يتحقق فيهما شروط النسخ ، فإن المدنية ناسخة للمكية ، لتأخر المدنية عنها .











        ذكر المؤلف رحمه الله تعالى هنا انقسام الآيات القرآنية إلى مكي ومدني ، المكي نسبة إلى مكة ، والمدني نسبة إلى المدينة .
        وذلك أن الله جل وعلا يخاطب كل أُناسٍ بما يناسبهم من الخطاب والأحكام ، فخطاب الله جل وعلا المتعلق بأهل مكة يغاير خطابه المتعلق بأهل المدينة |، فأهل مكة كانوا معرضين محاربين يمكرون بالإسلام وأهل الإسلام ، وأهل المدينة كانوا منقادين إذا جاءهم الأمر بادروا إلى امتثاله ، ومن هنا ناسب أن يخاطب كل أُناسٍ بما ييناسب حالهم .
        والنبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن مفرقا ولم ينزل عليه جملة واحدة ، في ثلاث وعشرين سنة بحسب الحوادث وأسباب النزول وبحسب ما يحتاج إليه الناس من الأحكام الشرعية ، وكان أغلب هذه المدة في مكة ولذلك كان أكثر سور القرآن مكية والمدني منها الأظهر أنه سبعة وعشرون سورة وأن ما بقي من سور القرآن فإنه مكي .
        وقد اختلف أهل العلم في ضابط المكي والمدني ، ذكر المؤلف هنا أحد الأقوال في هذا وهو أن المكي ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ، وان المدني ما نزل عليه بعد الهجرة . وهذا ضابط دقيق يعرف به الحال .
        بينما ذهب آخرون إلى أن المكي هو ما نزل بمكة ، وأن المدني ما نزل بالمدينة . وعلى ذلك يكون ما نزل بمكة بعد الهجرة من المكي وليس من المدني ، مثال ذلك : قوله تعالى -(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)- [النساء/58] هذه الآية نزلت في مفاتيح الكعبة في مكة ولم تنزل في المدينة ، هل هي مكية أو مدنية ؟ فإن قلنا : المكي ما نزل قبل الهجرة فهذه نزلت بعد الهجرة فتكون مدنية .
        وإن قلنا : المكي ما نزل في مكة فهذه الآية نزلت في مكة فتكون مكية .
        لكن هذا القول يشكل عليه أن بعض الآيات لم تنزل لا في مكة ولا في المدينة كما نزل بعض الآيات في بعض الوقائع وفي ذهاب النبي إلى تبوك نزلت بعض الآيات ، ومن ثَمَّ فإن القول الأول أرجح . وبعض الناس قال : بأن الآيات المكية هي الموجهة لغير المسلمين أو التي خاطب فيها الناس من مثل قوله : -(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )- [البقرة/21]-(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)- [النساء/1] فهذه الآيات نزلت بالمدينة إلا أن المخاطَبَ بها الناس ، فقال هؤلاء : بأن ما كان كذلك يخاطب الناس عموما فهو مكي ، وما كان يختصر الخطاب فيه على المؤمنين فهو مدني .
        وعلى ذلك فإن الآيات التي نزلت في ما يتعلق باليهود والنصارى ، اليهود في مثل سورة الحشر والنصارى في مثل سورة آل عمران في أوائلها يقولون : هذه مكية لأن المخاطب بها غير المسلمين .
        والضابط الأول هو الذي استقر عليه الاصطلاح ، التفريق بين المكي والمدني بأن المكي ما نزل قبل الهجرة وان المدني ما نزل بعد الهجرة .
        ذكر المؤلف بعد ذلك فروقا بين الآيات المكية والآيات المدنية ، وقبل هذا نقول : غن سور القرآن وآياته بالنسبة للمكية والمدنية على أربعة أنواع :
        1- النوع الأول سورة كلها مكي ، كلها نزلت بمكة من مثل سورة الإخلاص -(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)- [الإخلاص/1]، سورة الكافرون -(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)- [الكافرون/1] فهذه نزلت في مكة ، سورة الشعراء نزلت في مكة بكمالها .
        2- النوع الثاني : ما نزل في المدينة ، سور نزلت في المدينة ليس منها آيات مكية من مثل سورة المائدة - الأنعام مكية - سورة المائدة نزلت في المدينة ، من مثل سورة التوبة هذه نزلت في المدينة بجميع آياتها .
        3- النوع الثالث : سور مكية فيها آيات مدنية ، تكون فيها آية أو آيتان أو ثلاث مدنية .
        4- والنوع الرابع : سور مدنية فيها آيات مكية .

        ما الفروق بين المكي والمدني ؟
        قال المؤلف : هناك فروقات :
        * أولها في قوة الأسلوب وشدة الخطاب ؛ فإن الآيات المكية موجهة للمشركين ولذلك فيها من قوة الخطاب ما ليس في الآيات المدنية الموجهة للمسلمين ، انظر مثلا قوله تعالى : -(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)- [آل عمران/104] هذه مكية ولا مدنية ؟ مدنية ففيها أمر لكن فيها أسلوب سهل موجه إلى أهل الإيمان وفيها وصف للفلاح .
        بينما الآيات المكية يكون فيها قوة وشدة وخطاب يناسب حال أولئك المعرضين المعاندين -(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)- [فصلت/13] .
        وإن كان هذا في الغالب وإلا فإن في الآيات المكية من خطاب المنافقين ما فيه قوة وغلظة -(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)- [النساء/145] .
        وكذلك أيضا الخطاب الموجه إلى اليهود فإن فيه قوة لأنهم كانوا معرضين وكانوا يتآمرون على الإسلام وأهل الإسلام وكان عندهم نقض للعهود ، فنسب أن يخاطبوا بما يتناسب مع حالهم .

        * الفرق الثاني : أن لآيات المكية تتميز بقصر الآيات ، والآيات لمدنية فيها طول ، وهذا أيضا في الغالب ، انظر مثلا إلى سورة الشعراء وقصر آياتها بخلاف سورة البقرة وسورة آل عمران فإن آياتها طويلة ، وإن كان هناك آيات مكية تكون طويلة ، هناك آيات مكية فيها طول مثل آيات سورة الأنعام .
        * الفارق الثالث : أن الآيات المكية يكون فيها مجادلة وإقناع وعرض بشبه المخالفين والجواب عنها ، ولا يجد الإنسان هذا في الآيات المدنية ، فالغالب في الآيات المدنية أن تكون في ذكر الأحكام الفقهية التي يحتاج الناس إليها وهذا في الغالب ، وإلا فهناك آيات مدنية فيها تقرير أحكام مثل أحكام الصلاة فإنها نزلت في مكة ، وهكذا في المدينة نزلت آيات فيها مجادلة ومحاجة من مثل الآيات المتعلقة بالنصارى في أوائل سورة آل عمران .
        * كذلك من الفروقات فيما يتعلق بما مضى أن المكي يهتم في الغالب بأمور المعتقد سواء ما يتعلق بتقرير المعاد او بتقرير وجوب إفراد الله بالعبادة والتوحيد أو الرد على طرائق المشركين في أحكامهم وأعمالهم ، بخلاف الآيات المدنية فإنها في الغالب جاءت لبيان الأحكام الفقهية من عبادات ومعاملات وجنايات .
        * أيضا من الفروقات أن الآيات المدنية فيها ما يتعلق بأحكام الدولة سواء فيما يتعلق بأحكام الأتباع أو أحكام المعاملة مع غير المسلمين أو أحكام الصلح والجهاد والأمان وأحكام الذين ينضوون تحت الدولة الإسلامية وهم معادون لها من المنافقين ونحوهم ويظهرون أنهم مع الدولة وهم ضددها ، ومثل هذا لا يجده الإنسان في الآيات المكية .
        ما الذي نستفيده من التمييز بين الآيات المكية والآيات المدنية ؟
        هناك فوائد كثيرة منها :
        - ظهور بلاغة القرآن لأن من البلاغة أن يستخدم الأسلوب المناسب مع كل مخاطب .
        - ومن فوائد معرفة المدني والمكي أيضا : ظهور حكمة الله عزوجل بمخاطبة كلٍ بما يناسبه .
        - وأيضا من فوائد معرفة المكي والمدني تطبيق هذه الأحكام على أحوال المسلمين ؛ فإن المسلمين تتفاوت أحوالهم ما بين زمان وآخر قوة وضعفا ، تكون الدولة قوية في زمان وتضعف في زمان آخر ، وبالتالي يختار المسلمون من الأحكام الشرعية ما يناسب حالهم ، فعند فوات دولة الإسلام بحيث يكون الناس المؤمنون يكون أفرادا لا دولة لهم ينظرون إلى أحكام المكي والآيات المكية ، وعند وجود دولة للإسلام ينظرون للآيات المدنية .
        - كذلك من فوائد معرفة المدني والمكي تعويد الناس على الأخذ بالأهم فالأهم ، والتدرج في مخاطبة الناس بما يناسب أحوالهم .
        - من فوائد معرفة المدني والمكي أيضا : مخاطبة كلٍ بما يناسبه من جهة الأسلوب والطريقة ، هل يخاطبون بالسهولة أو باللين أو نحو ذلك .
        - كذلك عند معرفة التاريخ نتمكن من معرفة الناسخ من المنسوخ ، الآيات التي يظن المجتهد أن بينها تعارضا .
        - من فوائد معرفة المكي والمدني أيضا : أن يكون المرئ عارفا بمعاني الآيات القرآنية ، فإنك إذا عرفت أن هذه الآية نزلت في مكة بسياق خاص عرفت معناها ، فإن فهم الأحوال المحيطة بالمخاطَبين وقت نزول الآيات يعين كثيرا على فهم النص ، ويمكن من إنزال ذلك النص محله .
        فإن قال قائل : هل الأفضل للإنسان أن يختص بقراءة المكي أو بقراءة المدني ؟ أو الأفضل أن نُنَوِّع في القراءة ؟
        فنقول : الأصل أن هذا القرآن يقرأ بكماله وأنه يحقق التوازن في النفس البشرية ، لانه مرة يكون بأسلوب سهل ، ومرة كون بأسلوب فيه قوة ومرة يتعرض للحجاج والمناقشة ، ومرة يشتمل على الأحكام فيحقق التوازن في النفس .
        لكن في بعض الأحوال قد يوجد عند الإنسان أسباب تقتضي أن يركز على أحد هذين النوعين ، كأولئك الذين عندهم شبهات فمثل هؤلاء يشار لهم بالآيات المكية ليكثروا من قراءتها لتؤثر في نفوسهم .
        وهكذا أيضا من كان جاهلا وليس لديه معرفة بالأحكام الشرعية يشار له بقراءة الآيات المتعلقة بالأحكام ، ومن هنا وردت مؤلفات تفسر أحد نوعي هذه الآيات مثال ذلك : المؤلفات التي تفسر آيات الأحكام مثل كتب أحكام القرآن للشافعي ، للجصاص ، لابن العربي هذه اعتنت بالآيات التي تشتمل على أحكام وهي في غالبها آيات مدنية وما ذاك إلا لأنهم أرادوا أن يخاطبوا المتعلمين المتفقهين .
        بينما من أراد أن يخاطب غير المسلمين فإنه يأتي لهم بالآيات التي فيها الحجج العقلية المشتملة على أعلى درجات الإقناع ليخاطبهم بها .
        كهذا أيضا عندما يخاطب الإنسان العصاة ينتقي من الآيات ما يناسب حالهم ، نعم .































        الحكمة من نزول القرآن الكريم
        من تقسيم القرآن إلى مكي ومدني ، يتبين أنه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا . ولنزوله على هذا الوجه حكم كثيرة منها :
        1- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً(32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً(33) (الفرقان:32-33)
        2- أن يسهل على الناس حفظه وفهمه والعمل به ، حيث يقرأ عليهم شيئا فشيئا ، لقوله تعالى : ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء :106 )
        3- تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القران وتنفيذه ، حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية ، لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان.
        4- التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال ، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه ، ألفوه ، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا ، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى : (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)(البقرة: من الآية 219) فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه .
        ثم نزل ثانيا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)(النساء: من الآية 43) فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات ، ثم نزل ثالثا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90) ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (المائدة:92) فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات ، بعد أن هيئت النفوس ، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات .





        تقدم معنا في ما مضى أن نزول القرآن لم يكن في وقت واحد ، وأنه قد نزل القرآن مفرقا وأن الصواب في ذلك أن جبريل عليه السلام قد سمعه من الله عزوجل ، وأنه تكلم رب العزة والجلال به حقيقة بعد وقوع الوقائع ، وأن الله جل وعلا قد أمر جبريل عليه السلام بنقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا مما لا إشكال فيه .
        وقد قيل : إن لفظة الإنزال إذا جاء فعلها مشددا فإن المراد به الإنزال مفرقا ، واما إذا جاء مُسَهَّلاً فإن المراد به الإنزال مرة واحدة .
        في مثل قوله تعالى : -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ )- [النساء/136] يعني نزل مفرقا ،-(وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ)- [النساء/136] سهَّلها يعني نزل في صحف .
        ولهذا فوائد كثيرة ذكر منها المؤلف أربع فوائد :
        - أولها : تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وتثبيته من جهتين :
        الجهة الأولى : لئلا يتمكن أعدائه من صده عن دين الله بإلقاء الشبهات
        عليه، فإنه إذا نزل القرآن مفرقا رسخت حججه وبيناته في قلبه صلى الله
        عليه وسلم .
        والتثبيت الثاني : من جهة حفظه ، فإنه إذا نزل مرة واحدة يعجز عن حفظه ،
        بخلاف إذا نزل مفرقا .
        - وهذا فيه إشارة إلى إلى الفائدة الثانية : تسهيل الحفظ ؛ فإنه إذا تفرق تجزأ في حفظه وبالتي تمكن المرئ من حفظه ، ومن هنا ينبغي بالإنسان عند حفظه للقرآن ألا يأخذ نصيبا كثيرا - في حفظه اليومي - من أجل ان يبقى ذلك الحفظ معه مع إكثار قراءة هذا الجزء في ذلك اليوم وإعادته مرة بعد أخرى ، ولذلك كان من شأن الصحابة أنهم يتدارسون العشر الآيات ويحفظونها ويعرفون ما فيها من العمل ولذلك بقي القرآن معهم وكان القرآن في نفوسهم .
        - وهكذا أيضا من حكمة نزوله مفرقا أن يسهُل على الناس العمل به . قال : -(وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)- [الإسراء/106] مشدد وذلك يريد به أنه فرَّق نزوله .
        -هكذا أيضا ذكر المؤلف من فوائد إنزاله مفرقا تنشيط الهمم لتكون النفوس مستعدة لقبوله ، فإنك متى كنت متطلعا لشيء فإنه حينئذ تقبله نفسك وتفرح به ، بخلاف ما إذا جاءك الشيء بدون أن تطلبه فإنك قد تزهد فيه ولو كان ثمينا .
        - هكذا أيضا من فوائد نزول القرىن مفرقا التدرج في التشريع ، وأضرب لهذا مثلا :
        كان أهل الإسلام يتوجهون في صلواتهم إلى بيت المقدس فهي القبلة ، ثم نُسخت القبلة فجعلت إلى الكعبة وهذا حكم عظيم وشأن كبير فيه مفارقة لأهل الملل الأخرى ، فيه تغيير لوجهة الإنسان في صلاته ، فاحتاج الناس في ذلك إلى ان يتدرج بهم ولذا إذا نظرت إلى اواخر الجزء الأول من سورة البقرة تجدها في تقرير هذا الحكم وتسهيله على النفوس من مثل قوله تعالى : -(مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)- [البقرة/106] فهذا فيه تقريب وتمهيد للنفوس بأن النشخ وارد . ثم بعد ذلك قوله تعالى : -(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)- [البقرة/115] ، ثم بعد ذلك بيان الرد على اليهود وأنهم قد أخطؤوا في عدد من المسائل ولذلك لا ينبغي ان نلفت إلى اعتراضهم ، ثم بيان أن اليهود قد فارقوا ملة ابراهيم وأن هناك فرقا بين ملة ابراهيم عليه السلام وطرائق اليهود -(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)- [البقرة/135] ، ثم بعد ذلك ذكر اعتراض اليهود -(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)- [البقرة/142] ، ثم بعد ذلك بين أن هذا الحكم قد يؤثر في النفوس الضعيفة وأن بعض الناس قد يكون تغيير القبلة سببا من أسباب ورود الشياطين عليه فتُضِلَّهُ عن سبيل الله ، وأجاب عن اعتراض : ماذا هو شأن أولئك الذين ماتوا قبل تحويل القبلة -(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )- [البقرة/143] صلواتهم مسجلة ، ثم بين أن أصحابا لملل الأخرى قد اختلفوا في جهة القبلة ، فإن اليهود لهم قبلة وهي بيت المقدس والنصارى لهم قبلة مغايرة وهي جهة المشرق ولذلك ذكر الله عزوجل أن بعضهم لا يتبع قبلة بعضهم الآخر .
        ثم ذكر الله عزوجل أن اليهود يعرفون الحق ومع ذلك يتركونه ، فحينئذ لا تغتروا بمقالتهم ، ثم كرر الأمر بالتوجه إلى الكعبة في الصلوات -(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)- [البقرة/150] إلى غير ذلك من الأحكام التي نزلت تباعا لتُمَهِّدَ هذا لحكم العظيم ألا وهو حكم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، نعم .
































        ترتيب القران :
        ترتيب القرآن : تلاوته تاليا بعضه بعضا حسبما هو مكتوب في المصاحف ومحفوظ في الصدور .
        وهو ثلاثة أنواع :
        النوع الأول : ترتيب الكلمات بحيث تكون كل كلمة في موضعها من الآية ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، ولا نعلم مخالفا في وجوبه وتحريم مخالفته ، فلا يجوز أن يقرأ : الله الحمد رب العالمين بدلا من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2)
        النوع الثاني :ترتيب الآيات بحيث تكون كل آية في موضعها من السورة ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، وهو واجب على القول الراجح ، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن يقرأ : مالك يوم الدين الرحمن الرحيم بدلا من : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:4) ففي صحيح البخاري (1)أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان بن عفان رضي الله عنهم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )(البقرة: من الآية 240) قد نسخها الآية الأخرى يعني قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً )(البقرة: من الآية 234) وهذه قبلها في التلاوة قال : فلم تكتبها ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه .
        وروي الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والتزمذي 0من حديث عثمان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء ، دعا بعض من كان يكتب،فيقول ، ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا(2) النوع الثالث : ترتيب السور بحيث تكون كل سورة في موضعها من المصحف ، وهذا ثابت بالاجتهاد فلا يكون واجبا وفي " صحيح المسلم " (3)عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : أنه صلى الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، وروي البخاري (4)تعليقا عن الأحنف : أنه قرأ في الأولى بالكهف ، وفي الثانية بيوسف أ ويوسف أو يونس، وذكر أن صلى مع عمر بن الخطاب الصبح بهما .
        قال شيخ الإسلام ابن تيميه : " تجور قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة . ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها ، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان رضي الله عنه ، صار هذا مما سنة ا\لخلفاء الراشدون ، وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب أتباعها " أهـ .














        ذكر المؤلف هنا ما يتعلق بترتيب الآيات والسور ، والمراد بترتيب القرآن عدم تقديم شيء متأخر منآيات القرآن أو سوره على المتقدم منها سواء كان في تلاوة الإنسان أو في كتابته ، سواء كان في الصلاة أو في غيره .
        وترتيب القرآن على أنواع :
        1- أولها ترتيب الكلمات والحروف : فهذا واجب ولا يجوز للإنسان أن يترك هذا الترتيب ويأثم من تركه ، وذلك لأن التغيير في ترتيب الحروف والكلمات يعغير في المعنى ، فإن تقديم الفاعل أو تقديم المفعول أو تقديم الفعل أو تقديم المتعَلق من جار و مجرور أو ظرف يغير المعنى ، فإن عادة العربي في كلامه أن يقدم ما هو مقصود بالكلام ، ثم إن من عادته أنه إذا قدم شيئا على شيء فله فائدة من مثل فائدة القصر فمثلا قوله -(إِيَّاكَ نَعْبُدُ)- [الفاتحة/5] فإن تقديم المعمول-(إِيَّاكَ)- يفيد قصر الحكم . وهكذا أيضا في الآيات التي فيها تشابه يجد الإنسان أن تقديم بعض الحروف أو بعض الكلمات على بعض له معنى وله مقصود ويناسب سياق تلك الآيات ، من أمثلة ذلك قوله جل وعلا : -(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)- [المائدة/3] وفي مواطن -(وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)- [البقرة/173] لماذا ؟ لأن في مواطن يكون المراد بيان حكم اللحوم فيقدم ما يتعلق بها ، وفي مواطن أخرى يكون المراد تقرير حكم المعتقد وبيان أحكام التحليل والتحريم فيقدم ما يناسبها .
        ومن أمثلته أيضا قوله تعالى : -(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)- [الإسراء/31] في الآية الثانية :-(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)- [الأنعام/151] فهنا أتى في كل سياق بما يناسبه ؛ ففي الأول لأن الناس الذين يقتلون أولادهم على صنفين :
        صنف يقتل ولده من أجل فقر حاضر ، فهو قتله من أجل نفسه ولذلك قال : -(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)- [الأنعام/151] قدم المخاطَب .
        وفي الموطن الثاني قال : -(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ)- [الإسراء/31] يعني تخشون من الفقر فيما يأتي ، بأن لا تتمكنوا من النفقة على أبنائكم -(خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)- [الإسراء/31] .
        فاستعمل في كل سياق ما يناسبه ، وبالتالي فإن تغيير ترتيب الكلمات او الحروف يؤدي إلى معنى مغاير لمعنى الآيات القرآنية .
        2- ومثل ذلك أيضا : ترتيب الآيات فلا يجوز لإنسان أن يقدم آية على آية في قراءة في سياق واحد ، وذلك لأن ترتيب الآيات يؤدي معنى ، وعند تغيير الترتيب يتشكل معنى آخر قد يكون غير مقصود ، بل قد يؤدي إلى مضادة المعنى الأول ، ولذلك يؤتى في الآيات مرة بأسلوب إعطاء كل جزئية حكمها معها ، ومرة يؤتى بأسلوب الإتيان بالأفراد ثم إعطاء حكم كلٍ بعد ذكر الجميع ، ومرة يؤتى بتقديم وتأخير مما يعرف باللف والنشر بحيث يكون المذكور أولا هو المحكوم عليه أخيرا والمذكور أخيرا هو المحكوم عليه أولا .
        وم نأمثلة ذلك قوله تعالى في ذكر الليل والنهار : -(وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)- [القصص/73] ، وفي مرات يأتي بالليل ويذكر فائدته بعده ثم يأتي بالنهار ويذكر فائدته بعده . وما ذاك إلا لكون هذه الآية في سياق معين فناسب مراعاة ذلك السياق ، وأضرب لهذا مثلا : في قوله تعالى -(سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ )- [النحل/81] فإن الشرابيل أنواع الثياب ، أتى بالسرابيل التي تقي الحر في آخر سورة النحل لأن السرابيل التي تقي الحر تكملة فناسبت أن تكون في آخر السورة ، بينما الثياب التي يحتاج لها في الدفئ ذكرها في الأول -(لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ )- [النحل/5] .
        3- النوع الثالث الترتيب بين السور : الترتيب بين السور ما حكمه ؟ وهل هو واجب ؟ ومن أين ثبت ؟
        اختلف أهل العلم في الترتيب بين السور : هل مبدأه اجتهاد ؟ أو مبدأه الوحي ؟
        فقال طائفة : بل مبدأ ترتيب السور اجتهادي لأنه وقع اختلاف بين الصحابة في ترتيب هذه السور ، فدل ذلك على أن ترتيبها اجتهادي .
        وقال آخرون : بل ترتيبها بوحي ؛ وذلك لأن القرآن وحي من الله فكما تكون ألفاظه بوحي يكون ترتيبه سوره بوحي أيضا ، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض القرآن على جبريل فكان يعرضه في كل سنة مرة ، حتى جاء في السنة التي توفي فيها فعرضه مرتين ، وهذا العرض إنما يكون على رتيب معين ، هذا الترتيب هو المنقول لنا وهو الباقي معنا ، فدل هذا على أن هذا الترتيب بوحي .
        والمؤلف يميل إلى أنه بالاجتهاد واستدل بحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران .
        وأصحاب القول الآخر يقولون : هذه القراءة كانت قبل استقرار ترتيب السور ، ومن هنا فإنه لا يصح أن يستدل بهذا الحديث .
        ولعل القول بأن ترتيبها بوحي أظهر ، فإن هذا القرآن وحي من الله وهو كلام رب العزة والجلال ولابد ان يكون مرتبا في عهذا لنبوة لأن الناس يحفظونه والناس يكتبونه ، وحينئذ دل هذا على أن الترتيب المقرر هذا هو الترتيب المنقول بالتواتر إلينا .
        ثم ننتقل بعد ذلك إلى مسألة هل هذا الترتيب واجب أو ليس بواجب ؟ وهل يسوغ مخالفته أو لا ؟
        فقال طائفة : بأنه لا يكون واجبا وهو ظاهر كلام المؤلف ، ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستدل على هذا بأن ترتيب السور لم يثبت بوحي وإنما ثبت باجتهاد ، فيكون الترتيب بين السور غير واجب .
        والقول الآخر بأن الترتيب بين السور من الواجبات وذلك لعدد من الأدلة :
        * أولها : أن إجماع الأمة قد انعقد على هذا الترتيب فمخالفته مخالفة لإجماع .
        * والدليل الثاني قالوا : إن الأظهر ان هذا الترتيب منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم .
        * استدلوا على ذلك ثالثا : بأنه لو فُتح باب ترك الترتيب بين السور لأدى ذلك إلى اختلاف نسخ الرقىن وهذا يخالف مقصود الشارع في حفظ هذا الكتاب .
        * قالوا : وقد وقع إجماع الخلفاء الراشدين ومن في زمانهم على هذا الترتيب فيكون واجبا .
        وهذ ما يشعر به كلام شيخ الإسلام في آخره حيث قال : وقد دل الحديث - يعني حديث العرباض بن سارية : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد - على أن لهم سنة - يعني طريقة مُتَبعة - يجب اتباعها .
        فظاهر هذا أنه يرى وجوب التمسك بهذا الترتيب .
        ويترتب على هذا أن من جاءنا وقال : سأقوم بترتيب القرآن بحسب نزوله . قلنا له : أنت مخطئ في هذا لوجهين :
        1- الوجه الأول : ان الاختلاف في وقت التنزيل ليس منحصرا بين السور ، بل آيات السورة الواحدة تختلف في وقت نزولها ، ومن ثَمَّ انت لن تتمكن من الترتيب بين السور بحسب وقت النزول .
        2- والوجه الثاني : أن وقت النزول محل اجتهاد والناس يتفاتون فيه ، ومن ثّمَّ يجعل هذا القرآن محلا للأخذ والرد والاختلاف والتنازع ، وهذا مما يتنافى مع مقصود الشارع .
        ولذلك فإن الصواب أنه لا يجوز كتابة الآيات القرآنية ولا السور القرآينة على غير الترتيب المعهود ، إلا إذا أراد الإنسان كتابة سور ليس على جهة كونها المصحف تاما .
        ومن هنا أيضا نقول : بأنه في قراءة الليل يحسن أن يحافظ الإنسان على ترتيب سور القرآن وألا يقدم سورة على غيرها ، أما بالنسبة لما يفعله بعضهم من طلع وكتابة بعض السور التي ورد في فضائلها أحاديث خاصة إما صحيحة وإما ضعيفة بحيث تجد ان بعضهم يطبع نشرة أو كتابا فيه سور من القرآن لفضبها ، تجد فيه مثلا سور الكهف ، تجد فيه سورة تبارك سورة الواقعة سورة القيامة سورة الإخلاص ونحو ذلك ، فهل هذا الفعل من الأمور السائغة أو المستحسنة أو ليس كذلك ؟
        نقول : الأظهر أنه ليس من الأمور المستحسنة لعدد من المور :
        * أولها : أن ربط الناس بالمصحف خير من ربطهم بهذه الكتيبات التي لا تحتوي إلا على سور خاصة
        * والأمر الثاني : أن مثل هذا يؤدي بالناس إلى هجر غير هذه السور ومن ثَمَّ يهجرون ختم ارقآن .
        * والأمر الثالث : ان هذا يؤدي إلى امتهان هذه الآيات ، فإن طبعها يجعل الناس لا يرون أن لها من الحرمة والمكانة ما للمصحف ومن ثَمَّ تُمتهن وتلقى في مواطن غير مناسبة لها .
        وهكذا أيضا بالنسبة لوضع سور القرآن في الآلات الحديثة سواء في الجوال أو في أجهزة الكمبيوتر أو نحوها يحسن أن يقتصر في وضعها على ترتيب القرآن على وفق ما هو منقول على الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ووقع عليه إجماع الأمة في عصورها المتتابعة .
        نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين ، كما نسأله جل وعلا أن يعيدنا لكتابه العظيم حفظا وقراءة وتلاوة وفهما وعملا ، كما أسأله سبحانه أنه يصلح أحوال الأمة وأن يردهم إلى دينه ردا جميلا وأن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان لتحكيم الكتاب والسنة ونبذ ما سواهما .
        هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .







        (1) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ...) الآية حديث رقم (4530).

        (2) أحمد (399) وأبو داوود ( 786)، والنسائي في السنن الكبرى (8007) والترمزي (3086)

        (3) أخرجه مسلم كتاب الصلاة المسافرين باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل حديث رقم (772).

        (4) أخرجه البخاري كتاب الآذان باب الجمع بين السورتين في الركعة ..

        تعليق


        • #5
          رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

          تعليق


          • #6
            رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

            كتابة القرآن وجمعه
            لكتابة القرآن وجمعه ثلاث مراحل :
            المرحلة الأولى : في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الاعتماد في هذه المرحلة على الحفظ أكثر من الاعتماد على الكتابة ، لقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وقلة الكاتبين ووسائل الكتابة ، ولذلك لم يجمع في مصحف بل كان من سمع آية حفظها ، أو كتبها فيما تيسر له من عسب النخل ، ورقاع الجلود ، ولخاف الحجارة ، وكسر الأكتاف وكان القراء عددا كبيرا.
            ففي " صحيح البخاري "([1][1]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن البني صلى الله عليه وسلم بعث سبعين رجلا يقال لهم : القراءة ، فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر معونة فقتلوهم ، وفي الصحابة غيرهم كثير كالخلفاء الأربعة ، وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي خليفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبي الدرداء رضي الله عنهم .
            المرحلة الثانية : في عهد أبي بكر رضي الله عنه في السنة الثانية عشرة من الهجرة . وسببه أنه قتل في وقعة اليمامة عدد كبير من القراء منهم ، سالم مولى أبي حذيفة ، أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن منهم .
            فأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمعه لئلا يضيع ، ففي صحيح البخاري" (2)أن عمر بن الخطاب أشار على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن بعد وقعة اليمامة ، فتوقف تورعا ، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدر أبي بكر لذلك ، فأرسل إلى زيد بن ثابت فأتاه ، وعنده عمر فقال له أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه ، قال : فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما . رواه البخاري مولا .
            وقد وافق المسلمون أبا بكر على ذلك وعدوه من حسناته ، حتى قال على رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر ، رحمه الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله .
            المرحلة الثالثة : في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في السنة الخامسة والعشرين ، وسببه اختلاف الناس في القراءة بحسب اختلاف الصحف التي في أيدي الصحابة رضي الله عنهم فخيفت الفتنة ، فأمر عثمان رضي الله عنه أن تجمع هذه الصحف في مصحف واحد ؛ لئلا يختلف الناس ، فيتنازعوا في كتاب الله تعالى ويتفرقوا.
            ففي " صحيح البخاري " (3)أن حذيفة بن اليمان قد على عثمان من فتح أرمينية وأذربيجان ، وقد أفزعه اختلافهم في القراءة ، فقال : أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة ، ففعلت ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف . وكان زيد بن ثابت أنصاريا والثلاثة قرشييت – وقال عثمان للرهط الثلاثة القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ؛ فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق .
            وقد فعل عثمان رضي الله عنه هذا بعد أن استشار الصحابة رضي الله عنهم ، لما روي أبن أبي داود (1)عن على رضي الله عنه أنه قال : والله ما فعل في المصاحف إلا عن ملاء منا ، قال : أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا ، فنعم ما رأيت .
            وقال مصعب بن سعد : أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك ، أو قال : لم ينكر ذلك منهم أحد ، وهو من حسنان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه التي وافقه المسلمون عليها ، وكانت مكملة لجمع خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله عنه .
            والفرق بين جمعه وجمع أبي بكر رضي الله عنهما أن الغرض من جمعه في عهد أبي بكر الله عنه تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف ، حتى لا يضيع منه شئ دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد ؛ وذلك أنه لم يظهر أثر لاختلاف قراءاتهم يدعو إلى حملهم على الاجتماع على مصحف واحد .
            وأم الغرض من جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فهو تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف واحد ، يحمل الناس على الاجتماع عليه لظهور الأثر المخيف باختلاف القراءات.
            وقد ظهرت نتائج هذا الجمع حيث حصلت به المصلحة العظمى للمسلمين من اجتماع الأمة ، واتفاق الكلمة ، وحلول الألفة ، واندفعت به مفسدة كبرى من تفرق الأمة ، واختلاف الكلمة ، تفشو البغضاء ، والعداوة .
            وقد بقي على ما كان عليه حتى الآن متفقا عليه بين المسلمين متواترا بينهم ، يتلقاه الصغير عن الكبير ، لم تعبث به أيدي المفسدين ، ولم تطمسه أهواء الزائغين . فلله الحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين .

            ذكر المؤلف في هذا المبحث ما يتعلق بكتابة القرآن ، والله جل وعلا قد وصف القرآن بأنه كتاب فقال سبحانه -(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)- [البقرة/2] في آيات كثيرة ، فدل هذا على أن الله عزوجل قد علم أن هذا القرآن لا يقتصر على تلاوته وقراءته ، وأنه سيكتب وسيتداوله الناس بالكتابة ، ولذلك لما علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا ورأى أن الكتابة تحفظ هذا الكتاب لأن الله عزوجل قد تكفل بحفظ القرآن كما في قوله -(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)- [الحجر/9] .
            وحفظ القرآن يكون بوسائل متعدد منها : كتابة هذا القرآن وتدوينه ، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تدوين
            القرآن وكان قد اتخذ جماعة من الصحابة كتابا للوحي ، وقد أُلِّفت مؤلفات في رصد الصحابة الذين كانوا يكتبون الوحي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل كتاب الوحي من الصحابة الأمناء الموثوقين ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقتصر في إملاء القرىن على واحد من الصحابة بل يمليه على جماعة من الصحابة ، وكانوا يكتبونه بما يتيسر لديهم من الوسائل ومما يكتب عليه من الرقاع واللخاف والعُسُب ونحو ذلك .
            والقرآن محفوظ في عهد النبوة بترتيبه هذا كما تقدم معنا في الفصل السابق ، فترتيبه ليس فيه أي إشكال ، ومع الكتابة كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتمون بحفظه وقد حفظه جماعات كثيرة ، حفظ القرآن جماعات كثيرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صغارا وكبارا ، منهم من يحفظه كله ومنهم من يحفظ جزءا كبيرا منه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل التفاوت بين الناس بحسب حفظهم للقرآن ، فإذا أراد أن يؤمر على سرية سألهم من أكثرهم قرآنا ؟ من الحافظ لسورة البقرة ؟ فيقدمه على غيره في إمرة السرايا .
            وهكذا عند قبر الموتى كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الموتى أيهم أكثر أخذا للقرآن ومن ثَمَّ يقدمه على غيره ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله يختار حَفَظَة كتابه ، وفي إمامة الناس يختار حَفَظَةَ كتابه ولذا قال : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] ، ومما يدخل في القراءة حفظ هذا الكتاب .
            فالمقصود ان القرآن في عهد النبوة كان محفوظا لا إشكال فيه ، كان محفوظا في الصدور محفوظا بالكتابة محفوظا بحفظ الله عزوجل له .
            وذكر المؤلف حديث أنس في بعض النبي صلى الله عليه وسلم القراء إلى قبائل من العرب : فالمقصود أن الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن كُثُر ، واما ما ورد في بعض الأحاديث من تسمية عدد قليل أنهم حفظة فالمراد بذلك في جماعة محصورين وليس على العموم ، فإنه قد ورد ان من حفظ القرآن أربعة ، لكن إذا تأملت وجدت ان هؤلاء الأربعة أراد بهم المتكلم بهذا جماعته من الأنصار ولم يرد به عموم الصحابة رضوان الله عليهم ، ولذا نستفيد من هذا أن حفظ القرآن ييسره الله عزوجل حتى لكبار السن وليس حفظ القرآن خاصا بالصغار دون الكبار .
            المقصود أنه قد كان هناك كتابة للقرآن وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اول عهده يمنع الصحابة من كتابة الحديث النبوي لماذا؟ من أجل ألا تختلط بالكتاب تختلط كتابة الأحاديث بكتابة القرآن ، فلما وثق من ذلك وعرف أن القرآن قد حفظه الناس أذن بكتابة الأحاديث النبوية .
            استمر الناس على ذلك فلما جاء عهد أبي بكر الصديق وارتدت العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تنادى الصحابة رضوان الله عليهم لقتال المرتدين تقربا لله جل وعلا حتى قُتِل منهم أناس كثير بالآلاف ، وكان من هؤلاء كثير من حفظة كتاب الله جل وعلا منهم سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما .
            ومن هنا رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يوجد عنده نسخة متكاملة مكتوبة يرجع إليها ، مع أن كثيرا منهم يحفظ القرآن بترتيبه المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه أراد أن توجد نسخة متكاملة من القرآن العظيم موجودة لديه ، ولذلك أمر بكتابة المصحف .
            جمع الصحابة وشاورهم في ذلك فأشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر بكتابة المصحف فتوقف في ذلك ، يقول : هذا أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فكيف أفعله ؟ ثم بعد ذلك أرجع النظر وأعاده وكلمه بعض الصحابة في هذا فشرح الله صدر أبي بكر الصديق وعلم أن هذه وسيلة لتحقيق مقصد شرعي ، فإن من المقاصد الشرعية حفظ القرآن ، ومن وسيلة تحقيق هذا المقصد أن يكتب القرآن كاملا ، ولذلك أمر أبو بكر الصديق زيد بن ثابت ومعه من معه بكتابة المصحف ، ولم ينكر أحد من الصحابة على أبي بكر هذا وكان لا يكتب شيئا من القرآن ولو كان هو يحفظه إلا بعد أن يوجد عنده شهود يشهدون بهذا ، ولهذا جاء في الحديث أنه لما جاء لقوله تعالى : -(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)- [التوبة/128] يعني لم يجدوا هذه الآية إلا مع أحد الصحابة ، يعني لم يجدوها مكتوبة وإلا فهم يحفظونها ، والصحابة كثير من الصحابة يحفظونها لكن لم يجدوها مكتوبة إلا عند أحد الصحابة ، وكتبوا المصحف وحفظوا هذه النسخة .
            وهناك كتابات أخرى كتبها كل واحد من الصحابة يكتب مصحفا بنفسه .
            إذن عندنا أصبح مصحف أصل عند أبي بكر الصديق وهناك مصاحف تابعة كل واحد من الصحابة عنده مصحف .
            بعد ذلك مصاحف الصحابة أصبح الناس ينقلون منها ويكتبون منها ، وتعرفون أن الكتابة ليست متحدة لأن هناك مرة يكتب الرحمان بألف بعد الميم ومرة تكتب بدون ألف ، وإبراهيم لها طرائق في كتابتها مرة تكتب بياء بعد الهاء ومرة بدونها وهكذا ، فكانت هذه المصاحف مختلفة في رسم الكتابة .
            ثم إن النساخ قد يحصل منهم نوع من الزلل أو الخطأ البسيط أو يحصل منهم إسقاط لفظة أو نحو هذا من مصحف إلى مصحف حتى كثرت المصاحف وأصبحت بأيدي الناس وأصبح فيها نوع اختلافات ، بعض هذه الاختلافات من النسخ كما تقدم وبعضها بسبب الاختلاف في القراءة .
            وبقي المصحف الإمام عند أبي بكر ولما توفي أبو بكر الصديق أخذه عمر ولما توفي عمر رضي الله عنه أخذته ابنته حفصة بنت عمر رضي الله عنها.
            لما جاء في عهد عثمان رضي الله عنه ومضت سنتان من خلافته ، جاء حذيفة بن اليمان وعرض على عثمان مسألة المصاحف واختلاف هذه المصاحف وتنوعها وكون كل واحد يكتب مصحفا مما قد يورث اختلافا في رسم الكلمات عند كتابة المصحف ، وخشي أن يكون هذا سببا من أسباب الاختلاف والتنازع وجاء إلى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين أردك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فطلب عثمان رضي الله عنه المصحف الذي عند حفصة ثم كتب مصاحف للأمصار بحيث يكون في كل مصر مصحف إمام يرجع إليه عند الاختلاف ، إذا وُجِد اختلاف بين المصاحف يرجعون إلى هذه المصاحف التي يعتبرونها أئمة لغيرها من المصاحف ، فأصبحت مرجعا يرجع إليه عند التنازع والاختلاف .
            فبذلك نعلم أن مقصود أبي بكر الصديق أن يوجد نسخة تكون حفظا للقرآن ، وأن مقصد عثمان رضي الله عنه أن يوجد مصاحف في كل بلد تكون هذه المصاحف مرجعا لهم عند الاختلاف .
            وهذه المصاحف - كما تقدم - كانت موجودة من عهد النبوة ، ولذلك لما جاء في كتاب مرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب كتابا كتب فيه :[ وأن لا يمس المصحف إلا طاهر ] فدل هذا على أن المصاحف كانت موجودة في عهد النبوة .
            بعد ذلك احتاج الناس إلى تشكيل المصحف ووضع الحركات عليه ، وذلك أنه في عهد علي أو بعده سمع قارئا يقرأ قوله جل وعلا : أن الله بريء من المشركين ورسولِه ، فخشي أن يقع الاختلاف بسبب أمثال هذا وذلك أنه وجد في الإسلام من لم يتعلم القرآن باللفظ ، ووجد في أهل الإسلام من لم يشاهد تنزيل هذا الكتاب ، ولذلك تحتاج إلى وضع الحركات على الكلمات من أجل أن يبتعد الخلاف بينهم أو مخالفة القراءة الصحيحة .
            ثم بعد ذلك احتاجوا إلى أن ينقطوا الحروف فنُقِطت الحروف . ثم بعد ذلك أصبح الناس يتداولون هذه المصاحف وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على ألا يدخلوا في المصحف شيئا معه لئلا يلتبس به ، فلا يكتبون مع المصحف تفسيرا ولا يكتبون عليه شيئا من التعليقات ، بل كانوا يتورعون من وضع العشور والأرباع في المصاحف لئلا تدخل فيه .
            ثم بعد ذلك احتاج الناس إلى تقسيم هذا القرآن ، وذلك ان اهل الزمان الأول كانوا يقسمونه سبعة أقسام بحسب سوره كما تقدم ، لكن من بعدهم احتاج إلى تقسيمه إلى ثلاثين قسما لتكون وردا يوميا للإنسان الذي يريد أن يقرأ القرآن في شهر ، فقسموا هذه الأجزاء الثلاثين التي تجدونها .
            والملاحظ للأعشار والأرباع والأثمان الموجودة يجد أن كتاب هذه العلامات عرصوا على التنبيه على مواطن التشابه ؛ إذا كان هناك آية تشابه آية في موطن آخر حرصوا أن يجعلوها موطن موقف لربع او ثمن أو نحو ذلك ، ولذلك قد تجدون أن الأرباع و الأثمان مرة تطول ومرة تقصر بسبب أنهم لاحظوا هذا المعنى وهو وجود التشابه بين آيات القرآن ليكون القارئ عندما يجد هذه العلامة مستشعرا الفرق بين هذه الآيو وبين الآية الأخرى التي قد تشابهها في بعض الألفاظ .
            ثم بعد ذلك تناقل الناس هذه المصاحف ، وقبل قرابة أربعمائة سنة وجدت المطابع فكتبوا المصحف بهذه المطابع ونسقوه بها واهتموا بها ، ثم بعد ذلك في أزماننا الحاضرة وجدت مسجلات الصوت فسُجِّل القرآن بأصوات العديد من القراء ، وبعد ذلك وجدت آلات حديثة أيضا لتسجيل المصحف بالتسجيل الرقمي فكتبت في الجوالات وفي آلات الكمبيوتر والحاسب الآلي ونفع الله بها كثيرا .
            ولكن الذي يظهر أن هذه الجوالات لا تعد مصحفا ، ومن ثم لا يشترط لها الطهارة ولا حرج على الإنسان في أن يدخل بها في مواطن قضاء الحاجة إذا لم تكن هذه الآلات مكشوفة على الآيات القرآنية ، وذلك لأنها ليست بمصاحف لأنه لا يسمى بهذا الاسم إلا إذا كان هناك صحف وهذا ليس فيه صحف .
            ومما يتعلق بهاذ ما ورد عن عائشة رضي الله عنه أنها أمرت غلاما لها أن يصلي بها وأن يحمل المصحف في صلاته - يعني صلاة التراويح - فدل هذ على أنهم كانوا يحملون المصاحف في الزمان الأول .
            ولا شك أن حفظ القرآن من الأمور المطلوبة شرعا ولذلك قال العلماء بأن حفظ القرآن من فروض الكفايات ، ويجب على الأمة في كل زمان أن يكون فيها حفظة لكتاب الله جل وعلا ، وقد قال الله جل وعلا : -(بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)- [العنكبوت/49] فدل هذا على أنه لابد أن يكون في الأمة حفظة لكتاب الله جل وعلا .
            والله سبحانه قد حفظ هذا الكتاب من الضياع بوسائل شتى منها التدوين ومنها وجود الدافع في نفوس الناس لحفظ هذا الكتاب ، هذا ما يتعلق بكتابة المصحف .

            نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين ، وأن يسبغ علينا وعليكم نعمه ، اللهم اجعلنا ممن تلا كتابك ليلا ونهارا صبحا ومساءا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم يا حي يا قيوم يسر لنا حفظه واجعلنا ممن يضبطه ضبطا قويا ، واجعلنا ممن يقوم به آناء الليل وآناء النهار برحمتك يا أرحم الراحمين .

            هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .










            ([1][1] ) أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب العون بالمدد حديث رقم (3064).

            (2) أخرجه البخاري كتاب التفسير باب قوله ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) الآية .

            (3) أخرجه البخاري كتاب فضاءل القرءان باب جمع القرءان حديث رقم (4987).

            (1) أخرجه الخطيب في كتاب فضائل القرءان للوصل المدرج 2 / 954 ؛ وفي الإسناد المحفوظ (محمد بن أبان الجعفلي ) علل الدار قطني 3 /229 – 230، قال ابن معين (ضعيف9 الجرح والتعديل للرازي 7 /200 أخرجه أبي داود في كتاب المصاحف صـ 22 أخرجه أبي داود في كتاب المصاحف صـ 12 .

            تعليق


            • #7
              رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

              التفسير
              التفسير لغة : من الفسر ، وهو : الكشف عن المغطى .
              وفي الاصطلاح . بيان معاني القرآن الكريم .
              وتعلم التفسير واجب لقوله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) ولقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)
              وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك ؛ أن يتدبر الناس آياته ، ويتعظوا بما فيها .
              والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها ، فإذا لم يكن ذلك ، فاتت الحكمة من إنزال القرآن ، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها .
              ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه .
              ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ، وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم ، وعدم وصول الخير إليها .
              وكان سلف الأمة على تلك الطريقة الواجبة ، يتعلمون القرآن ألفاظه ومعانيه ؛ لأنهم بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله به فإن العمل بما لا يعرف معناه غير ممكن .
              وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذي كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات ، لم يجاوزوها ، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا .
              قال الشيخ الإسلام ابن تيميه : والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ، ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم . ويجب على أهل العلم ، أن يبينوه للناس عن طريق الكتابة أو المشافهة لقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ )(آل عمران: من الآية 187) وتبين الكتاب للناس شامل لتبين ألفاظه ومعانيه ، فيكون تفسير القرآن ، مما أخذ الله العهد على أهل العلم ببيانه .
              والغرض من تعلم التفسير هو الوصول إلى الغايات الحميدة والثمرات الجليلة ، وهي التصديق بأخباره والانتفاع بها وتطبيق أحكامه على الوجه الذي أراده الله ؛ ليعبد الله بها على بصيره .
              الواجب على المسلم في تفسير القرآن

              الواجب على المسلم في تفسير القرآن أن يشعر نفسه حين يفسر القرآن بأنه مترجم عن الله تعالى ، شاهد عليه بما أري بد من كلامه فيكون معظما لهذه الشهادة خائفا من أن يقول على الله بلا علم ، فيقع فيما حرم الله ، فيخزي بذلك يوم القيامة ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) وقال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:60)













              شرح مبحث التفسير
              ذكر المؤلف في هذا الفصل ما يتعلق بتفسير القرآن ، وأوضح أن المراد بتفسير القرآن هو بيان معاني كلام الله وبيان مراده جل وعلا من هذا الكتاب .
              وأعمال الناس فيما يتعلق بفهم القرآن على نوعين :
              - النوع الأول : فهم القرآن وتدبره وهذا يجب على الإنسان أن يعرف منه ما يقيم به المسائل المتعلقة به ، ولا يجوز للإنسان أن يعرض عن كتاب الله ، الإعراض عن كتاب الله من أسباب العذاب في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : -(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)- [طه/124] كما قال سبحانه : -(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)- [السجدة/22]، كما قال تعالى : -(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ)- [الأنعام/157] أي يُعرضون ، ومن أنواع الإعراض عن الكتاب الإعراض عن تدبر معانيه ، ولذلك كان تدبر معاني القرآن وتفهم هذه الآيات القرآنية من الواجبات ، ويدلك على وجوبه أنه يترتب عليه عمل لأنه هناك أمر ونهي في هذا القرآن وهناك حجج ، ولا يتمكن الإنسان من العمل به إلا بفهمه ، ومن القواعد أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولا يمكن العمل بالكتاب إلا بفهمه فيكون فهمه من الواجبات .
              ويدلك على ذلك - على وجوب تفهم القرآن - أن هذا الكتاب هو كلام رب العزة والجلال أنزله الله للبشر فقد أنزل الله هذا الكتاب لكل واحد منا ، ومن مقتضى ذلك فهم هذا الكلام الذي أنزله الله إلينا ، فلو أرسل مرسل رسالة إلى غيره وجب او لتعين على المرسل إليه فهم هذه الرسالة ومعرفة ما فيها خصوصا إذا كان ممن له أمره عليه كوالد أو صاحب ولاية ، فكيف إذا كان هذا من رب العزة والجلال ؟
              ثم إن هذا الكتاب قد نص الله على أنه إنما أُنزل من أجل تدبر آياته ليعمل بها ، كما في قوله جل وعلا : -(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ)- [ص/29] والام هنا لام التعليل يعني المعنى والعلة من إنزال الكتاب وجعل هذا الكتاب مباركا أن يتدبر العباد آيات هذا الكتاب .
              ويدلك على وجوب تدبر الكتاب أن الله جعل هذا الكتاب نورا وبرهانا وخير وصلاحا ، ولا يمكن تحصيل هذه المعاني من الكتاب إلا بفهمه ، فكان فهمه وتدبره من الواجبات .
              ومن المعلوم أن النجاة من العذاب في الآخرة بالعمل بشريعة الإسلام -(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)- [آل عمران/85] ولا يمكن للإنسان أن يتصف بصفة الإسلام إلا بعمله بهذا الكتاب ، ولا يتمكن من العمل به إلا بتدبره .فهذه أدلة تدل على وجوب تدبر القرآن .
              يبقى عندنا الكلام في تفسير القرآن ؛ المراد بتفسير القرآن شرح معاني القرآن للآخرين ، هذا يقال له تفسير .
              ما حكم تفسير القرآن ؟ نقول : هذا من بيان العلم وبيان العلم من الواجبات على العلماء ، لأن الله عزوجل قد أخذ الميثاق على العلماء أن يبينوا هذا الكتاب وهذا الدين -(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)- [آل عمران/187] ومن أنواع البيان تفسير هذا القرآن ، وبدلك على ذلك أن الله عزوجل قد حرم كتم العلم الضي يحتاج إليه الناس كما فيقوله سبحانه : -(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)- [البقرة/159] ، فترك تفسير القرآن بالنسبة للعلماء مع حاجة الناس إلى فهم القرآن هذا كتم للعلم ، وتزداد درجة وجوب تفسير القرآن عند فشو الجهل وانتشاره ، وفي أزماننا هذه من أكثر الأزمان فشوا للجهل ، فالوقائع التي تقع للناس كثيرة متعددة وما من واقعة تقع للناس إلا وفيها آية أو آيات من هذا الكتاب ، وكل ما تسمعون به من وقائع وحوادث سواء كانت على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع أو الدول فإن الكتاب قد اشتمل على بيان أحكامها الشرعية مما لايدع مجالاً لاتباع الناس لغير الشريعة ، ولكن معرفة الحكم اشلرعي في هذه الوقائع قريب وذلك لأن تفسير هذا القرآن والبحث عن آيات القرآن المتعلقة بهذه الوقائع قليل نادر ، وهذا من تقصير العلماء ولذلك قال جل وعلا : -(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )- [النساء/83] ما معنى يستنبطونه ؟ أي يستخرجون الحكم الشرعي في هذه الواقعة التي تحدث للناس . وقد قال تعالى : -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)- [النحل/89] فهذا القرآن فيه حكم جميع الوقائع التي يحتاج إليها الناس .
              ومن هنا لا يجوز لعالم من علماء الشريعة أن يتكلم في وقائع الناس بحسب ما يراه بهواه أو بعقله المجرد ، فغن هذا من القول على الله بلا علم ، بل الواجب إرجاع وقائع الناس إلى الكتاب والسنة ، وإذا أُخذت وقائع الناس بمرئيات الناس المجردة فإنه حينئذ يصبح العالم مماثلا لغيره ، وأما إذا تَـمَّ إرجاع وقائع الناس إلى ادلة الكتاب والسنة فهذا يمتاز به علماء الشريعة ، وما حل بالناس من نكسات أو مصائب إلا بسبب البعد عن الكتاب والسنة ، ويدلك على ذلك أنه لا تحصل مصالح الخلق إلا بتحكيم هذا الكتاب ، ولا يمكن للناس أن يحكموه على وقائعهم إلا إذا قام علماء الشريعة بتفسيره وإيضاح معانيه ، فغن الله قد أخبر أن هذه الشريعة رحمة وأنها خير وأنها صلاح وأنها سبب للسعادة ، ولا يكون ذلك إلا بفهم هذا الكتاب ، ولا يحصل الفهم بالنسبة لعوام إلا بتفسير العلماء للآيات القرآنية .
              ويدلك على أهمية تفسير القرآن ووجوبه وتعين تنزيله على وقائع الناس بالنسبة للعلماء أن الله قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة خصوصا عند التنازع والاختلاف كما قال سبحانه : -(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)- [الشورى/10] وكما قال جل وعلا : -(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ )- [النساء/59].
              ولايمكن أن نعيد مواطن النزاع إلى الكتاب والسنة إلا إذا فهمناهما وعرفنا مراد الله بهما ، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أربعة أقسام :
              - منها ما يعرفه كل عارف باللغة ، فهذا يشترك الناس في فهمه ومعرفة المراد به ، فهذه السماء وهذه الأرض يشترك الناس في فهم معانيها .
              - وهناك كلمات لغوية يفهمها من عرف اللغة .
              - وهناك اصطلاحات شرعية لا تعرف إلا بمعرفة مقصود الشارع بدليل من الكتاب والسنة ، عندما يأتي لفظ الصلاة لايصح أن يفهمه الإنسان بذهن مجرد ولا من لغة العرب ، وإنما يفهمه بحسب الطريقة الشرعية والفهم الشرعي الذي يعرفه علماء الشريعة .
              - وهناك شيء من معاني الكتاب استأثر الله بعلمه ؛ فتكون للفظة وجهان ما يحتاج إليه الناس يتم إيضاحه وبيانه وما لا يحتاج إليه الناس يستأثر الله بعلمه ، ومن أمثلة ذلك : آيات الصفات معانيها تعرف من لغة العرب ، لكن كيفيات هذه الصفات هذا مما استأثر الله جل وعلا بعلمه .
              وتفسير القرآن الذي نحتاج إليه لا نتمكن من الوصول إليه إلا بقراءة هذا القرآن ، لذلك فإن من أهم مقومات تفسير القرآن إكثار العبد من قراءة القرآن وخصوصا أهل الفقه والعلم والاجتهاد ؛ لأن الوقائع التي تحصل للناس يحتاج في إرجاعها إلى الكتاب أن يكون الإنسان ملما بهذا الكتاب وتكون الآيات القرآنية حاضرة في ذهنه ، فإاذ أكثر من قرائتها تمكن من استحضار هذه الآيات المتعلقة بالمسألة النازلة بالناس وتنزيل هذه النصوص على الوقائع . واما إذا ابتعد الإنسان عن قراءة آيات القرآن كان اتصاله بها ضعيفا فكيف ينزل الآيات القرآنية على وقائع الخلق .
              ولهذا المعنى حرِص سلفنا على كتاب الله ، فكان القرآن معهم في جميع أوقاتهم ، حتى يؤثر عنهم الحوادث العظيمة في قراءة القرآن ، وكان من المعهود عند غالبهم ختم القرآن في سبعة أيام ، هذا أغلب فقهاء السلف وعلماء السلف هذه طريقتهم ، وبعضهم يختمه في أقل ويعضهم يختمه في أكثر ، ولكنهم مع قراءة يتفهمون معاني القرآن ويتدبرون الآيات ، وكذلك عند دراسة القرآن يحرصون على شرح آيات القرآن وفهم معانيها ، ولازال الناس في عهودهم ومجالس العلماء تقرأ الآيات يف أول المجلس ثم يقوم العالم بشرح هذه الآيات بما تيسر ، وهذا مأثور من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد الصحابة إلى أزمان قريبة ، ومن هنا يحسن بنا أن نعود لفعل هذه السنة وأن تعمر مجالسنا بآيات من القرآن ، ومجالس العامة تعمر بآيات من القرآن ويعتاد الناس على ذلك ، تأخذ آيات ولو قلت ثم تفسر وتنزل تلك الوقائع على أحوال الناس ، ليكون ذلك مفيدا هم .
              ألا يحتاج الناس إلى إصلاح إفعالهم وأخلاقهم وأقوالهم لتكون متوافقة مع الكتاب ؟ حينئذ كيف يتمكن الناس من إصلاح أوضاعهم وإقوالهم وأفعالهم وجعلها مطابقة للقرآن إلا بتلاوة القرآن بين أيديهم وتفسير آيات القرآن ، وفي زماننا الحاضر وُجِدت مشكلات كثيرة للناس ووجدت وسائل تصم القلب وتُعميه ووجد من آلات اللهو ومزامير الشيطان ما يكون سببا من أسباب قسوة القلب ، ولذلك نحن في أشد الحاجة إلى تليين القلوب ، ومن أعظم ما لينت به القلوب هذا القرآن العظيم قراءة وتفسيرا ، ولهذا ذكر الله عزوجل أن هذا الكتاب لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، وسبب غفلة الخلق اليوم ابتعادهم عن هذا الكتاب وغفلتهم عنه واشتغالهم بغيره ، لو سألت الواحد من الناس : كم نشرة أخبار سمعتها اليوم ؟ لأعطاء إحصائيات كبيرة . لو سألت الناس : عن كم قرأ من صفحة في الجرائد ؟ لأعطاك الشيء الكثير . ولو سألته : كم قأت من القرآن في هذا الأسبوع ؟ لتعجبت عند المقارنة بين هذه النتيجة ونتيجة الجواب الأول .
              ومن ثَمَّ عندنا حاجة شديدة لإعادة مجتمعاتنا لكتاب الله عزوجل ، نحتاج إليه نحن في أنفسنا أولا ، ثم نحتاج إلى ذلك بالنسبة لعموم الناس .
              ويخشى مع استمرار هذا وتتابع الأجيال عليه أن يدرس الكتاب وأن ينسى ، وإذا لم نقم بذلك كل منا يقوم به على قدرته وعلى مقدار وسعه وإلا فإن الله عزوجل سيرفع هذا الكتاب منا ، وبالتالي يجب بيان معاني هذا الكتاب ويجب تدارسه ، ويجب قراءته في المجالس العامة والمجالس الخاصة .
              استمع لقول الله عزوجل : -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)- ما هو الذي يحييك ؟ يحيي القلوب ثم يحيي الأبدان ويحيي الحياة ؟ هذا الكتاب ، -(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)- [الأنفال/24] إذا أحال الله ووضع حائلا بين الشخص وقلبه لن يعرف ما ينفعه وما يرفع درجته عند الله عزوجل وما يصلح حياته وآخرته ، -(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)-إذن الفتنة تحصل للناس بسبب بعدهم عن كتاب الله وعن الاستجابة لأوامر الله ، -(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)- [الأنفال/25] ، -(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)-[الأنفال/26-29] أي قدرة تميزون بها بين الحق والباطل .
              هذه الآيات كأن كلَّ واحد منكم قد خوطب بها وحده ، كأنها تتعلق بكل واحد منَّا ، فلماذا لا ننزل هذه الآيات القرآنية على أنفسنا ونحن في أشد الحاجة إليها ؟ وهكذا بقية آيات القرآن العظيم ، كل واحد منَّا مخاطب بها ، ويجب على كل إنسان أن ينزل آيات القرآن على نفسه حتى ينتفع بها ، إذا قرأت آيات العذاب فاستحضر أنك يمكن أن تكون من المعذبين متى اتصفت بصفة من عُذِّب ، وإذا قرأت آيات الرحمة فتطلع إلى أن تكون من أصحابها باتصافك بالصفات التي تجعلك من أهل تلك الرحمة ، بذلك نستفيد من هذا القرآن ونتعظ بما فيه .
              هذا القرآن احتوى على مواعظ عظيمة تهُزُّ الجبال لكن أين المتدبر فيها ؟ كيف يؤثر فينا القرآن ونحن لم نقرأه ؟ ولذلك من أعظم أسباب كثرة الضلال في الناس هو الغفلة عن آيات القرآن ، أولئك الذين يجادلون في آيات الله من أعظم الأسباب التي تجعلهم يزيغون ويضلون أننا لا نخاطبهم بالقرآن ، آيات القرآن ومواعظ القرآن وحجج القرآن التي تُقنع لم نخاطب الناس بها ومن ثَمَّ أصبح الخطاب ضعيفا ، وأصبحنا لا نتمكن من إقناع الآخرين لماذا ؟ لأننا لم نحاول أن نستفد من هذا الكتاب في إيصال هذه الرسالة إلى الناس ، ميزة الدعوة إلى الله اعتمادها على الكتاب ولا يمكن أن عتمد على الكتاب إلا بفهم معانيه وبتنزيلها على وقائع الناس ، وبذلك تكون دعوتنا دعوة مجدية مقبولة مؤثرة في نفوس الناس .
              أيضا مما يلاحظ في هذا أننا عند فهم القرآن وتفسير القرآن لا نزيد من عند أنفسنا ، وأننا نقتصر على المعاني المقصودة في هذا الكتاب ولا نتجاوز هذه المعاني لئلا نكون ممن كذب على الله ، لأن تفسير القرآن بغير بغير مراد الله هذا كذب على الله وهو من أشنع الذنوب قال الله تعالى : -(وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى)- [طه/61] -(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * -(ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)- [الحاقة/44-46] هذا يقال للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف بنا إذا تجاوزنا وتكلمنا في تفسير كلام الله بغير مراد الله ؟
              الشياطين تحاول إضلال الناس وذلك بوسائل :
              1- أولها : تزهيد الناس في هذا الكتاب ومحاولة إبعاد الناس عن هذا الكتاب ، ومن ثَمَّ أولئك الذين يحاولون تزهيد الخلق في الكتاب إنما أوتوا من كونهم لم يعرفوا هذا الكتاب ، فخير وسيلة لمجابهتهم إيصال الكتاب إليهم ، والرد على كلامهم بآيات من الكتاب .
              2- ومن وسائل الشيطان لصد الناس عن كتابا لله جعلهم يهجرون القرآن ، فإذا هجروا القرآن لم يعرفوا مراد الله ولم يتمكنوا من العمل به وتطبيقه .
              3- ومن وسائل الشيطان صد الناس عن التدبر في آيات القرآن وفهم معانيها ، يقرأ الآيات وإذا سألته عن معاني ما قرأ لم يعرف جوابها ، ولذلك المشكلة الأساسية عندنا هي عدم العمل بالكتاب ، وعدم العمل بالكتاب مبني على أسبا منها : عدم فهمنا للقرآن . لو كان منطلقنا في جميع أمورنا من هذا الكتاب والله ما وقف أمامنا أحد ولتغيرت أحوال الناس وتبدلت إلى الخير والصلاح ، أحوال العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانت في فقر ، كانوا في فرقة ، كانوا في شتات ، كانوا أمة لا يؤبه بهم ولا قيمة لهم ، كانوا كانوا كانوا ... صفات كثيرة ، ما الذي بدل أحوالهم بعد إنزال الكتاب ؟ هذا القرآن الذي آمنوا به وصدَّقوه وتفهموا معانيه وعملوا به ، فتغيرت أحوالهم وإلا أبدانهم هي أبدانهم ، تغيرت الأيدي ؟ تغيرت الأرجل ؟ لا والله ، كيف انقلب حالهم ؟ بهذا الكتاب ، ولذلك نحن في أشد الحاجة إلى هذا الموضوع موضوع فهم القرآن وتنزيله على وقائع الناس لتصلح أحوال الأمة وتستقيم .
              أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة ، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين ، وأسأل جل وعلا أن يرزقنا فهم كتابه ، اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن ترزقنا فهم كتابك ، اللهم ارزقنا فهم كتابك ، اللهم ارزقنا فهم كتابك والعمل بما فيه برحمتك يا أرحم الراحيمن .
              هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين .

              في أمان الله يا إخواني تمسوا على خير



              انتهى إلى الشريط السابع



              تعليق


              • #8
                رد: هدية متواضعة لإخوتي بمناسبة شهر رمضان * تفريغ شرح أصول التفسير للعلامة العثيمين للشيخ سعد الشثري[الجزء 1]

                من استطاع من الإخوة وضعه في رابط وورد أو pdf فليكرمنا وله مني جزيل الشكر .

                وسأحاول وضع الأشرطة 8-9-10- إن شاء الله .

                أما السابع فسأحاول الانتهاء من تفريغه

                تعليق

                يعمل...
                X