السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " الأحزاب(5
{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا}
أي: ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، {فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}أي: وزر كذب وفرية شنعية، {وَإِثْماً مُّبِيناً} أي: بَيِّنٌ لسامعه أنه إثم وزور. والبهتان أفحش الكذب وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص
-قال مجاهد في قوله {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا}.أي يَقْفُونَ فيهم بغير ما عملوا.
و قال السيوطي في الدرر المنثور في تفسير الآية السابقة:
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: يقعون {بِغَيْر مَا اكتسبوا} يَقُول: بِغَيْر مَا علمُوا {فقد احتملوا بهتاناً} قَالَ: إِثْمًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يلقى الجرب على أهل النَّار فيحكون حَتَّى تبدو الْعِظَام فَيَقُولُونَ: رَبنَا بِمَ أَصَابَنَا هَذَا فَيُقَال: بأذاكم الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي
الْآيَة قَالَ: إيَّاكُمْ وأذى الْمُؤمنِينَ فَإِن الله يحوطهم ويغضب لَهُم وَقد زَعَمُوا أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَهَا ذَات يَوْم فأفزعه ذَلِك حَتَّى ذهب إِلَى أُبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذر إِنِّي قَرَأت آيَة من كتاب الله تَعَالَى فَوَقَعت مني كل موقع {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} وَالله إِنِّي لأعاقبهم وأضربهم فَقَالَ لَهُ: إِنَّك لست مِنْهُم إِنَّمَا أَنْت معلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنِّي لأبغض فلَانا فَقيل للرجل: مَا شَأْن عمر رَضِي الله عَنهُ يبغضك فَلَمَّا أَكثر الْقَوْم فِي الذّكر جَاءَ فَقَالَ: يَا عمر أفتقت فِي الإِسلام فتقاً قَالَ: لَا
قَالَ: فجنيت جِنَايَة قَالَ: لَا
قَالَ: أحدثت حَدثا قَالَ: لَا
قَالَ: فعلام تبغضني وَقد قَالَ الله {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مُبينًا} فقد آذيتني فَلَا غفرها الله لَك
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدق وَالله مَا فتق فتقاً وَلَا وَلَا فاغفرها لي فَلم يزل بِهِ حَتَّى غفرها لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} إِلَى قَوْله {وإثماً مُبينًا} قَالَ: فَكيف بِمن أحسن إِلَيْهِم يُضَاعف لَهُم الْأجر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن يسر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ منَّا ذُو حسد وَلَا نميمة وَلَا خِيَانَة وَلَا إهانة ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه أَي الرِّبَا أربى عِنْد الله قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أربى الرِّبَا عِنْد الله استحلال عرض امرىء مُسلم ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا}
و قال السعدي رحمه الله تعالى:
وإن كانت أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيمًا، ولهذا قال فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى {فَقَدِ احْتَمَلُوا} على ظهورهم {بُهْتَانًا} حيث آذوهم بغير سبب {وَإِثْمًا مُبِينًا} حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها..
فائدة
في بيان محبة الله تعالى للمؤمنين قول الله تعالى في الحديث القدسي
في بيان محبة الله تعالى للمؤمنين قول الله تعالى في الحديث القدسي
((وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)) ؛ رواه البخاري.
ولأجل هذه المحبة العظيمة من الله تعالى لعبده المؤمن؛ كان من كبائر الذنوب قصد المؤمن بما يسوؤه ويؤذيه، سواء كان الأذى حسيا بالقتل أو الضرب أو الحبس أو التعذيب ونحوه، أو كان التعذيب بالقول كالشتم واللعن والغيبة والنميمة والبهتان والتعيير وشبهه.
وقد يكون الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثرا في الناس؛ لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء، ولا سيما إن كان كذبا وبهتانا، وفيه يقول الله تعالى ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء:112] وفي آية أخرى ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف:152]
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)) رواه مسلم.
وإنما حرمت الغيبة لما فيها من الأذى المعنوي، وأعظم منها البهتان؛ لأنه جمع بين الكذب والغيبة.
نسأل الله العافية.
تعليق