*****
مطوية / آداب قـراءة القـرآن
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
------------------------
http://www.ajurry.com/vb/attachment....3&d=1527938151
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
http://www.ajurry.com/vb/attachment....5&d=1527938335
*****
*****
نص المطوية :
[ في آداب قراءة القرآن]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين رحمه الله(المتوفى: 1421هـ)
الحمدُ لله الَّذِي لشرعه يَخْضَعُ مَنْ يعْبُد، ولِعَظَمتِه يخشعُ مَنْ يَرْكع ويسجُد، ولِطِيْب مناجاتِه يسهرُ المتَهْجِّدُ ولا يرْقُد، ولِطَلبِ ثوابِه يَبْذِلُ المُجَاهدُ نَفْسَه ويَجْهد، يتَكَلَّمُ سبحانَه بكلامٍ يَجِلُّ أنْ يُشابه كَلاَمَ المخلوقين ويَبْعد، ومِنْ كلامِهِ كتابُه المُنَزَّلُ على نبيِّهِ أحمد نقرؤه ليلاً ونهاراً ونُرَدِّد، فلا يَخْلَقُ عن كثرةِ التَّردَادِ ولا يُمَلُّ ولا يُفَنَّد، أحمده حَمْدَ مَنْ يَرْجُو الوقوفَ على بابِه غيرَ مُشَرَّد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةَ مَنْ أخلصَ لله وتعبَّد، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الَّذي قام بواجب العبادِة وتَزَوَّد، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ الصديق الَّذِي ملأ قلَوب مُبْغِضيْهِ قَرحَاتٍ تُنْفِد، وعلى عُمَرَ الَّذِي لم يَزْل يُقَوِّي الإِسلامَ ويَعْضُد، وعلى عثمان الَّذِي جاءَتْه الشهادةُ فلم يترَدَّدْ، وعلى عليٍّ الَّذِي ينْسفُ زرْعَ الكُفرِ بسيفِه ويَحْصُد، وعلى سائرِ آلِهِ وأصحابِه صلاة مُسْتَمرَّة على الزمانِ المؤبَّد، وسلَّم تسليماً.
إخواني: إنَّ هذا القرآنَ الَّذِي بَيْنَ أيْدِيكم تتْلُونه وتسمعونَه وتحفَظُونه وتكتُبونَه، هو كلامُ ربِّكُمْ ربِّ الْعَالِمِين، وإِله الأوَّلِين والآخِرِين، وهو حبْلُه المتينُ، وصراطُهُ المستقيم، وهو الذِّكْرُ المبارَك والنورُ المبين، تكلَّم الله به حقيقةً على الوصفِ الَّذِي يَلِيْقُ بجلالِهِ وعظَمتِه، وألْقَاه على جبريل الأمينِ أحَدِ الملائكةِ الكرام المقَرَّبين، فنزلَ به على قلبِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكون من المُنْذرِين بلسانٍ عربيٍّ مبينِ، وَصَفَهُ الله بأوصافٍ عظيمةٍ لِتُعظِّمُوه وتحترمُوه فقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ - لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا - وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى - إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى - تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا}
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ - وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ - أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ - وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}
{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ - لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ - لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ - وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ - إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ - لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ - تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى عن الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} وقال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ - فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}
فهذه الأوصافُ العظيمةُ الكثيرةُ التي نقَلْناها وغيرُها مِمَّا لم نَنْقُله تدُل كلُّها على عَظَمةِ هذا القرآنِ، ووجوبِ تعظيمِه والتَّأدُّبِ عند تلاوتِه، والبعدِ حال قراءتِه عن الْهُزْء واللَّعِب.
فمِنْ آداب التِّلاوَةِ :
1- إخْلاصُ النيِّةِ لله تعالى فيها؛ لأنَّ تِلاَوَةَ القرآنِ من العباداتِ الجَليلةِ كما سبقَ بَيَانُ فضلها، وقد قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} وقال النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: « اقرءوا القرآنَ وابْتغُوا به وجهَ الله عزَّ وجلَّ مِن قبلِ أن يأتيَ قومٌ يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه » (1) ومعنى يتعجَّلونه يَطْلبون به أجْرَ الدُّنيا.
2- ومِنْ آدَابِها: أنْ يقرأ بقلْبٍ حاضرٍ يتدبَّرُ ما يقْرَأ ويتفهَّمُ معانِيَهُ، ويَخْشعُ عند ذلك قَلْبُه، ويستحضر بأن الله يخاطبه في هذا القرآن لأنَّ القُرْآنَ كلامُ الله عزَّ وجل.
3- ومن آدابها: أن يقرأ القرآن على طهارةٍ لأن هذا من تعظيم كلامِ الله عزَّ وجل، ولا يَقْرأ الْقُرآنَ وهو جُنُبٌ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِنْ قدِر على الماءِ، أو يَتيمَّم إنْ كان عاجزاً عن استعمال الماء لمرضٍ أوْ عَدَم، ولِلْجُنُبِ أن يذْكُرَ الله ويَدْعُوَهُ بِما يُوَافقُ الْقُرْآنَ إذا لم يقصد القرآن، مثل أن يقولَ: ربنا لا تُزغْ قُلوبَنا بعد إذْ هَدَيتْنَا وهَبْ لَنَا من لَدُنْكَ رحمةً إنك أنتَ الوَهَّاب.
4- ومنْ آدَابِها: أنْ لا يقرأ القرآنَ في الأماكِنِ المسْتَقْذَرة، أو في مجمعٍ لا يُنْصَت فيه لقراءتِه لأن قراءَتَه في مثل ذلكَ إهانةٌ له، ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بْيتِ الخلاءِ ونحوه مما أُعِدَّ للتَّبَوُّلِ أو التَّغَوُّطِ لأنه لا يَلِيْقُ بالقرآنِ الكريمِ.
5- ومِنْ آدابِها: أن يستعيذَ باللهِ من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ولئلاَّ يَصُدَّه الشيطانُ عن القراءةِ أوْ كمالِها، وأمَّا الْبَسْمَلةُ فإنْ كان ابتداءُ قِرَاءتِه منْ أثناء السُّوْرَةِ فلا يُبَسْمِل، وإنْ كانَ من أوَّلِ السورةِ فَلْيُبَسْمِلْ إلا في سورةِ التَّوْبةِ فإنَّه ليس في أوَّلها بَسْملةٌ؛ لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم أشْكَلَ عليهم حينَ كتابةِ المِصْحفِ هل هي سورةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أو بقيَّةُ الأنْفال؟ ففَصَلُوا بينهما بدونِ بَسْمَلةٍ، وهذا الاجتهاد هو المطابِق للواقع بلا رَيْبٍ، إذْ لو كانت البَسْمَلة قد نزلت في أولها لَبَقِيَتْ محفوظة بحفظ الله عزَّ وجل، لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
(1) رواه أحمد، وإسناده حسن.
6- ومِن آدَابِها: أن يُحَسِّن صوتَه بالقُرآنِ ويَتَرَنَّمَ به، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما أذِنَ الله لِشَيْء (أي: ما اسْتَمَع لشيءٍ) كما أذِنَ لنَبِيٍّ حَسنِ الصوتِ يَتَغَنَّى بالقرآنِ يَجْهرُ به» (1) «وعن جبيرِ بن مُطْعمٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأُ في المغرب بالطور فما سمعت أحد أحسنَ صوتاً أو قراءةً منه» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) لكِنْ إنْ كان حوْلَ القارئ أحدٌ يتأذَّى بِجهْرهِ في قراءتِه كالنائم والمصليِّ ونحوهما فإنَّه لا يجْهرُ جهْراً يشَوِّشُ عليه أو يؤذيه؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرجَ على الناسِ وهُمْ يُصَلُّون ويجهرون بالقراءة فقال: «إن المُصَلّي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهرْ بعضُكم على بعضٍ بالقرآن» (3) .
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.
7- ومِن آدَابِها: أنْ يُرتِّلَ القرآنَ ترتيلاً، لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} فيقْرأهُ بتَمهُّلٍ بدونِ سُرعةٍ؛ لأنَّ ذلك أعْوَنُ على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه، فعن أنس بن مالِك رضي الله عنه «أنه سُئِل عن قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كانتْ مَدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله ويَمدُّ الرحمن ويمدُّ الرحيم» (1) «وسُئِلتْ أمُّ سلمة رضي الله عنها عن قراءةِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يُقَطِّع قراءتَه آيَةً آيةً، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} * {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} » (2)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تَنْثُروُه نثْرَ الرَّملِ ولا تهذُّوه هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوْا عند عجائِبِه، وحرِّكوا بهِ القلوبَ، ولا يكنْ هَمُّ أحَدِكم آخِرَ السورةِ، ولا بأْسَ بالسرعةِ الَّتِي ليس فيها إخْلالٌ باللفظِ: بإسْقاط بعضِ الحروفِ أوْ إدغام ما لا يصح إدْغامُه , فإنْ كان فيها إخلالٌ باللفظِ فهي حرَامٌ لأنها تغييرٌ للقرآنِ.
8- ومِنْ آدَابِها: أنْ يسجدَ إذا مرَّ بآيةِ سَجْدةٍ وهو على وضوءٍ في أيِّ وقتٍ كان مِنْ ليلٍ أوْ نهارٍ، فيكبِّر للسجودِ ويقولُ: سبحان ربِّي الأعلى، ويدْعُو، ثم يرفعُ مِنَ السجودِ بدونِ تكبير ولا سلامٍ، لأنَّه لم يردْ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلاَّ أنْ يكونَ السجودُ في أثْناءِ الصلاةِ فإنه يكَبِّر في الصلاة إذا سَجَد وإذا قام «لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر كُلَّما خَفَضَ وَرفَعَ، ويُحَدِّث أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» (3) وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: «رأيتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكبِّر في كل رفع وخفض وقيام وقعود» (4) وهذا يعُمُّ سجودَ الصلاةِ وسجودَ التلاوةِ في الصلاةِ.
هذه بعض آدابِ القراءةِ فتأَدَّبوا بِها واحرِصوا عليها وابتغُوا بها من فضلِ الله.
اللهم اجعلنا من المعظِّمين لحرمتك، الفائزين بهباتِك، الوارِثين لِجنَّاتِكَ، واغْفِرْ لَنَا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
*****
المجلس الثالث عشر/ مجالس شهر رمضان
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين رحمه الله