الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
"ومن ذلك: الأدعية التي أمر الله بها رسوله وعباده المؤمنين فقال:
ï´؟وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (11ï´¾ [المؤمنون].
فهذا توسُّلٌ إلى الله بربوبيَّتِه ورحمتِه الواسعةِ، في: حصولِ الخير، ودفعِ الشرِّ كلِّه، وهي المغفرةُ التي تندفع بها المكروهات، والرحمةُ التي تحصل بها جميعُ المحبوبات.
وكذلك قوله:
ï´؟وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)ï´¾ [الإسراء].
فهذا توسُّلٌ إلى الله بربوبيَّتِه أن تكون مداخِلُ العبدِ ومخارِجُه كلُّها صِدقًا، وذلك أن تكون صالحةً خالصةً لوجهِ الله، مقرونةً بالاستعانةِ باللهِ والتوكلِ عليه. وذلك يَستلزم أن تكون حركاتُ العبدِ كلُّها -ظاهرُها وباطنُها- طاعةً لله، وعملًا بما يحبُّه ويرضاه، وهذا هو الكمال مِن جهة العمل.
وأمَّا الكمالُ مِن جهة العلم: فإنه يجعل اللهُ له ï´؟سُلْطَانًا نَصِيرًاï´¾ أي: حُجةً ظاهرةً ناصِرة، وقوةً يَحصل بها نصرُ الحقِّ وقمْعُ الباطل.
فيحصل باستجابةِ هذا الدعاء: العلمُ النافع، والعملُ الصالح، والتمكينُ في الأرض.
وقال تعالى لرسوله:
ï´؟وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًاï´¾ [طه: من الآية 114]
فالعلمُ أَجَلُّ الأشياء، وبه تُعرَف جميعُ الأشياء، فسؤالُه وسؤالُ الزيادةِ منه مِن أفضلِ ما سأل السائلون" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص 135و136، ط3، 1428، دار المعالي).
وفي آية الإسراء عدة أقوال في المراد من مخرج الصدق ومدخل الصدق، رجّح الإمام الطبري (17/ 533) أن "مُدْخل الصِّدق: مُدْخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، حين هاجر إليها، ومُخْرَج الصدق: مُخْرجه من مكة، حين خرج منها مهاجرًا إلى المدينة"، فمعنى الدعاء: "وأَدْخِلْنِي المدينةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وأَخْرِجْنِي مِنْ مَكَّةَ مُخْرَجَ صِدْقٍ" اﻫ منه (17/ 535).
ولأن العبرة بعموم اللفظ؛ نرى العمومَ في تفسير العلامة السعدي، وفيما يلي:
قال الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
"وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ: أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ عَلَى الصِّدْقِ. فَقَالَ: ï´؟وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)ï´¾ [الإسراء].
وَأَخْبَرَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. فَقَالَ: ï´؟وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)ï´¾ [الشعراء].
وَبَشَّرَ عِبَادَهُ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ قَدَمَ صِدْقٍ، وَمَقْعَدَ صِدْقٍ. فَقَالَ تَعَالَى: ï´؟وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْï´¾ [يونس: من الآية 2].
وَقَالَ: ï´؟إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)ï´¾ [القمر].
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ:
مُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِ.
وَحَقِيقَةُ الصِّدْقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ:
هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ، الْمُتَّصِلُ بِاللَّهِ، الْمُوَصِّلُ إِلَى اللَّهِ. وَهُوَ مَا كَانَ بِهِ وَلَهُ، مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ. وَجَزَاءُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَمُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ: أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ حَقًّا ثَابِتًا بِاللَّهِ، وَفِي مَرْضَاتِهِ [مُتَّصِلًا] بِالظَّفَرِ بِالْبُغْيَةِ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
ضِدَّ مُخْرَجِ الْكَذِبِ وَمُدْخَلِهِ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ يُوَصَلُ إِلَيْهَا، وَلَا لَهُ سَاقٌ ثَابِتَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا، كَمُخْرَجِ أَعْدَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ كَمُخْرَجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ.
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ: كَانَ مُدْخَلُ صِدْقٍ بِاللَّهِ، وَلِلَّهِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَاتَّصَلَ بِهِ التَّأْيِيدُ وَالظَّفَرُ وَالنَّصْرُ، وَإِدْرَاكُ مَا طَلَبَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
بِخِلَافِ مُدْخَلِ الْكَذِبِ الَّذِي رَامَ أَعْدَاؤُهُ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِاللَّهِ، وَلَا لِلَّهِ، بَلْ كَانَ مُحَادَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ إِلَّا الْخِذْلَانُ وَالْبَوَارُ.
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُ مَنْ دَخَلَ مِنَ الْيَهُودِ الْمُحَارِبِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُدْخَلَ كَذِبٍ؛ أَصَابَهُ مَعَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ.
فَكُلُّ مُدْخَلٍ [مَعَهُمْ][1] وَمُخْرَجٍ كَانَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ، فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، فَهُوَ مُدْخَلُ صِدْقٍ، وَمُخْرَجُ صِدْقٍ.
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُخْرَجَ مُخْرَجًا لَا أَكُونُ فِيهِ ضَامِنًا عَلَيْكَ.
يُرِيدُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْرَجُ مُخْرَجَ صِدْقٍ. وَلِذَلِكَ؛ فُسِّرَ مُدْخَلُ الصِّدْقِ وَمُخْرَجُهُ: بِخُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمُدْخَلَ وَالْمُخْرَجَ مِنْ أَجَلِّ مَدَاخِلِهِ وَمَخَارِجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا فَمَدَاخِلُهُ كُلُّهَا مَدَاخِلُ صِدْقٍ، وَمَخَارِجُهُ مَخَارِجُ صِدْقٍ، إِذْ هِيَ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ، وَلِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ.
وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِهِ وَدَخَلَ سُوقَهُ أَوْ مُدْخَلًا آخَرَ؛ إِلَّا بِصِدْقٍ أَوْ بِكَذِبٍ، فَمُخْرَجُ كُلِّ وَاحِدٍ وَمُدْخَلُهُ: لَا يَعْدُو الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ" اﻫ المراد من "مدارج السالكين" (3/ 9 و10، ط 2، 1429هـ، دار طيبة).
[1] - غير موجودة في بعض النسخ كما أفاد المحقق وقال: ولعل الصواب حذفها.
- سُكَينة بنت محمد ناصر الدين الألبانية في 6/23/2017 أمّا بعد:
قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
"ومن ذلك: الأدعية التي أمر الله بها رسوله وعباده المؤمنين فقال:
ï´؟وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (11ï´¾ [المؤمنون].
فهذا توسُّلٌ إلى الله بربوبيَّتِه ورحمتِه الواسعةِ، في: حصولِ الخير، ودفعِ الشرِّ كلِّه، وهي المغفرةُ التي تندفع بها المكروهات، والرحمةُ التي تحصل بها جميعُ المحبوبات.
وكذلك قوله:
ï´؟وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)ï´¾ [الإسراء].
فهذا توسُّلٌ إلى الله بربوبيَّتِه أن تكون مداخِلُ العبدِ ومخارِجُه كلُّها صِدقًا، وذلك أن تكون صالحةً خالصةً لوجهِ الله، مقرونةً بالاستعانةِ باللهِ والتوكلِ عليه. وذلك يَستلزم أن تكون حركاتُ العبدِ كلُّها -ظاهرُها وباطنُها- طاعةً لله، وعملًا بما يحبُّه ويرضاه، وهذا هو الكمال مِن جهة العمل.
وأمَّا الكمالُ مِن جهة العلم: فإنه يجعل اللهُ له ï´؟سُلْطَانًا نَصِيرًاï´¾ أي: حُجةً ظاهرةً ناصِرة، وقوةً يَحصل بها نصرُ الحقِّ وقمْعُ الباطل.
فيحصل باستجابةِ هذا الدعاء: العلمُ النافع، والعملُ الصالح، والتمكينُ في الأرض.
وقال تعالى لرسوله:
ï´؟وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًاï´¾ [طه: من الآية 114]
فالعلمُ أَجَلُّ الأشياء، وبه تُعرَف جميعُ الأشياء، فسؤالُه وسؤالُ الزيادةِ منه مِن أفضلِ ما سأل السائلون" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص 135و136، ط3، 1428، دار المعالي).
وفي آية الإسراء عدة أقوال في المراد من مخرج الصدق ومدخل الصدق، رجّح الإمام الطبري (17/ 533) أن "مُدْخل الصِّدق: مُدْخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، حين هاجر إليها، ومُخْرَج الصدق: مُخْرجه من مكة، حين خرج منها مهاجرًا إلى المدينة"، فمعنى الدعاء: "وأَدْخِلْنِي المدينةَ مُدْخَلَ صِدْقٍ، وأَخْرِجْنِي مِنْ مَكَّةَ مُخْرَجَ صِدْقٍ" اﻫ منه (17/ 535).
ولأن العبرة بعموم اللفظ؛ نرى العمومَ في تفسير العلامة السعدي، وفيما يلي:
قال الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
"وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ: أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ عَلَى الصِّدْقِ. فَقَالَ: ï´؟وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)ï´¾ [الإسراء].
وَأَخْبَرَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. فَقَالَ: ï´؟وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)ï´¾ [الشعراء].
وَبَشَّرَ عِبَادَهُ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ قَدَمَ صِدْقٍ، وَمَقْعَدَ صِدْقٍ. فَقَالَ تَعَالَى: ï´؟وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْï´¾ [يونس: من الآية 2].
وَقَالَ: ï´؟إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)ï´¾ [القمر].
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ:
مُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِ.
وَحَقِيقَةُ الصِّدْقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ:
هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ، الْمُتَّصِلُ بِاللَّهِ، الْمُوَصِّلُ إِلَى اللَّهِ. وَهُوَ مَا كَانَ بِهِ وَلَهُ، مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ. وَجَزَاءُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَمُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ: أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ حَقًّا ثَابِتًا بِاللَّهِ، وَفِي مَرْضَاتِهِ [مُتَّصِلًا] بِالظَّفَرِ بِالْبُغْيَةِ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
ضِدَّ مُخْرَجِ الْكَذِبِ وَمُدْخَلِهِ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ يُوَصَلُ إِلَيْهَا، وَلَا لَهُ سَاقٌ ثَابِتَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا، كَمُخْرَجِ أَعْدَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ كَمُخْرَجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ.
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ: كَانَ مُدْخَلُ صِدْقٍ بِاللَّهِ، وَلِلَّهِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَاتَّصَلَ بِهِ التَّأْيِيدُ وَالظَّفَرُ وَالنَّصْرُ، وَإِدْرَاكُ مَا طَلَبَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
بِخِلَافِ مُدْخَلِ الْكَذِبِ الَّذِي رَامَ أَعْدَاؤُهُ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِاللَّهِ، وَلَا لِلَّهِ، بَلْ كَانَ مُحَادَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ إِلَّا الْخِذْلَانُ وَالْبَوَارُ.
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُ مَنْ دَخَلَ مِنَ الْيَهُودِ الْمُحَارِبِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُدْخَلَ كَذِبٍ؛ أَصَابَهُ مَعَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ.
فَكُلُّ مُدْخَلٍ [مَعَهُمْ][1] وَمُخْرَجٍ كَانَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ، فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، فَهُوَ مُدْخَلُ صِدْقٍ، وَمُخْرَجُ صِدْقٍ.
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُخْرَجَ مُخْرَجًا لَا أَكُونُ فِيهِ ضَامِنًا عَلَيْكَ.
يُرِيدُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْرَجُ مُخْرَجَ صِدْقٍ. وَلِذَلِكَ؛ فُسِّرَ مُدْخَلُ الصِّدْقِ وَمُخْرَجُهُ: بِخُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمُدْخَلَ وَالْمُخْرَجَ مِنْ أَجَلِّ مَدَاخِلِهِ وَمَخَارِجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا فَمَدَاخِلُهُ كُلُّهَا مَدَاخِلُ صِدْقٍ، وَمَخَارِجُهُ مَخَارِجُ صِدْقٍ، إِذْ هِيَ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ، وَلِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ.
وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِهِ وَدَخَلَ سُوقَهُ أَوْ مُدْخَلًا آخَرَ؛ إِلَّا بِصِدْقٍ أَوْ بِكَذِبٍ، فَمُخْرَجُ كُلِّ وَاحِدٍ وَمُدْخَلُهُ: لَا يَعْدُو الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ" اﻫ المراد من "مدارج السالكين" (3/ 9 و10، ط 2، 1429هـ، دار طيبة).
الجمعة 28 رمضان 1438هـ
[1] - غير موجودة في بعض النسخ كما أفاد المحقق وقال: ولعل الصواب حذفها.
التسميات: القرآن الكريم وعلومه