{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: أن تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح {وما نزل من الحق}، يعني القرآن الكريم، وهو من ذكر الله، وذكره بخصوصه لأهميته، {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأَمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }، الذين أوتوا الكتاب من قبل هم اليهود والنصارى {فطال عليهم الأَمد} يعني طال بهم الزمن ونسوا حظهم مما ذكروا به فقست قلوبهم - والعياذ بالله - وكثير منهم فاسقون وبعضهم مستقيم، ففي هذه الآية الكريمة يبين الله - تبارك وتعالى - انه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خير من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (25) وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى لأنها قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله - عز وجل - حيث قال: {وكثير منهم فاسقون } ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قوم أن يبين الواقع؛ لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم عمم الحكم على الجميع، والواجب العدل إن كان الأكثر هم الفاسقون، فقل: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقين فعبر بالكثير على حسب ما تقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقوم الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو والديه والأقربين.
من تفسير سورة الحديد الشيخ صالح العثيمين
من تفسير سورة الحديد الشيخ صالح العثيمين