قال تعالى في مطلع سورة الإسراء في الآية الثانية:
1-﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً﴾
فبيَّن سبحانه أنه إنما أرسل الرُّسل وأنزل الكتب لكي يُوحَّد سبحانه ويُتَّخذ وحده وكيلا،
فهو الحي الذي لا يموت، كامل في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، بيده كل شيء،
فلا يستحق أن يُتَّخذ غيره وكيلًا من دونه فإنّ غيره ناقص من كل وجه.
ثم ذكَّر سبحانه عباده بأنه هو سبحانه الوكيل، وذلك في أربع آيات أخرى في نفس السورة:
2-﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ آية: 54
3-﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ آية: 65
4- ﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾ آية: 68
5-﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ آية: 86
ومَن تدبَّر السورة كاملة يجد من صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى ما يجعل توكُّله عليه أقوى، فإنه سبحانه يعرِّفنا بنفسه في آياته وأنه عظيم قوي حكيم رحيم، وأفعاله كلها حمد وكمال، فتبارك الله رب العالمين.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
«حقيقة التوكل: توحيد القلب.
فما دامتْ فيه علائق الشرك ، فتوكله معلول مدخول .
وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل ،
فإن العبد متى التفت إلى غير الله [في صغير الأمور أوكبيرها، كأن ترجو من أحد إحسانا في أمرٍ ما، ويلتفت قلبك إليه ترجو أن يُحسن إليك، ولا يوحِّد قلبك توكله على الله الذي بيده الأمر والقادر على تسخيره لك واستخراج الخير منه إليك، فيُقصِّر القلب في التوكل واللسان عن الدعاء بسبب عدم تحقيق التوحيد لله؛ الناتج عن تقصير في معرفة الله وصفاته الجليلة] أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه،
فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة، ومن هاهنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب . وهذا حق؛ لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح .
فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب، وتعلق الجوارح بها. فيكون منقطعا منها متصلا بها . والله سبحانه وتعالى أعلم» .
[مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين / فصل: منزلة التوكل؛ بتصرف: فما بين المعكوفتين مثال من عندي للتوضيح]