بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّـنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أجمَعينَ ، وعلى التَّابِعينَ لهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ ، أمَّـا بعدُ :
فقدْ سألَ بعضُ الإخوةِ في إحدَى منتدياتِ اللُّغةِ عنْ زِيادةِ الألفِ بعدَ واوِ الفِعْلِ المفردِ في المصحفِ العُثْمانيِّ ، كما في الفِعْلِ ( تَـتْلُوا ) في قولِه تعالى :
* (( وَاتَّـبَعُوا مَا تَـتْلُوا الشَّيَـٰطِـينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ )) .
* وقَوْلِه تعالى : (( كَذٰلِكَ أَرْسَلْنَـٰكَ فِى أُمَّـةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِها أُمَمٌ لِّـتَـتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِى أَوْحَيْنَـا إِلَيْـكَ )) .
فأجابَه بعضُ الأساتِـذةِ بِقَوْلِه :
أخي في الله
السَّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه ، وبعدُ :
فإنَّ خطَّ المصحف لا يُقاس عليه ، قالَ السيوطيُّ في ( الفريدةِ ) :
[ من الرَّجز ]
وَفِي ( لَـدَى ) الْـخُلْفُ حَكَاهُ النَّاسُ........وَالْـخَطُّ فِي الْـمُصْحَـفِ لَا يُـقَـاسُ
وقال ـ رحمَهُ اللهُ ـ في الشَّرحِ :وَفِي ( لَـدَى ) الْـخُلْفُ حَكَاهُ النَّاسُ........وَالْـخَطُّ فِي الْـمُصْحَـفِ لَا يُـقَـاسُ
( وخرج عما أصَّلنا خطَّانِ أحدُهما : رسمُ المصحف الشريف ؛ فإنه كُتِبَتْ فيه أشياءُ على خلافِ القياس السابق منها : نِعْمَت في مواضعَ بالتاء ، وكذا امرأت ، وزيد فيه الألف بعد واو الفعل المفرد وواو جمع الاسم إلى غير ذلك مما هو مُدَونٌ في كتبِ الرَّسم اتباعًا لرسْم الصحابةِ ـ رضوانُ الله تعالى عليهم أجمعين ـ .. ) اهـ .
هذا ، والله أعلمُ ، والسَّلام .
فأضَافَ أخٌ آخَـرُ :
لذلك قال ابن درستويه في كتابه ( كتاب الكتاب ) : ( خطَّان لا يُقاسان ولا يُقاسُ عليهما : خطُّ المصحف وخطُّ العَروض ) اهـ .
فنقلْتُ لهمْ ضَابطَ ذلِكَ نثْـرًا بلفْظي ومعناهُ عنِ الدَّانيِّ ـ رحمَه الله تعالى ـ :
وجامع ذٰلك كما قال العلماء :
أوَّلًا : واوُ الجمْعِ :
1ـ كلمتا ( باءُو ) و ( جاءُو ) بدون ألف حيث وقعتا في المصحف ، أصلان مطَّردان .
2ـ أربعة أحرف في مواضعَ بدون ألف :
أ ) ( فَإِن فَاءُو ) في سورة البقرة .
ب ) ( عَتَـوْ عُتُـوًّا كَبِـيرًا ) في سورة الفرقان .
ج ) ( وَالَّـذِينَ سَعَـوْ فِى ءَايَـٰـتِنَا ) في سورة سبإ .
د ) ( وَالَّذِينَ تَـبَوَّءُو الدَّارَ ) في سورة الحشْر .
ثانيًا : الواوُ الأصليَّـة :
ليسَ ثَمَّ إلَّا موضع واحد حُذفَت فيه الألفُ ، وهو قولُه تعالى في سورة النِّساءِ : ( فَأُولَـٰئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) .
وما سوى ذٰلك فأُثبِتَتْ فيه الألفُ مطلقًا ، سواءٌ في ذلك واوُ الجمعِ و واوُ الأصلِ ، وأمثلتُه كثيرةٌ جدًّا ، منها : ( ءَامَـنُوا ) ، ( نَسُوا ) ، ( تَدْعُوا ) ، ( تَأْكُلُوا ) ، ( يَـرْبُـوَا ) ، ( أَشْكُوا ) ، ( أَسَاءُوا ) ، ( أَحْسَنُوا ) ... الخ .
ثُمَّ زَعَمْتُ أنَّ الأُسْتاذَ صَاحبَ الإجابةِ الأُولى ينظِمُ هذَا الضَّابطَ في دقيقتَيْنِ فقطْ ، وهُو معرُوفٌ بِالنَّظْمِ وإتقانِه ؛ فقالَ وفَّقَـهُ اللهُ :
ألا ترى الدَّقيقتين مدَّةً قصيرةً ؟ إنَّ المفروضَ أنْ أستَوْعِبَ كلامَك أوَّلًا ثمَّ أنظمَه وأراجعَه حتَّى يأتيَ جيِّـدَ السَّبكِ ، ولعلَّك سمعتَ قولَ الشَّاعرِ :
[ من الكاملِ ]
لا تَـعْرِضَنَّ عَـلَى الـرُّوَاةِ قَصِـيـدَةً........ما لَـم تَـكُنْ بالَـغْـتَ في تهـذيـبِها
وأستطيعُ أنْ أقولُ :[ من الرَّجز ]
(بَاءُو) وَ (جَاءُو) مُطْلقًا في المصْحَفِ........جـاءَا بِــدُونِ ألِـفٍ فَـلْــتَـعْـرِفِ
وَ أحْــرُفٌ أربَـعَــةٌ قَــد رُسِــمَـتْ........كـذا لَـدَى مَـوَاضعٍ قَـدْ عُـلِـمَـتْ
و هْي : ( فَـإِن فَاءُو ) فَقـطْ بالبَـقَـرَهْ........ثُـمَّ ( سَعَـوْ ) فِي سَـبَــأٍ مُعْـتَــبَــرَهْ
( تَـبَـوَّءُو ) بِالـحَشْرِ ، فِـي الفُرقَـانِ........( عَتَـوْ ) كَذَا في المصحف العُثمَـاني
وَ إنْ تَــكُـنْ أَصْلِــيَّــةً فَــلا ألِــفْ........مِنْ بَـعْدِهَا سِوَى بمَـوضِـعٍ عُـرِفْ
وهُـوَ ( أنْ يَـعْـفُـوَ عَـنْـهُـمُ ) فَـقَـطْ........في سُورةِ الـنِّسَـاءِ فَـاحْـذَرِ الغَـلَـطْ
(بَاءُو) وَ (جَاءُو) مُطْلقًا في المصْحَفِ........جـاءَا بِــدُونِ ألِـفٍ فَـلْــتَـعْـرِفِ
وَ أحْــرُفٌ أربَـعَــةٌ قَــد رُسِــمَـتْ........كـذا لَـدَى مَـوَاضعٍ قَـدْ عُـلِـمَـتْ
و هْي : ( فَـإِن فَاءُو ) فَقـطْ بالبَـقَـرَهْ........ثُـمَّ ( سَعَـوْ ) فِي سَـبَــأٍ مُعْـتَــبَــرَهْ
( تَـبَـوَّءُو ) بِالـحَشْرِ ، فِـي الفُرقَـانِ........( عَتَـوْ ) كَذَا في المصحف العُثمَـاني
وَ إنْ تَــكُـنْ أَصْلِــيَّــةً فَــلا ألِــفْ........مِنْ بَـعْدِهَا سِوَى بمَـوضِـعٍ عُـرِفْ
وهُـوَ ( أنْ يَـعْـفُـوَ عَـنْـهُـمُ ) فَـقَـطْ........في سُورةِ الـنِّسَـاءِ فَـاحْـذَرِ الغَـلَـطْ
و مُطْـلَــقًـا بِـألِــفٍ فـي الصُّــورَهْ........فِيمَـا سِوَى الـمَوَاضِـعِ الـمَذكُورَهْ
ثمَّ قالَ :أرى النَّظمَ غيرَ رائق ، لكن للضرورة أحكام ، ولن أعود لمثلها بعد ذلك ، وإن تعجبْ فاعجبْ ؛ لقد نظمتها في دقيقتين ، وسجَّلتُها في أكثر من خمس دقائق
والسَّلام .
وهذا من تواضُعِه باركَ اللهُ فيه ، وإلَّا فالنَّظْمُ رائقٌ ومحكمٌ ، ما شاءَ اللهُ .
تعليق