النوع الثامن عشر: في جمعه وترتيبه
قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.
قال الخطابي: إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن... " الحديث، فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
القول في جمع القرآن ثلاث مرات
وقال الحاكم في المستدرك جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع... "الحديث.
قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: بحضرة أبي بكر روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت: لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال عمر: وهو والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه - فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} . حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: سمعت عليا يقول: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر ! هو أول من جمع كتاب الله لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين قال: قال علي: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن. فجمعه.
قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد.
قلت: قد ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله: حدثنا بشر ابن موسى حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي ؟ قال: لا والله، قال: ما أقعدك عني قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت. قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا.
وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه.
وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة فقال: إنا لله ! وأمر بجمع القرآنفكان أول من جمعه في المصحف. إسناده منقطع والمراد بقوله: "فكان أول من جمعه " أي أشار بجمعه.
قلت: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فجمعه ثم ائتمروا: ما يسمونه ؟ فقال بعضهم: سموه السفر قال: ذلك اسم تسميه اليهود فكرهوه فقال رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف. إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شهيدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. رجاله ثقات مع انقطاعه.
قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.
وقال السخاوي في جمال القراء: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوبكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ. قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت: أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر.
وقد أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال: أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب. وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وقال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكانمجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه.
وقد تقدم في حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف وفي رواية " والرقاع " وفي أخرى: "وقطع الأديم "، وفي أخرى: "والأكتاف " وفي أخرى: "والأضلاع " وفي أخرى: "والأقتاب " فالعسب: جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض.
واللخاف بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء: جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة. والرقاع: جمع رقعة وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه.
والأقتاب: جمع قتب هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب: قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس
بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف.
قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده.
قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا قيل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة.
قال الحاكم: والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إ لى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا،وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، فألحقناها في سورتها في المصحف.
قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين قال وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستندا. انتهى.
وأخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا. يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما. فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدا رءوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا ؟ فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا.
وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهد هم فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوايؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.
وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال: ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا قلنا: فما ترى ؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا: نعم ما رأيت.
قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف
لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى الجمع من الحملة فهو الصديق وقد قال علي: لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهى.
اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة.
وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف. قال ابن أبي داود: وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا.
فصل
الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم.وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. انتهى.
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه.
وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع ".
ومنها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ووضعتموها في السبع الطول ؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وكانت الأنفال من أوائل ما نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ووضعتها في السبع الطول.
ومنها ما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إلى آخرها".
ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ولم تدعها ؟ قال: يا بن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه.
ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: "تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء:.
ومنها الأحاديث في خواتيم سورة البقرة.
ومنها ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعا: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " وفي لفظ عنده: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف " .
قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.
قال الخطابي: إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن... " الحديث، فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
القول في جمع القرآن ثلاث مرات
وقال الحاكم في المستدرك جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع... "الحديث.
قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: بحضرة أبي بكر روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت: لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال عمر: وهو والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه - فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} . حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: سمعت عليا يقول: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر ! هو أول من جمع كتاب الله لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين قال: قال علي: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن. فجمعه.
قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد.
قلت: قد ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله: حدثنا بشر ابن موسى حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي ؟ قال: لا والله، قال: ما أقعدك عني قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت. قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا.
وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه.
وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة فقال: إنا لله ! وأمر بجمع القرآنفكان أول من جمعه في المصحف. إسناده منقطع والمراد بقوله: "فكان أول من جمعه " أي أشار بجمعه.
قلت: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه فجمعه ثم ائتمروا: ما يسمونه ؟ فقال بعضهم: سموه السفر قال: ذلك اسم تسميه اليهود فكرهوه فقال رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف. إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شهيدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. رجاله ثقات مع انقطاعه.
قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.
وقال السخاوي في جمال القراء: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوبكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ. قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت: أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر.
وقد أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال: أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب. وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وقال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكانمجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه.
وقد تقدم في حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف وفي رواية " والرقاع " وفي أخرى: "وقطع الأديم "، وفي أخرى: "والأكتاف " وفي أخرى: "والأضلاع " وفي أخرى: "والأقتاب " فالعسب: جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض.
واللخاف بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء: جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة. والرقاع: جمع رقعة وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه.
والأقتاب: جمع قتب هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب: قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس
بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف.
قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده.
قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا قيل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة.
قال الحاكم: والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إ لى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا،وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، فألحقناها في سورتها في المصحف.
قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين قال وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستندا. انتهى.
وأخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا. يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما. فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدا رءوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا ؟ فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا.
وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهد هم فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوايؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.
وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال: ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا قلنا: فما ترى ؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا: نعم ما رأيت.
قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف
لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى الجمع من الحملة فهو الصديق وقد قال علي: لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهى.
اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة.
وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف. قال ابن أبي داود: وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا.
فصل
الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم.وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. انتهى.
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه.
وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع ".
ومنها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ووضعتموها في السبع الطول ؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وكانت الأنفال من أوائل ما نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ووضعتها في السبع الطول.
ومنها ما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إلى آخرها".
ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ولم تدعها ؟ قال: يا بن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه.
ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: "تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء:.
ومنها الأحاديث في خواتيم سورة البقرة.
ومنها ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعا: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " وفي لفظ عنده: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف " .
تعليق