تخريج أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معنى الترتيل
للدكتور غانم قدوري الحمد
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فإن غالب كتب التجويد أوردت أثر علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – : أنه سئل عن معنى قوله تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .
وقد بحثت كثيراً عن تخريج هذا الأثر ، فلم أجد أي إسناد له… فهل أجد عندكم مرجعا يورد إسنادا لهذا الأثر المهم في علم التجويد؟
الجواب:
من المفيد للقراء تبيين بعض الجوانب المتعلقة بالموضوع ، من ناحيتين : الأولى المصادر التي خَرَّجَتِ الأثر ، والثانية دلالة الأثر وما يمكن أن يستنبط منه .
أولاً : تخريج الأثر
ليس للأثر إسناد معروف في الكتب التي ورد فيها ، وأقدم من ذكره في المصادر المعروفة أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل. ويمكن الإشارة إلى مصادر أخرى أوردت الأثر ، وملاحظة وجود اختلاف في نصه في المصدر الواحد ، كما يبدو في النصوص الآتية :
(1) ذكره الهذلي (ت465هـ) في موضعين في الكامل (طبعة مؤسسة سما) :
الموضع الأول : في مطلع كتاب التجويد (ص39 من المطبوع ) ، وهو قوله :”اعلم أن التجويد مَبْنِيٌّ على ما رُوِيَ عن علي أمير المؤمنين – رضي الله عنه – لمَّا سُئِلَ عن قوله:وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً ، قال : الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف “.
الموضع الثاني: في كتاب الوقف (ص132) : وهو قوله :” قال أبو حاتم : من لم يعرف الوقف لم يعلم ما يقرأ ، قال علي – رضي الله عنه – : التنزيل [ الصواب الترتيل] معرفة الوقوف وتحقيق الحروف ، وهذا القرآن نزل باللغة العربية…”.
(2) ذكره السمرقندي (ت780هـ) في موضعين أيضاً في كتابه رَوْحُ المريد في شرح العقد الفريد (تحقيق إبراهيم عواد: الجامعة الإسلامية ، بغداد 1420هـ =1999م) وهما :
الموضع الأول: في مقدمة الكتاب (ص60) ، وهو قوله :” ورُوِيَ عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم– أنه قال :” الترتيل حفظ الوقوف ، وبيان الحروف” ، وفي رواية ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :” الترتيل حفظ الوقوف ، وأداء الحروف”.
الموضع الثاني : في أول باب الوقف (ص212)، وهو قوله :ثم اعلم أن الأصل في الوقف ما سأل علي بن أبي طالب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الترتيل فقال – :” الترتيل حفظ الوقوف وأداء الحروف “، وقد ذُكِرَ في أول الكتاب”.
(3) ذكره ابن الجزري (ت833هـ) في التمهيد عند بيان معنى الترتيل (ص 60) وهو قوله : سُئِلَ علي بن أبي طالب عن هذه الآية ، فقال : الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف “.
وذكره في كتابه النشر في موضعين :
الموضع الأول : في بيان معنى الترتيل (1/209) ، وهو قوله :” وجاء عن علي – رضي الله عنه– أنه سُئِلَ عن قوله تعالى : (ورتل القرآن ترتيلاً) ، فقال : الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف “.
الموضع الثاني : في أول باب الوقف (1/225) ، وهو قوله :” ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته ، كما قدمنا عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه– قوله : الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف”.
ونَقَلَ هذا الأثر شُرَّاح المقدمة الجزرية وغيرهم من المتأخرين الذين كتبوا في علم التجويد ، أو في علم الوقف والابتداء ، ولا أجد ضرورة لنقل جميع ذلك في هذه العجالة ، لكن قبل الانتقال إلى الجانب الثاني من الموضوع ألفت نظر القارئ الكريم إلى ثلاثة أمور في هذه النصوص : الأمر الأول اختلاف المصادر في رفع الأثر أو وقفه، والثاني اختلاف المصادر في نص الأثر ، فمرة ترد فيه كلمة التجويد ، وأخرى ترد كلمة أخرى مكانها ، والأمر الثالث : ما ورد في قول الهذلي في الموضع الثاني قد يشير إلى احتمال أن يكون أبو حاتم السجستاني (ت255هـ) قد أورد الأثر في كتابه في الوقف والابتداء.
ثانياً : دلالة الأثر وما يمكن أن يستنبط منه
استدل علماء التجويد والوقف والابتداء بهذا الأثر على بيان معنى الترتيل ، وبيان أهمية معرفة موضوع الوقف والابتداء ، كما يتضح من النصوص السابقة .
وكان هذا الأثر قد استوقفني حين كنت أبحث عن تاريخٍ لظهور مصطلح التجويد بالمعنى الاصطلاحي ، ولم أكن وقفتُ عليه حين كتبتُ بحثي ( علم التجويد : نشأته ومعالمه الأولى ) سنة 1400هـ=1980م ، والذي رجحت فيه أن أول استعمال لكلمة التجويد بالمعنى الاصطلاحي كان في القرن الرابع الهجري ( تنظر ص60 من كتاب : أبحاث في علم التجويد).
ووقفت على هذا الأثر حين كتبت أطروحتي للدكتوراه سنة 1405هـ = 1985م ، وأثار لدي إشكالاً حول صحة الاستنتاج السابق بشأن تاريخ استعمال مصطلح التجويد ، ولمَّا كانت الشواهد التاريخية تدل على تأخر ظهور مصطلح التجويد حتى القرن الرابع الهجري ، فإني رجحت أن يكون النص الأصلي للأثر المذكور هو (الترتيل حفظ الوقوف ، وبيان [أو تحقيق ، أو أداء] الحروف) ، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً ، وقلت : “وهذه الرواية أقرب إلى واقع الاستخدام الاصطلاحي لكلمة التجويد” (ينظر ص16 هامش 1، من كتاب الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) .
هذه خلاصة ما عرفته عن هذا الأثر ، وما كتبته حوله من قبل…والله تعالى أعلم.
للدكتور غانم قدوري الحمد
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فإن غالب كتب التجويد أوردت أثر علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – : أنه سئل عن معنى قوله تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .
وقد بحثت كثيراً عن تخريج هذا الأثر ، فلم أجد أي إسناد له… فهل أجد عندكم مرجعا يورد إسنادا لهذا الأثر المهم في علم التجويد؟
الجواب:
من المفيد للقراء تبيين بعض الجوانب المتعلقة بالموضوع ، من ناحيتين : الأولى المصادر التي خَرَّجَتِ الأثر ، والثانية دلالة الأثر وما يمكن أن يستنبط منه .
أولاً : تخريج الأثر
ليس للأثر إسناد معروف في الكتب التي ورد فيها ، وأقدم من ذكره في المصادر المعروفة أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل. ويمكن الإشارة إلى مصادر أخرى أوردت الأثر ، وملاحظة وجود اختلاف في نصه في المصدر الواحد ، كما يبدو في النصوص الآتية :
(1) ذكره الهذلي (ت465هـ) في موضعين في الكامل (طبعة مؤسسة سما) :
الموضع الأول : في مطلع كتاب التجويد (ص39 من المطبوع ) ، وهو قوله :”اعلم أن التجويد مَبْنِيٌّ على ما رُوِيَ عن علي أمير المؤمنين – رضي الله عنه – لمَّا سُئِلَ عن قوله:وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً ، قال : الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف “.
الموضع الثاني: في كتاب الوقف (ص132) : وهو قوله :” قال أبو حاتم : من لم يعرف الوقف لم يعلم ما يقرأ ، قال علي – رضي الله عنه – : التنزيل [ الصواب الترتيل] معرفة الوقوف وتحقيق الحروف ، وهذا القرآن نزل باللغة العربية…”.
(2) ذكره السمرقندي (ت780هـ) في موضعين أيضاً في كتابه رَوْحُ المريد في شرح العقد الفريد (تحقيق إبراهيم عواد: الجامعة الإسلامية ، بغداد 1420هـ =1999م) وهما :
الموضع الأول: في مقدمة الكتاب (ص60) ، وهو قوله :” ورُوِيَ عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم– أنه قال :” الترتيل حفظ الوقوف ، وبيان الحروف” ، وفي رواية ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :” الترتيل حفظ الوقوف ، وأداء الحروف”.
الموضع الثاني : في أول باب الوقف (ص212)، وهو قوله :ثم اعلم أن الأصل في الوقف ما سأل علي بن أبي طالب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الترتيل فقال – :” الترتيل حفظ الوقوف وأداء الحروف “، وقد ذُكِرَ في أول الكتاب”.
(3) ذكره ابن الجزري (ت833هـ) في التمهيد عند بيان معنى الترتيل (ص 60) وهو قوله : سُئِلَ علي بن أبي طالب عن هذه الآية ، فقال : الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف “.
وذكره في كتابه النشر في موضعين :
الموضع الأول : في بيان معنى الترتيل (1/209) ، وهو قوله :” وجاء عن علي – رضي الله عنه– أنه سُئِلَ عن قوله تعالى : (ورتل القرآن ترتيلاً) ، فقال : الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف “.
الموضع الثاني : في أول باب الوقف (1/225) ، وهو قوله :” ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته ، كما قدمنا عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه– قوله : الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف”.
ونَقَلَ هذا الأثر شُرَّاح المقدمة الجزرية وغيرهم من المتأخرين الذين كتبوا في علم التجويد ، أو في علم الوقف والابتداء ، ولا أجد ضرورة لنقل جميع ذلك في هذه العجالة ، لكن قبل الانتقال إلى الجانب الثاني من الموضوع ألفت نظر القارئ الكريم إلى ثلاثة أمور في هذه النصوص : الأمر الأول اختلاف المصادر في رفع الأثر أو وقفه، والثاني اختلاف المصادر في نص الأثر ، فمرة ترد فيه كلمة التجويد ، وأخرى ترد كلمة أخرى مكانها ، والأمر الثالث : ما ورد في قول الهذلي في الموضع الثاني قد يشير إلى احتمال أن يكون أبو حاتم السجستاني (ت255هـ) قد أورد الأثر في كتابه في الوقف والابتداء.
ثانياً : دلالة الأثر وما يمكن أن يستنبط منه
استدل علماء التجويد والوقف والابتداء بهذا الأثر على بيان معنى الترتيل ، وبيان أهمية معرفة موضوع الوقف والابتداء ، كما يتضح من النصوص السابقة .
وكان هذا الأثر قد استوقفني حين كنت أبحث عن تاريخٍ لظهور مصطلح التجويد بالمعنى الاصطلاحي ، ولم أكن وقفتُ عليه حين كتبتُ بحثي ( علم التجويد : نشأته ومعالمه الأولى ) سنة 1400هـ=1980م ، والذي رجحت فيه أن أول استعمال لكلمة التجويد بالمعنى الاصطلاحي كان في القرن الرابع الهجري ( تنظر ص60 من كتاب : أبحاث في علم التجويد).
ووقفت على هذا الأثر حين كتبت أطروحتي للدكتوراه سنة 1405هـ = 1985م ، وأثار لدي إشكالاً حول صحة الاستنتاج السابق بشأن تاريخ استعمال مصطلح التجويد ، ولمَّا كانت الشواهد التاريخية تدل على تأخر ظهور مصطلح التجويد حتى القرن الرابع الهجري ، فإني رجحت أن يكون النص الأصلي للأثر المذكور هو (الترتيل حفظ الوقوف ، وبيان [أو تحقيق ، أو أداء] الحروف) ، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً ، وقلت : “وهذه الرواية أقرب إلى واقع الاستخدام الاصطلاحي لكلمة التجويد” (ينظر ص16 هامش 1، من كتاب الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) .
هذه خلاصة ما عرفته عن هذا الأثر ، وما كتبته حوله من قبل…والله تعالى أعلم.