بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا موضوعٌ أحببتُ أن أتحدث فيه عن مسألةٍ دقيقةٍ مِن مسائل علم التجويد, وهي مسألةٌ كثُرَ الكلام حولَها في زماننا, وأشكلتْ على كثيرٍ مِن الطلبة, ألا وهي: (مراتب التفخيم لحروف الاستعلاء) أو(درجات التفخيم لحروف الاستعلاء).
إن تفخيمَ حروفِ الاستعلاء(1) ليس على درجةٍ واحدةٍ في القوّة؛ وإنما يختلفُ باختلاف الحركات.
وأوّل مَن تحدّث عن مراتب التفخيم لحروف الاستعلاء –فيما يذكُرُ كثيرٌ من الباحثين- هو أبو الأصبغ عبد العزيز بن علي بن الطحّان الأندلسي (ت560), وقد لخَّصَ مذهَبَه الإمامُ ابنُ الجزري في كتابه: "التمهيد في علم التجويد"؛ فقال: "قال ابنُ الطحان الأندلسي في "تجويده": "المفخمات على ثلاثةِ أَضْرُب:
- ضَرْبٌ يتمكن التفخيم فيه, وذلك إذا كان أحدُ حروفِ الاستعلاء مفتوحًا.
- وضربٌ يكون دون ذلك, وهو أن يقع حرف منها مضمومًا.
- وضرب دون ذلك, وهو أن يكون حرفٌ منها مكسورًا". اهـ.
قلت: وهذا قولٌ حسنٌ, غيرَ أني أختارُ أن تكون على خمسة أضرب:
- ضَرْبٌ يتمكن فيه التفخيم, وهو أن يكون بعد حرف الاستعلاء ألِفٌ.
- وضربٌ دون ذلك, وهو أن يكون مفتوحًا.
- ودونَه, وهو أن يكون مضمومًا.
- ودونه, وهو أن يكون ساكنًا.
- ودونَه, وهو أن يكون مكسورًا". انتهى كلام الإمام ابن الجزري, وهو مِن كتابه: "التمهيد" (ص127), تحقيق د. غانم قَدُّوري الحَمَد.
فابنُ الجزري جعل المفتوحَ مرتبتين, وأضاف مرتبةَ الساكنِ التي لم يتعرض للكلام عليها ابنُ الطحان.
ومذهبُ ابنِ الجزري هذا هو أحسنُ المذاهب في هذه المسألة؛ فهو مذهبٌ مُحرَّرٌ دقيقٌ, يَشهَدُ لصحتِه الواقعُ المشاهَدُ والنظرُ الصحيحُ(2), والقائلُ به هو إمامُ الفن, والذي عُرِفَ بدقَّتِه, وإتقانِه, ورسوخِ قدَمِه في هذا الفن.
بينما مَذهبُ الذين قالوا بأن الحرفَ الساكنَ ليس له مرتبة مستقلةٌ؛ وإنما يتبَعُ الحرفَ الذي قبْلَه؛ فإن كان ما قبلَه مفتوحًا فهو في المرتبة الأولى مِن مراتب التفخيم, وإن كان ما قبلَه مضمومًا فهو في المرتبة الثانية, وإن كان ما قبله مكسورا فهو في المرتبة الثالثة – مذهبُ هؤلاءِ يعوزه التحرير والدقة, ولا يشهدُ له الواقعُ المشاهَد والنظرُ الصحيح.
وأقدَمُ مَن ذَكَرَ هذا المذهب(3) –فيما أعلم- هو محمد بن أحمد المتولي (ت1313هـ) شيخُ القراء والمقارئ المصرية في زمنه, قال:
ثُمَّ المفخّماتُ عنهم آتِـيَـــــــــــهْ *** على مراتبٍ ثلاثٍ وَهِيــــَــــهْ
مفتوحُها ، مضمومُها, مكسورُها *** وتابِعٌ ما قَبْلَهُ ســــــــــاكِنُهَا
فَمَا أتَى من قَبْلِهِ من حَرَكَــــــــهْ *** فافرِضْهُ مُشْكَلاً بتلك الحركهْ
وتبنَّى هذا المذهبَ واعتمَدَه في الإقراء, وعندَئذٍ أصبحَ يَجِدُ أن ثمة كلماتٌ تُلُقِّيَتْ بما يتعارض مع هذا التقعيد؛ فأصبح يعدِّلُ على القاعدة ويستثني منها, وبالرغم من هذا فلا يزال هذا التقعيدُ غيرَ محرَّرٍ وغيرَ دقيقٍ؛ فإن القائلين به –على سبيل المثال- لا يجعلون القافَ مِن: {بمقدار} و{اقتربت} و{شِقوتنا} {نُذِقه} والطاءَ مِن: {فمنِ اضطُرَّ} والصاد مِن: {مِصْرًا} و{إصرًا} والراءَ مِن: {ارجعوا} في درجة المكسور, ولا يجعلون القافَ من: {مقتدِر} و{سُقناه} ولا الطاءَ مِن: {تُظهِرون} في درجة المضموم, ولا يجعلون القافَ مِن: {يقتلون} في درجة المفتوح..., إلى غير ذلك مِن الأمثلة, بل إنك لو قرأتَ على أكثرِ هؤلاء بهذا لخَطَّؤوك هم أنفسُهم! فماذا يقال هنا؟
ثم كيفَ نجعل الساكن كالمفتوح أو المضموم أو المكسور وكميةُ الهواء التي تملأ الفم ليست متساوية في هذه الحالات؟!
إذا عرفنا ما سبق؛ نأتي لمسألتين دقيقتين أُخرَيَيْن:
المسألة الأولى- أن حروف التفخيم -كما هو معروف- منها ما هو مستعلٍ ومطبق في الوقت ذاته (وهي: الصاد, والضاد, والطاء, والظاء), ومنها ما هو مستعل فقط (وهي: القاف, والغين, والخاء).
أما الأولى فدائمًا نفخيمُها أقوى من الثانية في جميع مراتب التفخيم, فالمفتوح من الأولى أقوى من المفتوح من الثانية... وهكذا, وذلك لأن في الأولى صفةَ قوةٍ زائدةً؛ هي الإطباق, وهي من الصفات التي ينتج عنها التفخيم, ولذا فهي تُبقِي حروفَ النوعِ الأولِ أقوى تفخيمًا من حروف النوع الثاني.
وبالنسبة لبقاء التفخيم مِن عدمِه؛ فالتفخيم لا يفارق حروفَ الاستعلاء مطلقًا, حتى في حالة الكسر يبقى, لكنه يَضْعُف, ولذا نقول: إن حرفَ الاستعلاءِ المكسورَ يكون في أدنى درجات التفخيم, ولا نقول: إنه مرقق. وفي هذا يقول المتولي:
فهي وإن تَكُنْ بأدنى منزلهْ ** فخيمةٌ -قَطْعًا- مِن المستفِلهْ
فلا يقال: إنها رقيقهْ ** كضدها. تلك هي الحقيقهْ
وبهذا البيانِ –إن شاء الله- يزول استشكالُ بعضِ الطلبةِ الذين إذا سَمِعوا صَوْتَ حروفِ الاستعلاءِ المطبَقَةِ قويًّا نسبيًّا حالةَ كسرِها ظنوا أن هذه الحروفَ يكون تفخيمُها في درجةٍ واحدة في كل حالاتِها.
المسألة الثانية- أن الغنة تتبعُ الحرفَ الذي بعدها تفخيمًا وترقيقًا.
وهذا الذي ذكرته كلُّه هو التفسير النظري, وأما التطبيق فلابد فيه من المشافهة.
وبهذا أكون قد انتهيتُ مما أردتُ بيانَه, فما كان فيما كتبتُ مِن صوابٍ فمن الله, وما كان مِن خطأ فمني ومن الشيطان وأستعفر الله من ذلك.
والله -تعالى- أعلم.
كتبه
علي بن أمير المالكي
_______________________
(1) وتُلحَقُ بها في ذلك حروفُ الاستفال التي تفخم أحيانًا -حين تفخَّمُ-.
(2) حيثُ إن قوة التفخيم تعتمد على كمية الهواء التي تملأ الفم حال النطق بالحرف؛ فإنه كلما زادت كمية هذا الهواء زاد صدى الحرف داخل الفم. ونحن عندما ننطق بحرف مفتوح نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف بحرف مضموم, وعندما ننطق بحرف مضموم نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف ساكن, وعندما ننطق بحرف ساكن نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف مكسور, وكل هذا يرجع إلى كمية الفراغ المتاح في الفم ليملأه الهواء.
وهذه الصورة تبين لنا الاختلاف في كمية الهواء التي تملأُ الفم عند النطق بالحركات الثلاث:
ولم يتيسر لي الحصول على لوحةٍ تبين كمية الهواء الذي يملأ الفم عند النطق بالحرف الساكن, ولكن هو بين حالةِ المضموم والمكسور –كما ذكر الإمام ابن الجزري وجمعٌ مِن المحققين-.
وأيضًا في المفتوح الذي بعدَهُ ألِفٌ يكون التفخيم أكثر بقليل من الذي ليس بعده ألف؛ لوجود الألف بعد الأوّل, والتي تجعله يأخذ حظًا أكبر مِن كمية الهواء, وبالتالي تزداد قوة التفخيم فيه أكثر من الذي لا يتلوه ألف.
(3) وَلَمْ أقُلْ: أول مَن قال بهذا المذهب, وذلك لأني ألْمَحُ في كلام المتولي ما يشعِر بأنه سُبِقَ به؛ حيثُ إنه قال:
ثم المفخَّماتُ عنهم آتِيهْ *** على مراتبٍ ثلاثٍ وَهِيَهْ
فقوله: (عنهم) يُشعِرُ بأنه ناقلٌ لهذا المذهب عن مشايخ قَبْلَه وليس قائلاً به ابتداءً.
فإن صحَّ استنتاجي هذا فَبها, وإلا فهو أقدمُ مَن ذكر هذا –فيما أعلم-.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا موضوعٌ أحببتُ أن أتحدث فيه عن مسألةٍ دقيقةٍ مِن مسائل علم التجويد, وهي مسألةٌ كثُرَ الكلام حولَها في زماننا, وأشكلتْ على كثيرٍ مِن الطلبة, ألا وهي: (مراتب التفخيم لحروف الاستعلاء) أو(درجات التفخيم لحروف الاستعلاء).
إن تفخيمَ حروفِ الاستعلاء(1) ليس على درجةٍ واحدةٍ في القوّة؛ وإنما يختلفُ باختلاف الحركات.
وأوّل مَن تحدّث عن مراتب التفخيم لحروف الاستعلاء –فيما يذكُرُ كثيرٌ من الباحثين- هو أبو الأصبغ عبد العزيز بن علي بن الطحّان الأندلسي (ت560), وقد لخَّصَ مذهَبَه الإمامُ ابنُ الجزري في كتابه: "التمهيد في علم التجويد"؛ فقال: "قال ابنُ الطحان الأندلسي في "تجويده": "المفخمات على ثلاثةِ أَضْرُب:
- ضَرْبٌ يتمكن التفخيم فيه, وذلك إذا كان أحدُ حروفِ الاستعلاء مفتوحًا.
- وضربٌ يكون دون ذلك, وهو أن يقع حرف منها مضمومًا.
- وضرب دون ذلك, وهو أن يكون حرفٌ منها مكسورًا". اهـ.
قلت: وهذا قولٌ حسنٌ, غيرَ أني أختارُ أن تكون على خمسة أضرب:
- ضَرْبٌ يتمكن فيه التفخيم, وهو أن يكون بعد حرف الاستعلاء ألِفٌ.
- وضربٌ دون ذلك, وهو أن يكون مفتوحًا.
- ودونَه, وهو أن يكون مضمومًا.
- ودونه, وهو أن يكون ساكنًا.
- ودونَه, وهو أن يكون مكسورًا". انتهى كلام الإمام ابن الجزري, وهو مِن كتابه: "التمهيد" (ص127), تحقيق د. غانم قَدُّوري الحَمَد.
فابنُ الجزري جعل المفتوحَ مرتبتين, وأضاف مرتبةَ الساكنِ التي لم يتعرض للكلام عليها ابنُ الطحان.
ومذهبُ ابنِ الجزري هذا هو أحسنُ المذاهب في هذه المسألة؛ فهو مذهبٌ مُحرَّرٌ دقيقٌ, يَشهَدُ لصحتِه الواقعُ المشاهَدُ والنظرُ الصحيحُ(2), والقائلُ به هو إمامُ الفن, والذي عُرِفَ بدقَّتِه, وإتقانِه, ورسوخِ قدَمِه في هذا الفن.
بينما مَذهبُ الذين قالوا بأن الحرفَ الساكنَ ليس له مرتبة مستقلةٌ؛ وإنما يتبَعُ الحرفَ الذي قبْلَه؛ فإن كان ما قبلَه مفتوحًا فهو في المرتبة الأولى مِن مراتب التفخيم, وإن كان ما قبلَه مضمومًا فهو في المرتبة الثانية, وإن كان ما قبله مكسورا فهو في المرتبة الثالثة – مذهبُ هؤلاءِ يعوزه التحرير والدقة, ولا يشهدُ له الواقعُ المشاهَد والنظرُ الصحيح.
وأقدَمُ مَن ذَكَرَ هذا المذهب(3) –فيما أعلم- هو محمد بن أحمد المتولي (ت1313هـ) شيخُ القراء والمقارئ المصرية في زمنه, قال:
ثُمَّ المفخّماتُ عنهم آتِـيَـــــــــــهْ *** على مراتبٍ ثلاثٍ وَهِيــــَــــهْ
مفتوحُها ، مضمومُها, مكسورُها *** وتابِعٌ ما قَبْلَهُ ســــــــــاكِنُهَا
فَمَا أتَى من قَبْلِهِ من حَرَكَــــــــهْ *** فافرِضْهُ مُشْكَلاً بتلك الحركهْ
وتبنَّى هذا المذهبَ واعتمَدَه في الإقراء, وعندَئذٍ أصبحَ يَجِدُ أن ثمة كلماتٌ تُلُقِّيَتْ بما يتعارض مع هذا التقعيد؛ فأصبح يعدِّلُ على القاعدة ويستثني منها, وبالرغم من هذا فلا يزال هذا التقعيدُ غيرَ محرَّرٍ وغيرَ دقيقٍ؛ فإن القائلين به –على سبيل المثال- لا يجعلون القافَ مِن: {بمقدار} و{اقتربت} و{شِقوتنا} {نُذِقه} والطاءَ مِن: {فمنِ اضطُرَّ} والصاد مِن: {مِصْرًا} و{إصرًا} والراءَ مِن: {ارجعوا} في درجة المكسور, ولا يجعلون القافَ من: {مقتدِر} و{سُقناه} ولا الطاءَ مِن: {تُظهِرون} في درجة المضموم, ولا يجعلون القافَ مِن: {يقتلون} في درجة المفتوح..., إلى غير ذلك مِن الأمثلة, بل إنك لو قرأتَ على أكثرِ هؤلاء بهذا لخَطَّؤوك هم أنفسُهم! فماذا يقال هنا؟
ثم كيفَ نجعل الساكن كالمفتوح أو المضموم أو المكسور وكميةُ الهواء التي تملأ الفم ليست متساوية في هذه الحالات؟!
إذا عرفنا ما سبق؛ نأتي لمسألتين دقيقتين أُخرَيَيْن:
المسألة الأولى- أن حروف التفخيم -كما هو معروف- منها ما هو مستعلٍ ومطبق في الوقت ذاته (وهي: الصاد, والضاد, والطاء, والظاء), ومنها ما هو مستعل فقط (وهي: القاف, والغين, والخاء).
أما الأولى فدائمًا نفخيمُها أقوى من الثانية في جميع مراتب التفخيم, فالمفتوح من الأولى أقوى من المفتوح من الثانية... وهكذا, وذلك لأن في الأولى صفةَ قوةٍ زائدةً؛ هي الإطباق, وهي من الصفات التي ينتج عنها التفخيم, ولذا فهي تُبقِي حروفَ النوعِ الأولِ أقوى تفخيمًا من حروف النوع الثاني.
وبالنسبة لبقاء التفخيم مِن عدمِه؛ فالتفخيم لا يفارق حروفَ الاستعلاء مطلقًا, حتى في حالة الكسر يبقى, لكنه يَضْعُف, ولذا نقول: إن حرفَ الاستعلاءِ المكسورَ يكون في أدنى درجات التفخيم, ولا نقول: إنه مرقق. وفي هذا يقول المتولي:
فهي وإن تَكُنْ بأدنى منزلهْ ** فخيمةٌ -قَطْعًا- مِن المستفِلهْ
فلا يقال: إنها رقيقهْ ** كضدها. تلك هي الحقيقهْ
وبهذا البيانِ –إن شاء الله- يزول استشكالُ بعضِ الطلبةِ الذين إذا سَمِعوا صَوْتَ حروفِ الاستعلاءِ المطبَقَةِ قويًّا نسبيًّا حالةَ كسرِها ظنوا أن هذه الحروفَ يكون تفخيمُها في درجةٍ واحدة في كل حالاتِها.
المسألة الثانية- أن الغنة تتبعُ الحرفَ الذي بعدها تفخيمًا وترقيقًا.
وهذا الذي ذكرته كلُّه هو التفسير النظري, وأما التطبيق فلابد فيه من المشافهة.
وبهذا أكون قد انتهيتُ مما أردتُ بيانَه, فما كان فيما كتبتُ مِن صوابٍ فمن الله, وما كان مِن خطأ فمني ومن الشيطان وأستعفر الله من ذلك.
والله -تعالى- أعلم.
كتبه
علي بن أمير المالكي
_______________________
(1) وتُلحَقُ بها في ذلك حروفُ الاستفال التي تفخم أحيانًا -حين تفخَّمُ-.
(2) حيثُ إن قوة التفخيم تعتمد على كمية الهواء التي تملأ الفم حال النطق بالحرف؛ فإنه كلما زادت كمية هذا الهواء زاد صدى الحرف داخل الفم. ونحن عندما ننطق بحرف مفتوح نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف بحرف مضموم, وعندما ننطق بحرف مضموم نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف ساكن, وعندما ننطق بحرف ساكن نجد أن كمية الهواء التي تملأ الفم أكبر من كمية الهواء التي تملؤه عند النطق بحرف مكسور, وكل هذا يرجع إلى كمية الفراغ المتاح في الفم ليملأه الهواء.
وهذه الصورة تبين لنا الاختلاف في كمية الهواء التي تملأُ الفم عند النطق بالحركات الثلاث:
ولم يتيسر لي الحصول على لوحةٍ تبين كمية الهواء الذي يملأ الفم عند النطق بالحرف الساكن, ولكن هو بين حالةِ المضموم والمكسور –كما ذكر الإمام ابن الجزري وجمعٌ مِن المحققين-.
وأيضًا في المفتوح الذي بعدَهُ ألِفٌ يكون التفخيم أكثر بقليل من الذي ليس بعده ألف؛ لوجود الألف بعد الأوّل, والتي تجعله يأخذ حظًا أكبر مِن كمية الهواء, وبالتالي تزداد قوة التفخيم فيه أكثر من الذي لا يتلوه ألف.
(3) وَلَمْ أقُلْ: أول مَن قال بهذا المذهب, وذلك لأني ألْمَحُ في كلام المتولي ما يشعِر بأنه سُبِقَ به؛ حيثُ إنه قال:
ثم المفخَّماتُ عنهم آتِيهْ *** على مراتبٍ ثلاثٍ وَهِيَهْ
فقوله: (عنهم) يُشعِرُ بأنه ناقلٌ لهذا المذهب عن مشايخ قَبْلَه وليس قائلاً به ابتداءً.
فإن صحَّ استنتاجي هذا فَبها, وإلا فهو أقدمُ مَن ذكر هذا –فيما أعلم-.