ينتقد بعض الناس مصطلح (التفسير بالمأثور) ، ويورد عليه بأنه حادث، لم يأت في كلام السابقين، وإنما جاء في كلام الدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون.
وبأن تفسير القرآن بالقرآن اجتهادي، إذ المفسر هو الذي يتدخل فيه بحمل الآية على الآية.
وتفسير الصحابي باجتهاد منهم! وكذا تفسير التابعين.
و لا يصح أن يحكم بصحة شيء من التفسير واعتماده إلا التفسير النبوي.
أقول:
هذا الكلام يقرره بعض الأخوة ، وفيه عندي نظر من جهات متعددة؛
الجهة الأولى : مصطلح (التفسير بالمأثور)، هو تسمية حادثة ، لمعنى كان موجوداً ومتداولا بين أهل العلم.
فمن نظر في كلامهم يجدهم يحذرون من التفسير بالرأي، ويذمون كلام أهل البدع بأنه تفسير للقرآن بآرائهم، لم يراعوا فيه ما جاء عن السلف .
وهذا المقابلة تدل على أنهم يرون أن تفسير السلف يقابل الرأي، بمعنى أنه تفسير صحيح معتمد، لا مدخل للرأي والاجتهاد فيه.
وهذا يدل أنهم يعتمدون تفسير مقابلاً للرأي ، وهو ما سمّاه الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله بـ (التفسير بالمأثور)، فهو لم يأت بغير الاسم، وإلا فإن المعنى المراد كان موجوداً
يدل عليه كلامهم.
الجهة الثانية : المراد بالتفسير بالمأثور، أي التفسير الذي لا يدخل فيه المفسر برأي نفسه، فلا يأت بمعنى للآية من عند نفسه، إنما يفسر الآية بمعنى آية أخرى، فهو من هذه الحيثية
لا رأي فيه. و لا دخل للمفسر في معنى الآية.
أمّا قضية أن تفسير الصحابي يدخله اجتهاد منه، فهذا يتعقب بما يلي:
- اجتهاد الصحابة في تفسير القرآن مبنى على ما فهموه عن الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الآية، فهو اجتهاد مبني على معنى صحيح فهمه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
- أن نظرهم في تفسير الآية مبني على معرفتهم ومشاهدتهم لقرائن وأحوال نزول القرآن وملاباسات حصلت عند نزول الآيات لا يشاركهم فيها غيرهم، وهذا المعنى يجعل اجتهادهم
ليس كاجتهاد غيرهم.
- ولأن النظر في معنى الآية إذا كان مبنيا على اللغة فهم أعلم بلغة القرآن وبالمراد منه من كل أحد غيرهم، وهل المعنى العرفي زمن النزول إلا كلامهم ولغتهم؟!
فأصبح بما تقدم تفسيرهم للقرآن العظيم، تفسير بعيداً عن الرأي والاجتهاد المجرد، فلا يجعل كالتفسير بالرأي!
فإذا تحرر معك ما قدّمته تبين لك أن تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بقول الصحابي وبما أجمع عليه التابعون، هو التفسير المقابل للتفسير بالرأي.
وكونه تفسيرا مقابلاً للتفسير بالرأي لا يمنع أن تسميه (التفير بالمأثور)، أو (التفسير بالرواية)، أو (التفسير بالمنقول). فليست المكشلة في التسمية إنما في المعنى المراد، وقد اتضح
بما تقدم صحته ووجوده وتداوله بين السلف من قديم.
والله المستعان وعليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله.