الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وصحبه و التابعين ، أما بعدُ :
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية. وقوله: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ}. قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء. إلى أن الحج ماشياً لمن قدر عليه أفضل من الحج راكباً، لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم: وقال وكيع، عن أبي العميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: ما آسى على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً، لأن الله يقول {يَأْتُوكَ رِجَالاً}.
والذي عليه الأكثرون: أن الحج راكباً أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكباً مع كمال قوته صلى الله عليه وسلم. انتهى منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: اعلم أنه قد تقرر في الأصول: أن منشأ الخلاف في هذه المسألة، التي هي: هل الركوب في الحج. أفضل، أو المشي؟ ونظائرها كون أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل للتشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقرباً لله، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك للتشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب. والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع، ولكنه يدل على الجواز.
القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي، والتشريع كأفعال الصلاة، وأفعال الحج مع قوله: «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي». وقوله: «خذوا عني مناسكم».
القسم الثالث: وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها، أو في وسيلتها كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للجبلة، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه: ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال: «خذوا عني مناسككم». ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد. والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر، وصلاة الصبح، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد، والخروج من كدى بالضم والقصر. والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك.
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
وفعله المركوز في الجبلة ** كالأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف والذي احتمل ** شرعاً ففيه قل تردد حصل
فالحج راكباً عليه يجري ** كضجعةٍ بعد صلاة الفجر
ومشهور مذهب مالك: أن الركوب في الحج أفضل، إلا في الطواف والسعي، فالمشي فيهما واجب. وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي وغيرهما.
أضواء البيان، تفسير سورة الحج
للإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية. وقوله: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ}. قد يستدل بهذه الآية من ذهب من العلماء. إلى أن الحج ماشياً لمن قدر عليه أفضل من الحج راكباً، لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم: وقال وكيع، عن أبي العميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: ما آسى على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً، لأن الله يقول {يَأْتُوكَ رِجَالاً}.
والذي عليه الأكثرون: أن الحج راكباً أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكباً مع كمال قوته صلى الله عليه وسلم. انتهى منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: اعلم أنه قد تقرر في الأصول: أن منشأ الخلاف في هذه المسألة، التي هي: هل الركوب في الحج. أفضل، أو المشي؟ ونظائرها كون أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل للتشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقرباً لله، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك للتشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب. والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع، ولكنه يدل على الجواز.
القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي، والتشريع كأفعال الصلاة، وأفعال الحج مع قوله: «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي». وقوله: «خذوا عني مناسكم».
القسم الثالث: وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها، أو في وسيلتها كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للجبلة، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه: ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال: «خذوا عني مناسككم». ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد. والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر، وصلاة الصبح، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد، والخروج من كدى بالضم والقصر. والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك.
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
وفعله المركوز في الجبلة ** كالأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف والذي احتمل ** شرعاً ففيه قل تردد حصل
فالحج راكباً عليه يجري ** كضجعةٍ بعد صلاة الفجر
ومشهور مذهب مالك: أن الركوب في الحج أفضل، إلا في الطواف والسعي، فالمشي فيهما واجب. وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي وغيرهما.
أضواء البيان، تفسير سورة الحج
للإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى