الحمد لله رب العالمين, و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و من سار على نهجهم و اقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه لا يخفى مكانة القرآن الكريم و منزلته بين سائر الكتب المنزلة من عند الله تعالى, ﻓ"هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن كثرة الترديد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء, من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم ومن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله" .
و هذا الكتاب العظيم محفوظ في صدور العلماء حقاً, ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ . أي: ليس هذا القرآن كما يقوله المبطلون من أنه سحر أو شعر، ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه. وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون به، يحفظونه ويقرءونه. ووصفهم بالعلم، لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله وكلام البشر والشياطين . يحفظه العلماء، يَسَّره الله عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ . فهو يسير على من يسره الله تعالى, إلا أنه إذا لم يُتعاهد ذهب ما كان يحفظ منه. و لعل الحكمة في سرعة ذهابه و نسيانه هو ربط العباد بكلام رب العباد كي يحافظوا عليه تلاوةً و حفظاً فيحصلوا على أجر عظيم. كيف لا و هو كلام رب العالين!
و في هذا البحث أتناول بالدراسة الحديثين وردا في الوعيد لمن نسي القرآن بعد حفظه, أحدهما في الصحيحين - و ليس بصريح - , و الثاني في غيرهما - و ليس بصحيح - .
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة و فصلين.
المقدمة: و فيها بيان خطة البحث, و المنهج المتبع فيه.
الفصل الأول: دراسة الحديثين الواردين في ذم من نسي القرآن بعد أن حفظه, و فيه مبحثان:
المبحث الأول: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ", و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه
المطلب الثاني: غريبه
المبحث الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا", و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه
المطلب الثاني: غريبه
الفصل الثاني: دراسة فقهية
منهج البحث:
1) جمعت طرق الحديث من مصادر السنة المختلفة
2) عزوت الآيات الواردة في البحث إلى مواضعها من المصحف الكريم, ذاكراً اسم السورة و رقم الآية
3) خرجت الحديثين المراد دراستهما من كتب السنة المسندة – غير مستوعبٍ –
4) ترجمت لرواة أسانيد الحديث الثاني
5) ترجمت لبعض الأعلام غير المشهورين الذين ورد ذكرهم أثناء البحث
6) وثقت النقول من مصادرها الأصلية
7) بينت معاني الكلمات الغريبة
وضعت قائمة المصادر و المراجع
الفصل الأول
دراسة الحديثين الواردين في ذم من نسي القرآن بعد أن حفظه
و فيه مبحثان:
المبحث الأول
﴿حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ"﴾
و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه:
هو حديث طويل أخرجه البخاري , و مسلم , و الترمذي , و النسائي و الإمام أحمد من طرق عن جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عن سَمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. و لفظ الحديث – كما في البخاري- : "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ قَالَ : فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَاهُنَا ، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللهِ ، مَا هَذَانِ ؟ قَالَ : قَالاَ لِي : انْطَلِقْ...الخ و فيه: "أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُِضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ" الحديث. و في لفظ لأحمد: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ مُسْتَلْقِيًا، فَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ يُفْعَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
و أخرجه محمد بن نصر المروزي من طريق أبي خلدة عن أبي رجاء عن سمرة بلفظ آخر: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فقال : إني رأيت الليلة رؤيا ، بينا أنا نائم إذ جاء رجل فقال لي : قم ، فقمت ، فقال : امض أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا برجلين رجل نائم ، وآخر قائم ، فإذا هو يجيء بحجارة فيضرب بها رأس النائم فيشدخه فإلى أن يجيء بحجر آخر قد ارتد رأسه كما كان ، قلت : سبحان الله : ما هذا ؟ قال : رجل تعلم القرآن فنام عنه حتى نسيه لا يقرأ منه شيئا ، كلما رقد في القبر أوقذه بالحجارة".
المطلب الثاني: غريبه:
قوله " فَيثْلَغُ رَأْسهُ" - يعني يشدخه، يقال: ثلغت رأسه فأنا أثلغه ثلغا إذا شدخته, وقيل هو ضَرْبُك الشَّيء الرَّطْبَ بالشيء اليابس حتى يَنْشَدِخ. و الثَّلْغُ: الهَشْم, والمُثَلَّغ من الرطب أو التمر: الذي أصابه المطر فأسقطه ودقَّه، يقال: تَنَاثَرَت الثمار فَثُلِّغَت, والانْثِلاَغُ: الانْشدَاخُ .
قوله " فَيَتَدَهْدَه " - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا هَاء سَاكِنَة, يعني يتدحرج, يقال منه: تدهدا الحجر وغيره تدهديا إذا تدحرج ودَهديته أنا أدَهديه دهداة ودهداء إذا دحرجته. وَالْمُرَاد أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ عُلْو إِلَى أَسْفَل ، وَتَدَهْدَهَ إِذَا انْحَطَّ .
قوله " فَيَرْفُِضُهُ" - بِكَسْرِ الْفَاء وَضَمّهَا, أي يتركه
المبحث الثاني
﴿حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا"﴾
و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه:
أخرجه الترمذي , و أبو داود , و أبو يعلى الموصلي , و الفاكهي , و أبو عبيد القاسم بن سلام , و البيهقي , و الخطيب , و البغوي , و غيرهم من طريق عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن حنطب عن أنس بن مالك.
و أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن أنس.
و أخرجه الطبراني من طريق محمد بن يزيد الآدمي عن ابن أبي رواد عن ابن جريج عن الزهري عن أنس.
رجال إسناده موثقون إلا أن الحديث ضعيف لأربع علل:
الأولى: تدليس ابن جريج . قال عبد الله بن علي بن المديني: "سألت أبي عن حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن بن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد", قال: "ابن جريج لم يسمع من المطلب بن عبد الله بن حنطب كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى عنه" . و قال الدارقطني: "كان يدلسه عن ابن ميسرة وغيره من الضعفاء" .
الثانية: المطلب لم يسمع من أنس. قال الترمذي بعد إخراجه للحديث: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه قال محمد: "ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إلا قوله: "حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه و سلم", قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: "لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم, قال عبد الله: "وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس" .
الثالثة: الاختلاف في إسناده على ابن أبي رواد و على ابن جريج.
الرابعة: و هي علة في المتن, فإن الحديث في متنه نكارة شديدة. كيف يعرض على النبي صلى الله عليه و سلم ذنوب أمته فلم ير ذنباً أعظم من السورة أو الآية أوتيها الرجل فنسيها مع إجماع الأمة على أن لا ذنب أعظم من الشرك بالله عز و جل و الكفر به؟؟! ثم إن نسيان القرآن إذا لم يكن عن تقصير و إهمال – لا ذنب فيه أصلاً!
و الحديث ضعفه – مع من ذكر من الأئمة – ابن عبد البر و القرطبي و الحافظ ابن حجر و الألباني .
المطلب الثاني: غريبه:
"الْقَذَاة" - هو ما يَقَع في العين والماء والشَّراب من تُراب أو تِبْن أو وَسَخ أو غير ذلك, و الجمع: قَذًى
الفصل الثاني
دراسة فقهية
لا شك أن حفظ القرآن و عدم تعريضه للنسيان أمر مطلوب من كل من أقبل على كتاب الله تعالى. فهو دليل قوي و برهان ساطع على محبة العبد لكلام رب العالمين و شدة تعلقه به. و فضائل الحفظ و التلاوة أكثر من أن تحصى و ما يترتب على ذلك من الخيرات في الدنيا و البرزخ و يوم يقوم الناس لرب العالمين.
لكن على السائر في هذا الطريق أن يحذر من الانقطاع عن القراءة و مراجعة المحفوظ كيلا يكون ممن هجر القرآن و تركه ناسياً له غير مبالٍ. و قد حكى الله شكاية الرسول صلى الله عليه و سلم لربه هجران قومه القرآن, فقال سبحانه: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" , قوله "مهجوراً" – أي: أنه متروك بالكلية فلم يؤمنوا به و لم يرفعوا إليه رأساً و لم يتأثروا بوعيده و وعده. و في ذلك تلويحاً إلى أن الواجب على المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن كي لا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم فإن ظاهره ذم الهجر مطلقاً .
و قد حث النبي صلى الله عليه و سلم على تعاهد القرآن و حذر من نسيانه, فقال صلوات الله و سلامه عليه: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَت" . و قال صلى الله عليه وسلم : "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ, وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ" . و في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا" . يقول ابن كثير: "مضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلًَّا يعرضه حافظه للنسيان، فإن ذلك خطأ كبير، نسأل الله العافية منه" .
و عن عبدالرحمن بن شبل رضي الله عنه أنه قال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، فَإِذَا عَلِمْتُمُوهُ، فَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ" . "و لا تجفوا عنه" أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته, وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء . و المقصود أن المسلم يمتثل هذه الأوامر النبوية و يأخذ بهديه الكريم فلا يفرّط في هذا الجانب. و يسير على منهج السلف من الصحابة و التابعين و من سلك سبيلهم و يقتدي بهم في هذا الأمر و يقتفي آثارهم عسى الله أن يجعله ممن اتبع سبيلهم فيفوز في الدارين . و إن حدثته نفسه بالإشتغال بشيء آخر فليكن على علم بأن هذه "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ" . و لا ينبغي له أن يصرف همته و يبذل جهده في تحصيل شيء من ملذات هذه الدنيا و زخرفها و يترك الإشتغال بكلام رب العالمين حفظاً و تلاوة و عملاً, قال جل و علا: "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴿87﴾ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ". يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: "يقول تعالى لنبيه: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا عليهم في تكذيبهم لك، ومخالفتهم دينك... وقوله: "لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ", أي: استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية" .
و قد ورد عن السلف ذم نسيان القرآن و التحذير من هجره حتى يُنسى. يقول ابن المنادي : "ما زال السلف يرهبون نسيان القرآن بعد الحفظ لما في ذلك من النقص" . فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إني لأمقت القارئ أن أراه سمينًا نسيًا للقرآن" . و قال أبو العالية رحمه الله: "كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه" . و عن "محمد بن سيرين رحمه الله في الذي ينسى القرآن: كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا" . و قال طلق بن حبيب: "من تعلم القرآن ، ثم نسيه من غير عذر حط عنه بكل آية درجة ، وجاء يوم القيامة مخصوما" .و قال الضحاك بن مزاحم: "ما تعلم رجل القرآن، ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ الضحاك: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؟ " .
حكم نسيان القرآن:
قبل ذكر حكم نسيان القرآن لا بد أن نعرف أن نسيان القرآن نوعان:
النوع الأول: الذي ينشأ لاشتغاله بأمر دنيوي – ولا سيما إن كان محظوراً – حتى يؤدي بصاحبه إلى إهمال مراجعة القرآن و ترك تلاوته, و هذا هو المذموم الذي ورد فيه الوعيد.
النوع الثاني: الذي لا ينشأ عن تقصير و إهمال, و إنما هو ناتج عن ضعف الذاكرة أو تقدم السن أو الإشتغال بأمور لا طاقة له في دفعها, و لا سيما إن كان نسيانه عن اشتغال بأمر ديني كالجهاد, و كذا تعلم العلم الواجب أو المندوب, و مثله الإشتغال بتعليم العلوم الشرعية, فكل ذلك لا يدخل في هجر الحفظ المذموم. و قد نقل ابن رشد المالكي الإجماع على ذلك .
فإذا عُلم هذا سهل معرفة حكم المسألة. الذي يظهر أن نسيان القرآن الناشئ عن إهمال و تقصير إلى الكبيرة أقرب و يعد ذنباً عظيماً. و ذلك و إن لم يصح في الباب شيء إلا أنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه و سلم في حديث الرؤيا المتقدم في المبحث الأول "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ ", و الرفض هو الترك, و خاصة إذا جعلنا رواية محمد بن نصر المروزي مفسرة لهذه, و هي "رجل تعلم القرآن فنام عنه حتى نسيه لا يقرأ منه شيئا". و هذا إن حمل عليه, و إلا كلام الرسول صلى الله عليه و سلم عام. قال ابن هبيرة : "رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة, لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس" . و ذكر الحافظ من فوائد الحديث: "التحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة ، وعن رفض القرآن لمن يحفظه". قال القرطبي : "من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه ، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك ، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل ، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد" .
و ممن صرح بأنه كبيرة: النووي و السيوطي و ابن حجر الهيتمي و المناوي . و لم يزد شيخ الإسلام ابن تيمية على قوله: "فإن نسيان القرآن من الذنوب" .
يقول المناوي: " لأنه إنما نشأ عن تشاغله عنها بلهو أو فضول أو لاستخفافه بها وتهاونه بشأنها وعدم اكتراثه بأمرها فيعظم ذنبه عند الله لاستهانة العبد له بإعراضه عن كلامه... وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضاً منه وهذا لا يناقضه خبر : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان", لأن المعدود هنا ذنباً التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه .
فعلى هذا هو من الكبائر في حق المفرّط المعرض, و أما المقبل المعتني الحريص على المراجعة فلا إثم عليه إن حصل له النسيان. و قد سئل العلامة ابن عثيمين: "نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان ما حفظوه ؟" فأجاب قائلًا : نسيان القرآن له سببان:
الأول: ما تقتضيه الطبيعة.
والثاني: الإعراض عن القرآن وعدم المبالاة به.
فالأول لا يأثم به الإنسان ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس ونسي آية، فلما انصرف ذَكَّرَه بها أبي بن كعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا كنت ذكرتنيها", وسمع رسول الله قارئًا يقرأ، فقال: "يرحم الله فلانًا فقد ذكرني آية كنت أنسيتها". وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة ليس فيه لوم على الإنسان. أما ما سببه الإعراض وعدم المبالاة فهذا قد يأثم به . وبعض الناس يكيد له الشيطان ويوسوس له ألا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم، والله سبحانه وتعالى يقول: { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } فليحفظ الإنسان القرآن لأنه خير، وليؤمل عدم النسيان، والله سبحانه عند ظن عبده به" . و سئل: " لقد كنت أحفظ من القرآن الكريم ما يقارب من عشرة أجزاء ومنذ ثلاث سنوات نسيت ما كنت أحفظه إلا قليلاً وذلك بسبب دراستي فهل علي إثم في ذلك وهل أدخل في قوله تعالى "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدخل في هذه الآية لأن قوله تعالى "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا" المراد: فتركتها يعني فتركت العمل بها ولم ترفع بها رأسا ولم تر في مخالفتها بأسا هذا معنى النسيان هنا والنسيان يأتي بمعنى الترك كما في قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركهم لأن الرب عز وجل لا ينسى النسيان الذي هو ضد الذكر ولكن لا ينبغي لمن من الله عليه بحفظ القرآن أن يهمله حتى ينساه بل يحافظ عليه ويتعهده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك... فإذا أمكنك الآن وأرجو أن يمكنك أن تعيد ما مضى فإن استعادته سهلة فاستعن بالله والتفت إلى القرآن واستذكر ما نسيت واسأل الله أن يفتح عليك وأن يذكرك ما نسيت" .
المصادر و المراجع
1) القرآن الكريم
2) "أخبار مكة في قديم الدهر و حديثه", أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي, دراسة و تحقيق عبدالملك بن عبدالله بن دهيش, دار خضر, ط الثانية
3) "الإتقان في علوم القرآن", عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي, اعتنى به مصطفى شيخ مصطفى, مع الحكم على الأحاديث لشعيب الأرنؤوط, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
4) "التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد", أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي, تحقيق مصطفى بن أحمد العلوى و محمد عبد الكبير البكرى, الناشر مؤسسة القرطبة
5) "الجامع لأحكام القرآن", أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي, تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
6) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع", أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي, خرج أحاديثه و علق عليه صلاح بن عويضة, دار الكتب العلمية, ط الاولى
7) "الزهد", أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني, طبعة محمد عبدالسلام شاهين, دار الكتب العلمية, ط الاولى
"الزواجر عن اقتراف الكبائر", أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي, تخريج عبداللطيف حسن عبدالرحمن, دار الكتب العلمية, ط الاولى
9) "السنن الكبرى", أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي, تحقيق حسن عبد المنعم شبلي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
10) السنن الكبرى", أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي, و في ذيله "الجوهر النقي" لعلاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني, دار الفكر
11) "الطبقات الكبرى", محمد بن سعد أبو عبد الله البصري, تحقيق محمد عبدالقادر عطاء, دار الكتب العلمية, ط الثانية
12) "العباب الزاخر واللباب الفاخر", الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني, النسخة للشاملة
13) "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية", أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي , قدم له و ضبطه خليل الميس, دار الكتب العلمية, ط الاولى
14) "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة", شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي, تحقيق محمد عوامة و أحمد محمد نهر الخطيب, دار اليسر و دار المنهاج, ط الثانية
15) "الكفاية في علم الرواية", أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي, إدارة جمعية دائرة المعارف العثمانية, حيدر آباد الدكن, سنة 1357ﮬ
16) "المعجم الأوسط", أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, تحقيق طارق بن عوض الله و عبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني, الناشر دار الحرمين
17) "النهاية في غريب الحديث والأثر", أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير, تحقيق خليل مأمون شيحا, دار المعرفة, ط الثانية
1 "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس", أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني, تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري و محمد أحمد عبدالعزيز, دار الكتب العلمية, ط الاولى
19) "تفسير القرآن العظيم", أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي, تحقيق مصطفى السيد محمد و محمد السيد رشاد و الثلاثة الآخرون, مؤسسة قرطبة و مكتبة أولاد الشيخ للتراث, ط الاولى
20) "تقريب التهذيب", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, تحقيق محمد عوامة, دار اليسر و دار المنهاج, ط الثامنة
21) "تهذيب التهذيب", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, دار صادر بيروت, بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية, حيدر آباد الدكن, سنة 1326 هجرية, ط الاولى
22) "تهذيب الكمال", يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي, تحقيق بشار عواد معروف, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
23) "روح المعاني", شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي, إدارة الطباعة المنيرية, دار إحياء التراث العربي
24) "روضة الطالبين و عمدة المفتين", أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي, تحقيق علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود, دار عالم الكتب, طبعة خاصة
26) "سلسلة الأحاديث الصحيحة", محمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر و التوزيع, ط الاولى
27) "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة", محمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر و التوزيع, ط الاولى
2 "سنن ابن ماجه", ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني, تخريج و عناية صدقي جميل العطار, دار الفكر, ط الاولى
29) "سنن أبي داود", أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, تحقيق شعيب الأرنؤوط و محمد كامل بللي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
30) "سنن الترمذي", محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي, تحقيق أحمد شاكر و آخرون, مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر, ط الثانية
31) "سير أعلام النبلاء", شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي, تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, ط الثالثة
32) "شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية", مساعد بن سليمان الطيار, دار ابن الجوزي, ط الثانية
33) "شرح السنة", الحسين بن مسعود البغوي, تحقيق علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود, دار الكتب العلمية, ط الثانية
34) "صحيح البخاري", ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري, اعتنى به عز الدين ضلي و عماد الطيار و ياسر حسن, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
35) "صحيح مسلم", أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري, اعتنى به عز الدين ضلي و عماد الطيار و ياسر حسن, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
36) "ضعيف سنن أبي داود", محمد ناصر الدين الألباني, مؤسسة غراس للنشر و التوزيع, ط الاولى
37) "عمدة القارئ", بدرالدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني, ضبطه و صححه عبدالله محمود محمد عمر, دار الكتب العلمية, ط الأولى
3 "غريب الحديث", أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي, تحقيق حسين محمد محمد شرف, القاهرة, الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية, 1409 ﮬ
39) "فتاوى ابن رشد", أبو الوليد محمد بن حمد القرطبي المالكي, جمع و تحقيق المختار بن الطاهر التليلي, دار الغرب الإسلامي, لبنان- بيروت, ط الاولى
40) "فتح الباري", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, طبعة دار السلام بالرياض, ط الاولى
42) "فيض القدير", زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي المناوي, دار المعرفة للطباعة و النشر, ط الثانية
43) "كتاب العلم", محمد بن صالح بن محمد العثيمين, إعداد فهد بن ناصر السليمان, دار الثريا للنشر, ط الاولى
45) "مجموع الفتاوى", تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الدمشقي, اعتنى بها و خرج أحاديثها عامر الجزار و أنور الباز, دار الوفاء, ط الاولى
46) "مختصر قيام الليل", محمد بن نصر المروزي, الاختصار: المقريزي, دار الكتب العلمية, ط الاولى
47) "مسند أبي يعلى الموصلي", أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي, تحقيق حسين سليم أسد, دار المأمون التراث, ط الاولى
4 "مسند الإمام أحمد", أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني, تحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد ، وآخرون, إشراف : د عبد الله بن عبد المحسن التركي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
49) "مشارق الأنوار على صحيح الآثار", القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي, قدم له و خرج آحاديثه إبراهيم شمس الدين, دار الكتب العلمية, ط الأولى
50) "مصنف ابن أبي شيبة", أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي, تحقيق حمد بن عبدالله الجمعة و محمد بن إبراهيم اللحيدان, مكتبة الرشد, ط الاولى
51) "مصنف عبدالرزاق", أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني, تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي, توزيع المكتب الإسلامي, ط الثانية
أما بعد: فإنه لا يخفى مكانة القرآن الكريم و منزلته بين سائر الكتب المنزلة من عند الله تعالى, ﻓ"هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن كثرة الترديد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء, من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم ومن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله" .
و هذا الكتاب العظيم محفوظ في صدور العلماء حقاً, ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ . أي: ليس هذا القرآن كما يقوله المبطلون من أنه سحر أو شعر، ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه. وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون به، يحفظونه ويقرءونه. ووصفهم بالعلم، لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله وكلام البشر والشياطين . يحفظه العلماء، يَسَّره الله عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ . فهو يسير على من يسره الله تعالى, إلا أنه إذا لم يُتعاهد ذهب ما كان يحفظ منه. و لعل الحكمة في سرعة ذهابه و نسيانه هو ربط العباد بكلام رب العباد كي يحافظوا عليه تلاوةً و حفظاً فيحصلوا على أجر عظيم. كيف لا و هو كلام رب العالين!
و في هذا البحث أتناول بالدراسة الحديثين وردا في الوعيد لمن نسي القرآن بعد حفظه, أحدهما في الصحيحين - و ليس بصريح - , و الثاني في غيرهما - و ليس بصحيح - .
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة و فصلين.
المقدمة: و فيها بيان خطة البحث, و المنهج المتبع فيه.
الفصل الأول: دراسة الحديثين الواردين في ذم من نسي القرآن بعد أن حفظه, و فيه مبحثان:
المبحث الأول: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ", و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه
المطلب الثاني: غريبه
المبحث الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا", و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه
المطلب الثاني: غريبه
الفصل الثاني: دراسة فقهية
منهج البحث:
1) جمعت طرق الحديث من مصادر السنة المختلفة
2) عزوت الآيات الواردة في البحث إلى مواضعها من المصحف الكريم, ذاكراً اسم السورة و رقم الآية
3) خرجت الحديثين المراد دراستهما من كتب السنة المسندة – غير مستوعبٍ –
4) ترجمت لرواة أسانيد الحديث الثاني
5) ترجمت لبعض الأعلام غير المشهورين الذين ورد ذكرهم أثناء البحث
6) وثقت النقول من مصادرها الأصلية
7) بينت معاني الكلمات الغريبة
وضعت قائمة المصادر و المراجع
الفصل الأول
دراسة الحديثين الواردين في ذم من نسي القرآن بعد أن حفظه
و فيه مبحثان:
المبحث الأول
﴿حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ"﴾
و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه:
هو حديث طويل أخرجه البخاري , و مسلم , و الترمذي , و النسائي و الإمام أحمد من طرق عن جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عن سَمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. و لفظ الحديث – كما في البخاري- : "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ قَالَ : فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَاهُنَا ، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى ، قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللهِ ، مَا هَذَانِ ؟ قَالَ : قَالاَ لِي : انْطَلِقْ...الخ و فيه: "أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُِضُهُ ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ" الحديث. و في لفظ لأحمد: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ مُسْتَلْقِيًا، فَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِالنَّهَارِ، فَهُوَ يُفْعَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
و أخرجه محمد بن نصر المروزي من طريق أبي خلدة عن أبي رجاء عن سمرة بلفظ آخر: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فقال : إني رأيت الليلة رؤيا ، بينا أنا نائم إذ جاء رجل فقال لي : قم ، فقمت ، فقال : امض أمامك ، فمضيت ، فإذا أنا برجلين رجل نائم ، وآخر قائم ، فإذا هو يجيء بحجارة فيضرب بها رأس النائم فيشدخه فإلى أن يجيء بحجر آخر قد ارتد رأسه كما كان ، قلت : سبحان الله : ما هذا ؟ قال : رجل تعلم القرآن فنام عنه حتى نسيه لا يقرأ منه شيئا ، كلما رقد في القبر أوقذه بالحجارة".
المطلب الثاني: غريبه:
قوله " فَيثْلَغُ رَأْسهُ" - يعني يشدخه، يقال: ثلغت رأسه فأنا أثلغه ثلغا إذا شدخته, وقيل هو ضَرْبُك الشَّيء الرَّطْبَ بالشيء اليابس حتى يَنْشَدِخ. و الثَّلْغُ: الهَشْم, والمُثَلَّغ من الرطب أو التمر: الذي أصابه المطر فأسقطه ودقَّه، يقال: تَنَاثَرَت الثمار فَثُلِّغَت, والانْثِلاَغُ: الانْشدَاخُ .
قوله " فَيَتَدَهْدَه " - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا هَاء سَاكِنَة, يعني يتدحرج, يقال منه: تدهدا الحجر وغيره تدهديا إذا تدحرج ودَهديته أنا أدَهديه دهداة ودهداء إذا دحرجته. وَالْمُرَاد أَنَّهُ دَفَعَهُ مِنْ عُلْو إِلَى أَسْفَل ، وَتَدَهْدَهَ إِذَا انْحَطَّ .
قوله " فَيَرْفُِضُهُ" - بِكَسْرِ الْفَاء وَضَمّهَا, أي يتركه
المبحث الثاني
﴿حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا"﴾
و فيه مطلبان:
المطلب الأول: تخريجه:
أخرجه الترمذي , و أبو داود , و أبو يعلى الموصلي , و الفاكهي , و أبو عبيد القاسم بن سلام , و البيهقي , و الخطيب , و البغوي , و غيرهم من طريق عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن حنطب عن أنس بن مالك.
و أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن أنس.
و أخرجه الطبراني من طريق محمد بن يزيد الآدمي عن ابن أبي رواد عن ابن جريج عن الزهري عن أنس.
رجال إسناده موثقون إلا أن الحديث ضعيف لأربع علل:
الأولى: تدليس ابن جريج . قال عبد الله بن علي بن المديني: "سألت أبي عن حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن بن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد", قال: "ابن جريج لم يسمع من المطلب بن عبد الله بن حنطب كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى عنه" . و قال الدارقطني: "كان يدلسه عن ابن ميسرة وغيره من الضعفاء" .
الثانية: المطلب لم يسمع من أنس. قال الترمذي بعد إخراجه للحديث: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه قال محمد: "ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إلا قوله: "حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه و سلم", قال: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: "لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم, قال عبد الله: "وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس" .
الثالثة: الاختلاف في إسناده على ابن أبي رواد و على ابن جريج.
الرابعة: و هي علة في المتن, فإن الحديث في متنه نكارة شديدة. كيف يعرض على النبي صلى الله عليه و سلم ذنوب أمته فلم ير ذنباً أعظم من السورة أو الآية أوتيها الرجل فنسيها مع إجماع الأمة على أن لا ذنب أعظم من الشرك بالله عز و جل و الكفر به؟؟! ثم إن نسيان القرآن إذا لم يكن عن تقصير و إهمال – لا ذنب فيه أصلاً!
و الحديث ضعفه – مع من ذكر من الأئمة – ابن عبد البر و القرطبي و الحافظ ابن حجر و الألباني .
المطلب الثاني: غريبه:
"الْقَذَاة" - هو ما يَقَع في العين والماء والشَّراب من تُراب أو تِبْن أو وَسَخ أو غير ذلك, و الجمع: قَذًى
الفصل الثاني
دراسة فقهية
لا شك أن حفظ القرآن و عدم تعريضه للنسيان أمر مطلوب من كل من أقبل على كتاب الله تعالى. فهو دليل قوي و برهان ساطع على محبة العبد لكلام رب العالمين و شدة تعلقه به. و فضائل الحفظ و التلاوة أكثر من أن تحصى و ما يترتب على ذلك من الخيرات في الدنيا و البرزخ و يوم يقوم الناس لرب العالمين.
لكن على السائر في هذا الطريق أن يحذر من الانقطاع عن القراءة و مراجعة المحفوظ كيلا يكون ممن هجر القرآن و تركه ناسياً له غير مبالٍ. و قد حكى الله شكاية الرسول صلى الله عليه و سلم لربه هجران قومه القرآن, فقال سبحانه: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" , قوله "مهجوراً" – أي: أنه متروك بالكلية فلم يؤمنوا به و لم يرفعوا إليه رأساً و لم يتأثروا بوعيده و وعده. و في ذلك تلويحاً إلى أن الواجب على المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن كي لا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم فإن ظاهره ذم الهجر مطلقاً .
و قد حث النبي صلى الله عليه و سلم على تعاهد القرآن و حذر من نسيانه, فقال صلوات الله و سلامه عليه: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَت" . و قال صلى الله عليه وسلم : "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ, وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ" . و في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا" . يقول ابن كثير: "مضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده؛ لئلًَّا يعرضه حافظه للنسيان، فإن ذلك خطأ كبير، نسأل الله العافية منه" .
و عن عبدالرحمن بن شبل رضي الله عنه أنه قال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، فَإِذَا عَلِمْتُمُوهُ، فَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ" . "و لا تجفوا عنه" أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته, وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء . و المقصود أن المسلم يمتثل هذه الأوامر النبوية و يأخذ بهديه الكريم فلا يفرّط في هذا الجانب. و يسير على منهج السلف من الصحابة و التابعين و من سلك سبيلهم و يقتدي بهم في هذا الأمر و يقتفي آثارهم عسى الله أن يجعله ممن اتبع سبيلهم فيفوز في الدارين . و إن حدثته نفسه بالإشتغال بشيء آخر فليكن على علم بأن هذه "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ" . و لا ينبغي له أن يصرف همته و يبذل جهده في تحصيل شيء من ملذات هذه الدنيا و زخرفها و يترك الإشتغال بكلام رب العالمين حفظاً و تلاوة و عملاً, قال جل و علا: "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴿87﴾ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ". يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: "يقول تعالى لنبيه: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا عليهم في تكذيبهم لك، ومخالفتهم دينك... وقوله: "لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ", أي: استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية" .
و قد ورد عن السلف ذم نسيان القرآن و التحذير من هجره حتى يُنسى. يقول ابن المنادي : "ما زال السلف يرهبون نسيان القرآن بعد الحفظ لما في ذلك من النقص" . فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إني لأمقت القارئ أن أراه سمينًا نسيًا للقرآن" . و قال أبو العالية رحمه الله: "كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه" . و عن "محمد بن سيرين رحمه الله في الذي ينسى القرآن: كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا" . و قال طلق بن حبيب: "من تعلم القرآن ، ثم نسيه من غير عذر حط عنه بكل آية درجة ، وجاء يوم القيامة مخصوما" .و قال الضحاك بن مزاحم: "ما تعلم رجل القرآن، ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ الضحاك: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}ثم قال الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؟ " .
حكم نسيان القرآن:
قبل ذكر حكم نسيان القرآن لا بد أن نعرف أن نسيان القرآن نوعان:
النوع الأول: الذي ينشأ لاشتغاله بأمر دنيوي – ولا سيما إن كان محظوراً – حتى يؤدي بصاحبه إلى إهمال مراجعة القرآن و ترك تلاوته, و هذا هو المذموم الذي ورد فيه الوعيد.
النوع الثاني: الذي لا ينشأ عن تقصير و إهمال, و إنما هو ناتج عن ضعف الذاكرة أو تقدم السن أو الإشتغال بأمور لا طاقة له في دفعها, و لا سيما إن كان نسيانه عن اشتغال بأمر ديني كالجهاد, و كذا تعلم العلم الواجب أو المندوب, و مثله الإشتغال بتعليم العلوم الشرعية, فكل ذلك لا يدخل في هجر الحفظ المذموم. و قد نقل ابن رشد المالكي الإجماع على ذلك .
فإذا عُلم هذا سهل معرفة حكم المسألة. الذي يظهر أن نسيان القرآن الناشئ عن إهمال و تقصير إلى الكبيرة أقرب و يعد ذنباً عظيماً. و ذلك و إن لم يصح في الباب شيء إلا أنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه و سلم في حديث الرؤيا المتقدم في المبحث الأول "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ ", و الرفض هو الترك, و خاصة إذا جعلنا رواية محمد بن نصر المروزي مفسرة لهذه, و هي "رجل تعلم القرآن فنام عنه حتى نسيه لا يقرأ منه شيئا". و هذا إن حمل عليه, و إلا كلام الرسول صلى الله عليه و سلم عام. قال ابن هبيرة : "رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة, لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس" . و ذكر الحافظ من فوائد الحديث: "التحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة ، وعن رفض القرآن لمن يحفظه". قال القرطبي : "من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه ، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك ، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل ، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد" .
و ممن صرح بأنه كبيرة: النووي و السيوطي و ابن حجر الهيتمي و المناوي . و لم يزد شيخ الإسلام ابن تيمية على قوله: "فإن نسيان القرآن من الذنوب" .
يقول المناوي: " لأنه إنما نشأ عن تشاغله عنها بلهو أو فضول أو لاستخفافه بها وتهاونه بشأنها وعدم اكتراثه بأمرها فيعظم ذنبه عند الله لاستهانة العبد له بإعراضه عن كلامه... وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضاً منه وهذا لا يناقضه خبر : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان", لأن المعدود هنا ذنباً التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه .
فعلى هذا هو من الكبائر في حق المفرّط المعرض, و أما المقبل المعتني الحريص على المراجعة فلا إثم عليه إن حصل له النسيان. و قد سئل العلامة ابن عثيمين: "نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان ما حفظوه ؟" فأجاب قائلًا : نسيان القرآن له سببان:
الأول: ما تقتضيه الطبيعة.
والثاني: الإعراض عن القرآن وعدم المبالاة به.
فالأول لا يأثم به الإنسان ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس ونسي آية، فلما انصرف ذَكَّرَه بها أبي بن كعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا كنت ذكرتنيها", وسمع رسول الله قارئًا يقرأ، فقال: "يرحم الله فلانًا فقد ذكرني آية كنت أنسيتها". وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة ليس فيه لوم على الإنسان. أما ما سببه الإعراض وعدم المبالاة فهذا قد يأثم به . وبعض الناس يكيد له الشيطان ويوسوس له ألا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم، والله سبحانه وتعالى يقول: { فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } فليحفظ الإنسان القرآن لأنه خير، وليؤمل عدم النسيان، والله سبحانه عند ظن عبده به" . و سئل: " لقد كنت أحفظ من القرآن الكريم ما يقارب من عشرة أجزاء ومنذ ثلاث سنوات نسيت ما كنت أحفظه إلا قليلاً وذلك بسبب دراستي فهل علي إثم في ذلك وهل أدخل في قوله تعالى "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدخل في هذه الآية لأن قوله تعالى "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا" المراد: فتركتها يعني فتركت العمل بها ولم ترفع بها رأسا ولم تر في مخالفتها بأسا هذا معنى النسيان هنا والنسيان يأتي بمعنى الترك كما في قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركهم لأن الرب عز وجل لا ينسى النسيان الذي هو ضد الذكر ولكن لا ينبغي لمن من الله عليه بحفظ القرآن أن يهمله حتى ينساه بل يحافظ عليه ويتعهده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك... فإذا أمكنك الآن وأرجو أن يمكنك أن تعيد ما مضى فإن استعادته سهلة فاستعن بالله والتفت إلى القرآن واستذكر ما نسيت واسأل الله أن يفتح عليك وأن يذكرك ما نسيت" .
المصادر و المراجع
1) القرآن الكريم
2) "أخبار مكة في قديم الدهر و حديثه", أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي, دراسة و تحقيق عبدالملك بن عبدالله بن دهيش, دار خضر, ط الثانية
3) "الإتقان في علوم القرآن", عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي, اعتنى به مصطفى شيخ مصطفى, مع الحكم على الأحاديث لشعيب الأرنؤوط, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
4) "التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد", أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي, تحقيق مصطفى بن أحمد العلوى و محمد عبد الكبير البكرى, الناشر مؤسسة القرطبة
5) "الجامع لأحكام القرآن", أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي, تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
6) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع", أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي, خرج أحاديثه و علق عليه صلاح بن عويضة, دار الكتب العلمية, ط الاولى
7) "الزهد", أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني, طبعة محمد عبدالسلام شاهين, دار الكتب العلمية, ط الاولى
"الزواجر عن اقتراف الكبائر", أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي, تخريج عبداللطيف حسن عبدالرحمن, دار الكتب العلمية, ط الاولى
9) "السنن الكبرى", أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي, تحقيق حسن عبد المنعم شبلي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
10) السنن الكبرى", أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي, و في ذيله "الجوهر النقي" لعلاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني, دار الفكر
11) "الطبقات الكبرى", محمد بن سعد أبو عبد الله البصري, تحقيق محمد عبدالقادر عطاء, دار الكتب العلمية, ط الثانية
12) "العباب الزاخر واللباب الفاخر", الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني, النسخة للشاملة
13) "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية", أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي , قدم له و ضبطه خليل الميس, دار الكتب العلمية, ط الاولى
14) "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة", شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي, تحقيق محمد عوامة و أحمد محمد نهر الخطيب, دار اليسر و دار المنهاج, ط الثانية
15) "الكفاية في علم الرواية", أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي, إدارة جمعية دائرة المعارف العثمانية, حيدر آباد الدكن, سنة 1357ﮬ
16) "المعجم الأوسط", أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, تحقيق طارق بن عوض الله و عبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني, الناشر دار الحرمين
17) "النهاية في غريب الحديث والأثر", أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير, تحقيق خليل مأمون شيحا, دار المعرفة, ط الثانية
1 "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس", أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني, تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري و محمد أحمد عبدالعزيز, دار الكتب العلمية, ط الاولى
19) "تفسير القرآن العظيم", أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي, تحقيق مصطفى السيد محمد و محمد السيد رشاد و الثلاثة الآخرون, مؤسسة قرطبة و مكتبة أولاد الشيخ للتراث, ط الاولى
20) "تقريب التهذيب", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, تحقيق محمد عوامة, دار اليسر و دار المنهاج, ط الثامنة
21) "تهذيب التهذيب", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, دار صادر بيروت, بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية, حيدر آباد الدكن, سنة 1326 هجرية, ط الاولى
22) "تهذيب الكمال", يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي, تحقيق بشار عواد معروف, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
23) "روح المعاني", شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي, إدارة الطباعة المنيرية, دار إحياء التراث العربي
24) "روضة الطالبين و عمدة المفتين", أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي, تحقيق علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود, دار عالم الكتب, طبعة خاصة
26) "سلسلة الأحاديث الصحيحة", محمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر و التوزيع, ط الاولى
27) "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة", محمد ناصر الدين الألباني, مكتبة المعارف للنشر و التوزيع, ط الاولى
2 "سنن ابن ماجه", ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني, تخريج و عناية صدقي جميل العطار, دار الفكر, ط الاولى
29) "سنن أبي داود", أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, تحقيق شعيب الأرنؤوط و محمد كامل بللي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
30) "سنن الترمذي", محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي, تحقيق أحمد شاكر و آخرون, مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر, ط الثانية
31) "سير أعلام النبلاء", شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي, تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط, مؤسسة الرسالة, ط الثالثة
32) "شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية", مساعد بن سليمان الطيار, دار ابن الجوزي, ط الثانية
33) "شرح السنة", الحسين بن مسعود البغوي, تحقيق علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود, دار الكتب العلمية, ط الثانية
34) "صحيح البخاري", ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري, اعتنى به عز الدين ضلي و عماد الطيار و ياسر حسن, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
35) "صحيح مسلم", أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري, اعتنى به عز الدين ضلي و عماد الطيار و ياسر حسن, مؤسسة الرسالة ناشرون, ط الاولى
36) "ضعيف سنن أبي داود", محمد ناصر الدين الألباني, مؤسسة غراس للنشر و التوزيع, ط الاولى
37) "عمدة القارئ", بدرالدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني, ضبطه و صححه عبدالله محمود محمد عمر, دار الكتب العلمية, ط الأولى
3 "غريب الحديث", أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي, تحقيق حسين محمد محمد شرف, القاهرة, الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية, 1409 ﮬ
39) "فتاوى ابن رشد", أبو الوليد محمد بن حمد القرطبي المالكي, جمع و تحقيق المختار بن الطاهر التليلي, دار الغرب الإسلامي, لبنان- بيروت, ط الاولى
40) "فتح الباري", أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني, طبعة دار السلام بالرياض, ط الاولى
42) "فيض القدير", زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي المناوي, دار المعرفة للطباعة و النشر, ط الثانية
43) "كتاب العلم", محمد بن صالح بن محمد العثيمين, إعداد فهد بن ناصر السليمان, دار الثريا للنشر, ط الاولى
45) "مجموع الفتاوى", تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الدمشقي, اعتنى بها و خرج أحاديثها عامر الجزار و أنور الباز, دار الوفاء, ط الاولى
46) "مختصر قيام الليل", محمد بن نصر المروزي, الاختصار: المقريزي, دار الكتب العلمية, ط الاولى
47) "مسند أبي يعلى الموصلي", أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي, تحقيق حسين سليم أسد, دار المأمون التراث, ط الاولى
4 "مسند الإمام أحمد", أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني, تحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد ، وآخرون, إشراف : د عبد الله بن عبد المحسن التركي, مؤسسة الرسالة, ط الاولى
49) "مشارق الأنوار على صحيح الآثار", القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي, قدم له و خرج آحاديثه إبراهيم شمس الدين, دار الكتب العلمية, ط الأولى
50) "مصنف ابن أبي شيبة", أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي, تحقيق حمد بن عبدالله الجمعة و محمد بن إبراهيم اللحيدان, مكتبة الرشد, ط الاولى
51) "مصنف عبدالرزاق", أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني, تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي, توزيع المكتب الإسلامي, ط الثانية
تعليق