قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى (5-157): "وقد قام عبد الله بن عمر - وهو من أصاغر الصحابة - في تعلم البقرة ثماني سنين، وإنما ذلك لأجل الفهم والمعرفة، وهذا معلوم من وجوه:
أحدها: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن - المنزل عليهم - لفظا ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد، فإنه قد علم أنه من قرأ كتابا في الطب أو الحساب، أو النحو أو الفقه أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون راغبا في فهمه، وتصور معانيه، فكيف بمن قرءوا كتاب الله تعالى المنزل إليهم، الذي به هداهم الله،وبه عرفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي.
فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثا فإنه يرغب في فهمه؛ فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه، بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود؛ إذا اللفظ إنما يراد للمعنى .
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله واتباعه في غير موضع؛ كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[ص: 29]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، وقال تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}[المؤمنون:68]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82].
فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره: علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها، فكيف لا يكون ذلك ممكنا للمؤمنين؟ وهذا يبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم.
الوجه الثالث: أنه قال تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف:2]، وقال تعالى: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف:3]، فبين أنه أنزله عربيا لأن يعقلوا، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه.
الوجه الرابع: أنه ذم من لا يفهمه فقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}[الإسراء:45-46]، وقال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء:78]، فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضا لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به.
الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه فقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة:171]، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً}[الفرقان:44]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد:16]، وأمثال ذلك .
وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا وقالوا: "ماذا قال آنفا؟" أي الساعة، وهذا كلام من لم يفقه قوله فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد:16].
فمن جعل السابقين الأولين -من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان- غير عالمين بمعاني القرآن؛ جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه.
الوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن، كما قال مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره، أقف عند كل آية منه وأسأله عنها"، ولهذا قال سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
وكان ابن مسعود يقول: "لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته".
وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقل عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله. والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها.
أحدها: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن - المنزل عليهم - لفظا ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد، فإنه قد علم أنه من قرأ كتابا في الطب أو الحساب، أو النحو أو الفقه أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون راغبا في فهمه، وتصور معانيه، فكيف بمن قرءوا كتاب الله تعالى المنزل إليهم، الذي به هداهم الله،وبه عرفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي.
فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثا فإنه يرغب في فهمه؛ فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه، بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود؛ إذا اللفظ إنما يراد للمعنى .
الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله واتباعه في غير موضع؛ كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[ص: 29]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]، وقال تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}[المؤمنون:68]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82].
فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره: علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها، فكيف لا يكون ذلك ممكنا للمؤمنين؟ وهذا يبين أن معانيه كانت معروفة بينة لهم.
الوجه الثالث: أنه قال تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[يوسف:2]، وقال تعالى: {إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الزخرف:3]، فبين أنه أنزله عربيا لأن يعقلوا، والعقل لا يكون إلا مع العلم بمعانيه.
الوجه الرابع: أنه ذم من لا يفهمه فقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}[الإسراء:45-46]، وقال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء:78]، فلو كان المؤمنون لا يفقهونه أيضا لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى به.
الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى واتباعه فقال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة:171]، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً}[الفرقان:44]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد:16]، وأمثال ذلك .
وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا وقالوا: "ماذا قال آنفا؟" أي الساعة، وهذا كلام من لم يفقه قوله فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد:16].
فمن جعل السابقين الأولين -من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان- غير عالمين بمعاني القرآن؛ جعلهم بمنزلة الكفار والمنافقين فيما ذمهم الله تعالى عليه.
الوجه السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم فسروا للتابعين القرآن، كما قال مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره، أقف عند كل آية منه وأسأله عنها"، ولهذا قال سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
وكان ابن مسعود يقول: "لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته".
وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقل عنه من التفسير ما لا يحصيه إلا الله. والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها.