قال الإمام ابن جرير - رحمه الله - في "تفسيره" (2/ 97 - 101 ط. الرسالة, ت. شاكر):
"فإن قال قائل: وما سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم؟
قيل: قد اختلف أهل العلم في ذلك . ونحن ذاكرون ما حضرنا منه: -
991 - فحدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي: لما تاب الله على قوم موسى، (1) وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم ، أمرهم الله بالسير إلى أريحا ، (2) وهي أرض بيت المقدس . فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا . فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى، ما قد قص الله في كتابه . (3)
__________
(1) في المخطوطة : "على موسى" بحذف"قوم" .
(2) في المطبوعة : "بالمسير" ، وهما سواء .
(3) هذا اختصار ، وتفصيله في التاريخ في موضعه ، كما سيأتي في موضعه من ذكره مراجعه .
(2/97)
فقال قوم موسى لموسى:(اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون). فغضب موسى فدعا عليهم فقال:(رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين). فكانت عَجْلَةً من موسى عجلها، فقال الله تعالى:(إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض). فلما ضرب عليهم التيه، ندم موسى ، وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له: ما صنعت بنا يا موسى؟ فلما ندم، أوحى الله إليه: أن لا تأس على القوم الفاسقين - أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين - فلم يحزن، فقالوا: يا موسى كيف لنا بماء ههنا ؟ أين الطعام؟ فأنزل ألله عليهم المن - فكان يسقط على شجر الترنجبين (1) - والسلوى = وهو طير يشبه السمانى = فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، إن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه . فقالوا: هذا الطعام ، فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين . فقالوا: هذا الطعام والشراب؟ فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام. فقالوا: هذا الظل، فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرق لهم ثوب ، فذلك قوله:(وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) وقوله:( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ). [البقرة: 60] (2)
992 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل ، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، (3) وقال: إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها، وجاهد من فيها من العدو، فإني ناصركم
__________
(1) في المخطوطة وحدها : "الزنجبيل" . وانظر ما مضى : 92 .
(2) الأثر : 991 - في تاريخ الطبري 1 : 221 - 222 .
(3) في المخطوطة : "أن يسبق بهم" ، وأراد الناسخ أن يصححها في الهامش ، فكتب"-" ولم يتمها .
(2/9
عليهم. فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل. حتى إذا نزل التيه -بين مصر والشام، وهي أرض ليس فيها خَمَر ولا ظل (1) - دعا موسى ربه حين آذاهم الحر ، فظلل عليهم بالغمام ؛ ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله لهم المن والسلوى .
993 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس -
994 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع (2) قوله:(وظللنا عليكم الغمام)، قال: ظلل عليهم الغمام في التيه، تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة ، (3) كلما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه . فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة . (4) قال: وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى، ولا تبلى ثيابهم. ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
995 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال، سمعت وهبا يقول: إن بني إسرائيل -لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض- شكوا إلى موسى فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون . قالوا: من أين لنا؟ إلا أن يمطر علينا خبزا! قال: إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا . فكان ينزل عليهم المن - سئل وهب: ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة أو
__________
(1) الخمر (بفتحتين) : كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره .
(2) هذا الإسناد الثاني ساقط من المخطوطة .
(3) في المخطوطة : "فإذا هو في قدر" مصفحة ، وانظر تفسير الطبري 6 : 116 - 117 ، 119 (بولاق) وقوله : "قدر" ليست في المطبوعة .
(4) في المخطوطة : "حتى قمرت أربعين سنة" محرفا .
(2/99)
مثل النقيّ - (1) قالوا: وما نأتدم؟ وهل بد لنا من لحم؟ قال: فإن الله يأتيكم به . فقالوا: من أين لنا؟ إلا أن تأتينا به الريح! قال: فإن الريح تأتيكم به. فكانت الريح تأتيهم بالسلوى - فسئل وهب: ما السلوى؟ قال: طير سمين مثل الحمام، (2) كانت تأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت - (3) قالوا: فما نلبس؟ قال: لا يخلق لأحد منكم ثوب أربعين سنة . قالوا: فما نحتذي؟ قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة. (4) قالوا: فإن يولد فينا أولاد، فما نكسوهم؟ (5) قال: ثوب الصغير يشب معه . قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله . قالوا: فمن أين؟ إلا أن يخرج لنا من الحجر ! فأمر الله تبارك وتعالى موسى أن يضرب بعصاه الحجر . قالوا: فما نبصر! تغشانا الظلمة! (6) فضرب لهم عمودا من نور في وسط عسكرهم، أضاء عسكرهم كله ، قالوا: فبم نستظل؟ فإن الشمس علينا شديده! قال: يظلكم الله بالغمام . (7) .
996 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد ، فذكر نحو حديث موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي .
997 - حدثني القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قال عبد الله بن عباس: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق
__________
(1) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 972
(2) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 984
(3) في المطبوعة : "من السبت إلى السبت" .
(4) الشسع : أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين
(5) في المطبوعة : "فإن فينا أولادا" .
(6) في المطبوعة : "فبم نبصر" .
(7) الأثر : 995 - إسحاق : هو ابن راهويه الإمام الكبير . إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل ابن منبه الصنعاني : ثقة ، مترجم في التهذيب ، ترجمة البخاري 1 /1 /367 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 /187 . وهو يروي هنا عن عمه : عبد الصمد بن معقل بن منبه ، وهو ثقة أيضًا ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 /50 . وعبد الصمد يروى عن عمه : وهب بن منبه ، هذا الأثر .
(2/100)
ولا تدرن . (1) قال، وقال ابن جريج: إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت، فلا يصبح فاسدا.
..................................................
__________
(1) درن الثوب يدرن درنا فهو درن وأدرن : تلطخ بالوسخ .
"فإن قال قائل: وما سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم؟
قيل: قد اختلف أهل العلم في ذلك . ونحن ذاكرون ما حضرنا منه: -
991 - فحدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي: لما تاب الله على قوم موسى، (1) وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم ، أمرهم الله بالسير إلى أريحا ، (2) وهي أرض بيت المقدس . فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا . فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى، ما قد قص الله في كتابه . (3)
__________
(1) في المخطوطة : "على موسى" بحذف"قوم" .
(2) في المطبوعة : "بالمسير" ، وهما سواء .
(3) هذا اختصار ، وتفصيله في التاريخ في موضعه ، كما سيأتي في موضعه من ذكره مراجعه .
(2/97)
992 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال: لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل ، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، (3) وقال: إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها، وجاهد من فيها من العدو، فإني ناصركم
__________
(1) في المخطوطة وحدها : "الزنجبيل" . وانظر ما مضى : 92 .
(2) الأثر : 991 - في تاريخ الطبري 1 : 221 - 222 .
(3) في المخطوطة : "أن يسبق بهم" ، وأراد الناسخ أن يصححها في الهامش ، فكتب"-" ولم يتمها .
(2/9
993 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس -
994 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع (2) قوله:(وظللنا عليكم الغمام)، قال: ظلل عليهم الغمام في التيه، تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة ، (3) كلما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه . فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة . (4) قال: وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى، ولا تبلى ثيابهم. ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
995 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال، سمعت وهبا يقول: إن بني إسرائيل -لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض- شكوا إلى موسى فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون . قالوا: من أين لنا؟ إلا أن يمطر علينا خبزا! قال: إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا . فكان ينزل عليهم المن - سئل وهب: ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة أو
__________
(1) الخمر (بفتحتين) : كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره .
(2) هذا الإسناد الثاني ساقط من المخطوطة .
(3) في المخطوطة : "فإذا هو في قدر" مصفحة ، وانظر تفسير الطبري 6 : 116 - 117 ، 119 (بولاق) وقوله : "قدر" ليست في المطبوعة .
(4) في المخطوطة : "حتى قمرت أربعين سنة" محرفا .
(2/99)
996 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد ، فذكر نحو حديث موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي .
997 - حدثني القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قال عبد الله بن عباس: خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق
__________
(1) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 972
(2) هذه الجملة سلفت في الأثر رقم : 984
(3) في المطبوعة : "من السبت إلى السبت" .
(4) الشسع : أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين
(5) في المطبوعة : "فإن فينا أولادا" .
(6) في المطبوعة : "فبم نبصر" .
(7) الأثر : 995 - إسحاق : هو ابن راهويه الإمام الكبير . إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل ابن منبه الصنعاني : ثقة ، مترجم في التهذيب ، ترجمة البخاري 1 /1 /367 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 /187 . وهو يروي هنا عن عمه : عبد الصمد بن معقل بن منبه ، وهو ثقة أيضًا ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 /50 . وعبد الصمد يروى عن عمه : وهب بن منبه ، هذا الأثر .
(2/100)
..................................................
__________
(1) درن الثوب يدرن درنا فهو درن وأدرن : تلطخ بالوسخ .