حَالُ كَثيرٍ مِن النَّاسِ في اهْتِمَامِهِم بِتِلاوَةِ القُرآنِ وَتَرْكِهِم العَمَلَ بِهِ
مقطع صوتي
من شرح كتاب / لمعة الاعتقاد
الشريط السادس
الشيخ / صَالح الفوزان -حَفِظهُ الله-
التفريغ :مقطع صوتي
من شرح كتاب / لمعة الاعتقاد
الشريط السادس
الشيخ / صَالح الفوزان -حَفِظهُ الله-
يقول -جَلَّ وَعَلَا- ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾
فاطر: 29 - 30
لم يقتصر على قوله : يتلون كتاب الله بل قال﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾
لابدّ مع القراءة من العمل بالقرآن الكريم أما مجرد التلاوة للرياء ، أوللسمعة أو للمدح فهذا لا ينفع صاحبه شيئاً ؛ أو قراءة القرآن للتأكل به كما يفعل بعض المنتفعين من تأجير أنفسهم للتلاوة في المآتم والحفلات ولا لهم حرفة إلا حرفة التلاوة ! وهم من أبعد النّاس عن العمل بالقرآن بل بعضهم قد لا يصلّي ! فهو حسن التلاوة وحسن الصوت ولكنه لا يعمل بالقرآن ولا يصلّي وإنما اتخذ تلاوة القرآن حرفة يتأكّل بها ؛ هذا عليه الوعد الشديد بأنه من الذين لا يتجاوز القرآن تراقيهم ؛ يعني لا يصل إلى قلوبهم يتلونه بألسنتهم لغرض من الأغراض ولا يصل الى قلوبهم -والعِيَاذُ بِالله-
وأيضاً بعض النّاس يتلو القرآن ويتقن التلاوة ويقيمه إقامة السهم ويتقن القراءة جداً ولكن لا يفهم المعنى ، ولا يتفقّه في كتاب الله ، ولا يهتمّ بالتفسير حتى يعمل به ؛ وإنما يؤدّي اللفظ فقط وهو لا يعرف المعاني ؛ أو يستدل بالقران على غير وجهه الصحيح كما تفعل الخوارج فالخوارج من أكثر النّاس تلاوة للقرآن ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرميّة لأنهم لا يتفقهون في القرآن ولا يتعلمون معاني القرآن على الوجه المطلوب فالقرآن لا يتجاوز حناجرهم لأنهم لا يفقهونه ولا يعلمونه فلا بدّ من أمور:
أولاً : التلاوة والعناية بها
ثانياً : معرفة المعاني والتفسير ومراد الله -جَلَّ وَعَلَا- بكلامه .
ثالثاً : وهي الغاية العمل بالقرآن .
أما التلاوة وفهم المعنى فهذه وسائل لكن الغاية والمطلوب هو العمل بالقران الكريم على ما أراده الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وٱعتقاد ما فيه .
نعم هناك من يتلو القرآن ويحسن القراءة لكن يعتقد خلاف ما يدلّ عليه القرآن مثل الجهمية والمعتزلة ، والأشاعرة ؛ يقولون : القرآن ظواهر لفظية ونحن لا نبني عقيدتنا إلا على القواعد اليقينية المنطقية فهؤلاء ليسوا من أهل القرآن وإن كانوا يتقنونه لأنهم لايبنون عقيدتهم عليه وإنما يبنونها على علم الكلام فأين هؤلاء من القرآن ؟
مجرد التلاوة وتحسين التلاوة ليس هو المطلوب بل إن هذه التلاوة تكون حجة عليهم يوم القيامة كما قال -صَلّىٰ الله عَلَيهِ وَسَلّمَ- « وَالقُرْآنُ حُجّةٌ لَكَ »أَو عَلَيكَ حجّة لك إن عملت به وحجّة عليك إن لم تعمل به ؛ لم تعمل به في العقيدة ، لم تعمل به في الصلاة والصيام والحج ، لم تعمل به فيما يطلب منك من تجنب المحرمات وفعل الواجبات ؛ وكلّ على حسب وسعه وقدرته ؛ وما منّا أحد إلا عنده تقصير _استغفر الله- ولكن يجب الالتفات إلى كتاب الله والعناية به وليس المقصود التغنّي بالقرآن وتحسين الأصوات وجلب المستمعين ما هذا هو المقصود ؛
المقصود العمل ، والخشية والخوف من الله -عَزَّ وَجَلَّ- ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ الأنفال: 2
التلاوة إذا سمعها المؤمن زادته إيماناً ؛ التلاوة إذا سمعها المؤمن أبكته من خشية الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأثرت فيه ولهذا كان -صَلّىٰ الله عَلَيهِ وَسَلّمَ- إذا قرأ القرآن في الصلاة يسمع لصدره أزيز كأزيز المرْجَل من البكاء -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- ولما استمع إلى قراءة ابن مسعود من سورة النساء وصل إلى قوله : ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ النساء: 41
قال النبي حسبك يعني قف فالتفت فإذا عيناه تذرفان -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- هكذا يعمل القرآن في قلوب المؤمنين إذا سمعوه أو تلوه أثر فيهم خوفاً وخشية وبكاء وأثر فيهم عملاً صالحاً ، وقدوة صالحة ؛ أما مجرد التلاوة وتحسين التلاوة ، ومعرفة القراءات السبع والعشر هذا ليس هو المطلوب ؛ ولو أن الإنسان يتلوه بسبع القراءات ، أو عشر القراءات ليس هو المطلوب المطلوب هو العمل بالقرآن ؛ هذا هو المطلوب وهذا هو الغاية من القرآن ؛ أما تعلم القراءات وإتقان التلاوة إنما هذه وسائل فقط .