*****
مطـوية / قصـة ذي القـرنين
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
---------------------------
*****
نص المطوية :
قصة ذي القرنين و يأجوج ومأجوج
السؤال: من السودان مستمع يسأل عن قوله تعالى: { وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً }.
(فتاوى نور على الدرب- الشريط رقم 164)
الجواب: قوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين} السائل هنا قريش، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، وكانت قصته مشهورة، ولا سيما عند أهل الكتاب، وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويقال: إنه طاف معه بالبيت، فالله أعلم، هذا الرجل الصالح مكن الله له في الأرض، وآتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار، وقهر أعدائه،{فأتبع سبباً}، يعني: سلك طريقاً يوصله إلى مقصوده،{حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً}، فاستولى عليهم، وخيره الله فيهم {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وأما أن تتخذ فيهم حسناً}، فحكم بينهم بالعدل {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً}، ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم} ليس لهم ستر يحول بينهم وبين حرها، ليس عندهم بناء، ولا أشجار، وإنما يعيشون في النهار في السرادب وفي الكهوف، ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش، وكان الله عز وجل في جميع أحوال هذا الرجل عالماً به، يسير بعلم من الله عز وجل وهداية، كما قال تعالى: {وقد أحطنا بما لديه خبراً}، ثم مضى {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً} كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم، ولا يفهمون لغة غيرهم، ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، وهما أمتان من بني آدم، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين، أعني: في يأجوج ومأجوج، كلها لا أصل لها من الصحة، وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم، وعلى شكل بني آدم، كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« يقول الله تعالى:- يعني يوم القيامة- يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كل في النار إلا واحداً من الألف. فكبر ذلك على الصحابة، فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الواحد؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أبشروا، فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج ».
وهذا دليل واضح وصريح على أنهم، أعني: يأجوج ومأجوج سيكون شكلهم وأحوالهم كأحوال بني آدم تماماً، لكنهم من قوم طبعوا- والعياذ بالله- على الفساد في الأرض، وتدمير مصالح الخلق، وقتلهم، وغير ذلك، مما يكون فساداً في أرض الله عز وجل، فقالوا له:{فهل نجعل لك خرجاً}، أي: مالاً {على أن تجعل بيننا وبينهم سداً}، فأخبرهم بأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه، {قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة}، أي: بقوة عملية، عمال وأدوات وما أشبه ذلك، {أجعل بينكم وبينهم ردماً}، ثم طلب منهم زبر الحديد، أي: قطع الحديد، فصف بعضها على بعض حتى بلغت رءوس الجبلين،{آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا}، فأوقدوا عليه النار، ونفخوها حتى صار الحديد ناراً يلتهب، فأفرغ عليه قطراً، أي: نحاساً مذاباً، حتى تماسكت هذه القطع من الحديد، وصارت جداراً حديداً صلباً، {فما اسطاعوا أن يظهروه}، أي: يظهروا فوقه، {وما استطاعوا له نقباً}، أي: أن ينقبوه من أسفل، فكان ردماً بين يأجوج ومأجوج. وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها، فمن أراد المزيد من علمها، فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة.
السؤال: هذا السائل من السودان يقول يا فضيلة الشيخ: من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن هذه هي الفقرة الأولى؟
(فتاوى نور على الدرب- الشريط رقم 264)
الجواب : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كبيرتان من بني آدم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: إنه إذا كان يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول الله تعالى: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، ومن بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعةٌ وتسعون؛ يعني هؤلاء كلهم في النار من بني آدم وواحد في الجنة، فعظم ذلك على الصحابة، فقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الواحد، فقال صلى الله عليه وسلم: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج منكم واحد ومنهم تسعمائة وتسعةٌ وتسعون، فهما قبيلتان عظيمتان، لكنهما من أهل الشر والفساد، والدليل على ذلك أمران؛ أمرٌ سابق، وأمرٌ منتظر :
- فأما الأمر السابق فما حكاه الله سبحانه وتعالى عن ذي القرنين أنه بلغ السدين، فوجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا، قالوا: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا إلى آخر ما ذكر الله عز وجل، والشاهد من هذا قولهم: إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدا.
- وأما الشر والفساد المنتظر، فهو ما جاء في حديث النواس بن سنان الطويل أن الله سبحانه وتعالى يوحي إلى عيسى أنه أخرج عباداً لله لا يأذنان لأحدٍ بقتالهم، وأنهم يعيشون في الأرض فساداً وأنهم يحصرون عيسى، ومن معه في الطور، وهذا هو الفساد المرتقب منهم، فسيخرجون في آخر الزمان من كل حدبٍ ينسلون ويعيشون في الأرض فساداً، حتى يدعو عيسى بن مريم ربه عليهم، فيصبحون موتى كنفسٍ واحدة، هؤلاء هم يأجوج ومأجوج، وأما ما يذكر في الإسرائيليات من أن بعضهم طويلٌ طولاً مفرطا، وأن بعضهم قصيرٌ قصرٌ مفرطاً، وأن بعضهم لديه آذانٌ يفترش إحدى الأذنين، ويلتحف بالأخرى وما أشبه ذلك؛ فإن كل هذا لا صحة له؛ بل الصحيح الذي لا شك فيه أنهم كغيرهم من بني آدم أجسادهم وما يحسون به وما يشعرون به فهم بشر كسائر البشر، لكنهم أهل شرٍ وفساد.
*****