التكلف في قراءة القرآن أنكره أئمة السلف رحمهم الله.
قال تعالى:(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55]
فأنا أذكر إخواني القراء وأئمة المساجد بأقوال أئمة السنة في هذا الشأن
1-قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في [تلبيس إبليس] (1/126):
"وقد لبس إبليس عَلَى بعض المصلين فِي مخارج الحروف فتراه يَقُول: الحمد الحمد. فيخرج بإعادة الكلمة عَنْ قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عَلَيْهِ فِي تحقيق التشديد وتارة فِي إخراج ضاد المغضوب، ولقد رأيت من يَقُول المغضوب فيخرج بصاقة مَعَ إخراج الضاد؛ لقوة تشديده، وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عَنْ فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس".
2-وقال محمد بن قتيبة في [تأويل مشكل القرآن] (1/42):
"وقد كان الناس قديما يقرؤون بلغاتهم كما أعلمتك، ثم خلف قوم بعد قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة، ولا علم التكلّف، فَهَفَوا في كثير من الحروف وزلّوا وقرؤوا بالشاذ وأخلُّوا، منهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح، وقرّبه من القلوب بالدين.
لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته أكثر تخليطا، ولا أشد اضطرابا منه؛ لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره، ثم يؤصّل أصلا ويخالف إلى غيره لغير ما علّة. ويختار في كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة.
هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، فإفراطه في المد والهمزة والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضييقه ما فسحه.
ومن العجب أنه يقرئ الناس بهذه المذاهب، ويكره الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟!
وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته: أن يعيد.
ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل.
وقد شغف بقراءته عوامّ الناس وسوقهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف في أمّ الكتاب عشرا، وفي مائة آية شهرا، وفي السبع الطّول حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشّدقين، دارّ الوريدين، راشح الجبينين، توهّموا أن ذلك لفضيلةٍ في القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القرّاء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رسلة".
وقال ابن القيم رحمه الله في [إغاثة اللهفان] (1/161):
"وقال الخلال في الجامع: عن أبي عبد الله أنه قال: "لا أحب قراءة فلان"، يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة، وكرهها كراهية شديدة، وجعل يعجب من قراءته، وقال: "لا تعجبني؛ فإن كان رجل يقبل منك فانهه".
وحكي عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس: أنه نهاه عنها.
وقال الفضل بن زياد: "إن رجلاً قال لأبي عبد الله: فما أترك من قراءته؟
قال: الإدغام، والكسر. ليس يُعرَف في لغة من لغات العرب".
وسأله عبد الله ابنه عنها فقال: "أكره الكسر الشديد والإضجاع".
وقال في موضع آخر: "إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به".
وسأله الحسن بن محمد بن الحارث: "أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة؟"، قال: "أكرهه أشد كراهة، إنما هي قراءة محدثة". وكرهها شديدًا حتى غضب.
وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال: "أكرهها أشد الكراهة"، قيل له: ما تكره منها؟ قال: "هي قراءة محدثة، ما قرأ بها أحد".
وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها. وقال: "كرهها ابن إدريس"، وأراه قال: وعبد الرحمن بن مهدي. وقال: "ما أدري، أيش هذه القراءة؟" ثم قال: "وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب".
وقال عبد الرحمن بن مهدي "لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة".
ونص أحمد رحمه الله على أنه يعيد. وعنه رواية أخرى: "أنه لا يعيد".
والمقصود: أن الأئمة كرهوا التنطع والغلو في النطق بالحرف.
ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته.
قال الإمام أبو عمرو الداني رحمه الله في [التحديد في الإتقان والتجويد] (ص89):
باب ذكر الإفصاح عن مذاهب الأئمة في حد التحقيق ونهاية التجويد وما جاء عنهم من الكراهة في التجاوز عن ذلك.
اعلموا أن التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حدُّه أن توفى الحروف حقوقها، من المد: إن كانت ممدودة، ومن التمكين: إن كانت ممكنة، ومن الهمز: إن كانت مهموزة، ومن التشديد: إن كانت مشددة، ومن الإدغام: إن كانت مدغمة، ومن الفتح: إن كانت مفتوحة، ومن الإمالة: إن كانت ممالة، ومن الحركة: إن كانت متحركة ومن السكون: إن كانت مسكنة، من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف، على ما نبينه فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من أهل الأداء من الإفراط في التمطيط والتعسف في التفكيك والإسراف في إشباع الحركات وتلخيص السواكن، إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك، وبكيفية حقيقته".اهـ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لاتباع السنة وهدي السلف الصالح
المصدر
قال تعالى:(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55]
فأنا أذكر إخواني القراء وأئمة المساجد بأقوال أئمة السنة في هذا الشأن
1-قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في [تلبيس إبليس] (1/126):
"وقد لبس إبليس عَلَى بعض المصلين فِي مخارج الحروف فتراه يَقُول: الحمد الحمد. فيخرج بإعادة الكلمة عَنْ قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عَلَيْهِ فِي تحقيق التشديد وتارة فِي إخراج ضاد المغضوب، ولقد رأيت من يَقُول المغضوب فيخرج بصاقة مَعَ إخراج الضاد؛ لقوة تشديده، وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عَنْ فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس".
2-وقال محمد بن قتيبة في [تأويل مشكل القرآن] (1/42):
"وقد كان الناس قديما يقرؤون بلغاتهم كما أعلمتك، ثم خلف قوم بعد قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة، ولا علم التكلّف، فَهَفَوا في كثير من الحروف وزلّوا وقرؤوا بالشاذ وأخلُّوا، منهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح، وقرّبه من القلوب بالدين.
لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته أكثر تخليطا، ولا أشد اضطرابا منه؛ لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره، ثم يؤصّل أصلا ويخالف إلى غيره لغير ما علّة. ويختار في كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة.
هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، فإفراطه في المد والهمزة والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره الله، وتضييقه ما فسحه.
ومن العجب أنه يقرئ الناس بهذه المذاهب، ويكره الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟!
وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته: أن يعيد.
ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل.
وقد شغف بقراءته عوامّ الناس وسوقهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف في أمّ الكتاب عشرا، وفي مائة آية شهرا، وفي السبع الطّول حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشّدقين، دارّ الوريدين، راشح الجبينين، توهّموا أن ذلك لفضيلةٍ في القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القرّاء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رسلة".
وقال ابن القيم رحمه الله في [إغاثة اللهفان] (1/161):
"وقال الخلال في الجامع: عن أبي عبد الله أنه قال: "لا أحب قراءة فلان"، يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة، وكرهها كراهية شديدة، وجعل يعجب من قراءته، وقال: "لا تعجبني؛ فإن كان رجل يقبل منك فانهه".
وحكي عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس: أنه نهاه عنها.
وقال الفضل بن زياد: "إن رجلاً قال لأبي عبد الله: فما أترك من قراءته؟
قال: الإدغام، والكسر. ليس يُعرَف في لغة من لغات العرب".
وسأله عبد الله ابنه عنها فقال: "أكره الكسر الشديد والإضجاع".
وقال في موضع آخر: "إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به".
وسأله الحسن بن محمد بن الحارث: "أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة؟"، قال: "أكرهه أشد كراهة، إنما هي قراءة محدثة". وكرهها شديدًا حتى غضب.
وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال: "أكرهها أشد الكراهة"، قيل له: ما تكره منها؟ قال: "هي قراءة محدثة، ما قرأ بها أحد".
وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها. وقال: "كرهها ابن إدريس"، وأراه قال: وعبد الرحمن بن مهدي. وقال: "ما أدري، أيش هذه القراءة؟" ثم قال: "وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب".
وقال عبد الرحمن بن مهدي "لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة".
ونص أحمد رحمه الله على أنه يعيد. وعنه رواية أخرى: "أنه لا يعيد".
والمقصود: أن الأئمة كرهوا التنطع والغلو في النطق بالحرف.
ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته.
قال الإمام أبو عمرو الداني رحمه الله في [التحديد في الإتقان والتجويد] (ص89):
باب ذكر الإفصاح عن مذاهب الأئمة في حد التحقيق ونهاية التجويد وما جاء عنهم من الكراهة في التجاوز عن ذلك.
اعلموا أن التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حدُّه أن توفى الحروف حقوقها، من المد: إن كانت ممدودة، ومن التمكين: إن كانت ممكنة، ومن الهمز: إن كانت مهموزة، ومن التشديد: إن كانت مشددة، ومن الإدغام: إن كانت مدغمة، ومن الفتح: إن كانت مفتوحة، ومن الإمالة: إن كانت ممالة، ومن الحركة: إن كانت متحركة ومن السكون: إن كانت مسكنة، من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف، على ما نبينه فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من أهل الأداء من الإفراط في التمطيط والتعسف في التفكيك والإسراف في إشباع الحركات وتلخيص السواكن، إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك، وبكيفية حقيقته".اهـ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لاتباع السنة وهدي السلف الصالح
المصدر